أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس، بعد أن ألقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
“أبارك لكم أولاً حلول شهر شعبان المعظم والأهمية التي تحوزها بعض الأشهر القمرية من بين سائر الشهور ومن جملتها هذا الشهر المبارك التي نأمل من الله تعالى أن تحل بركته علينا كمسلمين. وفي الحقيقة الثابتة أن هذا الأمر اي أكتساب بعض هذه الأشهر أهمية خاصة لدى الشارع المقدس يتعلق بالتأكيد على أمر هام جدا له علاقة بالتوحيد الذي يعتبر أهم أصل عقائدي أخذ الاولوية لدى كل الانبياء ودارت حوله كل جهودهم مع أقوامهم وأممهم، وهو محور الرسالات التي حملوها اليهم وتحمّلوا في هذا السبيل كل الاذى وبلغ حدّ الاستشهاد، فُسفكت دماء الكثيرين منهم.”
اضاف: “وفي الواقع إن التوحيد هو الأصل الذي تتفرّع عنه سائر الاصول العقائدية الاخرى من النبوة والإمامة والمعاد، فإن النبوة والامامة والوحي والمعاد ما كان لها من وظيفة لولا التوحيد، فما هي الوظيفة التي يُراد من خلال التأكيد على الاهتمام بهذه الأشهر تأديتها؟ في الحقيقة أن هذه الاشهر هي أشهر عبادية تم التأكيد فيها على القيام ببعض العبادات، غاية الامر أن بعضها اختُصَّ بعبادات بعضها واجب وبعضها مستحب، وإن كان الاتيان ببعضها مستحب في كل اشهر السنة الا في العيدين حيث استُثْنِيت من الاتيان ببعض العبادات، وهي عبادة الصوم، فلا يجوز الصوم فيهما.
وورد أيضاً الاتيان في بعض الاشهر والمناسبات استحباب الصلاة بكيفية معينة، بعضها ثابت وبعضها لم يثبت لدى بعض الفقهاء، لكنه اجمالا كانت العبادات موكدا للتأكيد بشكل عام في كل الاوقات، مما يؤكد اهتمام الشارع المقدّس بتوجيه المؤمنين بهذا التوجيه، وأن تكون العبادة القاعدة التي ينطلقون منها في حياتهم. ومن باب التشديد على هذه الاهمية جعلت لبعض الاشهر خصوصية في ذلك كشهر رجب وشهر شعبان من باب الاستحباب، وان يكون بمبادرة فردية للمؤمنين ومن دون أن يكون بدفع لازم من المولى عزّ وجلّ، وهذا يتضمن إعطاء المؤمن حرية الارادة لتعزيز عوامل الاندفاع بالمبادرة الذاتية لتقوية جانب الارتباط بالله عزّ وجلّ أمام نزعة التفلت القاتلة التي تهواها النفس من القيود والتكاليف والتمرد على الضوابط التي تحاول تهذيبها وإسلاس قيادها ، كما قال رسول الله (ص) وهو يحدثنا عنها : “أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك”.
وتابع: “وبمقدار ما كانت القوة لهذا الجموح كبيرة احتاج استعادة التوازن لها من الاساليب التربوية والترويضية بقوتها لكن بارادة صاحبها واختياره ومن دون اجبار، وبهذا يكون له الامتياز على سائر الكائنات الاخرى بما يتوافق مع الكرامة التي اختصها الله به، لهذا جاءت الاخبار عن رسول الله (ص) بالتأكيد على الاهتمام بهذه الاشهر رجب وشعبان، وقد مضى شهر رجب الخير وحل شهر شعبان الذي وصف بالمعظّم تعظيماً لشأنه كما ورد فيه انه شهر الله تعالى شأنه وإلفاتاً لنظر المؤمنين ودعوة لهم لعدم التهاون به، فقد ورد فيه عن الامام الصادق (ع) انه قال : حدثني ابي : “شعبان شهري وشهر رمضان شهر الله فمن صام يوماً من شهري كنت شفيعه يوم القيامة، ومن صام يومين من شهري غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن صام ثلاثة أيام من شهري قيل له استأنف العمل، ومن صام شهر رمضان يحفظ فرجه ولسانه وكف أذاه عن الناس غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر وأعتقه من النار وأحله دار القرار وقبل شفاعته في عدد رمل عالج من مذنبي أهل التوحيد».
