كتبت صحيفة النهار تقول: اتخذت وتيرة الاحتدام الميداني على جبهة الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل دلالات تصاعدية شديدة الحدة أثارت مزيداً من القلق والمخاوف الداخلية والخارجية من انفجار حرب واسعة النطاق ولو أن توسيع نطاق المواجهات لا يزال تحت سقف الامتناع الطوعي الواضح لفريقي المواجهة، إسرائيل و”حزب الله”، عن بلوغ المرحلة الحمراء التي لا يعود معها ممكناً لجم الانفجار الكبير. ولم يكن أدل على الانزلاق المتدرج نحو اتساع مطرد للجبهة وتالياً للمواجهات من مؤشرات ثلاثة تعاقبت أمس، غداة إعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كلمته الجمعة الماضي أن عملية تصفية صالح العاروري في قلب الضاحية لن تمر بدون رد.
المؤشر الأول القصف الصاروخي الكثيف الذي نفذه “حزب الله” في اتجاه قاعدة للمراقبة الجوية في شمال إسرائيل كرد أولي على اغتيال العاروري. الثاني تكثيف خطير للغارات الإسرائيلية على المناطق الحدودية المتقدمة والتوغل للمرة الأولى نحو الزهراني وصيدا. والمؤشر الثالث شمول جولة مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزب بوريل لقاء لافتاً مع وفد رفيع المستوى من “حزب الله” الى جانب لقاءاته مع المسؤولين الرسميين الأمر الذي يستدعي التوقف عنده باهتمام لجهة تطور الوساطات الغربية وتكثيفها منعا لتدهور أوسع على الجبهة اللبنانية. وهي مؤشرات تعكس أقله تطورات سلبية لم يعد معها ممكناً النوم على حرير أي ضمانات وتحليلات وتقديرات تذهب في اتجاه استبعاد حاسم لنشوب حرب إذ أن تطور المواجهات واتساعها ينذر بان أي ضربة كبيرة قد تقع عند إحدى ضفتي المواجهة من شأنها أن تشكل الشرارة التي يخشى منها للحرب.
اليوم المحتدم أمس، بدأ مع إعلان الإعلام الحربي في “حزب الله” أن الحزب ”وفي إطار الرد الأوّلي” على اغتيال العاروري قام باستهداف قاعدة ميرون للمراقبة الجوية بـ 62 صاروخًا من أنواع متعدّدة. وأوضح الحزب، أن “قاعدة ميرون للمراقبة الجوية تعتبر مركزًا للإدارة والمراقبة والتحّكم الجوّي الوحيد في شمال الكيان الغاصب ولا بديلً رئيسيًا عنها”.
في المقابل، نفذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على أطراف عيتا الشعب على 3 دفعات على البلدة، ثم شن غارات استهدفت المنطقة الواقعة ما بين القليلة والمعلية، كما استهدفت منزلاً بين الشرقية وكوثرية السياد كذلك، استهدفت غارات الطيران الحربي الاسرائيلي وسط بلدة عيتا الشعب قرب مسجدها، وغارات أخرى استهدفت البلدة لجهة بلدة راميا كما أغارت الطائرات الحربية على منزل في بلدة راميا، حيث اقتصرت الأضرار على الماديات.
وأعلن “حزب الله” أنه استهدف موقع المطلة وتجمعاً للمشاة في محيط ثكنة هونين وموقع بياض بليدا وتجمعاً للجنود في أفيفيم وتجمعاً للجنود في محيط موقع جل العلام وتجمعاً آخر للجنود في محيط موقع المنارة وموقع المطلة وتجمعا للمشاة في محيط ثكنة هونين.
جولة بوريل
وسط هذا الاحتدام جال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أمس على المسؤولين اللبنانيين واختتمها بلقاء وفد من “حزب الله ” برئاسة النائب محمد رعد.
وصرّح المتحدث الإقليمي باسم الاتحاد الأوروبي بأنّ “بوريل نقل رسالة قلق أوروبي بشأن التطورات في لبنان”.
وقال بوريل من وزارة الخارجية عقب لقائه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب “يمكن تجنّب الحرب ويجب أن نتجنّبها”، لافتاً إلى أنه يمكن للديبلوماسية أن تسود من أجل العثور على حلّ”. وشدد على أن “من الضروري تجنّب التصعيد في الشرق الأوسط وتجنّب جرّ لبنان إلى الحرب، فهذا آخر ما يحتاجه”. وأضاف “لبنان في خطّ المواجهة في الصراع الحالي ولبنان الذي يتمتع باستقرار قادر على الحفاظ على مصالحه واستقلاله والمساهمة بالتالي في الاستقرار الإقليمي”، مشيراً الى أن “يجب تنفيذ القرار 1701”. وشدد بوريل على أن “الأولوية هي تجنب التصعيد الإقليمي ودفع الجهود الديبلوماسية لخلق الظروف للتوصل إلى سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين وفي المنطقة”.
