قال النائب حسن فضل الله في مداخلة في جلسة مناقشة موازنة العام 2024:
“بسم الله أبدأ الكلام، وأوَّله يا دولة الرئيس.. عن الذين قتلوا في سبيله: دفاعًا عن الوطن، والشعب، والمقدسات.
من عباس محمد رعد نجل رئيس كتلتنا النيابية إلى كلِّ نقطة دمٍ من طفلٍ أو امرأةٍ أواعلاميٍّ أو طبيبٍ أو مسعفٍ أو مقاومٍ أو جنديٍّ في الجيش اللبناني هنا على أرض الجنوب.. أو هناك في غزة والضفة، وعلى امتداد مساحة الشراكة مع الدم الفلسطيني المظلوم، من أكناف بيت المقدس إلى أكناف النجف الأشرف والشام والبحر الأحمر.
نبدأ من هؤلاء.. من دماء شهدائنا من المقاومين والمدنيين، لأنَّ من حقهم علينا أن ننحني اجلالًا وتكريمًا لعظيم عطاءاتهم وقدسية تضحياتهم، ومن حقِّ عوائلهم أن نستحضر عظيم صبرهم وتحمُّلهم ألم الفراق، ونحن من نحمل أمانةَ دمِهم وصوتِهم في هذا المجلس النيابي. نرفع لهم ولعوائلهم كلَّ الحب والافتخار والمواساة.
هؤلاء الشهداء هم الذين حملوا عبء تحرير الأرض وحمايتها، واليوم يدفعون بدمهم عن بلدنا الشرور، والمخاطر، والأطماع الصهيونية المتربصة بأرضنا ومياهنا وخيراتنا.
هذا الخطر ليس جديدًا فعمره من عمر زرع هذا الكيان في فلسطين، وقد تكون العودة إلى بعض وقائع التاريخ ضرورية في سياق قراءة طبيعة الصراع، لأنَّ هناك من يبني على وقائع الماضي.. مواقف في الحاضر ويريد أن يؤسِّس للمستقبل.
“وحسبنا ألآن نكبة جبل عامل في حدوده المتاحة ودمائه المباحة، وقد صيح فيه نهبا، وأطفاله قد تأوَّدت رعبا، وقد استحرَّ به الفتك إلى ما هنالك من هلاك الحرث والزرع.
هذا الجبل المرابط يدفع جزية الدم لشذَاذ الآفاق من كلِّ من لفظته الأرجاء ونبذته السماء، فإن لم يكن من قدرة على الحماية أفليس من طاقة على الرعاية”
حسبنا الآن ليست في عام 2024 هذه صرخة الجنوب عام 1948 التي أطلقها الامام السيد عبد الحسين شرف الدين في رسالة بعثها إلى رئيس الجمهورية آنذاك بشارة الخوري. بعد الاجتياح الاسرائيلي للقرى الجنوبية الحدودية، وارتكاب مجزرة حولا ضد المدنيين اللبنانيين، وإقامة أول حزام أمني في القرى الحدودية التي احتلها الجيش الاسرائيلي في ذلك التاريخ، قبل أن ينسحب منها بعد عام مقتطعًا سبعة قرى لبنانية ضمَّها إلى كيانه بعد أن جرى ترسيم الحدود وفق مشيئة المستعمرين، وتخلَّت عنها الدولة الضعيفة رغم خوض معركة المالكية الشهيرة، ولا يزال اهلها اللبنانيون مهجرين عنها إلى يومنا هذا.
كان الجنوب من أوائل من دفعوا ثمن سقوط فلسطين، لأنَّ السلطة اللبنانية آنذاك مثلها مثل كثير من الدول العربية كانت تعتبر ما يحدث في فلسطين شأنًا فلسطينيًّا، وتحرَّك بعضها لرفع العتب قبل أن تدفع الثمن: احتلالا لأرضها وقتلا لشعوبها وتخريبًا لاقتصادها، وهذا ما حصل مع لبنان والاردن ومصر وسوريا.
تُرى لو كان موقفها مغايرًا آنذاك وواجهت العدوان وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني هل بقيت تدفع الأثمان الباهضة بهذا القدر الذي دفعته على مدى 75 عامًا.