قال العلامة الطريحي (رحمه الله) في معنى رمل عالج: ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض، وكان الحث في هذا الحديث على الصيام ليس من باب الحصر وانما كأهم وسيلة لكبح جماح شهوات النفس والسيطرة عليها ليسهل الامساك بزمامها والتحرر من سلطانها، ولهذا اجدد للمؤمنين التبريكات بحلول شهر شعبان، وادعو اخواني وابنائي الى انتهاز هذه الفرص التي هيأها الله تعالى شأنه للمؤمنين واختصهم بها ان يستغلوها بالصوم والدعاء وخصوصا المناجاة الشعبانية التي لها أهمية خاصة عند أهل البيت (ع)، فهي مناجاة مروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ومن الأئمة من أبنائه (ع) وكانوا يواظبون على قراءتها في شهر شعبان المعظم وانتهاج هذا السلوك في إعطاء الأهمية والاحتفال بهذه الأشهر المباركة واستغلالها في الأعمال العبادية والدعاء حتى يتحول الإيمان في قلوبنا إلى حضور وجداني وسلوكي وتستقيم حياتنا بالحضور الفاعل للايمان فيها حتى لا يبقى مجرد لقلقة للسان”.
واردف قائلا: “وكذلك فإن لشهر شعبان بريق آخر تُزهر به أرواحنا وقلوبنا ينعكس على مجريات حياتنا ويعطينا المثال الحيّ والنموذج الذي نقتدي به وهو ولادة بعض من أئمة الطهر مظهر الكمال الإنساني والعبودية والطاعة التامة لله سبحانه وتعالى ومخالفة الهوى والنفس الإمارة بالسوء التي بها ارتقوا في سلم الكمال إلى الدرجة العليا فكانوا الائمة وأولو الامر الذين أوجب الله محبتهم وطاعتهم وأنزل في ذلك قرآناً يتلى ما بقي الدهر فقال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وقال تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ).
ومن هؤلاء سيد الشهداء الامام أبي عبدالله الحسين (ع) وكذلك الامام زين العابدين (ع) ، وهي مناسبات أخرى تزيد بركةً وعظمةً وبهاءً شهر شعبان المعظم أن تشرّف بكونه شهر رسول الحق والهدى نبي الرحمة محمد بن عبدالله (ص) فنتشرف بالانتماء اليه بالعمل والاهتمام بما دعانا اليه واوصانا به ونتهيأ بالاستعداد لقدوم شهر البركة والرحمة شهر الله شهر رمضان المبارك، فالحياة هي معركة الثبات بقوة الارادة التي بها يتحدد مصير الامم والأفراد، فنحن الامة التي تحررت من عبودية الذات والاهواء وتكرمت بالعبودية لله جل وعلا الملتزمة بقوة الارادة بشرعيته وسننه وقيمه فأخرجها بها من ظلمات الجهل والباطل إلى نور المعرفة للحق (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) التي نقارع اليوم بها الباطل وقوى الظلم والعدوان التي تمارس طغيانها مستندةً إلى ما تمتلكه من ادوات الصراع المادي التي لا تملك الحسم في الميدان لو أن أهل الحق التزموا توفير عناصر القوة التي عمادها القضية المحقة وإرادة الدفاع عنها حتى الشهادة. والفرق أن الباطل يفتقد القضية التي يقاتل من أجلها صفة الحقّ ولكن لديه الارادة بالدفاع عنها حتى الموت بالاستناد إلى القوة المادية لغلبة الوهم الذي تحدثه القوة المادية الظاهرة على النفس”.
وأكد “ان تأثر النفس بالظواهر المادية أكثر منها تأثّراً بالقوى المعنوية الخفية التي يحتاج غلبة التأثر بها إلى تعميق الإيمان في النفس، فانتصار الباطل أحياناً ليس لأنه الاقوى بل بسبب غلبة الوهم على أهل الحق وتأثرهم بقوة السلاح أو بأكثرية العدد أو بهما معاً الذي يمتلكه العدو ويفتقده أهل الإيمان يوهم بعض ضعاف الإيمان بالضعف، مما يوهن الارادة ويسبب الهزيمة في نفوسهم قبل حصوله في الواقع، إذاً فعامل الحسم في النصر أو الهزيمة في الواقع يعود في الحقيقة الى عنصر واحد هو عنصر الوهم” .
وقال: “ايها الأخوة، صحيح انه وهم، ولكنه عنصر قد يقلب حياة أمم بكاملها بل ويمكن ان يقضي عليها، وهنا تكمن الحاجة للتخلص من الوقوع في الوهم إلى تقوية عنصر الإيمان والى النموذج اي إلى العبادة إلى أئمة أهل البيت (ع) الذي يمثّل كلاً من الامام الحسين والامام زين العابدين (ع) مصداقين لهذا النموذج في كمال العبودية والاخلاص والصدق والصبر والتضحية وهو ما تجمعه هذه المناسبة المباركة مناسبة شهر شعبان المعظم. التي أكثر ما نكون بحاجة نحن إليها اليوم لنزيح عن أنفسنا سيطرة الوهم عليها الذي قلب حياة امتنا وزرع الشعور بالضعف والوهن في اعماق اعماقها وجعل منها تابعا لا حول له ولا قوة”.
