كتبت صحيفة الجمهورية تقول: بَدا مِن تصاعد المواجهات على الجبهة الجنوبية بين المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي انّ مَنسوب احتمالات توسّع هذه المواجهات الى حرب واسعة يرتفع يوما بعد يوم، بدليل ما يجري من استعدادات عسكرية، خصوصا على الجانب الاسرائيلي، ما دفعَ البيت الابيض الى الاعلان امس أنّ «استعادة الهدوء على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أولوية بالنسبة لواشنطن». فيما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، امس، نقلاً عن مسؤول اسرائيلي قوله إن «الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الانتهاء من عملية رفح». علماً انّ قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أوري غوردين كان قد أعلن أمس الأول أن «القوات الإسرائيلية جاهزة لـ»التصرّف» على الحدود اللبنانية».
حضرَ الى وزارة الخارجية أمس نائب مساعد وزير الخارجية الاميركية إيثان غولدريتش ترافقه السفيرة ليزا جونسن، حيث التقى وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وذلك في اطار جولة له على المسؤولين اللبنانيين لاستقصاء المواقف من مجمل التطورات في لبنان والمنطقة.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» ان الديبلوماسي الاميركي اراد من جَولته على القيادات اللبنانية وفي المنطقة استقصاء المواقف الاخيرة من التطورات وتفاصيل ما يجري لتحديد ما يمكن القيام به بالنسبة الى الوضع الناشئ في الجنوب اللبناني في ضوء الحرب التي يخوضها «حزب الله» دعماً للمقاومة الفلسطينية في غزة، متسائلاً عمّا أنتجته هذه الحرب «سوى أنها أدخلت لبنان في اتون حرب ولم تقدم ولم تؤخر بالنسبة الى ما يجري في غزة».
ولفتت المصادر الى ان غولدريتش كان واضحا عند شرحه للثوابت التي حكمت موقف الادارة الاميركية من الأحداث منذ بدايتها، «ذلك انها رغبت في حصر ما يجري في لبنان بأسرع وقت ممكن، والتوصل الى الافراج عن الرهائن والاسرى في غزة سريعاً بعد ان تم الافراج عن مزدوجي الجنسية في المرحلة الاولى، ولكنها ترفض الزج بلبنان في الحرب».
وقال الديبوماسي الاميركي ان بلاده «رفضت وما زالت ترفض ما يجري في المنطقة وخصوصا خارج الحرب التي قامت بها «حماس» في قطاع غزة وغلافها». لافتاً الى معارضة بلاده «أي حرب تقوم بها اسرائيل خارج اراضيها». وقال «ان الادارة الاميركية التي لَجمت الى اليوم امكان توسّعها لم تتمكن بعد من تطويقها وانهائها». معتبراً انّ «للبنان مصلحة في التوصل الى تفاهم يُنهي الحرب ويعيد الاستقرار الى الجنوب ليعود عشرات الآلاف من النازحين اللبنانيين الى قراهم ووقف العمليات العسكرية».
ولفت الديبلوماسي الاميركي الى «انّ اي تفلّت عسكري وامني يمكن معرفة بداياته ولكن من يستطيع تقدير الى اي مدى يمكن ان تتطور الامور السلبية. ذلك ان الوقت لم يعد يتّسِع لمزيد من التمسك بالخيارات العسكرية وان الاعلان عن النية والرغبة بالتوجه الى حلول ديبلوماسية يفرض القيام بخطوات لم يقم بها أحد حتى اليوم، وهذا الامر مطلوب قبل ان تتطور المواقف وتفلت الأمور». وختم قائلاً: «لا بد من تحمّل المسؤولية بما يؤدي الى وقف التوتر قبل ان تنفجر المنطقة، ذلك ان اي انفجار لن يكون في مصلحة احد وخصوصا القاطنين على جانبي الحدود بين لبنان واسرائيل»، محذّراً من مخاطر «الفلتان القائم».
من جهته، لفتَ بوحبيب الى ثوابت لبنان من الوضع في الجنوب، والحرب في غزة، وشدد على ضرورة دعم المبادرات الديبلوماسية لاستعادة الاستقرار في الجنوب والمنطقة. وتم التشديد على أهمية إنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية.
ميلوني تغادر
وبعيداً من الإعلام ومن دون اي تغطية، تفقّدت رئيسة الحكومة الايطالية جورجيا ميلوني التي تزور لبنان مقر الكتيبة الايطالية العاملة في إطار القوات الدولية المعززة في الجنوب «اليونيفيل»، والتقت قادتها وضباطها وعسكرييها في مقر القيادة قبل ان تعود الى بيروت وتغادرها عائدة الى روما مباشرة. وهي كانت قد التقت إثر وصولها مساء امس الاول رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (الذي غادر امس الى المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة)، في حضور وزير الخارجية عبدالله بوحبيب.
