رأى رئيس الهيئة التنفيذية في “حركة أمل” مصطفى الفوعاني خلال ندوة فكرية لمناسبة الذكرى الرابعة والأربعين لشهادة الإمام محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى بعنوان: “رؤية الصدرين وأوجه الشبه في آليات العمل والتغيير”.
وقال: “تشاء العناية الإلهية ان تجتمع ذكرى شهادة الإمام محمد باقر الصدر في أواخر أيام شهر رمضان المبارك وعلى أبواب عيد الفطر. الشهيد الصدر من الذين بذلوا جهدًا عظيمًا في ربط الأمة بفكر أهل البيت وصولا إلى الفكر الانساني الراقي … وتمهيدًا للدخول نستحضر كلاما للشهيد الصدر إذ يقول: “ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﺶ ﻣﻌﺎً ﻟﺤﻈﺎﺕ ﺑﻘﻠﻮﺑﻨﺎ ﻻ ﺑﻌﻘﻮﻟﻨﺎ ﻓﻘﻂ، ﺑﻮﺟﺪﺍﻧﻨﺎ. ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﺽ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻧﻌﺮﺽ ﺻﺪﻭﺭﻧﺎ، ﻟﻤﻦ ﻭﻻﺅﻫﺎ؟ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺴﻮﺩﻫﺎ ﻭﻳﺴﺘﻘﻄﺒﻬﺎ؟ والامام القائد السيد موسى الصدر يرى في فهم عميق لمفهوم الصيام: “أيّها المؤمنون هل نجد في صومنا آثاره وفي صلاتنا معراجها؟! هل تعيشون في فطركم وأضحاكم معاني الأعياد وفعاليّتها؟! هل نتفاعل جميعاً مع الشعائر ونتأثّر بالأماكن، وهل وجدنا في “الأقصى” و”القيامة” معاني كانت تتوفّر لأمّتنا حتّى إذا طُعِنّا فيهما نعيش خسارتهما ومحنتهما؟!”
ورأى أن “الشهيد محمد باقر الصدر غني عن التعريف وفي مؤلفاته ما يشهد على نبوغ متفرد, وفي سيرته الشخصية ارتقاء الى مستوى الانسان”. وقال: “أورد منقبة من مناقبه يتجلى من خلالها كيف واءم الشهيد الصدر بين النظرية والتطبيق من خلال سلوكهن حيث كان الشهيد الصدر يمتلك منزلاً متواضعاً احتلت الكتب مساحات كبيرة فيه, وزهد في الدنيا وهي مقبلة عليه, لم يلبس عباءة فاخرة بل كان يوزع ما يأتيه من هدايا على الفقراء وعلى طلبة العلم، وكأننا بصوت الامام علي يخاطبه ويخاطبنا “يا دنيا غرِّي غيري”. “فزت ورب الكعبه ”
وشددَ الفوعاني أن “الشهيد الصدر لم يهادن ظالماً بل نازله على ساحة الفكر وصولاً الى أرقى أنواع المنازلة، شهادة الدم دون ان يخرج عن خطه الانساني بل قدم حياته قرباناً للفكر الذي سعى إلى حفظ الانسان وكرامته وبذلك يلتقي الشهيد الصدر مع الامام موسى الصدر برؤيوية واحدة (اجتمعنا من أجل الانسان)”.
ولفت الى أن “مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر تربو على الثلاثين مؤلفاً وقد قيل فيه أنه مؤسس مدرسة فكرية اسلامية اصيلة تتسم بالشمول من حيث المشكلات التي عنيت بها ميادين البحث وعنيت مؤلفاته بطرح التصور الواعي لمشاكل الانسان المعاصر”.
وقال: “كما وطرح اشكالية متعلقة بالفهم الواعي, الفهم الحركي الأصيل للوجود وكيف التقى هذا الفهم مع ما كان الامام موسى الصدر قد طرحه منذ ستينات القرن الماضي ضمن مفهوم: “الاسلام القرآني” الإنسان الواعي للحياة والمستقبل.. وهو الإسلام القرآني الذي رسم معالم الحياة الحقيقية بعيدًا عن العقلية الضيقة والافق المسدود”.
