وجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب رسالة الصوم لهذا العام، من مقر المجلس، وجاء فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمد ابن عبدالله وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أتوجّه الى أبناء أمتنا العربية والاسلامية والى اللبنانيين عموماً والمرابطين على ثغور الوطن خصوصاً الذين يسهرون الليالي حاملين دماءهم على أكفّهم معرِّضين أنفسهم للخطر ليأمن بلدنا وأهلنا ومواطنونا من ارهاب عصابات الشر الصهيوني، كما أخص بالذكر أهلنا الكرام من أبناء القرى والمدن في جبل عامل الاشمّ الذي يتعرّض للعدوان والقصف الهمجي والتدمير البربري صابرين ومضحّين بالغالي والنفيس من الأنفس والأموال دفاعاً عن وطنهم وسيادتهم وكرامتهم كما كانوا على الدوام حرّاس الكرامة الوطنية بأغلى العطاء وأزكى الدماء دون التفات إلى نعق الناعقين الذين بحسبانهم يجبرون حالة النقص في الانتماء الوطني التي يشعرون بها عندما ينكصون عن الاستجابة لنداء الواجب للدفاع عن الناموس والشرف والكرامة فيلجأون الى اتهام الأوفياء حتى الشهادة بالطعن بانتمائهم الوطني وبشعورهم الإنساني.
إنّني أسمح لنفسي ونحن قادمون على مناسبة كريمة ومباركة أن أقسو بالخطاب ليس من باب المساجلة أو الرد بل ليصحو الضمير الوطني الغارق بالهواجس الطائفية المميتة التي لم يعمر بها ولن يعمر معها وطن الا خرائب تعيش فيها الغربان التي لا تبشّر الا بالشؤم، فبينما العدو يتربّص ببلدنا الشرّ ويمارس العدوان والقتل يمارس بعض الداخل فعل التهويل والتثبيط والتشويه والاتهام، ومن الواضح أن هناك سياسة مرسومة نجحت للأسف أن تطفو على السطح في العالم العربي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في الذهاب إلى الاستسلام للغرب ولواجهته الكيان الصهيوني التي تخضع لمنطق موازين القوة المادية بعيداً عن موازين الايمان وقدرات شعوبهم على الصمود والمواجهة وتغيير الواقع. إنّ هؤلاء في الداخل اللبناني جزء لا يتجزأ من هذا الواقع المهزوم نفسياً الذين لا يقدّمون أيّ موقف إيجابي حتى على المستوى السياسي الداخلي بالاستجابة للدعوة الى التوافق لتفعيل المؤسسات الدستورية وتسهيل انتخاب رئيس للجمهورية، وليس ذلك إلا لإضعاف الموقف اللبناني أمام التحديات ومنها العدوان الإسرائيلي، ولذلك يلجأون إلى إثارة المخاوف الطائفية كستار للاستمرار في سياسة الانهزام والاستسلام، وهو ما يدعوهم إلى التأليب على قوى المقاومة والحروب الاعلامية والنفسية عليها إنهاءً للقضية الفلسطينية والى الأبد استمراراً لكل المرحلة السابقة من إثارة الحروب الطائفية وهي تقف اليوم تتفرّج على مذبحة الشعب الفلسطيني وقتله بالجوع والعطش والمرض.
لقد ثَبَت الشعب الفلسطيني العظيم بصبره وتضحياته التي لا نظير لها وقواه المقاومة في معركة طوفان الاقصى مع الجبهات المساندة في لبنان واليمن والعراق وسوريا وأُحبط الاهداف الغربية وهذا ما دعا الولايات المتحدة إلى اقتناص الفرصة في محاولة امتصاص نقمة شعبها وشعوب العالم في محاولة لتبرئة نفسها من المسؤولية من الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني والالتفاف على مطالبه واختصارها بأنها مجرد قضية إنسانية لتجاوز المطلب الأساسي في التحرّر وانهاء الاحتلال. وهو ما سيفشله الشعب الفلسطيني رغم شدّة الألم والمعاناة والتضحيات الكبيرة ولكن النصر لاحت علائمه والنصر يا أحبتنا مقرون بالصبر والنصر صبر ساعة.
