أقام وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى احتفالا تكريميا لامير الشعر المحكي جرمانوس جرمانوس في مقر المكتبة الوطنية في بيروت وبحضور حشد من الفاعليات السياسية والثقافية والاعلام والفنية وتوالى على الكلام كل من الوزير المرتضى ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقًا الدكتور غالب غانم اضافة الى شهادات لكل من الاعلامية سمر بوخليل ، الدكتور ميلاد السبعلي والشاعرين حبيب يونس وسمير خليفة.
المرتضى
والقى الوزير المرتضى كلمة تناول فيها الوضع الراهن حيث قال :”على رغم من هذه المآسي نحن مصرون على مقارعةِ أدوات الموتِ بإرادةِ الحياة، وعلى مواجهةِ القذيفةِ بالقذيفة وبالقصيدةِ، وإطفاءِ الحرائق الفوسفورية بالقصفِ المضادّ وبلوحاتٍ ألوانُها من زيتِ الجنوب.”
مضيفًا :”لأن اليقين يتملكُنا بأن صيغتَنا اللبنانية القائمةَ على التنوع المبدع ضمن إطار العيش الواحد، وعلى احترام القيم الإنسانية الكبرى، هي النقيضُ المباشر للكيان العنصري المقيتِ المزروعِ نبتةً غريبةً بالقرب من أرضنا. والذي لن يألو جهدًا في سبيل تدمير وطننا، لا على المستوى العسكري أو الأمني فحسب، بل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضًا.”
واردف :”مثلما أعددْنا له الوسائلَ الحربيةَ لدحر أي اعتداء قد يفكر به، وهنا، ومن ههنا، من وزارة الثقافة التي تترسّخ قلعةً لمواجهة الخطر الصهيوني على لبنان، نعد الإسرائيليين، والمرء حرٌّ حتى يعد، أنّهم اذا ما ساورتهم أنفسهم توسيع العدوان على لبنان فإنهم سيجدون اللبنانيين وقد أعدّوا لهم عدةًّ سوف تجعلهم يئنّون أنيناً سوف يعجّل في زوال كيانهم لا ريب“.
وتابع :” مثلما أعددنا تلك العدّة ينبغي لنا أن نُعِدَّ الوسائلَ الثقافية أيضًا، وأولُها تأكيدُ الوعي حول المخاطر الوجودية التي تكتنفُنا بسببه، والعملُ على تأكيد تشبثِنا بالعيشِ الوطني الواحد الذي يحترم الحريةَ والتنوع والحوار، ويؤدي إلى حِفظِ السيادة وبناءِ الغدِ الأفضل. ولأجل هذه المعاني كان قرارُنا الانتقالَ إلى طرابلس، في دوامٍ أسبوعي، لإيمالننا بأنَّ حقيقةَ الفيحاءِ تجسِّدُ كلَّ هذه القيم، ولكي نواكبَ عن كثب التحضيرات الجارية لإطلاق احتفالية طرابلس عاصمة للثقافة العربية لعام 2024.”
وتوجه للمكرم جرمانوس بالقول“: بورِكَ قلمُكَ وإلى مزيدٍ من الألقِ الشعري الذي ترفعُ به المحكيةَ اللبنانيةَ إلى مصافَّ عاليةٍ من الإبداع، في الصورةِ والتعبير والمقاربات.
جرمانوس، بروحه الحرّة ونفسه العزيزة الأبيّة، برفعته وأنفته ورهافته في آن، بطينته الطيّبة وبسمته العذبة، بفرحه وحزنه، يشبه لبنان، ويعكس صورته البهية التي ينبغي لها أن تسود.”
المرتضى
وفيما يلي كلمة الوزير المرتضى :”أيها الأصدقاء
أواخرَ آب الماضي، وفي مناسبةٍ مماثلةٍ قلتُ على منبرٍ شِماليّ: “جرمانوس جرمانوس اسم متكرِّرٌ لفظًا، لكنه لا يتكرَّرُ شعرًا“. وأضفت: “هذه ليست مأثَرةً خاصةً به، بل هي ميزةُ المبدعين من الشعراء والأدباء والفنانين والموسيقيين الكبار، الذين أُعطيت لكلٍّ منهم بصمةُ موهبةٍ خاصةٌ به، قد لا يصعُبُ تقليدُها، أما تكرارها فمستحيل“.
