كتبت صحيفة “النهار”: لم تعد زيارات الموفد الأميركي كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون امن الطاقة آموس هوكشتاين مجال توظيف دعائي او مباهاة فارغة لاي من الافرقاء او الشخصيات السياسية في ادعاء “العنتريات” في التفاوض او التلاعب بالوقت، اذ ان زيارته هذه المرة لا تسمح اطلاقا لهواة هذا الترف باي مناورات. ومع ان أيا من هؤلاء الذين دأبوا سابقا على الزعم أنهم كانوا يدركون ماذا يحمل الموفد الأميركي المكلف راهنا، ومنذ اندلاع حرب غزة ومعها حرب المشاغلة في جنوب لبنان، بتبريد الجبهة اللبنانية والحؤول دون نشوء بقعة حرب متفجرة ثانية بعد غزة في لبنان، لا يملك اليوم أي معطيات حاسمة حيال عودة هوكشتاين الى بيروت وتل ابيب . ولكن المعطيات والمؤشرات المتوافرة حيال هذه العودة تثير القلق المتعاظم بدل الانطباعات المتفائلة. ذلك ان ما سبق العودة المنتظرة لهوكشتاين اليوم الى بيروت ارتسم في تصعيد ميداني بالغ الخطورة بين إسرائيل و”حزب الله” وواكبته تسريبات إعلامية أميركية على جانب كبير من الخطورة تتحدث عن ترجيح قيام إسرائيل بعملية برية في لبنان في الربيع او الصيف المقبلين. كما ان المعطيات الظاهرة والمستترة المتصلة بالجهود المبذولة لاحلال هدنة رمضان في غزة ما انفكت تصطدم بعوائق وعراقيل وشروط تحول دون احداث انفراج في غزة من شأنه ان ينسحب تلقائيا على جنوب لبنان وجبهته المحتدمة بالمواجهات منذ خمسة اشهر. لذلك شكل نبأ عودة هوكشتاين الى بيروت وتل ابيب مؤشرا كافيا لدى الكثير من الأوساط الديبلوماسية الأجنبية والمحلية المعنية الى تصاعد الخطورة التي تحوط بالوضع عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية وسط تصاعد التهديدات والاستعدادات الإسرائيلية التي توصف بالجدية لتصعيد واسع للحرب على لبنان. ولذا تتجه الأنظار الى مهمة هوكشتاين هذه المرة على انها بالغة الدقة والحساسية بما يفترض انه سينقل خلالها خطة او اتجاهات او مقترحات جديدة تحمل الحد الأدنى من المقبولية من كل الطرفين الأساسيين أي إسرائيل و”حزب الله” للاتجاه نحو بداية تبريد الجبهة الجنوبية، ولعلها ستكون المحاولة المتقدمة الأكثر اثارة للاهتمام نظرا الى تصاعد مناخات الصدام الميداني الكبير الذي يخشى من انزلاق لبنان اليه.
الكنيسة تحذر
وفي الوقت الذي ستنشد الأنظار الى مهمة هوكشتاين الجديدة وسط هذه الظروف المحتقنة، لم يكن غريبا ان يستأثر “الصوتان البارزان” للكنيسة في لبنان باهتمام الأوساط الداخلية لجهة إعلاء التحذيرات من دفع لبنان إلى الانزلاق نحو حرب. ومع ان كلا من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، دأبا منذ بداية المواجهات الميدانية على الحدود الجنوبية على التحذير من جر لبنان الى مواجهة مدمرة ، فان تزامن موقفيهما امس اللذين اتسما بإعلاء لافت للصوت والتحذير المتشدد اتخذ دلالات كبيرة لا يمكن تجاهل تأثيرها وابعادها.
البطريرك الراعي قال: ” يا لهول وعار ما يجري في قطاع غزّة من جرائم؟ إنّنا ندين بشدّة المجازر التي تُرتكب هناك بحقّ الشعب الفلسطينيّ على يد الإسرائيليّين الأثيمة: يقتلون عمدًا العشرات من المنتظرين المساعدات الغذائيّة، وهم يتضوّرون جوعًا. وآخرون يموتون جوعًا على الطرق تحت أنظارهم، وآخرون يُقتلون عمدًا وهم على طرق التشريد من بيوتهم المهدّمة، والهرب تحت نيران المدافع والصواريخ. فيا للإجرام الوحشيّ. ونحن في لبنان يجب ألّا ينزلق أحدٌ بوطننا إلى الحرب والقتل والدمار والتهجير والتشريد، من دون فائدة، ولقضايا لا دخل للبنانيّين عامّةً بها ولأهلنا في الجنوب اللبنانيّ. رسالة لبنان أن يكون أرض سلام، ورائد سلام بحكم تكوينه وتنوّعه الثقافيّ والدينيّ، وبحكم تاريخه ونظامه السياسيّ وميثاق عيشه المشترك”.
