كتبت صحيفة “الجمهورية”: وقائع الميدان العسكري في المنطقة تؤشّر بما لا يقبل أدنى شك أنّ الحرب الواسعة مشتعلة على جبهات متعددة، بدءًا من جبهة غزة وحرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على القطاع منذ ما يزيد عن 3 أشهر، إلى جبهة لبنان التي تتدرّج فيها العمليات الحربية بعنف شديد بين «حزب الله» والجيش الاسرائيلي، الى الجبهة السورية بالاستهدافات الاسرائيلية شبه اليومية للعمق السوري ولا سيما العاصمة دمشق، الى الجبهة العراقية المفتوحة على استهدافات متزايدة ومتتالية للقواعد الاميركية، وصولاً الى الجبهة اليمنية، سواء بالقصف الصاروخي في اتجاه اسرائيل او بالعمليات العسكرية في البحر الأحمر وإعاقة الملاحة البحرية في ما يُعرف بباب المندب.
الحركة الديبلوماسية الدوليّة التي توالت بشكل مكثّف في الآونة الاخيرة على محاور متعددة في المنطقة، لاحتواء التصعيد ووضع ضوابط لتلك الحرب، تسابق النار المشتعلة على امتداد تلك الجبهات، ويعتريها بالغ القلق من خروج الوقائع الحربية عن السيطرة وانزلاق المنطقة بأسرها إلى حرب اقليمية عواقبها كارثية على المستويين الاقليمي والدولي في آنٍ معاً. ولكن على الرغم من زحمة الموفدين الى المنطقة، لا يبدو أفق هذه الحرب مفتوحاً على حلول. وبالتالي، فإنّ الكلمة العليا ما زالت للوقائع الحربية والتصعيد، وعلى وجه الخصوص في غزة وعلى جبهة لبنان.
واشنطن: أولويّتان
الظاهر في هذا السياق أنّ الديبلوماسيّة الأميركية تتحرّك وفق أولويتين متوازيتين؛ الأولى: وضع ضوابط للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة تقلّل من استهداف المدنيين، من دون السعي الى وقف اإطلاق النار قبل أن تتمكّن اسرائيل من تحقيق الاهداف التي وضعتها لهذه الحرب بإنهاك حركة «حماس» واعادة الاسرى الاسرائيليين. والثانية: منع انحدار الجبهة مع لبنان الى اشتعال كبير.
واذا كانت واشنطن، وفق ما تؤكّد مصادر ديبلوماسية غربية لـ«الجمهورية»، لا تتحدث او تتبنّى في العلن حداً زمنياً للحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، الا انها تكثّف جهودها خلف الكواليس لوضع حدّ للعمليات العسكرية التي تنفذها اسرائيل بوتيرة شديدة في غزة، والانتقال الى عمليات عسكرية خاصة أقل حدة ينفّذها الجيش الاسرائيلي، خصوصاً انّ مسؤولين كباراً في الادارة الاميركية باتوا يعبّرون عن مخاوف كبرى من أن تتدرّج هذه الحرب الى حرب أوسع واكثر حدة وعنفاً بين اسرائيل والدول المجاورة لها «فإنها، أي واشنطن، تنظر في الوقت نفسه، بقلقٍ شديد جداً الى جبهة الجنوب اللبناني. وتبعاً لذلك حرّكت ديبلوماسيتها في غير اتجاه لمنع اشتعالها وانحدارها الى مواجهات قاسية أبعد من منطقة الحدود».
وبحسب المصادر الديبلوماسية عينها فإنّ القلق الأميركي مردّه الى ما تعتبره واشنطن «تصعيد «حزب الله» لعملياته الهجومية والاستفزازية ضدّ الجيش الاسرائيلي وبلدات الشمال»، ومن هنا هي تتبنّى الطرح الاسرائيلي حول منطقة خالية من عناصر «حزب الله» الى الشمال من الحدود الدولية. ومردّه أيضاً الى اعلان المستويات السياسية والعسكرية في اسرائيل بتغيير الوضع القائم على الحدود، سواء بحل سياسي او بعمل عسكري لتمكين سكان المستوطنات الاسرائيلية الذين تم اخلاؤهم منها من العودة اليها بأمان». ويبرز في هذا السياق ما نسبته صحيفة «واشنطن بوست الاميركية الى مسؤولين اميركيين بأنّ خطر شن إسرائيل هجوماً على «حزب الله» لم يختف أبداً».
