ألقى وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الاعمال الدكتور جورج كلاس كلمة، خلال رعايته مؤتمر الشرق الاوسط للدراسات المعاصرة بدورته التاسعة تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي في التعليم: تعزيز الابتكار وتحسين النتائج”، الذي نظمته اليوم الجامعة الاسلامية في لبنان، قال فيها:
“فاتحة الكلام انقل اليكم تمنيات دولة رئيس مجلس الوزراء الاستاذ نجيب ميقاتي الداعم لمسيرة الجامعات وراعي شؤون الشباب بنجاح مؤتمركم العلمي. أعتزُّ شرفاً بتلبية دعوة الجامعة الاسلامية في لبنان لرعاية هذا المؤتمر العلمي الرائد والاستباقي، والمشاركة في أعماله بمداخلة تساؤلية، تعكس إنشغالات المرحلة وتقوِّمُ بعض المفاهيم حول استخدامات الذكاء بأنماطه الفطرية والاصطناعية والإفتراضية، علَّ أعمال مناقشات ومداخلات مؤتمركم البحثي، تصل إلى توضيحاتٍ وتقدم تحديدات وتزيل إلتباسات حادة حول مدى مواءمة الذكاء الاصطناعي لخدمة الإنسانية .“
أضاف: “في مداخلتي اطرح قضية “الذكاء الاصطناعي وسؤال الإبداعية”. تنفتح اعمال هذا المؤتمر على اضمامة من المواضيع العلمية الساخنة، التي تتطلَّبُ قدراتٍ مجهودةً لمقاربة كيفية الإفادة من ” الذكاء الاصطناعي في التعليم وتشجيع الابتكار”، مع الحرص على الإبداعية الملازمة للإنسان، خلقاً وإختراعاً وتفنّنا ومبادرات، انطلاقاً من معادلة ، أن الذكاء الاصطناعي ، يستجيبُ لأسئلة ، لكنه لا يقدم مبادرات”.
وتابع: “فهل هذا الذكاء المُصَنَّع قادرٌ على ان يبادر؟ نهتم ان نسأل معاً، كيف ننمّي الذكاء الفطريّ والذكاء الطبيعي و نمكِّنُ هاتين الموهبتين لأن يتكاملا مع الذكاء الاصطناعي كعنصر مساعد لهما و ليس كبديل عن العقل البشري؟.
وأردف: “في تناول امكانات الذكاء وتحديات التخصصات الاكاديمية وصعوبات التمايز والتألُّق وتقوية القدرات التنافسية بين المتخصصين ، يحضر السؤال : أي دورٍ للذكاء الاصطناعي في تعزيز مستقبل الإنسانية ؟ و في تحصين التمايزٍات والفوارق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الافتراضي والاصطناعي؟
واكد ان الهدف الاساسي من التعليم يتركزعلى تنشئة أجيال قادرة على القيام بأعمال جديدة تتمكن من ان تطور وتحدث وتزيد على ما هو معروف، لا ان تقدم تكرارات لما أنتجته الأجيال السابقة”، وقال: “الهدف هو بناء اجيال شبابية قادرة على ان تبدع وتبتكر وتكتشف… و ان يخترع المستقبل . انه الذكاء الخلاق “.
أضاف: “الهدف الثاني من التعليم هو “تكوين العقول”، و تغذية القدرآت الذهنية لتصبح عقولًا مالكةً القدرةَ على النقدِ والتذوّق والتقويم والتحقّق من كل ما تسمع وترى وتقرأ وتقترح وتبادر، لا ان تكون وسائط للنقل المعرفي ووسائل للتداول العلمي”.
وسأل: “فهل يسبّب الذكاء الاصطناعي ( الإدمانية ) على الاستعانة ، و(الاتكالية ) على المعلومات المجهزة ويؤدي إلى التكاسل ؟ ويخفّف ذلك من الاندفاعية نحو الإبداع والابتكار ، او يبقينا في وقوفية موصوفة ودائرة زمنيّة مغلقة ؟
هل يرقى الذكاء إلى المستوى الإبداعي الادبي والوجداني، شعوراً وتفكيرا ووضع حلول؟ فمنْ يقودُ منْ ؟ الذكاء الاصطناعي ام الفطري؟ وما هي مسببات فورة انطلاق الذكاء الاصطناعي وشيوع الاحتفاليات حوله باندفاع وتسابق؟ وهل يحل الذكاء الاصطناعي محل الذكاء الفطريّ والطبيعي ، وفي أي مجال؟ “.
وقال كلاس: “تنسلُّ عن هذه التساؤلات، عناوينٌ بحثية ركيزتها: الذكاء الاصطناعي والنوعية ، الذكاء الاصطناعي والقيم الأخلاقية ، الذكاء الاصطناعي والتعاليم الروحية، الذكاء والتقاليد الاجتماعية، الذكاء وقضية الإنتماء والإلتزام، الذكاء كمشاع مفتوح . ثم إلى اي مدى يشكل عنصرا مساعد للإنسان؟ أم انه يحمل اخطاراً على البشرية ، اي دورٍ للذكاء الاصطناعي في تفعيل الذكاء الطبيعي وتنميته ، من حيث انه عملية تطورية و لحظية واسعة ودائمة النمو؟ ماذا بعد الذكاء الاصطناعي.. ؟ البشرية إلى أين ؟ وما هي التأثيرات السلبية للذكاء الاصطناعي على الاقتصاد والبطالة وفرص العمل .. ؟”.