ها هو الآن، في هذا الاحتفال المكرَّر المـُقامِ احتفاءً به وبديوانه الأخير، يحملني أنا أيضًا إلى نوع من التكرارِ في الخطاب؛ قد يُشْبِهُ اسمَه ولا يشبهُ موهبتَه، إلا أن يكون كما هو حقًّا، مولعًا دائمًا بالتأكيد على الجمال، يستعيدُه مَثْنى في الشمال وبيروت، وربما ثُلاثَ ورُباعَ وأكثرَ في أماكنَ أخرى، وذلك حقٌّ له ولشعره الذي يشكِّلُ عندي علامةً فارقةً ومحطةً متقدمةً في مسار تطور الشِّعْرِ اللبنانيّ الحديث.
لكنني اليومَ سأطلُّ على جرمانوس جرمانوس من شرفةِ مقاربةٍ أخرى أضعُ فيها جانبًا محبتي له وإعجابي بشعره، متجاوزًا ما قلتُ فيه منذ خمسة أشهر؛ لأن كثيرًا من حولِنا تبدَّلَ مذّاك. لقد نزلَت بنا نوازلُ احتلَّت واجهةَ الأفكارِ، وتربَّعَت على صدارةِ الكلام، فبتنا نقرأ في كتابِ وجودِنا قصائدَ ألِفنا مثلَها منذ خمسةٍ وسبعين عامًا، منظومةً من أشلاءِ الأجسادِ البريئة، مكتوبةً بالدّمِ لا بالمداد. من بعضِ أبياتِها هذه الحربُ على حدودِنا الجنوبية، وفي بعض القرى القريبة من الأرض المحتلة. والإبادة الجماعيةُ المستمرةُ في غزة. والتواطؤ الدوليُّ اللاأخلاقيُّ مع مجازر العدوان. والسكوتُ المخزي لمن تعرفون. وهذه الكوةُ المضيئةُ التي فتحتها دولةُ جنوب أفريقيا بدعواها ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، مهما كانت النتيجة التي ستؤول إليها هذه الدعوى، ومهما بلغت من قابلية للتطبيق، الأحكامُ الصادرة خلال المحاكمة أو بعد اختتامِها. هذه كلُّها تكبِّلُ الحروفَ بقيود الأسى، ولكنها تشحذُ الكبرياءَ سلاحًا على جبهة المقاومة، والتحرير الكامل، النابِتِ قريبًا بإذن الله ثمرةً للبطولة والتضحيات.
دمويةٌ عمياءُ… كلُّ أبجدياتُ البشريةِ منها بَراء، تكتبُها إسرائيل بقنابل الطائرات على أرضِ فلسطين، وأجسادِ أهلِ فلسطين سطورًا من موتٍ مُسْتَشْرٍ ودمار منتشرٍ في كل اتّجاه. ومع العلم أنه لا ينبغي لأحدٍ أن نقارن بين هذه الدموية وبين حبر جرمانوس جرمانوس، أو أيِّ مبدعٍ كائنًا من كان، لا من باب المقايسةِ ولا المفاضلة، فالحقُّ لا يقاسُ بمعيارِ العدوان، ولا الخيرُ بمكيال الشرّ، ولا الجمال بمقياسِ القبح. ولكنَّ القتلَ المتمادي لكلِّ وجوه الحياة في غزة، والصمودَ الأسطوريَّ لأولئك الأبطال المحاصرين منذ عقدين من الزمان، وتعالي المنكوبين والمشردين والجرحى والأرامل والأيتام على ما يستبدُّ بالناس عادةً في مثل هذه الأحوال من مشاعر الحزن والخوف… كلُّ ذلك يدفعنا إلى تذكر قول الشاعر:
الجُرْحُ ينطقُ يا فَمُ ودَمُ الفدى يتكلَّمُ
فاسكتْ فإنكَ إنْ تكلَّمتِ الجراحُ لَأَبْكَمُ
ماذا يقولُ الحرفُ في الشفتَيْنِ إن نطقَ الدَّمُ؟
أيها الأصدقاء
على الرغمِ من هذه المآسي نحن مصرون على مقارعةِ أدوات الموتِ بإرادةِ الحياة، وعلى مواجهةِ القذيفةِ بالقذيفة وبالقصيدةِ، وإطفاءِ الحرائق الفوسفورية بالقصفِ المضادّ وبلوحاتٍ ألوانُها من زيتِ الجنوب. لأن اليقين يتملكُنا بأن صيغتَنا اللبنانية القائمةَ على التنوع المبدع ضمن إطار العيش الواحد، وعلى احترام القيم الإنسانية الكبرى، هي النقيضُ المباشر للكيان العنصري المقيتِ المزروعِ نبتةً غريبةً بالقرب من أرضنا. والذي لن يألو جهدًا في سبيل تدمير وطننا، لا على المستوى العسكري أو الأمني فحسب، بل الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضًا. ومثلما أعددْنا له الوسائلَ الحربيةَ لدحر أي اعتداء قد يفكر به، وهنا، ومن ههنا، من وزارة الثقافة التي تترسّخ قلعةً لمواجهة الخطر الصهيوني على لبنان، نعد الإسرائيليين، والمرء حرٌّ حتى يعد، أنّهم اذا ما ساورتهم أنفسهم توسيع العدوان على لبنان فإنهم سيجدون اللبنانيين وقد أعدّوا لهم عدةًّ سوف تجعلهم يئنّون أنيناً سوف يعجّل في زوال كيانهم لا ريب.
