كتبت صحيفة “النهار”: بعد يوم دموي عنيف، أوحى الجيش الاسرائيلي مساء امس بانه بلغ ذروة الاستعدادت لإطلاق مواجهة واسعة على الحدود مع لبنان. وقد أضفى وصول رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الى بيروت كإحدى ارفع الشخصيات التي تقوم بزيارة رسمية للبنان في “عصر” الفراغ الرئاسي، مزيدا من التهيب حيال الوضع الشديد الخطورة الذي يحوط بلبنان باعتبار ان إيطاليا معنية تماما بالوضع المتفجر في الجنوب حيث لديها احدى اكبر الكتائب العسكرية المشاركة في قوة “اليونيفيل”. وجاء وصول ميلوني على وقع تصعيد دموي متدحرج في الغارات الإسرائيلية المتصاعدة على مناطق الجنوب بعد الغارات على الأعماق خصوصا في البقاع. ولكن هذا التصعيد بلغ حدود ارتكاب إسرائيل مجزرة جديدة في الهبارية ومن بعدها غارات دموية عنيفة أخرى برز فيها استهداف إسرائيل لمسعفين وهيئات صحية وحصيلة كبيرة من الشهداء ناهزت الـ 15 وهي اعلى حصيلة في اقل من 24 ساعة منذ 8 تشرين الأول الماضي. واستتبع ذلك رد صاروخي عنيف من “حزب الله” الامر الذي رسم حدودا إضافية لمعالم الانزلاق نحو مواجهات واسعة يصعب معها الركون طويلا الى أي معطيات لا تزال تستبعد تفجر حرب كبيرة في لبنان. ولا تخفي أوساط ديبلوماسية تصاعد القلق الشديد حيال الوضع على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية بعدما أسقطت إسرائيل تقريبا قرار وقف النار الفوري في غزة الذي اتخذه مجلس الأمن الدولي وتزامن ذلك مع التصعيد العنيف على الجبهة اللبنانية. وهو امر في رأي هذه الأوساط لم يكن بالصدفة وإنما متعمدا ويهدف الى توسيع جغرافية التصعيد في اتجاه لبنان أيضا بما يقطع الطريق على الرهانات التي قامت حول هدنة لأسبوعين متبقيين من شهر رمضان كان يمكن خلالهما تبريد الجبهة الجنوبية.
ووفق مصادر سياسية ان لبنان الذي غاب عن القرار الاممي لوقف اطلاق النار، لم يغب عن المساعي الاميركية التي يقودها الموفد اموس هوكشتاين لضمان اجراءات ترافق وقف النار، فلا يقتصر الامر على هدنة هشة معرضة للانهيار في وقت قصير قياسي. وتأتي زيارة وزيرة خارجية ايطاليا التي حطت امس في لبنان، في هذا الاطار، اذ تتعدى اهداف زيارتها الاطمئنان الى وحدة بلادها العاملة ضمن القوات الدولية في الجنوب (يونيفيل)، للبحث في المساهمة في اجراءات امنية مقبلة في المطار والمرفأ كانت طرحت في الكواليس سابقا، لناحية مراقبة وحدات فرنسية الحدود مع اسرائيل، على ان تتولى الايطالية مراقبة ضمان عدم دخول السلاح جوا وبحرا.
ووسط أجواء من الوجوم والصدمة والغضب، شيع أهالي بلدة الهبارية في منطقة العرقوب قضاء حاصبيا المسعفين الشهداء السبعة الذين قضوا تحت ركام مركز الإسعاف والإغاثة في مجزرة ارتكبها الطيران الحربي الإسرائيلي قرابة الأولى فجر الأربعاء الفائت بما أدى الى تدمير المبنى تدميرا كاملا . وشهداء الغارة هم: براء ابو قيس، محمد رغيد حمود، عبد الله شريف عطوي، التوأمان حسين وأحمد قاسم الشعار، عبد الرحمن عطوي وفاروق جمال عطوي.
ولعل اللافت انه ما ان شيعت الهبارية شهداءها حتى شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارة على طيرحرفا مساء امس استهدفت منزلا في البلدة وهرعت سيارات الإسعاف والدفاع المدني الى المكان المستهدف وشرعت في البحث عن مصابين. كما استتبعت بغارة مماثلة استهدفت دراجة ومقهى في بلدة الناقورة حيث أفيد عن سقوط ضحايا. وأفادت المعلومات ان الغارتين أدّتا الى سقوط سبعة ضحايا توزعوا كالاتي: ثلاثة عناصر من “حزب الله” وعنصرين من كشافة الرسالة التابعة لحركة “أمل” وعنصرين من الهيئة الصحية التابعة لـ”حزب الله” . وقد سقط في الناقورة : عصام عاطف جهير وحسين احمد جهير وعلي احمد مهدي وعلي عباس يزبك .
