كتبت صحيفة النهار تقول: لم تخلُ عطلة عيد الفصح عند الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي من جولة جديدة من التصعيد شهدتها الساحة الجنوبية، في تطور خطير هو الأول من نوعه منذ بدء المواجهات على الحدود اللبنانية مع إسرائيل، وتمثّل في استهداف دورية لقوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب، وسط محاولات لتجهيل الفاعل والتخفيف من خطورة العملية، تمثلت في نفي إسرائيل مسؤوليتها، بالتوازي مع امتناع قيادة “اليونيفيل” عن توجيه أصابع الاتهام لأي جهة، مكتفية بالإعلان عن التحقيق. وكانت قذيفة استهدفت آلية عسكرية تابعة للقوة الأممية قرب بلدة رميش في القطاع الأوسط، ما أدى إلى وقوع ثلاثة جرحى من الجنود وآخر لبناني. ونفى الجيش الإسرائيلي أن يكون شن غارة جوية على الآلية الأممية، مشيراً إلى أنه “خلافاً للتقارير، لم يقصف جيش الدفاع الإسرائيلي مركبة تابعة لليونيفيل في منطقة رميش هذا الصباح”. في الموازاة، أكدت “اليونيفل” تعرض وحدة تابعة لها للقصف عبر بيان أصدرته وجاء فيه “أن ثلاثة مراقبين عسكريين تابعين لهيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة ومساعد لغوي لبناني، أصيبوا أثناء دورية سير على طول الخط الأزرق، عندما وقع انفجار بالقرب من موقعهم. ونقلوا لتلقّي العلاج الطبي”. وقالت: “نحقق في مصدر الانفجار”، داعية إلى “ضمان سلامة وأمان موظفي الأمم المتحدة، وعلى جميع الجهات الفاعلة مسؤولية بموجب القانون الإنساني الدولي لضمان حماية غير المقاتلين، بما في ذلك حفظة السلام، والصحافيون، والموظفون الطبيون، والمدنيون”، مكررة “دعوتنا لجميع الجهات الفاعلة بوقف التبادل الكثيف حاليًا لإطلاق النار قبل أن يصبح المزيد من الأشخاص عرضة للأذى بلا داعٍ”.
وأثارت العملية جملة من الاستنكارات، فأجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالًا بالقائد العام للقوات الدولية في الجنوب الجنرال أرولدو لازارو، معبّراً عن تضامنه وإدانته لهذا الحادث الخطير. وأبلغ لازارو ميقاتي أن “اليونيفيل” تُجري تحقيقاتها في الحادث لكشف ملابساته.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين أنها باشرت تحضير شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن الدولي. واتصل الوزير عبدالله بوحبيب بلازارو معرباً عن استنكاره وإدانته للحادث، وداعياً “الدول الحريصة على السلام والأمن الإقليميين إلى ضمان سلامة وأمان موظفي الأمم المتحدة، وحماية المدنيين، والتدخل سريعاً لوقف الخروقات الإسرائيلية، من خلال التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن 1701″.
ويأتي هذا التطور الخطير غداة زيارة خاطفة لنائب مساعدة وزير الخارجية الأميركية إيثان غولدريتش إلى بيروت التقى خلالها وزير الخارجية والمغتربين وعدداً من الشخصيات السياسية والنيابية. وفي حين تردد أنه كان له لقاء لم يعلن عنه مع رئيس المجلس نبيه بري، نفت مصادر عين التينة حصول أي لقاء.
وعُلم أن المسؤول الأميركي نقل تحذيرات جديدة لا تخرج عن سياق التحذيرات التي ينقلها المسؤولون الدوليون إلى لبنان، حيال مخاوف استمرار التصعيد على جبهة الجنوب والذي بات ينذر بتفلت الأوضاع وخروجها عن السيطرة. ولمس مصدر التقى غولدريتش حجم الامتعاض مما وصفه بحالة إنكار يعيشها الوسط السياسي اللبناني لحجم الأخطار التي تتهدد لبنان بفعل التهديدات الإسرائيلية، ومن عدم أخذها على محمل الجد، ما يقوّض أي فرصة لنجاح المساعي الدبلوماسية الدولية عموماً والأميركية على وجه الخصوص. وتزامن هذا الموقف مع موقف مماثل لوزارة الخارجية الأميركية التي أكدت استمرار المساعي لحل دبلوماسي يجنب جنوب لبنان الصراع الطويل، مؤكدة أن الولايات المتحدة الأميركية لا تريد أن يتوسع الصراع لبنانياً أو إقليمياً”.
وإلى التصعيد الأمني الذي ترافق مع جولة من القصف المدفعي الأعنف جنوباً، جاءت رسالة الفصح للبطريرك الماروني مار بشارة الراعي لتخرق الجمود على الساحة السياسية، حيث لم يوفر الراعي المجلس النيابي ورئيسه من الانتقاد وتحميلهما مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس. إذ قال إن المجلس بشخص رئيسه وأعضائه يحرم عمداً ومن دون مبرر قانوني دولة لبنان من رئيس، مخالفًا الدستور في مقدّمته الّتي تعلن أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، وفي طريقة انتخابه في المادّة 49، وفي فقدان المجلس صلاحيّته الاشتراعيّة، ليكون فقط هيئةً ناخبةً بحسب المادّة 75. مشدداً على أنّه “لا يوجد بكلّ أسف، أيّ سلطة تعيد المجلس إلى الانتظام وفقًا للدستور. وبالنّتيجة، مؤسّسات الدّولة مفكّكة، والشّعب يعاني ويفقد الثّقة بجميع حكامه”، متسائلًا “أين الميثاق؟ وأين العنصر المسيحي الأساسي في تكوين الميثاق الوطني”؟
ولم يغفل الراعي ذكر الوضع في الجنوب في رسالته، فشدد على أنّ “الجنوب هو قلب لبنان وهو في أقصى المعاناة وأصعبها”، جازماً أنّ “جنوب لبنان، بل كلّ لبنان هو لكلّ اللّبنانيّين الّذين يقرّرون سويًّا ومعًا مستقبل وطنهم وسلامه وأمنه، ومتى يُحارب ومِن أجل مَن”، داعيًا اللّبنانيّين إلى “كلمة سواء تعلن وقف الحرب فورًا ومن دون إبطاء، والالتزام بالقرارات الدّوليّة ذات الصّلة، ولا سيّما القرار 1701، وتحييد الجنوب عن آلامه من آلة القتل الإسرائيليّة، وإعلاء مفاهيم السّلام والقيامة”. واعتبر أنّ “لبنان بدأ يفقد جوهر هويته وفقد حياده الإيجابي الناشط ودخل رغماً عنه في صراعات وحروب إقليمية ودولية لم تكن لصالحه ولصالح أبنائه، وهذا الحياد ليس مستحيلاً بل هو ركيزة قيام لبنان الجامع”.