أيّها الأحبّة مثلما أعددنا تلك العدّة ينبغي لنا أن نُعِدَّ الوسائلَ الثقافية أيضًا، وأولُها تأكيدُ الوعي حول المخاطر الوجودية التي تكتنفُنا بسببه، والعملُ على تأكيد تشبثِنا بالعيشِ الوطني الواحد الذي يحترم الحريةَ والتنوع والحوار، ويؤدي إلى حِفظِ السيادة وبناءِ الغدِ الأفضل. ولأجل هذه المعاني كان قرارُنا الانتقالَ إلى طرابلس، في دوامٍ أسبوعي، لإيمالننا بأنَّ حقيقةَ الفيحاءِ تجسِّدُ كلَّ هذه القيم، ولكي نواكبَ عن كثب التحضيرات الجارية لإطلاق احتفالية طرابلس عاصمة للثقافة العربية لعام 2024.
أما لجرمانوس فأقول: بورِكَ قلمُكَ وإلى مزيدٍ من الألقِ الشعري الذي ترفعُ به المحكيةَ اللبنانيةَ إلى مصافَّ عاليةٍ من الإبداع، في الصورةِ والتعبير والمقاربات.
جرمانوس، بروحه الحرّة ونفسه العزيزة الأبيّة، برفعته وأنفته ورهافته في آن، بطينته الطيّبة وبسمته العذبة، بفرحه وحزنه، يشبه لبنان، ويعكس صورته البهية التي ينبغي لها أن تسود.”
غانم
وكان للقاضي غالب غانم كلمة عن عالم جرمانوس وشعره المحكي:”اذا كان دق باب الشعر بالفصحى اقتحام ميدان عصيّ، ومغامرةً، وعبئًا تنوء بحمله بعض القرائح وتعجز ريشات كثيرة عن التطواف في مقاصيره ومغانيه، ومباسطه ومطاويه، فإنّ هذا العبء يتضاعف بالعامية لأن تحررها من الضوابط والقواعد وسهولة التعبير بواسطتها ، هما فخّ لا درب مبسوطة وحسب. أقصد بكلامي هذا الشعر العامي “الابن” الذي انفصل أوكاد عن والده “الزجل” منذ ما يقارب القرن ، أي منذ ظهور “العندليب“. مرورًا بمحطات رائدة أخرى، في صدارتها “جلنار” ميشال طراد الذي يبدو جليًّا أنّ شاعرنا، الاستاذ جرمانوس جرمانوس، في القصيدة التي صدّر بها ديوانه الموسوم “نوست” تحت القلب ونطرتك“، أيقن كم أن لذلك الفتى الزحلي البسكنتاوي الصنيني من أثر في توسيع دائرة الجمال، وتكثير قوارير الطيب، وجمع الأسطر إضمامةً راقصة في إثر إضمامة لولاها لما كان ثمر وعطر ونيسان وجلناز
خاض جرمانوس هذه المغامرة، وألقى السّلام، في طريقه، على بعض شعراء اللغة العامية الذي استوقفوا ذائقته الفنّية، وقد تكون النسائم الهابة من ديار قصائدهم لفحت ريشته وندّتها، خصوصا في زمن الطراوة… ولكنه، في التحليل الأخير، لم يغرق في المحاكاة، وكشف، وحده، خبيئةً من الخبيئات التي أُودع فيها مفتاح
سحري سري لا مجال، بدونه ، للوصول إلى مقصورة من المقاصير التي عُلّق اسمه فوق بابها، باعتباره المهتدي إليها، بفطنة قلمه وعفويته وطرافته وبريق حبره، وبما هو عليه من ظفر في الحياة وإخفاق، ومن غبطة في الحب وانكسار، ومن مواجهة مع الدهر والعمر والأيام والثواني مسحت شعره بمسحة الصدق، وأنزلت القصيدة من الأرائك والأبراج العاجية، إلى حيث المكابدة وشق النفس وعبقة التراب