جعبة هوكشتاين
وسط هذه الاجواء، يحضر الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، والمستويات السياسيّة تترقّب ما يحمله في جعبته من طروحات تلبّي الهدف الاميركي المعلن لاحتواء التصعيد. وبحسب معلومات ديبلوماسية موثوقة من العاصمة الفرنسية لـ«الجمهورية»، فإنّ هوكشتاين الذي اجتمع مع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب في روما، سبق له أن عقد في الايام القليلة الماضية لقاءات في باريس حول الوضع في لبنان، وعلى الحدود الجنوبية بصورة خاصة.
ولفتت مصادر المعلومات الى أنّ «الحل السياسي يبدو صعبا ومعقدا»، مشيرة الى أن «لا افكار حلول ناضجة حتى الآن»، وقالت: «ان هوكشتاين لا يحمل حلا جاهزا او مكتملا، وفي اللقاءات التي اجراها في باريس كان كَمَن يحاول البحث عن إطار لحل سياسي وفق القرار 1701، ويقوم هذا الحل على إقامة ترتيبات معينة على خط الحدود، من دون ان تشمل تلال كفر شوبا ومزارع شبعا. على اعتبار انّ اسرائيل قد لا تقبل البحث في مزارع شبعا، كونها مرتبطة بترسيم الحدود بين لبنان وسوريا».
هل يقبل الحزب؟
وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ ديبلوماسيين اوروبيين أعربوا امام اعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب «عن خوف كبير يَعتريهم من احتمالات التصعيد الكبير المتزايدة على الحدود الجنوبية، واكدوا ان لديهم من الاسباب ما يجعلهم يشكّكون، ليس فقط بنجاح اي حل سياسي تشوبه التباسات، بل بنجاح أي حل سياسي في هذه الفترة، خصوصاً انّ «حزب الله» أبلغَ الموفدين الاوروبيين، ومن بينهم فرنسيون وممثل الاتحاد الاوروبي، انه يرفض البحث في اي ترتيبات او اي آليّات أو اي تفصيل مرتبط بمنطقة الحدود بين لبنان قبل وقف اطلاق النار في غزة». على أنّ الأهَم في ما قاله الديبلوماسيون الفرنسيون انهم يستبعدون في أي جهد لحل سياسي أن يقبل «حزب الله» بتأجيل البحث في موضوع مزارع شبعا وتلال كفر شوبا».
الرئيس بري: القرار 1701
وسط هذه الأجواء، يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم، الوسيط الاميركي الذي يزور ايضاً رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وعشيّة وصول هوكشتاين اطّلع بري من نائب رئيس المجلس على نتائج لقائه بهوكشتاين في روما. ورداً على سؤال حول ما يطرح من حلول لجبهة الجنوب، قال بري لـ«الجمهورية»: لا كلام لا عن تحديد ولا عن ترسيم جديد، فحدود لبنان الدولية معروفة ومحددة منذ العام 1923، لدينا القرار 1701، نحن متمسكون به وملتزمون بتطبيقه، والمطلوب هو أن يلزموا اسرائيل بتطبيقه».
الموقف الرسمي
وموقف لبنان الرسمي، عبّر عنه ايضاً رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، حيث اكد «ان لبنان يحترم القرارات الدولية كافة بدءاً باتفاق الهدنة، بهدف تحقيق الاستقرار الدائم في جنوب لبنان». وطالبَ بـ»دعم الجيش لتمكينه من القيام بمهامه». وكان ميقاتي يتحدث خلال لقائه في السرايا الحكومية أمس وزيرة الخارجية الالمانية انالينا بيربوك، التي شددت على أهمية تطبيق القرار 1701. والتقت بعد ذلك قائد الجيش العماد جوزف عون.
كما جرى التعبير عن هذا الموقف في الشكوى التي قدّمها لبنان ضد اسرائيل لإدانتها على اعتداءاتها، وخلاصته «تأكيد لبنان على سياسته الثابتة في الحق بالدفاع عن النفس والعمل على استرجاع حقوقه بالوسائل المشروعة. والتزامه بالتنفيذ الكامل للقرار 1701، ويؤكد حرصه على خفض التصعيد وإعادة الهدوء على طول الخط الأزرق».