نرجو أن يكون شهر رمضان المبارك شهر الانتصار الكبير على الذات وتحقيق التوافق الداخلي لملء الفراغ في المؤسسات الدستورية وتفعيلها لتوحيد الموقف الوطني ومواجهة تداعيات الحرب العدوانية على لبنان وشعبه والانتصار على الأعداء، وأن يكون شهر الفرج للشعب الفلسطيني ولغزة الصابرة المضحّية وأن يكون شهر انتهاء الصمت العربي المدوي بالخجل والخزي والعار الذي يُذكّرنا هذا بقول مولى المتقين وسيد الاوصياء علي ابن أبي طالب (ع) لقومه الذين تخاذلوا عن الجهاد والاستجابة لدعوته: ” فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَتَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَلَا تَغْزُونَ وَيُعْصَى اللَّهُ وَتَرْضَوْنَ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ هَذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ أَمْهِلْنَا يُسَبَّخْ عَنَّا الْحَرُّ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ قُلْتُمْ هَذِهِ صَبَارَّةُ الْقُرِّ أَمْهِلْنَا يَنْسَلِخْ عَنَّا الْبَرْدُ كُلُّ هَذَا فِرَاراً مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ فَإِذَا كُنْتُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْقُرِّ تَفِرُّونَ فَأَنْتُمْ وَاللَّهِ مِنَ السَّيْفِ أَفَرُّ“.
فأين العرب والمسلمون من الابادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني والمصائب التي تنصب على رؤوس أبنائه جوعاً وعطشاً ومرضاً وقتلاً؟؟.
فإذا كان هذا لا يُحرّك فينا الرجولة والحميّة فما هو الذي يحرك فينا هذا الشعور؟؟ ونحن كأمة نعلم أنهم يقدّمون هذه التضحيات بالنيابة عنها.
أيها الاخوة، كونوا على يقين بأن طوفان الاقصى هي معركة تحرير الامة وشفائها من أسقامها التي تعاني منها.
أسألُ الله تعالى أن يُحِلَّ علينا وعلى أمتنا شهرُ رمضان نصراً من الله عاجلاً وفرجاً قريباً بالأخص للشعب الفلسطيني العزيز ولشعبنا المخلص ومقاومتنا الشجاعة وتقوى وإحساساً بالمسؤولية لشعوبنا العربية والاسلامية اتجاه القضية المركزية الفلسطينية لاقتلاع هذا الوجود الصهيوني الشرير الذي لن يقر لبلادنا قرار الا باستئصاله ليعم الخير والامن والسلام على ربوع بلادنا الحبيبة فتتحقق رسالة الصوم في شهر رمضان، واذا كان فعل البِرّ من أفضل القربات للمؤمنين كما قال رسول اللّه (ص): “فوق كل ذي بر بر حتى يقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه بر” ففي القتل دفاعاً عن الدين والشرف والأوطان حياة لها وللقيم ومن دونها موت لا ينفع معه للجبناء بقاء.
بُورِكَ لكم شهر رمضان، وصيام مقبول ودعاء مستجاب إن شاء الله، وليكن فرصةً لمحاسبة النفس وتوبةً الى الله وصلةً للأرحام وتفقّداً للفقراء وعنايةً بالايتام.
أيها المؤمنون، وليكن أيضاً فرصة لتجديد العهد مع الله ومع القرآن الكريم تلاوةً وتدبّراً ولا يثنيكم الشعور بالتعب عن التزام صلاة الليل والاجتهاد بالدعاء إجابة لدعوة ربكم القائل: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ).
وأُذكّركم ونفسي بتقوى الله التي يُعبّر عنها العمل، فالتقوى الحقيقية هي العمل بأوامر الله تعالى وأداء الواجبات والانتهاء عن المحرّمات كما أمر نبيّكم (ص) في خطبة شهر رمضان، فالعودة اليها والعمل بها خير لكم وبها وثاق دينكم وتزكية أنفسكم.
ولا يفوتنا أخيراً أن نعزي بشهداء المجزرة المدانة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية الوحشية بحق الشهداء في بلدتي خربة سلم والهبّارية جراء العدوان الصهيوني، ونسأل الله لهم الرحمة وللجرحى الشفاء العاجل ولأهلهم عظيم الأجر وجميل الصبر”.