بوريل التقى في جولته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي شدد على “أننا طلاب سلام لا دعاة حرب ونتطلع الى تحقيق الاستقرار ونقوم بالاتصالات اللازمة في هذا الصدد، لأن أي تفجير واسع النطاق في جنوب لبنان سيقود المنطقة الى تفجير شامل”. وشدد على “التزام لبنان تطبيق القرار الدولي الرقم 1701، وعلى أن التطبيق الكامل لهذا القرار يستوجب أولاً وقف الانتهاكات الاسرائيلية للسيادة اللبنانية والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلها”. بعدها التقى بوريل رئيس مجلس النواب نبيه بري، معرباً عن “قلقه الكبير من استمرار الحرب على قطاع غزة، وحرصه على عدم توسعها باتجاه لبنان، ومعرباً عن تخوفه من التصعيد الإسرائيلي مشدداً على وجوب أن تكون الأولوية هي لوقف الحرب على قطاع غزة لان ذلك هو المدخل لعودة الهدوء الى لبنان وحينها يسهل البحث بتطبيق كامل لمدرجات القرار 1701. بدوره جدد رئيس المجلس التأكيد على التزام لبنان بالشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة لا سيما القرار 1701، مؤكداً أن المدخل لتطبيقه يبدأ بوقف إسرائيل لعدوانها وانسحابها من كامل التراب اللبناني المحتل. وعلى المستوى السياسي الداخلي شدد الرئيس بري على أهمية إنجاز الاستحقاق الرئاسي بمعزل عن تداعيات الحرب العدوانية التي تشنها إسرائيل، كاشفاً أنه على استعداد دائم للتعاون مع جهود اللجنة الخماسية لإنجاز هذا الاستحقاق. وكان القائد العام لليونيفيل الفريق أرولدو لازارو التقى بوريل وناقشا الوضع الحالي على طول الخط الأزرق وأهمية منع المزيد من التصعيد.
الراعي وجعجع
في المواقف الداخلية برز موقفان لكل من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع تضمنا ردين على مواقف نصرالله من الاستئثار بقرار الحرب والسلم. الراعي في عظته في قداس الغطاس قال ” لا نريد أن يتحمّل لبنان وشعبه وزر أوطان وشعوب أُخرى، يجب أن نتمسّك بالقرار 1701، وتجنيب لبنان واللبنانيّين بالحكمة وضبط النفس الدخول في حرب إسرائيل على غزّة. فها أهل بلدات الجنوب يعانون من وزر هذه الحرب قتلًا، وتدمير منازل وإتلاف بساتين وتهجيرًا. نحن لا نكفّ عن المطالبة بكلّ إمكانيّتنا ولدى جميع الدول والمراجع الرسميّة بحقّ الشعب الفلسطينيّ بأن يرجع إلى أرضه، ويعيش في دولة خاصّة به. ومعلوم أنّ هذه الوسيلة أجدى من الحرب والقتل والدمار والتهجير والتشتت على الطرقات والجوع والقهر والحرمان. إنّنا نطالب مع كلّ ذوي الإرادات الحسنة إيقاف النار والحرب، والبدء بإيجاد الحلول بالمفاوضات الديبلوماسيّة. ونطالب بعدم توريط البلدات الحدوديّة ولبنان وشعبه في امتداد هذه الحرب. ونذكّر بأنّ قرار الحرب والسلم يعود حصرًا إلى الحكومة بثلثي أعضائها وفقًا للدستور (المادّة 65) نظرًا لخطورة كلّ حرب في عواقبها الوخيمة”.
بدوره، وتعليقا على مواقف نصرالله امس، أكد جعجع أنه “من الطبيعي أن يؤثر ما يحصل في غزة على لبنان، إلا أن نوعية التأثير، إن كان مباشراً أو غير مباشر يعود إلى تصرفات حزب الله في البلد، بمعنى لو أنه في بداية حرب غزة ومع بدء الأحداث، انتشر الجيش اللبناني فعلياً في الجنوب ، لا كما يتحدث البعض عن انتشاره، اذ أنه موجود فيها وليس منتشراً والإمرة ليست له، لما كانت الأحداث كما نشهدها حالياً . وأشار جعجع إلى أن “أحداث غزة لها تأثير على لبنان والسبب يعود الى ما تفعله الحكومة اللبنانية غير الموجودة، وللأسف تقر بعدم تواجدها ولفتني تعليق وزير الخارجية المضحك والمبكي في الوقت عينه إذ قال “إذا بدو يصير تصعيد بالجنوب مش الحكومة بدها تعملوا حزب الله بدو يعملو”. وبالتالي التأثير يعود الى ما تفعله الحكومة الغائبة والتي لا تقوم بشيء وإلى ما يفعله حزب الله في الجنوب”.