اما المطران عودة فقال “لا بد من الإشارة إلى خطورة اتساع الحرب على لبنان. كلنا نعرف أننا أمام عدو شرس مجرم لا يردعه ضمير ولا إنسانية، فهل نضع أنفسنا في فم التنين؟ إذا كنا نعرف أن لبناننا لا يحتمل نتائج وحشية هذا العدو، وقد شهدنا ما حل بغزة مما أدمى القلوب، أليس من الحكمة منع انزلاق لبنان إلى ما يشبه ما حل هناك؟ فكروا بمصلحة لبنان وببقائه. مصلحة لبنان وأبنائه تعلو على كل المصالح. فهل يجوز لفئة من اللبنانيين أن تقرر عن الجميع وتتفرد باتخاذ قرارات لم يتوافق عليها جميع اللبنانيين، ولا تناسب مصلحتهم؟ وهل تقبل هذه الفئة أن تبادر فئة أخرى من الشعب إلى اتخاذ مواقف أو القيام بأعمال تزج الجميع في أتون صراعات يدفع الجميع ثمنها؟ أين الدولة من كل هذا؟”.
المواجهات الميدانية
في غضون ذلك عكس الوضع الميداني التمادي في الوتيرة التصعيدية ولا سيما بعد إمعان إسرائيل في استهداف كوادر وعناصر “حزب الله” الذي فقد السبت الماضي في اقل من أربع وعشرين ساعة سبعة كوادر وعناصر اغتالتهم إسرائيل في انحاء حدودية جنوبية بسلاح المسيرات. فصباح السبت نفذ الطيران الإسرائيلي غارة بمسيّرة استهدفت سيارة على طريق عام الناقورة واعلن الجيش الإسرائيلي انه استهدف سيارة “كانت تقل عناصر مسؤولين عن إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل. والعناصر المستهدفون يتبعون “لواء الإمام الحسين” التابع لإيران ويعملون لصالح حزب الله”. ونعى “حزب الله” على الأثر ثلاثة من عناصره هم فاروق حرب من بلدة الحلوسية، وحسين محمد بدوي من بلدة دير قانون رأس العين، وعباس أحمد خليل من بلدة السمّاعية ، وكان الحزب قبل ذلك نعى اربعة عناصر سقطوا في الغارات على راميا الجمعة الماضي .
وامس افادت وسائل إعلام إسرائيليّة ان دوي إنفجارات كبيرة سمع داخل أحد المواقع العسكرية الإسرائيلية المحاذية للحدود مع لبنان. ولفتت التقارير إلى أنّ الإنفجارات التي حصلت ناجمة عن إستهداف صاروخ “بركان” لموقع إسرائيلي في منطقة الجليل الغربي. وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن دوي صافرات الإنذار المرتبطة بإطلاق الصواريخ وذلك في مستوطني باتس وشلومي.
واعلن “حزب الله” في سلسلة بياناته انه استهدف موقع جل العلام بصاروخ بركان وأصابه إصابةً مباشرة كما استهدف قوّة عسكرية إسرائيلية مقابل قرية الوزاني “وحقق فيها إصابات مباشرة مما دفع قوات العدو لإطلاق قذائف دخانية للتغطية على عملية سحب القتلى والجرحى بالمروحيّات من موقع الاستهداف”. كما استهدف موقع السمّاقة في تلال كفرشوبا ومن ثم انتشارا للجنود في جبل نذر.
وفي سياق متصل صرحت وزارة الدفاع الألمانية امس بأن “فرقة التدخل السريع الألمانية مستعدة للانسحاب من لبنان في حال توسعت الحرب في قطاع غزة لتشمل دولا أخرى في المنطقة”. وقالت في منشور على حسابها عبر منصة “إكس”: فرقة التدخل السريع المتخصصة في مهام الإجلاء أعدت أخيرا للإخلاء من لبنان في حال توسعت الحرب في قطاع غزة لتشمل المنطقة بأسرها”. وأشارت إلى أن “قواتها المنتشرة في الشرق الأوسط تعمل على مهام محددة، ومن أهمها تنفيذ عمليات إجلاء مواطنين من بعض المناطق”.