كتبت صحيفة “النهار”: من دون التقليل اطلاقا من أهمية ودلالات “عشاء كليمنصو” العائلي” في هذه الظروف والذي جمع مجددا رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط ونجله رئيس الحزب وكتلة اللقاء الديموقراطي النائب تيمور جنبلاط ورئيس “تيار المردة” المرشح لرئاسة الجمهورية سليمان فرنجية ونجله النائب طوني فرنجية، فان المفارقة الأخرى التي رسمها العشاء – اللقاء تتمثل في ان المشهد الداخلي المصاب بتصحر الجمود السياسي القاتل، صار ينتظر لقاء زعيمين كحدث نادر في لبنان الذي كان قبلة العرب في حيويته وديموقراطيته ولعبته السياسية والدستورية وحرياته !
في أي حال، فان اللقاء اذا كان اخترق رتابة داخلية، فانه لم يحجب استمرار ترددات المواقف الأخيرة للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله داخليا ليس لجهة إعلانه استعداد حزبه وجهوزيته للحرب الواسعة مع إسرائيل فحسب، علما ان هذا الموقف يتسم بطابع تعبوي ونفسي وإعلامي بعد مئة يوم على مواجهات “المشاغلة” التي تركت خسائر بشرية كبيرة ودمارا واسعا ونزوحا ضخما في الجانب اللبناني يجري التستر عليه وحجبه من جانب الحزب وحلفائه كما من الحكومة والسلطة الرسمية، بل أيضا لجهة تداعيات ما اعتبر مسارعة نصرالله الى اقفال الطريق على وساطة التهدئة في الجنوب وقطع دابر أي احتمال للفصل بين جبهتي غزة والجنوب.
في هذا السياق ثمة معطيات ودلالات إضافية تسوقها أوساط ديبلوماسية معنية تعتقد ان موقف نصرالله جاء منسجما تماما مع ترددات انفجار المواجهة بين الاميركيين والبريطانيين والحوثيين في اليمن عقب شروع الولايات المتحدة وبريطانيا في شن الهجمات الجوية على قواعد الحوثيين. وتقول هذه الأوساط ان المهمة السابقة قبل الأخيرة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت شهدت “مرونة” اكبر في تعامل “حزب الله” معها، الامر الذي شجع “الحلقة الوسيطة” الحليفة للحزب والتي يتقدمها طبعا رئيس مجلس النواب نبيه بري وينخرط فيها نائب رئيس المجلس الياس بو صعب بفعل علاقته بهوكشتاين، على المضي قدما في التهيئة للمهمة الثانية التي قدم عبرها الموفد الأميركي إلى بيروت قبيل نهاية الأسبوع الماضي. غير ان ما تلفت اليه الأوساط نفسها ان من جملة “المتغيرات” الأساسية التي واكبت الزيارة الثانية لهوكشتاين ان “حزب الله” كان مني بضربتين قاسيتين من خلال اغتيال إسرائيل الرجل الثاني في “حماس” صالح العاروري في قلب معقل الحزب و”عاصمته” في الضاحية الجنوبية لبيروت، والقائد الميداني البارزفي “حزب الله” وسام حسن طويل، كما تزامنت مع الضربات الأميركية – البريطانية للحوثيين في اليمن. تبعا لذلك تضيف الأوساط الدبلوماسية ترك السيد نصرالله للموفد الأميركي ان يفرغ ما في جعبته بعدما كان وضع نصرالله مسبقا في أجواء ما سينقله هوكشتاين الذي كان التقى بو صعب في روما اول الأسبوع الماضي ونقل الأخير ما تبلغه منه الى بري الذي يتولى بديهيا نقل المقترحات الأميركية الى “حزب الله”. وترك نصرالله الجواب عن مقترحات هوكشتاين إلى كلمته الأحد في ذكرى أسبوع طويل المتزامنة مع مرور مئة يوم على حرب غزة ومواجهات الجنوب، فأسقط علنا و”رسميا” كل ما ادرج في اطار وساطة التبريد والتهدئة والحل الموقت، واعلن “نفير” الاستعداد للمواجهة الأوسع بصرف النظر عما اذا كانت ظروف حرب واسعة قائمة ام لا تزال مستبعدة. وهذا الامر شل في اعتقاد الأوساط الديبلوماسية نفسها شللا تاما الوسطاء اللصيقين بالحزب أيضا ولم يسقط فقط وساطة هوكشتاين في شقها الأول المتعلق بالتهدئة الميدانية . ويترتب على هذا الواقع تصاعد المحاذير والمخاوف ان يبقى لبنان بمجمله تحت وطأة التطورات الميدانية بل “تحت رحمة الميدان” فيما لا موجب للسؤال عن وجود الدولة والسلطة لان مواقف كل من الرئيسين بري ونجيب ميقاتي في ربط التهدئة في الجنوب بوقف الحرب على غزة ليس الا رجع صدى لموقف “حزب الله” .