ورافق هذا التصعيد الإسرائيلي المتدحرج تهويل إسرائيلي نقلته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بان “عمق لبنان يتحوّل إلى منطقة حرب”. وإذ اشار الى أنه “خلال اليومين الماضيين رصدنا إطلاق 110 صواريخ من لبنان على إسرائيل”، حذر من إن “لحظة الهزيمة (بالنسبة إلى “حزب الله) تقترب، والتحرك في لبنان قد يكون محدوداً ويتطوّر إلى حرب، ليس لدينا اتفاق بعد، واتفاق الرهائن في غزة يمكن أن يؤدي إلى اتفاق في لبنان أيضا”. ولفت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى أن “عمق لبنان يتحوّل إلى منطقة حرب، وحزب الله يخاطر”، مؤكداً عدم وجود “تهديد على الحدود (الشمالية) لأنه تم دفع “حزب الله” إلى الداخل، وفقد العديد من عناصره. كما قال إن “حزب الله يحاول الدخول إلى إسرائيل من خلال الفرع اللبناني لمنظمة “الجماعة الإسلامية”.
كما ان قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي اعلن “أننا ننفذ هجمات نوعية ضد “حزب الله” لتكبيده خسائر فادحة”. ولاحقاً اعلن الجيش الإسرائيلي “اننا جاهزون من الليلة لـ”التصرف” على الحدود اللبنانية” مضيفا “إنناعازمون على تغيير الوضع الأمني في المنطقة الشمالية مع لبنان”.
وكان “حزب الله” اعلن انه ردا على المجزرة الاسرائيلية في بلدة الهبارية، قصف صباح امس مستوطنة كريات شمونة وقيادة اللواء 769 في ثكنة كريات شمونة بعشرات الصواريخ . وأفادت معلومات صحافية عن مقتل مستوطن إسرائيلي جراء القصف الصاروخي على كريات شمونة، وعن إصابة 4 بينهم حالة حرجة . وكان الجيش الإسرائيلي اعلن أنه استهدف مبنى عسكريًّا تابعاً “للجماعة الإسلامية” في الهبارية مستهدفا مسلحا كان له دور في التخطيط لهجمات ضد الأراضي الإسرائيلية وكان مرتبطا بـ “المجموعة الطبية الإسلامية”. وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي، “تم القضاء على الهدف مع مسلحين آخرين كانوا في المبنى”. ولكن “الجماعة الإسلامية” أعلنت ان “لا صلة لنا بالمركز المستهدف في الهبارية”.
ميقاتي وميلوني
وسط هذه الأجواء عقد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني محادثات في السرايا مساء في مستهل زيارة لميلوني. وصدر بعد الاجتماع بيان أعرب فيه الرئيسان ميقاتي وميلوني “عن ارتياحهما لقرار مجلس الامن الدولي الرقم 2728 القاضي بوقف اطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان المبارك، وابديا تطلعهما الى أن يتم تطبيقه وأن يتحوّل الى وقف اطلاق نار مستدام. كما تطرق البحث الى قرارات مجلس الامن المتعلقة بالمنطقة ولبنان، حيث كرر رئيس الحكومة التزام لبنان بالتطبيق الكامل لكل القرارات الدولية الخاصة به، لا سيما القرار 1701، ووجوب أن تلتزم اسرائيل بتطبيقه كاملا ووقف اعتداءاتها على سيادة لبنان برا وبحرا وجوا. وعبّر عن حزنه العميق وادانته لاستشهاد سبعة مسعفين في جنوب لبنان فجر اليوم جراء العدوان الاسرائيلي . كما تطرق البحث الى ملف النازحين السوريين في لبنان والمهاجرين غير الشرعيين في منطقة البحر المتوسط.
واتفق الحانبان على ضرورة تضافر الجهود الدولية والتنسيق بين البلدين، ومع اوروبا عموما، للحد من هذه الظاهرة واستكشاف الحلول التي تساعد على التوصل الى حل مستدام لقضية النازحين .
كما شكر رئيس الحكومة نظيرته الايطالية على دعم بلادها المستمر للجيش وتعزيز قدراته لتمكينه من القيام بكل المهام المنوطة له.
ورأى أن مساهمة ايطاليا الدائمة في عداد قوات “اليونيفيل”هي تأكيد على التزام ايطاليا بسلامة لبنان واستقراره وصون وحدة اراضيه.
وشدد الرئيسان على وجوب الاسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو الامر الاساسي لتطبيق الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة واطلاق عجلة النهوض الاقتصادي.