وطلبت رسالة الشكوى من مجلس الامن الدولي «التطبيق الشامل والكامل للقرار 1701، ضمن سلة متكاملة بضمانات دولية واضحة ومعلنة، ممّا قد يفرز أمناً مستتباً واستقراراً أشمل وذلك عبر إظهار الحدود الدولية الجنوبية المرسّمة عام 1923 بين لبنان وفلسطين والمؤكد عليها في اتفاقية الهدنة الموقّعة بين لبنان واسرائيل في جزيرة رودس اليونانية وبإشراف ورعاية الامم المتحدة بتاريخ 23 آذار 1949، والتزام البلدين الكامل والصريح بتلك الحدود. كما شددت على «استكمال عملية الاتفاق على كافة النقاط الـ 13 الحدودية المتنازَع عليها. ويمكن ايضا الاستعانة بالولايات المتحدة وفقاً لما تم سابقاً في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في تشرين الاول 2022، يُضاف إلى ذلك وقف نهائي للخروقات الاسرائيلية، البرية والبحرية والجوية لسيادة لبنان وحدوده المعترف بها دولياً، بالإضافة الى عدم استعمال الاجواء اللبنانية لقصف الاراضي السورية، فضلاً عن انسحاب اسرائيل الى الحدود الدولية المتفق عليها، بدءاً بالنقطة B1 في منطقة رأس الناقورة الواقعة ضمن الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً وصولاً الى خراج بلدة «الماري» التي تشَكّل في جزء منها التمددّ العمراني لقرية الغجر، بالإضافة الى انسحاب اسرائيل الكامل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، تطبيقاً للفقرة 10 من القرار 1701».
وعلمت «الجمهورية» من مصادر رسمية تابَعت الزيارة أنّ بيربوك تسعى كما سائر الدول الاوروبية المعنية بوضع لبنان والمنطقة الى تهدئة الجبهة الجنوبية والحرب في غزة، وضرورة اتخاذ خطوات عملية بهذا الاتجاه. لكنها لم تحمل اي مقترحات سوى النصيحة بعدم توسيع الحرب.
ونَفت ما تردّد عن رغبة المانيا ارسال قوات عسكرية الى جنوب لبنان، واوضحت انها لم تكن على علمٍ بالخبر الذي نشر واتصلت بوزير الدفاع للإسستفسار منه عن الخبر فنفى اي توجّه بذلك.
إعتداءات وتهديدات
الى ذلك، حافظت جبهة الحدود الجنوبية على وتيرة عالية من التصعيد، حيث اعلن «حزب الله» انّ المقاومة الاسلامية استهدفت موقع المرج ونقطة الجرداح، فيما كثّفت اسرائيل من اعتداءاتها على البلدات اللبنانية، حيث سجّل قصف مدفعي لأطراف الخيام، الضهيرة، علما الشعب، الجبين، يارين، منطقة هورا الواقعة بين كفر كلا ودير ميماس، منطقة الطراش قرب ميس الجبل، غارة مسيرة على سيارة «رابيد» في كفركلا أدت الى استشهاد المواطن حسن علي طويل، أطراف طير حرفا، غارة على منزل في حانين، غارة قرب موقع اليونيفيل في بلدة الطيري، غارة على منزل في بيت ليف، غارة على منزل في كفر شوبا أدّت الى استشهاد نابغ احمد القادري، ونَعاه «حزب الله» وغارة على اطراف مروحين، غارة على اللبونة في منطقة الناقورة.
وتزامنت الاعتداءات مع استمرار التهديدات الاسرائيلية، وآخرها على لسان الوزير في مجلس الحرب الاسرائيلي بيني غانتس، الذي قال: إننا نعمل في الجبهة الشمالية على تغيير الواقع. وعلى حكومة لبنان ان تحدّد هل تستطيع حماية مواطنيها ام لا». اضاف: اذا أراد لبنان أن يكون مواطنوه درعاً بشرياً لـ«حزب الله» وإيران واذا استمرت هجمات «حزب الله»، فإننا سنتحرك في جنوب لبنان كما نفعل في غزة الآن».
الى ذلك، اشارت صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية إلى أنّ إسرائيل ضاعَفت وتيرة الهجمات في لبنان على نحوٍ كبير وانتقلت عمليًا إلى سياسة الاغتيالات العينية، وهو ما يحمل عدة رسائل إلى «حزب الله» بأنّ قياداته مستهدفة ومعرّضة للاغتيال تماماً كقادة حركة «حماس».