وتابع: “والسؤال الذي يلحُّ اكثر هو : كيف تتم عملية ردم الهوة بين عدد الوظائف والتخصصات التي ستختفي، او سيتم الاستغناء عنها بسبب ظاهرة او عصر الذكاء الاصطناعي، مقارنة بالوظائف الجديدة التي ستنشأ مع هذا تقعيد هذا النمط من الذكاء؟ و هل من خوف ان يحلَّ جيل الروبوتات جزئياً محل المجتمع البشري؟ تطرحُ ايضاً مشكلة غياب ميزة التمايز التي هي شبيهة بالبصمات الانسانية. فمع تصنيع الذكاء لن يعود هناك فرادة . بمعنى ان أيَّ جوابٍ اصطناعي على اسئلة افتراضية او واقعية قد يكون طبق الأصل. عندها ستفتقد النوعية الإبداعية ويموت الفكر” .
اضاف: “ثم ماذا عن البطالة التخصصية ؟ هل ان تنامي موجة الذكاء الاصطناعي ستفرض نفسها بقوة على المقررات والبرامج المدرسية وننتقل الى أنماط ورؤى جديدة من المناهج؟ وهل ستضعف إختصاصات لتحل مكانها اختصاصات جديدة ؟ هل سيتم الاعتراف بمفاعيله الاكاديمية والاعتماديّة رسمياً ؟ مَنْ يراقب معايير الجودة في تعليم ونتاجات الذكاء الاصطناعي؟ً هل من قيم يهددها ؟””.
وقال: “ان التحدي الأكبر هو كيف نستخدمه للخير العام و تقدم البشرية ورفاهيتها. هل هو ذكاء مادي لا مكان للعاطفة والشعور فيه ؟ هل مؤسساتنا التعليمية والجامعية مؤهلة لاستخدام الذكاء الاصطناعي ولتعليمه ؟ وهل من جهاز أكاديمي مؤهل لذلك، و كيف تتأهل لهذا العصر؟ هل الجامعات ستتقدم بطلبات إعتماد لادخال الذكاء الاصطناعي الى برامجها و مناهجها التخصصية؟ ما هو موقف النقابات المنظمة بقانون.من إنشاء اختصاصات دقيقة تعتمد الذكاء الاصطناعي ضمن الاختصاص العام ، للجامعات رأيها الصلب في تحديث وتغيير مناهج التخصص التي تسمح بالحصول على اذن مزاولة المهنة ؟ هل الجامعات تدرس إمكان تأسيس اختصاص اكاديمي عنوانه ( الذكاء الاصطناعي) ويتفرع منه إختصاصات تحاكي الاختصاصات التقليدية؟”.
ورأى “ان الانسانية ستتحول من منتج للذكاء الطبيعي إلى مستهلكٍ لمنتوجات هذا الذكاء، ومنها إلى إدارة الذكاء؟ هل يمكن إدارة منتجات الذكاء كمثل إدارة المعلومات؟”.
وقال: “أخطر التساؤلات الواقعية حول الاشكالية الافتراضية التي يطرحها عنوان هذا الموتمر العلمي ، هي منْ يحمي مستهلك الذكاء الاصطناعي ؟ تماثلاً مع حماية المستهلك الغذائي؟ كلُّ نشاط ذهني يبقى من دون تطوير وإدخالات واضافات، يصبح من التراث “.
اضاف: “في هذا الصرح نسأل ما هي ظروف ومعايير ومحاذير توظيف هذا النمط من الذكاء في التشريع . فهل بإمكان هذا الذكاء مثلا ان يقترح او يضع مشاريع قوانين و يناقشها؟ هل ممكن تقديم مشروع موازنة معدة ببرنامج ذكاء و إفتراض نقاشات حولها من نواب افتراضيين؟ ومنه إلى القانون والدستور والاجتهاد، التعليم و الإختصاص وإستخداماته في القطاعات الصحية والزراعية والصناعية والاقتصادية والبحوث العلمية ..! و اي رؤية للدولة من إعتماد الذكاء الاصطناعي في الادارة؟”.
واشار الى انه “في بلد تكاملي الصيغة، وهذا مصطلح قعَّده دولة الرئيس نبيه بري، للدلالة إلى لبنان الذي يتكامل بأبنائه وبما يمثله من قيم حضارية وانسانية وتراثية متفاعلة ، نطرح كيف يخدم الذكاء الاصطناعي ارادة الحوار والرغبة التلاقي ووضع استراتيجية لبناء الأفكار والجسور بين الجماعات؟. “.
وقال: “هذا المؤتمر، بتبنيه ومشاركيه وعناوينه، يشكل تحدياً بحثياً، يؤصّل ويقارن ويوازن، و يحمل تطلعات جادة لبناء مستقبل علمي ينفتح على انشغالات تخصصية واسعة. و الجامعة الاسلامية هي الصرح الاكاديمي المؤهل ، بالتشارك مع المحاضرين الثقة لمواكبة كل مستجد علمي و الانتهاء إلى خلاصات بحثية تثري وتفيد ، وتقدم خدمة للأجيال والخير العام والانسانية. وهذا ما يُحرِّضُ على التفكير بمستقبل الانسانية وماذا بعد الذكاء الاصطناعي؟”.
وختم كلاس متمنيا للجامعة “النجاح في هذه المهمة الحضارية الحاملة التحدي. معاً نؤكد اننا دائمو الاستعداد لأن نتابع مسيرة التألق وقادرون على إستئناف الحضارة. حمى الله شبابنا ورحم الشهداء الذين يرسِّمونَ كرامة لبنان بدمائهم ويفتدون سيادتنا بأرواحهم ، ليبقى لنا وطن”.