ومع ذلك، فان وزير الخارجية عبدالله بوحبيب تحدث بعد لقائه الأول مع القائمة بأعمال سفارة الولايات المتحدة السفيرة ليزا جونسون في قصر بسترس امس عن “تلقيه بإرتياح جهوزية الولايات المتحدة الاميركية للتوسط في تخفيض التصعيد وإعادة الهدوء والاستقرار الى الجنوب”. وقال “نتحاور مع الجانب الاميركي بإنفتاح وروح ايجابية للوصول الى حلول مستدامة تحفظ سيادة لبنان وسلامة أراضيه، وتضمن الحقوق والأمن والاستقرار بالأخص لأهالي الجنوب”.
وفي المواقف الديبلوماسية البارزة، أكد السفير السعودي وليد بخاري امس “أن المملكة العربية السعودية مع لبنان شعبا ومؤسسات ولن تألو جهدا في تقديم أي مسعى وجهد لحل ما يعانيه لبنان من أزمات متعددة”، معلنا “وقوف المملكة مع القضايا العربية والإسلامية كافة، وبخاصة ما يعانيه قطاع غزة والشعب الفلسطيني من عدوان مستمر على أرضه ومقدساته وشعبه”. وجاء موقفه بعد زيارته مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، حيث شدد المفتي على “ان دور المملكة أساسي في نهوض الدولة ومؤسساتها، ودار الفتوى حريصة باستمرار على التعاون مع الأشقاء العرب وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمها المملكة العربية السعودية الحاضنة للبنان وشعبه وللقضايا العربية والإسلامية”، آملا “أن تسفر جهود المملكة واللجنة الخماسية في إيجاد حل في أقرب فرصة ممكنة للمساعدة في انتخاب رئيس للجمهورية لتكون هذه الخطوة الأولى نحو نهوض الدولة ومؤسساتها”.
وبالعودة الى عشاء كليمنصو فقد اسبغ عليه طابع عائلي بعيدا من الإعلام ولم تصدر أي تصريحات عن المجتمعين فيما نقل عن مصادر اشتراكية ان جنبلاط لم يبدل موقفه من رئاسة الجمهورية وزيارة فرنجية عائلية .
وقبل عشاء كليمنصو مساء كان فرنجية قد زار قائد الجيش العماد جوزف عون في مكتبه في اليرزة مقدما اليه تعازيه بوفاة والدته وكانت فرصة للبحث في الأوضاع العامة في لبنان والمنطقة. وافادت معلومات “ان الزيارة فتحت بابا للتواصل واتسمت بأجواء جيدة جدا وإيجابية”.
الوضع الميداني
على الصعيد الميداني في الجنوب، استمرت العمليات العسكرية المُتبادلة بين “حزب الله” وإسرائيل وطاول القصف الإسرائيلي تلة حمامص في سردا وسهل مرجعيون كما قصفت المدفعية الاسرائيلية أطراف بلدات الضهيرة، الجبين، طيرحرفا، عيتا الشعب، وحانين وشيحين.
وفي المقابل، اعلن “حزب الله” انه استهدف تجمعًا للجنود الإسرائيليين في محيط ثكنة ميتات كما استهدف موقع بركة ريشا ومرة ثانية موقع بركة ريشا بصواريخ بركان ومن ثم انتشاراً للجنود الإسرائيليين في محيط موقع حانيتا .