وعلمت «الجمهورية» انّ زيارة ميلوني اكتسبت أهمية متعددة الوجوه سياسياً واقتصادياً، خصوصاً انّ ايطاليا هي ضمن مجموعة الدول المانحة للبنان، وهي شريكة فاعلة في «الكونسورتيوم» النفطي والغازي عبر شركة «ايني» الايطالية الى جانب شركتي «توتال» و«قطر للطاقة»، علماً انّ «ايني» هي اكبر شريك لقبرص ومصر في المجال الغازي في البحر المتوسط. كما انّ ايطاليا رَعت مؤتمرين لدعم لبنان وجيشه وتستعد لرعاية ثالث من هذا النوع.
واكدت مصادر اطّلعت على أجواء محادثات ميلوني في بيروت لـ«الجمهورية» انها أبلغت الى رئيس الحكومة انّ بلادها مستعدة لتأدية دور ملحوظ على مستوى مساعدة لبنان على تَخطّي الازمة السياسية والاقتصادية والمالية الكبيرة التي تعيشها منذ العام 2019، خصوصاً في حال توقّف حرب غزة وهدوء الوضع فيي الجنوب، وصيرورة المنطقة الى حلول لأزماتها المتعددة الوجوده والجبهات. ولذلك شددت ميلوني على أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب رئيس جمهورية جديد وتكوين سلطة جديدة يَطلّ بها لبنان على العالم. كذلك شدّدت ميلوني على تمسّك بلادها بالاستمرار في المشاركة ضمن قوات «اليونيفيل» لضمان الامن والسلام في جنوب لبنان.
شكوى لبنانية
في غضون ذلك أودَعت وزارة الخارجية بعثة لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة نَص شكوى لتقديمها أمام مجلس الأمن. وتتناول المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد المسعفين والمدنيين في قرى الجنوب لا سيما منها الهبارية والناقورة وبعلبك، والتي راح ضحيتها ما يزيد عن 18 شخصا بين مسعفين ومدنيين.
وقال وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، بعد لقائه أمس مع المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا، «سنستمر في الدفع نحو التطبيق الكامل للقرار 1701 كونه السبيل الأمثل لتحقيق الاستقرار المنشود».
الامم المتحدة
الى ذلك، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها جرّاء الهجمات المتكررة و«غير المقبولة» على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم في جنوب لبنان، وذلك غداة مقتل 10 مسعفين في غارات إسرائيلية.
وقال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا في بيان: «أدت الأحداث المروعة التي وقعت خلال الـ36 ساعة الماضية إلى خسائر كبيرة»، مضيفًا: «قُتل ما لا يقل عن 11 مدنيًا في يوم واحد، من بينهم 10 مسعفين». وقال: «أشعر بقلق بالغ في شأن الهجمات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين الصحيين الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم المساعدة الطارئة لمجتمعاتهم المحلية». وأشار ريزا إلى أنّ «الهجمات على مرافق الرعاية الصحية تنتهك القانون الإنساني الدولي وهي غير مقبولة».
على الجبهة الجنوبية
وعلى الجبهة الجنوبية تواصلت المواجهات والتراشق الصاروخي والمدفعي المتبادل، فاستهدف الجيش الاسرائيلي قبل الظهر اطراف بلدات الظهيرة، زبقين، علما الشعب، الناقورة، مجدل زون، طير حرفا ووادي حامول بعدد من القذائف المدفعية. فيما سجّل انفجار صاروخ اعتراضي فوق بلدة الخيام.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، عن دوي صفارات الإنذار في شلومي وفي الجليل الغربيّ. فيما قصفت المقاومة بالصواريخ ثكنة حانيتا الإسرائيليّة ومحيطها، في الجليل الغربيّ.
وحتى صباح امس حلّق الطيران الاستطلاعي الاسرائيلي فوق قرى القطاعين الغربي والاوسط وصولاً حتى مشارف مدينة صور، وأطلق الجيش الاسرائيلي القنابل الضوئية فوق قرى قضاءي صور وبنت جبيل مترافقة مع عدد من قذائف المدفعية الثقيلة التي طاوَلت اطراف بلدات مروحين والضهيرة وعيتا الشعب.