والقمح، و“شجرة الروح وقماش البكي الأخضر” كما يقول… وكما يقول أيضا :وجيت ع بيروت ومعاز صوتي كسر الفيه… ومليان زعتر حرش عينيي ومليان من عجنة فقر لبيوت. واعجب، يا أخي جرمانوس… أخي بالقلم، وبالانتصار للجمال والابداع كائنا ما كان اللسان الذي أطلقه، فكيف إذا كان بلساننا العربي، وإن محليًّا. واعجب ممّن لا يزالون يردّون الكتابة بلغة الحياة إلى قومية أوعصبية أو انزواء أو شحناء. إنّها العامية، أو الشعبية، أو الأهلية، أو المحكية كما قلت وأحسنت. فلتدفق من صدور اللاجئين إليها الخلجات والنفثات والمواجيد والمواعيد والصور الأبكار وجداول الحنين. ولا ضير في ذلك. وهو لن يصرفنا، في أي حال، عن حسنائنا البدوية السمراء … لغتنا العربية التي لن يسلخها عنا أي صنيع أدبي، حتى ولو كان فائق الجمال. خضت المغامرة مغامرة الشعر بالعامية، فلم تستخف بخطر ، ولم تستسهل دربًا، فانضممت إلى الكوكبة التي رفعت شأنه، وعزّزت الأسباب الموجبة للجوء إليه.”
الفا
عريف الحفل الكاتب روني الفا أستهل كلمته بالقول :”للشُّعراءِ دُونَ سواهُم من البشر مركباتٌ آليَّةٌ ودَفاتِرُ سَوقٍ خاصة. بعضُهم يقودُ شاحناتٍ تعملُ على مازوتِ الرَّتابَة، على متنِها حاوياتٌ حديديةٌ تحتَوي رُزَمًا من دواوينِ الوجبات السريعة مدموغٌ عليها شِعْر فاست فود. قبلَ الإقبال على تناوُلِها تأكَّدوا مِن خلوِّ القصائد من المواد الحافظة. واقرأوا تاريخ انتهاء صلاحيتِها حتى لا تُصيبُكُم بِعِسرِ الفَهم. وبعضُهم أيضًا يستقلُّ سياراتٍ رَفاريفُها منفَّخَةٌ عوادمُها مُفخَّتَةٌ تُفَرقِعُ وتُشرقِطُ كالفِتَّيشِ بين أصابِعِ فتيان الأزقّةِ حديثي النعمةِ الشعرية. انهم نوڤو ريشِ الشِّعر وطواويسُ الابتذال. اختصاص هؤلاء تلويثُ أذواقِنا تمامًا كما تلوِّثُ المياهُ الآسنةُ الجداولَ المتلألئة. قبل الإقبال على هؤلاء أيضًا ضعوا خوذة تحميكم من غاز الأعصاب والخردل وتحضّروا لموجة انحطاط متلاطمة.
أضاف: “بين هذا وذاك يُشاهَدُ شاعرٌ اسْمُه جرمانوس يجلسُ بينَ صدرٍ وعَجُز متوسِّدًا المقعدَ الخلفيَّ لسيارة ليموزين. من هيكلِها الوثير لا يمكن سماعُ نقيق ضفادع الشعر. أقصى اجتهادِ الضفادعِ القفزُ بين عجلات السيارة الفارهة. يعطشُ جِرمانوس. يترجَّلُ من مركبتِه. يدخلُ حانَةً ليحتَسي كوبًا من الوقت. غالبًا ما يَكُونُ ذلك قبل ظُهرِ الشِّعر. يخرجُ جرمانوسُ من الحانةِ بعد ظُهر القصيدة قبل مغيب القافية متدثِّرًا بلَمعَةٍ من جنس الملائكة معتمرًا قبَّعة مِن وَبرِ الموهِبة. عِنْدَ بابِ السيَّارةِ الفخمةِ تنتظرُه إحدى بنات الفكر. من طِلاء أظافِرِها يلوّنُ جرمانوسُ غابةَ أرزٍ بأكملها. قليلًا بعد وتتجاوزُ موهبتُهُ شاحناتَ الشِّعرِ العام وسياراتِ زُعرانِ الأدب شاقًا طريقَه نحو كرمِ المُهر.