وقالت الصحيفة إن «الخط الذي ينتهجه الجيش الإسرائيلي بدعم من المستوى السياسي دقيق جداً، وينصَب في إطار الجهود الكبيرة من أجل إبعاد «قوات الرضوان» عن الخط الحدودي، من دون تجاوز حدود المعارك إلى حرب واسعة، وبما يتيح للجيش الحفاظ على غزة كجبهة رئيسية للحرب».
ورأت أنّ هذا «يشكّل تحدياً تبدو كلمة مُعقّد صغيرة لوصفه، لعدّة أسباب، من بينها أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله أكد أنّ ما يحدث في الشمال لن ينتهي من دون انتهاء الحرب في غزة»، مشيرة إلى أنه «عملياً هذا الوضع لا تحتمله إسرائيل، وتسبّب بإقامة منطقة أمنية عازلة داخل أراضيها، ودفعَ أكثر من 100 ألف من سكان المناطق القريبة من الحدود إلى تَرك بيوتهم».
وأشارت إلى أن رَد «حزب الله» أمر يجب عدم الاستهانة به، موضحة أنّ «الطائرة المسيّرة التي تمكنت من التَسلّل إلى إسرائيل وهاجمت مقر القيادة الشمالية، أمس الاول الثلاثاء، كان يمكن أن تؤدي أيضاً إلى استهداف قائد المنطقة الجنرال أوري جوردين. وعليه، من الصعب تَوقّع ما قد يقود إليه استهداف ضابط كبير».
وخَلصت الصحيفة الى أنّه «لدى النظر إلى القتال في غزة ضد عدو أدنى منه بدرجة كبيرة، يجب وضع الحديث عن تطهير المنطقة في جنوب لبنان في إطار حجمه الصحيح»، لافتة إلى أنّ «مثل هذه المهمّة سيكون لها ثمن وستتطلب وقتاً يجعل من الـ 95 يوماً من القتال في غزة أشبَه بمخيم صيفي، ومن المناسب أن يوضح ذلك من يقترح باستخفاف، إدخال عدة فرق إلى الحرب وإدخال مئات الآلاف إلى الملاجئ».
مجلس الوزراء
حكومياً، يعقد مجلس الوزراء جلسة عادية اليوم في السرايا الحكومية، لدرس جدول اعمال يتضمن 43 بنداً، بعضها يتعلق بمشاريع لوزارة الطاقة والمياه، والتربية والخارجية، واتفاقية بين وزارة المال والبنك الدولي، ومشروع مرسوم لتنظيم الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة، فضلاً عن اقتراحات وزارة البيئة ومجلس الانماء والاعمار بشأن هذا الموضوع.
وفيما اكدت مصادر وزارية «انّ ملف التعيينات العسكرية ليس مطروحاً في جلسة اليوم»، كان لافتاً أنّ جدول اعمال الجلسة خَلا من البند المتعلق بالحوافز المالية، وقالت المصادر عينها انه «تبيّن من الدراسات والتدقيق الذي حصل أن الاعتراضات في شأن الهوّة بين العسكريين والمدنيين جدية وتحتاج الى مزيد من التدقيق، فارتأى رئيس الحكومة التَريّث في طرح الموضوع على جلسة مجلس الوزراء، وسيبلغ الوزراء بالامر، مع التأكيد على ما تعهّد به رئيس الحكومة بإعطاء الحوافز المالية بمفعول رجعي ابتداء من الاول من كانون الاول الفائت».
منخفض جوي
وخلافاً للأجواء الامنية الحارة، فقد وصل المنخفض الجوي حنين إلى لبنان مصحوباً بكتل هوائية باردة، مع عواصف رعدية ما أدى إلى تساقط الثلوج خلال الليل على ارتفاع الف واربعمئة متر. كذلك تساقطت الأمطار على الساحل بغزارة وأغرقت الشوارع بالسيول خصوصاً في جونية والمنارة وبعض ضواحي بيروت، ما تسبب بإغراق بعض السيارات.
وتوقعت دائرة التقديرات في مصلحة الأرصاد الجوية في المديرية العامة للطيران المدني، ان «يكون الطقس ماطراً خلال الايام المقبلة، محذرة المواطنين من سلوك الطرق الجبلية التي تكللت بالثلوج.