وشدد على “انّ أكبر تحية تبريك يستحقها اليوم هم الذين ربتهم ثقافة شعبان واتخذوا من أئمة أهل البيت والإمام الحسين والإمام زين العابدين نموذجاً وقادةً لهم في الحياة، وهم المقاومون الابطال الذين يتصدون للعدو على حدود الوطن ويذيقونه شر الهوان وللشهداء عنوان الكرامة الوطنية التي لا يستحقها أولئك الذين ينتقصون تضحياتهم وينكرون عليهم وطنيتهم التي لا تزيدهم الا كرامة وهم الذين دفعهم تعلقهم بوطنهم وحبهم له إلى ما اقدموا عليه من دون منة على احد او انتظار لمقابل إيمانا بقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) لأن الشريف لا يصدر منه إلا الشرف واللئيم لا يرى الناس منه إلا الحقد والجحود والنكران”.
وقال: “كفاكم أنكم تقتنعون بصحة ما تقومون به وأن شعبكم يحتضنكم ويقدر تضحياتكم ويقف إلى جانبكم ويرى انجازاتكم لم تقوموا بذلك بخلفيات طائفية وبعقلية متخلفة وأنانية، والتبريك لعوائل الشهداء الذين لم يبخلوا على الوطن بأعزائهم.”
ورأى الخطيب “ان المشكلة لدى البعض في الخلفية التي يعبرون عنها حين يتهمون المقاومة بارتهان المواطنين فيقلبون الحقائق ، في الوقت الذي يتعرض فيه الوطن للتهديد بالاجتياح والتدمير والعدوان فيسكتون ولا ينبسون ببنت شفة ويدافعون عن العمالة والعملاء ويختلقون لها ولهم التفسيرات والتبريرات والذرائع، فقد أثبتوا ان الوطن لا يعني لهم شيء سوى التحاصص والتقاسم للنفوذ والمنافع، وهم على استعداد لبيعه بأبخس الاثمان بل باعوه بخمسين من الفضة فهم يوظاس بثوب جديد ولكن لم تتم لهم الصفقة، فقد حلتم بينهم وبين أحلامهم الدنية فلذلك هم يقذفونكم بحجارة قلوبهم التي قست بفعل الكراهة التي عمرتها.
في انجيل متى 21/12: “وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ.
وَقَالَ لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»
وتابع: “ولكن لا داعي لنشغل أنفسنا في التُرَّهات التي لا تقدم ولا تؤخر فالفعل المجدي هو في الميدان، فما تقوم به المقاومة دفاعاً عن لبنان وإسناداً للشعب الفلسطيني اليوم يفضحهم جميعاً ويُثبت سخافة مقولاتهم عندما يعجز العدو في ما قارب الأشهر الخمسة من المواجهة والقتال أن يحقق هدفاً واحداً مما أعلن عنه من أهداف وأن يبقى جنوده مختبئين وراء المواقع الحدودية تقصفهم واجهزة رصدهم صواريخ المقاومة من لبنان دون أن يتخطوها بسنتيمتر واحد بل يتراجعون عن مواقعهم ومعهم مستوطنيهم الذين أخلوا عشرات المستوطنات الحدودية مع لبنان وهم يتوسلون عبر الوسطاء هدوء الجبهة ليتمكنوا من اعادتهم دون جدوى ما لم يستجب لشرط المقاومة بوقف عدوانه على غزة”.
وأكد “ان هذه المواجهة مع العدو لم تحقق له إنجازاً سوى أنه اضاف فيها إلى سجله الأسود المزيد من ارتكاباته الاجرامية والارهابية، كما هي عادته عند العجز في الميدان أن يلجأ إلى الفتك بالمدنيين من الأطفال والنساء والعجز من المرضى والشيوخ ودمار البنى التحتية الذي كشف للرأي العام العالمي اليوم ما كان مستورا من همجيته بالأمس، فقد حشره صمود المقاومة وشعب غزة المضحي اليوم في الزاوية وباتت خياراته ضيقة ولن تنفعه التهديدات التي يطلقها باحتلال رفح أن تستسلم المقاومة وتخضع لشروطه وستضطره إلى الخضوع والاستجابة لشروطها حفاظا على النصر الذي سجلته في السابع من تشرين، رغما عن أنفه والمستكبرين الدوليين الذين يتزعمهم الأميركي الذي يبدي ظاهراً أنه يريد ولكنه يعطي الفرصة تلو الأخرى للإسرائيلي للإجهاز على الفلسطينيين وهو القادر على الضغط على العدو وإجباره على وقف العدوان ومناورته في الضغط على جانب العدو مكشوفة والمطلوب منه ممارسة الضغط الحقيق وإيقاف هذه المجزرة الوحشية.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [ الأنفال: 24]”.