بعد حوالي مئةِ كيلومترٍ من الجِناسِ والطِّباق يتوقَّفُ جرمانوسُ البارّ أمامَ كنيسة مارت مورا. يصلب عند مذبحها قصيدتَين واحدة لها وأخرى لِ تيموتاوس.
عِنْدَ المساء يسمع صوتَ عائشة يقول له ” ألا فاعدِل” فيودعها قليلًا من دموعِ محبرته فوق ركام القلعة الرومانية وسط صهيلِ خيولٍ تدرّبَ مهورُها على افتراش المحمية ليلًا وعلى كسر عطشها من نبع الكحيلات نهارًا.
جرمانوس جرمانوس شاعر كبير من وطني. لا أضيف مدحًا يُذكَر على ما مُدِحتَ به ولا حبًا لشعركَ على ما أحبَّهُ من سيتناوبون على حُبِّكَ مجددًا في هذه الدار التي حوّلَها صاحبُها الى قلعة من قلاع المقاومة قولًا وفعلًا ونضالًا.”
السبعلي
ثم توالت شهادت عن المكرم حيث قال الدكتور ميلاد السبعلي: “أنا آتٍ من مجالات بعيدة نوعا ما عن الشعر، وتحديدا التربية و التكنولوجيا. فنحن نهتم ببناء أجيال جديدة، ونعمل لأجيال لم تولد بعد. وكون اجيالنا الجديدة تتعرض لهجمة ثقافية من خلال الميديا الاجتماعية والانفتاح غير المنضبط على ثقافات العالم، صار من واجبنا تحصين أجيالنا الجديدة بثقافة ابداعية تربط الحداثة بالاصالة، وترسخ عندهم حب الطبيعة والوطن والقيم والتراث والهوية الحضارية. لذلك عندما تعرفنا على الاستاذ جرمانوس، شاعرنا الكبير المبدع، بدأنا نفكر كيف يمكن ان نستفيد من دقة ملاحظته وقدرته على تحويل مشاهد حياتنا الطبيعية الى شعر ابداعي يختزن الجمال والنبض الابداعي والصور العميقة والخيال المجنح. وقد بدأنا معه سلسلة لقاءات وانشطة مع طلاب المرحلة الثانوية في مدارسنا الكمتدة على مساحة لبنان، من اجل إكسابهم مهارات ابداعية واساليب مبتكرة للتعبير ونحت الفكرة وصياغة الكلمة والتواصل الجميل. لذلك سأعرض عليكم هذا المساء نموذجين لعملنا. النموذج الاول هو كيف يمكن ان ننطلق من شعر وتعبيرات وابداعات جرمانوس لصياغة نص شعري جديد”.
أضاف: “لذلك سأصف جرمانوس بكلماته وصوره وابداعاته الشعرية كما يلي:
يا ساكن بدير الضباب
بردان، وملفلف بالغطيطة
لعم تفرق طحين
وبرد،
ع ولاد الجرد،
بالعيد الحزين،
والليل عم يقراك
من جلدة كتاب السطح
لآخر سطر مشلقح بآخر هالكتاب..
قاعد لوحدك، عالق بحالك
وصنين عقبالك
مش عاجبو،
ولا عاجبك: قوس الفضا المعقود بين حواجبو
وحواجبك…
وامك عم تصلي بمسبحة الشتي،
وبشغل بالا عليك،
تنطر لوج الصبح
تا يخلصوا ايديك،
من نحت السحر، بالشعر،
تتضيفوا بكير بعراس القمح!
وانت غارق بالمدى
وخيل النعس بيسابق مواج الصدى
بمروج الندى
تودّي القمر مشوار
عربش عالحفافي
زاح المسافي
ومرق
جمّع قوافي
من صخر عم بيشيل بالتلجة عرق
من تحت صفصافة
نايم ععكبا مبارح الختيار…
وجبلك وفى،
يدفق دفا
من سطيحة التذكار
وتنزل الغيمة تا تتدفى معك
وتسكر بصوت جراس حوزقها الغياب
ومن مدمعك..