وفي مداخلته، دمج الفوعاني “رؤية الشهيد الصدر ورؤية الامام موسى الصدر للاسلام كنظرة تقود الحياة في ظل ما نشهده اليوم من تشويه متعمد لصورة الاسلام على يد إرهاب تكفيري وما يصاحبه من همجية في القتل والسلب والنهب والسبي …. يقابله تلهٍ متعمد ونبش لقراءات الاختلاف واستحضارها لتأجيج صراع لا يستفيد منه إلا اسرائيل رأى الشهيد محمد باقر الصدر ان التركيب العقائدي للدولة ينطلق بأن كل مسيرة واعية هدفاً وغاية تتجه نحو تحقيقها وكلٌ يستمد وقودها وزخم اندفاعها من الهدف الذي تسمو اليه وتتحرك لتحقيقه, فالهدف هو وقود الحركة وهو في نفس الوقت القوة التي تمتصها عند تحقق الهدف, فتتحول الحركة الى سكون, ويعطي الشهيد الصدر مثالاً توضيحياً: شخص يسعى بجد في سبيل الحصول على درجة علمية وشهادة معينة فالجذوة تظل متقدة في نفسه تدفعه باستمرار نحو تحقيق الهدف الذي يسعى اليه حتى اذا ما تحقق له ذلك انطفأت الجذوة وفقد اي مبرر للحركة طالما لم يبرز هدف جديد: (الاسلام يقود الحياة)”.
ولفت إلى أن “الشهيد الصدر كان يرى ان ذلك يصدق ايضاً على المجتمعات فهي تبنت في تحركها الحضاري هدفاً أكبر استطاعت ان تواصل السير وتعيش جذوة الهدف لفترة طويلة, وكلما كانت الأهداف محدودة كانت الحركة محدودة واستنفذ التطور والابداع، وان المادية التاريخية واجهت مشكلة تتصل بتصوراتها عن مسار التطور البشري وفقاً لقوانين الديالكتيك وهي الهدف اللاواعي الذي تفترضه الماركسية لحركة التاريخ ومسيرة الانسان هو ازالة العوائق الاجتماعية عن نمو القوى المنتجة ووسائل الانتاج فإذا كان هذا هو هدف المسيرة فهذا يعني أنها ستتوقف وان التطور سيتجمد في اللحظة التي يقوم فيها المجتمع بتحقيق اهدافه”.
وأشار إلى ان “الهدف الوحيد بحسب الشهيد الصدر الذي يضمن التحرك الحضاري ان يواصل سيره نحو الهدف الذي كلما ظن انه اقترب منه اكتشف آفاقاً جديدة وامتدادات غير منظورة فتزداد الجذوة انقاداً والحركة نشاطاً والتطور ابداعاً (المدرسة القرآنية) فإنسان الدولة الحضارية الواعية هو الذي كلما توغل في الطريق إهتدى الى جديد (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) هذة الآية التي اعتمدها الامام موسى الصدر فاتحة لجهاد حركة أمل وهذه هي مسيرة الإنسانية الواعية نحو الخير والكمال, فالتركيبة العقائدية لا ينبغي ان تنفصل عن الواقع وقد رأى الشهيد الصدر ان النظرية ما لم تقترن بالعمل والتطبيق لا قيمة لها ولا يمكن ان تصل وتستمر {وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} قرآن كريم”.