وكانت قرى القطاعين الغربي والاوسط ليلاً ساخناً حيث أدّت الغارات الإسرائيلية التي استهدفت بلدتي الناقورة وطيرحرفا مساء إلى مقتل 9 أشخاص نَعاهم «حركة أمل» و«حزب الله» في بيان، وهم: علي عباس يزبك، علي محسن عقيل، كامل فيصل شحادة، حسن حسين حسن، حسين أحمد جهير، علي أحمد مهدي، حسين علي زهور، إسماعيل علي مطلق وعصام هاشم جهير. ونعت «المقاومة الإسلامية» امس اثنين، هما: إسماعيل علي مطلق من بلدة يارين وحسين علي زهور من بلدة يحمر الشقيف.
وأعلنت «المقاومة الاسلامية»، في بيانات متتالية، انها «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، وفي إطار الرد على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية والمنازل المدنية خصوصا مجزرة الناقورة والاعتداء على بلدة طير حرفا والطواقم الطبية فيها»، قصفت لمرتين مستعمرتي «غورن» و«شلومي» بالأسلحة الصاروخية والمدفعية ولا سيما منها صواريخ «البركان» والكاتيوشا.
كذلك استهدفت «تجمعاً لجنود العدو في محيط موقع جل العلام بالأسلحة الصاروخية» ومقر قيادة كتيبة ليمان المستحدث، وموقعي السماقة والرمثا في تلال كفرشوبا اللبنانية المحتلة.
الموقف الاسرائيلي
في المقابل اعلن الجيش الإسرائيلي «اننا قضَينا على خليتين تابعتين لـ«حزب الله» في جنوب لبنان».
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية، امس، نقلاً عن مسؤول قوله إن «الجيش الإسرائيلي سيدخل لبنان بعد الانتهاء من عملية رفح».
وكان قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أوري غوردين، أعلن أمس الأول أنّ «القوات الإسرائيلية جاهزة لـ«التصرّف» على الحدود اللبنانية».
وأفادت «سكاي نيوز»، امس، أنّ «الجيش الإسرائيليّ أجرى اليوم (أمس) تدريبًا مفاجئًا على مستوى قيادة الأركان، لفحص مدى الجهوزية لحرب مفاجئة على الجبهة الشمالية مع «حزب الله». وأكدت «القناة 12 الإسرائيلية» أنّ «التمرين العسكري تمحور حول السيناريوهات المختلفة وخطط الجيش لحرب شاملة مع لبنان»، موضحة أنّ «التمرين كان مفاجئًا وبأمر من رئيس الأركان هرتسي هاليفي وشارك فيه سلاح الجو ووحدة الاستخبارات». فيما أعلن متحدث باسم الجيش الاسرائيلي أمس أنّ «الجيش أقرّ برنامج تدريب هذا العام ويركّز على رفع جاهزية سلاح الجو لحرب على جبهة الشمال».
اليونيفيل
وأعلنت «اليونيفيل»، في بيان، أنها «تشعر بقلقٍ بالغ، إزاء تصاعد أعمال العنف التي تحدث عبر الخط الأزرق في الوقت الحالي»، مشيرة إلى أن «هذا التصعيد تسبّب في مقتل عدد كبير من المدنيين وتدمير المنازل وسبل العيش». وأكدت «ضرورة أن يتوقف هذا التصعيد فوراً»، وقالت: «نحن نحضّ كل الأطراف على إلقاء أسلحتهم وبدء العمل على حل سياسي وديبلوماسي مستدام». وأشارت إلى أنها على «استعداد لدعم هذه العملية بأي طريقة ممكنة، بما في ذلك من خلال عقد اجتماع ثلاثي بناء على طلب الأطراف».
خيار التصعيد
واشار عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض الى «انّ التصعيد الذي يمارسه العدو الإسرائيلي وخصوصاً منذ أيام على جبهة الجنوب (…) إنما هو تعبير عن المأزق الذي يراوح فيه الإسرائيليون على المستويين السياسي والعسكري في غزة كما في جبهة الجنوب».
وقال خلال حفل تأبيني في جبشيت ان «العدو الإسرائيلي عاجز عن خوض الحرب المفتوحة التي هَدد بها لأسباب كثيرة في طليعتها عدم جاهزية جيشه المُنهك لخوض حرب مفتوحة الأفق والمدى مع المقاومة في لبنان، وهذا باعتراف الخبراء الإسرائيليين أنفسهم».
واعتبر أنّ «الإسرائيلي يتجه لخيار التصعيد العسكري كبديل عن الحرب المفتوحة وهذا ما تدلّ عليه مؤشرات الأيام الماضية، والتصعيد بحسب الممارسة الإسرائيلية يعني الإستهداف في العمق كما حصل في البقاع الغربي وبعلبك أو في ضرب مراكز صحية وخدماتية مدنية كما حصل في العديسة والهبارية».