تنزف عا خدك خابية دير الضباب
تمسحا بالمحرمة
تزهّر بإيدك ملحمة
وتعمل كتاب…
قاعد بعرزال القصيدة عالورق
وتابع: “النموذج الثاني يتعلق بالذكاء الاصطناعي. فقد اخذت شذرات من صور وتعابير وابداعات جرمانوس، من احد كتبه، وادخلتها الى تشات جي بي تي chatGPT وطلبت منه بعد حوارات حول شعر جرمانوس، ان يصف لي جرمانوس وشعره. فكان هذا التوصيف والخلاصة التالية، من اجل تعليم شبابنا على تطويع التقنيات الحديثة في سبيل انتاج نصوص ابداعية مبتكرة. قال تشات جي بي تي: تعكس شاعرية جرمانوس جرمانوس نسيجاً غنياً بالصور والعواطف، متجذرا بعمق في العناصر الثقافية والطبيعية. يتميز أسلوبه بالأوصاف البصرية الحية التي تمزج بين عناصر الطبيعة وتجارب الحياة الإنسانية، مع إحساس عميق بالحنين والشوق. يستخدم بشكل مستمر المجاز والرمزية، مستلهماً غالباً من العالم الطبيعي والحياة اليومية للتعبير عن مواضيع عاطفية ووجودية أعمق. تتضمن السمات الرئيسية لهذا الأسلوب ما يلي:
1. الصور الطبيعية: الإشارات المتكررة إلى عناصر مثل الريح، المطر، الأشجار، والفصول، وخاصة الخريف والشتاء، التي ترمز إلى التغيير، الانحسار، ومرور الزمن.
2. العمق العاطفي: تيار قوي من الكآبة، الحنين، والتأمل، يعكس مواضيع الفقد، الشوق، وطبيعة الحياة الفانية.
3. الإشارات الثقافية: إيماءات خفية للممارسات والأشياء والأماكن التقليدية، مما يثير إحساساً بالمكان والهوية الثقافية.
4. المجازات والرمزيات الغنية: استخدام الأحداث اليومية والظواهر الطبيعية كمجازات لموضوعات عاطفية وفلسفية أعمق.
5. الجودة الإيقاعية والموسيقية: تدفق يشبه الهياكل الشعرية العربية التقليدية، مع التركيز على الإيقاع والقافية الداخلية.
لصياغة قطعة جديدة بهذا الأسلوب، من المهم دمج هذه العناصر معًا، مع الحفاظ على العمق العاطفي والصور البصرية الحية التي تشكل جوهر هذا الشكل الشعري. ينبغي التعامل مع الموضوع المختار بحساسية تجاه أبعاده الطبيعية والثقافية، مستكشفًا المناظر العاطفية من خلال لغة مجازية غنية.
وختم قائلا: “جرمانوس جرمانوس، ناحت الأبيات ورسام الضوء على جدران الفجر في طرقات الذكريات، يخط على صفحات الزمن قصائد تتمايل كأغصان الصفصاف تحت همسات تشرين الحميمة. ينسج من خيوط الضباب وقطرات المطر أبياتاً تردد أصداء طرقات القرى العتيقة ولغة الجداول الهامسة، يغمر الكلمات بألوان الجبال وعطر السوسن، مازجاً في شعره ذاكرة البيوت القديمة وأساطير الطبيعة السرمدية، ترقص على إيقاع الحلم وتنساب كدمعة الصباح.”
ابو خليل
بدورها ادلت الإعلامية سمر ابو خليل بشهادة من نوع خاص: “جرمانوس منو من طينتنا… جرمانوس اصطفاه الله وعجنو بقالب خاص.. وحط فيه وزنات فصلها ع قياسو .. و الله ميزان عدل هالكون. من 6 سنين تعرفت على جرمانوس بظروف جداً صعبة وكان بيي ع فراش الموت .. والقصة خالصة انا و هالدني وساحبة السفرا بيني وبين الله واهل بيتو. بعترف انو هالشخص قدر لعب بموازين الرؤية عندي واخدها لمكان آخر .. علمني شوف الدني بعين النسر واعرف نقيّها من اليباس تيطرد شمخها ربيع جديد.وأكدلي انو الحب الحقيقي والصافي هو اقصر طريق ل كل شي ولكل نجاح .. ب بيتي مع ولادي ب شغلي مع الناس مع حالي .. مع الله”
أضاف: “وقرأت جرمانوس ، وانا بنت ضيعة جردية مغرومة بالادب والشعر ، بنت بسكنتا عبدالله غانم ومخايل النعيمة ورشيد ايوب وسليمان كتاني .. وميشال طراد وخليل روكز منا وفينا وغيرن کتار .. قرأت جرمانوس، وصار شعرو فعل ايمان وخلاص ، وكتاب صلا ، وأسلوب وعدة ومفاتيح ونهج ، لانو ترجمة فعلية لحياتنا ببساطتا وجماليتا وعمقا وطيبها وقساوتها ومبدأها وعنفوانا وايمانا وحزنا وفرحا .. شعر جرمانوس مفتاح الروح. اما جرمانوس الانسان ، مطرح ما بتزركك هالدني بتلاقيه ماددلك ايدو ، وفاتحلك قلبو وبيتو ، لا بيسخى بأهل ولا برفاق ولا بقاصد ولا بعابر سبيل . . طفل بقلب ابيض وكتلة عاطفة ومحبة واحساس مفرط محطوطين على هبة جنون ورشة نرجسية كوّنوا مخلوق مطرح ما بيدعس بيطلع ورد ونبعة مي شهادتي مجروحة فيك يا صديقي الحلو الأمير، هيك بشوفك بلا ولا شي ، وهيك انت فعلاً انسان يؤتمن على الذات.“
وختمت: “مبروك التكريم ، او بالأحرى مبروك للشعر تكريمو من خلالك ومبروك النا نحن يلي منعتز بصداقتك ووجودك بحياتنا.”