وتابع: “الفساد الذي حاربه الامام موسى الصدر والشهيد محمد باقر الصدر تجلى اولاً في الفهم الحقيقي للإيمان لا الإيمان التجريدي وان استحضار التاريخ من اجل الوحدة والكلمة والموقف, ولذلك تبنى الامام الصدر انشاء مجتمع داخلي وحارب مفاهيم الجهل والمحدودية والولاءات الضيقة وفي لبنان انشأ الامام موسى الصدر حركة أمل لتكون النظرية والتطبيق مؤسسة تنظيمية للفرد والمجتمع والتي أخذت على عاتقها تحرير الإنسان وتحرير الأرض ليس على مستوى طائفة او مذهب او دين او وطن إنما انطلاقاً من عمق تاريخي يمتد مع وجود الإنسان الأول وباندفاعية واعية نحو تحقيق مفاهيم العدالة والمساواة والعيش الكريم وأصالة الإنسان هي البعد الحقيقي للإيمان بالله، عندما أطلق الامام موسى الصدر افواج المقاومة اللبنانية (أمـل) اطلقها رسالة حضارية “ان شهداء حركة امل اثبتوا ان الوطنية ليست شعارات ولا ارباحاً ومكاسب بل الوطن هو ابعاد وجود الانسان وأساس كرامته”.
وأكد الفوعاني “حرص الامام الصدر كما الشهيد الصدر على توعية الجماهير ولذلك لم يكتفوا بما أصدروه من مؤلفات فكرية عميقة بل انهم مارسوا الحياة العملية من خلال السعي الحثيث لتثقيف الناس (زيارات, محاضرات, ندوات مصالحات ذكرى القسم 17 اذار و5 أيار 1974) وهي محطات شكلت أفق التحرك الواعي البعيد عن المناطقية والمذهبية”.
وقال: “إن القضية الفلسطينية قضيتنا المركزية ودعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الهمجية الصهيونية المستمرة، وفي شهر رمضان يثبت المقاومون الشرفاء في فلسطين وغزة انهم يستطيعون سحق عنجهية الاحتلال، ويثبتون ان سلاحهم المتواضع لا ينتظر توازنات ولا تطبيعًا ولا مفاوضات… والى الدور التاريخي الذي يضطلع به دولة الرئيس نبيه بري في تأسيس مجتمع قوي على منهج واضح بعيدًا عن عقلية البعض في اعتبار لبنان محاصصات وظائفية وهذا ما يؤدي إلى تعزيز الفساد والاستبداد وفقد ثقة المواطن بدولته، ولذلك تلتقي نظرة حركة أمل إلى بناء الدولة مع مفهوم الإسلام القرآني الذي رسم معالم الحياة الاجتماعية والسياسية”.
سياسيًا قال الفوعاني: “نجدِّدُ التزامَنا بالعمل من أجلِ تحقيق أحلامِ الشهداء، بالحفاظِ على لبنان وطناً نهائياً لجميعِ أبنائه، وطناً للعدالةِ والمساواة وتكافؤِ الفرص .نجدِّدُ قَسَمَنا للإمام الصدر وللشهداء، بأن نحفظَ الوصيةَ في مقاتلةِ الشرِّ المطلق إسرائيل بالأسنانِ واﻻظافر، ومهما كان السلاحُ متواضعاً.نجدّدُ تأكيدَنا وعملَنا بكلِّ ما نملكُ من طاقات، من أجل الحفاظِ على التعايشِ الإسلاميِّ المسيحي، باعتبارِه ثروة يجب عدم التفريطِ بها”.
وتابع: “ولأننا في مقامِ الشهداء، الذين تعلمنا في مدرستِهم الوضوحَ في المواقفِ والرؤى، وفي ظلِّ صورةِ المشهدِ المزدحمِ بالتحديات والتطورات على مستوى لبنان والمنطقة، انتهزُها مناسبةً لنؤكِّدَ من خلالِكم على جملةٍ من العناوين:
أوﻻً: قيامة لبنان من أزماتِه، ﻻ سيما اﻻقتصادية والمالية منها، واستعادة الثقة به وبمؤسساتِه على المستوى الداخلي والخارجي، ﻻ يمكنُ أن تتحقق في ظلِّ الإمعان في انتهاجِ لغةِ السجالِ والمناكفات، فهذه اللغة وهذه السياسة تشرِّعُ أبوابَ الوطنِ على مصراعَيه، ﻻستيلادِ المزيدِ من الأزمات والتدخلات التي قد تقوِّضُ أسسَ وبنيانَ الوطن.