أهل الجنوب في ذلك التاريخ كانوا يطالبون بالحدِّ الدنى وهو الرعاية بالرعاية لأنهم كانوا يائيسين من سلطتهم الرسمية التي التي لم توفر لهم أي حماية، ولكنهم في الوقت نفسه بقوا المتحفزين لمواجهة الخطر، فعندما تتخلَّى النظمة عن مسؤولياتها تتحرك الشعوب لممارسة حقها في الدفاع عن وجودها وقضاياها العادلة. فحمل اهل الجنوب قضية الدفاع عن لبنان، وبحكم موقعهم الجغرافي مع كل الوطنيين قضية فلسطين وانخرطوا إلى جانب جيرانهم في الثورات والمقاومة من موقع الأخوة ومن منطلق انساني وقومي، وتوارثوا ذلك جيلا بعد جيل، إلى أن قادهم الإمام م الإمام المغيب السيد موسى الصدر من زمن الغربة إلى زمن الحضور والنهوض متبنيًا قضية الشعب الفلسطيني من جهة، ومؤسسًا للمقاومة ضد الاحتلال من جهة أخرى.
هذا جزءٌ من تاريخ لبنان وتراثه الوطني الذي يمثله موقف كلِّ حرٍّ وشريف على امتداد مساحة الوطن، وفي الطليعة أبناء الجنوب الذين كان قدرهم أن يكونوا في هذه البقعة المقدَّسة وأن يكونوا على مستوى الأمانة التاريخية في مواجهة العدوانية الصهيونية وفي أصالة الانتماء إلى قضايا الحق والعدل والوقوف إلى جانب المظلومين.
اليوم نحن امام نكبة جديدة يراد أن لها أن تُكرر ما حصل عام 1948 ويشاهدها العالم بالصوت والصورة، وينتفض لها كل صاحب ضمير انساني، ومن منطلق انسانيتنا معنيون أن نتخذ الموقف الذي يتلائم مع حجم الحدث والمخاطر الناجمة عنه، خصوصًا ان بلدنا من أول المعنيين والمتضررين جراء ما يحصل، ويكفي ان نشير إلى أمرين، هما:
الخطر المباشر الذي كشف عنه المسؤولون الصهاينة ومسؤولون أميركيون بأنَّه قبل الهجوم على غزة وبين 8 و11 تشرين أول، كانت هناك خطط اسرائيلية لتنفيذ ضربة استباقية ضد لبنان، وجرى تأجيلها خوفًا من فتح جبهتين في آن واحد.
الأمر الثاني المخاطر الحقيقية من إعادة رسم مستقبل المنطقة على حساب لبنان بما في ذلك فرض التوطين على أرضه إذا ما نجح مخطط حكومة نتنياهو في تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير أهل غزة ومعهم لاحقًا أهل الضفة الغربية وفلسطينيو عام 1948، هل هذا مجرد خطر وهمي أم حقيقي، أدعو الجميع لمراقبة التخوف الاردني والمصري وصولا إلى اعتبار هذا الأمر بمثابة اعلان حرب، ومن سيمنع ذلك في لبنان إذا سقطت غزة اليوم وانتصر العدو”.
وتابع :”نحن أمام حرب يراد لها أن ترسم مصائر الدول ومستقبلها، والضعيف من يدفع الثمن، هذا حصل في الماضي، ولكن هل نسمح مرة أخرى بقرى سبع جديدة، من موقعنا سنعمل بكل قوة كي لا نسمح أن يتكرَّر لا في مزارع شبعا ولا في الغجر ولا على أي حبة تراب لبنانية، لأنه عندما يكون بلدنا في موقع ضعف سيتم رسم مستقبله من قبل الآخرين، وعندما نكون أقوياء وحاضرين، نحن اللبنانيون من يرسم مستقبل بلده، بل ومن يشارك في رسم مستقبل المنطقة.
اليوم وأمام كل ما يجري في المنطقة، لبنان في موقع قوة بل صار جزءًا من معادلات المنطقة الأساسية وتقدَّم له العروض، ويتحوَّل إلى شريك أساسي في السعي لوقف العدوان على غزة، وهذا كله بفضل تضحيات المقاومين وأهلنا في الجنوب، ونتيجة مواجهة العدوان بقوة السلاح والموقف، ورفض الانصياع للتهديدات أو الخضوع للتهويل.