يونس
وكان للشاعر حبيب يونس رؤيته تجاه المكرم :” مسا الخير مسا الشعر مسا المكرَّم خيّي وصديقي جرمانوس. بيقول الإمام علي: صديقك اللي بيِصدْقَك، مِش اللي بيصدّقك. بصدِّق جرمانوس لِمِّن يقول هو أهمّ شاعر، وبِصْدقو لِمِّن تِمرق الـ“مِنْ“، قدَّام الأهمّ. بعرف جرمانوس نصب عريشة شعر عاليي، كتار سْتحلو عناقيدا. يا ضَيَّفُن جرمانوس عنقود منّا، يا غافلوه وسرقو منّا عنقود، وِادّعو الرِّيادي… حراميي وقحين. جرمانوس شاعر عبّى زمانو والزَّمن الجايي، بأسلوبو، بسلاستو، ببساطتو، بصورو المكسَّفي، بالخيط اللي بيحيِّك فيه قوافيه، بوقفتو، بمنبريتو، وبرقِّة حبرو ع الورقا. بصدِّق بس هيك ينقال. بيكفي؟ لأ ما بيكفي. بدّي منّو يكون بعد أكتر. وبهالمسا برفع التَّحدّي. حدَّدت خمس محطات مفصليي بتاريخ الشِّعر المحكي، بعدما جعلت سعيد عقل خارج أيّ تِصنيف، معاذ الله”.
أضاف: “المحطّا الأولي: عبدالله غانم، العندليب اللي حرَّر الزَّجل من الألفاظ الفصيحا… وكرِّت المسبحا. المحطا التانيي: ميشال طراد اللي، بـ“جلنار“، أخد بإيد القصيدي العاميي، ومشّاها ع درب جديدي، وصارت قصيدي بكتاب، مش بس قصيدي لمنبر. المحطا التالتي: موريس عواد اللي، بـ“قنديل السفر“، من هاك الدرب، وسَّع المشوار، برّات الطبيعا والرومنسيّي، ودخل ع الحسّ الإنساني، وراح يرسم للمرا اللي كتَبا بعدين، تلاويح الأنوسي، وللرجّال الغضب المقدس، وللطِّفل الحلم والمغامرا. المحطا الرابعا: جوزف حرب، اللي بـ“مقصّ الحبر” صيَّر القصيدي سهل بسنبلي، سجرا ع حبة فواكي، جرد عالي غالل بنسمي، جْراس حور بيدقُّوُن رهبان الهوا. وتِعِب هو وعم يمشي ع دَرب الفَرادي… لقي راسو ع جْرين إمّو ونام. المحطا الخامسي: كمان جوزف حرب اللي بـ“زرتك قصب فلَّيت ناي“، ملّا صور الشِّعر من خيالو، ت خِلصو يمكن، وما فِضي خيالو… وخلّى أي شعور أو إحساس إنساني خيال أو صدى لـ اللي كتبو. هـ الخمسي – المحطات، كانو شعرا كاملين، شموليين، صْحاب مشروع شعري إنساني كوني. شو ناقص جرمانوس الشاعر اللي ما في خلاف ع رفعة شاعريتو، ما يربح التحدي، ويصفّ حدّن، بوقت اللي عم يشتغلو ع حالن، ت ينضمّو لقافلة الشُّعرا الكونيين حاضرين، ولو كانو قلال. بينضمّ جرمانوس، وبْعِدّو بتصنيفي من أكتر الشُّعرا المهيأين، ت يكون حدّ هـ الخمسي الكبار، وما بينقصو إلّا: – يوعا إنو مشروعو، مش قصيدي رائعا ع منبر أو بديوان، مشروعو إنساني كوني أبعد.- يتحرَّر من قوالب الزجل، ولو كان زجلو أبيض ما بيشبه أي زجل.- يتخلّى شوي شوي عن لغة الضيعا اللي قال عنّو جوزف حرب، بحوار معي، إنو آخر حارس للغتا. مش لأنو لغة الضيعا بشعا. لأنو الشعر مش بس أوسع من الضيعا، الشعر أوسع من الكون.- ما يخلي الصور المحتشدي بقصيدتو تتعِّب القصيدي”.