الجميعُ مدعوٌّ إلى اﻻحتكام إلى لغةِ العقل وإلى تهذيبِ الخطابِ السياسيّ واﻻرتقاء به إلى مستوى التحدياتِ والمخاطر التي تحدقُ بنا. الجميعُ مدعوٌّ للتنازل من أجلِ لبنان وتقديم مصلحة اللبنانيين على أي مصلحةٍ أخرى .
ثانياً: في الوقتِ الذي يعكفُ فيه المجلسُ النيابيُّ الكريم، وبتوجيهٍ من دولةِ الرئيس الأستاذ نبيه بري، على دراسةِ القوانين وإعطائها العناية اللازمة تمهيداً لإقرارها، من غيرِ الجائز أن تعفي الحكومةُ نفسَها من مسؤولية متابعة قضايا الناس، ﻻ سيما في العناوين المتصلة بأمنِهم اﻻجتماعي والصحي والتربوي والمعيشي والغذائي والبيئي، وخصوصاً في الجنوب. الحكومةُ مدعوةٌ إلى استثمارِ كلِّ لحظة، من أجلِ تعويضِ الناس هذا القلق الكبير.
ثالثا: في موضوعِ التوطين ومسألة النازحين السوريين، وانسجاماً مع ما هو وارد في الدستور، وانطلاقاً من قناعاتِنا ودعمِنا للقضيةِ الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالعودة الى أرضِه وإقامة دولتِه المستقلة وعاصمتُها القدس الشريف، نؤكّدُ على رفضِنا المطلق للتوطين، وندعو لبنان الرسمي الى بلورة رؤية وطنية موحدة، لمقاربة مسألة النازحين السوريين وتأمين عودتِهم السريعة إلى وطنِهم الأم سورية، وهذا الملف ﻻ يُحَلُّ بالمكابرة وﻻ باﻻنصياع لإرادة بعض الدول الخارجية، التي تحاولُ بالسرِّ والعلن استخدام هذا الملف الإنساني من أجل تمرير أجندات سياسية تخدم مصلحة إسرائيل ومشاريعِها في المنطقة .
رابعًا: في ظلِّ استمرار الكيانِ الصهيونيّ برفعِ وتيرةِ اعتداءاته البريةِ والجوية على الحدودِ مع لبنان، وفي قرى الجنوب الأبي، في سيناريوهات تُحاكُ عدواناً على بلدِنا، نؤكّدُ أنّ المقاومة، إذا كانت في السابق حاجةً وخياراً لمقاومةِ اﻻحتلال، هي اليوم إلى جانبِ الوحدة الوطنية، وبالتكامل مع الجيش تمثلُ حاجةً وطنيةً ﻻ يمكنُ وﻻ يجوزُ التفريط أو التخلي عنها، وهي عنوانُ قوةٍ للبنان لكبحِ جماح عدوانية إسرائيل”.
واستشهد الفوعاني بكلام للرئيس نبيه بري الذي قال بالأمس: “لا تكتمل الأعياد إلا بإنكشاف هذه الغمة عن الأمة وعن فلسطين”.
وأضاف: “في عيد الفطر تحية إعتزاز للمقاومين اللبنانيين والفلسطنيين وللشهداء وعظيم تضحياتهم … ولذويهم وجميل صبرهم … وللصامدين من أهلنا في القرى والبلدات الحدودية مع فلسطين المحتلة والنازحين منهم فالعيد هو بالعودة أعزاء كرماء الى الأرض التي بادلوها وفاءاً لا يقاس ، وبالعمل من كل المخلصين في لبنان على مختلف توجهاتهم السياسية والروحية بنوايا صادقة من أجل إجتراح الحلول للأزمات التي تهدد وطننا والذي من دونه لا قيمة لأي عيد!”.