أمام العدوان على غزة وجريمة الإبادة التي يرتكبها الصهاينة لا أظن أن أحدًا في لبنان أو في أي مكان في العالم لديه حس انساني يعتبر أن هناك مصلحة في هزيمة الشعب الفلسطيني وانتصار العدو وكل من له شأنية سياسية في لبنان يعلن تضامنه مع أهل غزة. ويرفض حرب الابادة الصهيونية. وهذا أمر جيد ومطلوب، ولكن هل نكتفي بهذا المقدار، ونتفرج على المذبحة، ما الذي تمليه علينا انسانيتنا وأخلاقنا وجيرتنا ومصلحتنا الوطنية، خصوصًا أمام عدو متوحش إن تركته لن يتركك، وإن حيدت نفسك لن يحيدك، ولذلك من أجل منع الصهاينة من الانتصار في هذه الحرب كان لا بد من القيام بكل الخطوات الممكنة ومن بينها العمل الميداني العسكري، الذي أثبت جدواه وفعاليته والدليل هو هذا الاستنفار الديبلوماسي الأميركي والغربي لمصلحة حماية كيان الاحتلال وتأمين عودة المستوطنين إلى الشمال، وفي هذه النقطة ما يهم ليس التحليلات والمواقف والقراءات الخاطئة لحجم تأثير هذه الجبهة، بل النتائج الميدانية المباشرة التي يضج منها العدو وتؤثر على قدراته، وهو ما يفهمه جيش الاحتلال جيدًا من كل ضربة يتلقاها”.
أضاف : “ما يعنينا اليوم هو كيفية حماية بلدنا والتصدي لمخاطر المشروع الصهيوني ولتوحشه الذي نرى صوره في غزة والضفة، وهذا ما يتطلب أن يكون الموقف اللبناني على مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية. لأنَّ الحرب لا تتعلَّق بغزة فقط بل هي حرب تحديد مستقبل المنطقة بما فيها لبنان، ونحن أخذنا الموقف الذي يمليه علينا واجبنا ورؤيتنا لمصلحة بلدنا من جهة وما تمليه علينا انسانيتنا بأن لا نتفرج على إبادة الشعب الفلسطيني آخذين بعين الاعتبار كل ما له علاقة بوضعية بلدنا.
على المستوى اللبناني المطلوب على الأقل اليوم من الجميع ملاقاة الموقف الرسمي للدولة الذي تعبِّر عنه الحكومة ورئيسها لجهة السعي إلى وقف العدوان وحماية البلد وتحميل الكيان الصهيوني المسؤولية الكاملة عن الاعتداءات على لبنان، لأن كيان الاحتلال هو المعتدي والمحتل وهو من يخرق كل القواعد كما تؤكد دائمًا يا دولة الرئيس.
هذه حرب الخيار الواحد، وهو خيار وقف هذه المذبحة الصهيونية بكل الوسائل الممكنة، فقرار الحرب هو بيد الكيان الصهيوني وقرار وقفها هو بيد الولايات المتحدة الأميركية وما نملكه نحن في لبنان هو حق الدفاع المشروع عن النفس، وحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال كما أقرَّته الدولة اللبنانية بكل حكوماتها ومجالسها النيابية منذ اتفاق الطائف إلى اليوم”.
واردف :”من دون شك الدفاع عن البلد وحمايته ومنع العدو من تحقيق أهدافه في غزة، له ثمنه، ومن يدفع الثمن اليوم فضلًا عن المقاومين هم أهل المنطقة الحدودية، من أرزاقهم وأرواحهم من نزح منهم ومن بقي صامدًا هذا عبء تاريخي، قدرنا نحن أهل الجنوب أننا وجدنا في هذه المنطقة قدر أبائنا وأجدادنا انهم تحملوا على مدى الزمن هذا العبء، و وأن أرضنا وخيراتنا محل الطمع الصهيوني، ولكن شعبنا هو على مستوى هذه المواجهة يزف شهداءه في كل يوم بفخر واعتزاز، من دون أن يتراجع أو يخضع.
يوجد ألم وحزن وفراق أحبَّة ومعاناة نزوح، ولكن يوجد إرادة وتصميم وعزم على مواصلة هذا الدرب لأنَّه الطريق الذي يبقي لنا البلد ويحمي الشعب ويحفظ الأرض ويصون الكرامة.
الفرق بين عام 48 و78 82 وهذه تواريخ محفورة في ذاكرة الجنوبيين واليوم، أنَّ الحزام الأمني صار داخل المستوطنات، وأنَّ التهجير ليس من طرف واحد، وأن معادلة حماية أرواح المدنيين لا تزال قائمة رغم كل محاولات العدو التفلت منها، والتي تلجمها المقاومة بالرد الفوري على مستوطناته، وكلُّ هذا الفرق بين الزمنين سببه وجود هذه المقاومة، لأنَّ زمن الهزائم والضعف ولَّى، ولأنَّ الثمن الذي يدفعه العدو يفرض عليه التراجع أمام معادلات المقاومة.