وختم: “جرمانوس شاعر كبير كبير. التكريم بيتكرَّم فيه. شُكْرَنْ إنَّك صديقي اللي بِصْدقو وبْصَدّقو. شكرًا معالي وزير الثقافي القاضي محمد وسام المرتضى.”
خليفة
كما كانت شهادة من الشاعر سمير خليفة الذي قال :” منكبر بالعمر وبيضل بدنا حدا يغنيلنا ت ننام
جرمانوس إمو بتغنيلو مشت ينام ت يضل سهران يكتب شعر من طلوع الحبر ل طلوع الحمام، منهيك كل ما منقرا قصيده لا جرمانوس منسمع دق جراس وزلاغيط إم حاملي مسبحة الشعر بإيدا وعم تصلي. جرمانوس من أهم شعرا اللغه اللبنانيه العاميه وقصيد تو عروس. شاعر نضيف نقي متواضع ما مد إيدو ع خبزات حدا بالعكس جرمانوس طعما شعرو ل كتار من الشعرا ومنن بعدن ل اليوم بمدو إيدن ع سلتو الملياني سمك ومحبرتو ل ما بتقضى بيكتب مثل ل عم يصلي مثل ل عم يرتل بدير الحور الحامل سلم انتون 2 ۴. مثل الراهب الطالع ع جبل الزيتون يوفي النير ويبشر بديانه جديده إسما القصيده الناسك القاعد بصو معتو العاميه.
أضاف: “جرمانوس في أهل ب شعرو وفي جرح ووجع وفي تراب محروق وجوانح فراشات وريش عصافير وفي كرم المهر وريحة الزعتر وشجر الغطيطه وجراس إهدن وسهل الخيام وجبل عامل وتراب غزه ونبيد. اطفال شهدا. قانا وجواتو. في مريم وطرحة زينب. طرحة مريم وحما ب امنا زينب. وفي مسيح مصلوب وعم يتعزب، ل جرمانوس بقلو، في لص ع بابك، ناطرك ت تفلت يسرق غيابك.”
جرمانوس
وكانت كلمة للمكرم جرمانوس جرمانوس الذي شكر كل من حضر اللقاء: الذي لم يكن قد حصل اولا اصرار وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى والقى قصيدة شعرية من وحي المناسبة عبر فيها عن شكره وامتنانه لصاحب الرعاية والمبادرة الوزير المرتضى .”
هذا ومنح الوزير المرتضى درع وزارة الثقافة “لامير الشعر المحكي “جرمانوس جرمانوس تقديرًا لعطاءاته الشعرية وتميزه.
وأختتم التكريم بصوت أمَيمَةَ كما قال روني الفا:”عصفور عاد من الشباك الينا.. أميمَة تغني بحناجِرِنا المجرَّحة بالهيبة والمضرَّجة بالانتظار. الحزن الذي لم يفقد رجاء القيامة. الانكسار الذي لا ينكسر. الرخامة التي تذكرنا ان الصوت الأنثوي ذكوري في بطولته وأنَّ الغناء مثل الصلاة بحاجة الى الله.
نعود الى الله والوطن والرجاء بصوت أمَيمَة الخليل يواكب جمال أميمَة المبدع الموسيقي والمؤلف هاني سبليني كلاهما يبتهلان من كلمات الشاعر جرمانوس جرمانوس فلندخل ملكوت هؤلاء المبدعين وانشدت اميمة على وقع موسيقى سبليني قصيدة من كلمات جرمانوس كتبها خصيصًا لاهل الجنوب وفلسطين.