واجهنا على مدى الأشهر الماضية كل هذه الحرب وما رافقها من رسائل تهديد ووعيد بموقف واحد أوقفوا الحرب على غزة وبعدها نتحدث، واليوم من على هذا المنبر نجدِّد التأكيد أن المطلوب أمر واحد وقف المذبحة، ونحن متمسكون بحقنا في الدفاع عن بلدنا وحماية شعبنا والتصدي للعدوان الصهيوني، وعندما ننتصر لغزة فإننا ننتصر لبلدنا، وأنَّ كل التهديدات الاسرائيلية العلنية أو رسائل التهويل الخارجية، لا يمكن لها ان تحيدنا عن الهدف وهو ضرورة وقف العدوان قبل البحث بأي أمر آخر، والاستعداد للنقاش في ما يطرح على بلدنا بعد وقف الحرب على قاعدة تحرير باقي أرضنا وحماية سيادتنا”.
في موضوع الموازنة، قال فضل الله : “هناك مجموعة من النقاط التي أود الاشارة إليها، وعندما نبدأ نقاش المواد لدينا العديد من الملاحظات والاقتراحات لتعديل بعض المواد التي تحسِّن من الموازنة.
ـ إنَّ وجود موازنة مقرَّة حاجة للبلد وأن تصدر بقانون أفضل بكثير من إصدارها كما أقرتها الحكومة بمرسوم.، ولكن نشر الموازنة شرطه وجود قطع الحساب للسنوات السابقة، وإلى الان لم ننته من هذا الموضوع رغم أنَّ المجلس قام بكل ما عليه بما فيه اقرار القوانين التي تتيح لديوان المحاسبة التعاقد مع مدققين خارجيين، لقد أنجز عدد من قطوعات الحساب من قبل الديوان وبقيت سنوات أخرى على الحكومة أن تنجز هذا الملف وتحيله إلى المجلس لتحقيق الانتظام الدستوري والقانوني ولنمكن من مراقبة صدقية تنفيذ الموازنة
ـ هذه الموازنة هي موازنة تشغيل الدولة أي تشبه المصروف اليومي ولا ترقى إلى موازنة النهوض المالي والاقتصادي، وهي “جود من الموجود”.
ـ النواب الذين شاركوا في نقاشات لجنة المال والموازنة وتعاونوا بايجابية سواء كانوا مع الحكومة أو معارضين لها قدموا الكثير من التعديلات والاقتراحات التي أخذت بها اللجنة بحيث صرنا أمام مواد جديدة هي من نتاج هذا التعاون. ويمكن القول أن المواد القانونية هي أقرب إلى اقتراحات النواب منها إلى مشروع الحكومة
ـ صحيح أننا شطبنا في لجنة المال الرسوم والضرائب الجديدة ولكن هناك خلل أساسي في هذه الموازنة يحتاج إلى معالجة من الحكومة وهو من مسؤوليتها ففي الوقت الذي جرت مضاعفة أرقام بدلات الرسوم 46 ضعفا بناء على تقدير نسبة التضخم، فإنَّ رواتب القطاع العام زيدت سبعة أضعاف فقط بعنوان مساعدة اجتماعية وهذا يتطلب من الحكومة العمل على تصحيح الأجور بأسرع وقت ممكن.
توجد في الموازنة سلبيات ولكن توجد ايجابيات وهو ما عملنا مع آخرين على الإكثار منها على سبيل المثال التقديمات الصحية بما فيها تغطية تكاليف أدوية الأمراض المستعصية والاستشفاء، وهي الهمِّ اليومي لغالبية اللبنانيين، ولكن تبقى العبرة في التطبيق وهو ما سيكون محل رقابة برلمانية من قبل كتلتنا.
ـ هذه الموازنة لا تكفي سوى لتسيير المرافق العامة وربما ببطء، ولذلك المطلوب من الحكومة أن تسارع إلى وضع خطط التعافي موضع التنفيذ وإلى إقرار ما تحتاجه من قوانين خصوصا إصلاح القطاع المصرفي والتعافي المالي وإيجاد الحلول لاستعادة المودعين أمواله، ونحن نواكب الخطوات التي يقوم بها المصرف المركزي خصوصًا لجهة العمل على استقرار سعر العملة الوطنية.
ـ رغم كل هذه الأزمة المالية والاقتصادية فإن مزاريب الهدر والفساد لا تزال موجودة في مؤسسات الدولة، ورغم كل المحاولات التي بذلناها ولا نزال فإنَّ في أدراج القضاء ملفات كثيرة أحلناها لا تزال نائمة، وبعض القضاة يحالون على التقاعد وتبقى في أدراجهم، وهذه المعضلة تحتاج إلى حل من خلال إنجاز قانون اصلاح القضاء الذي مجددًا نأمل الانتهاء منه”.