كتبت صحيفة “الجمهورية”: على وَقع استمرار المواجهات على الجبهة الجنوبية بين المقاومة والقوات الاسرائيلية، والتي تلامس احياناً احتمالات توسّع دائرة الحرب حيث تخرق اسرائيل احياناً قواعد الاشتباك لتقصف مناطق في عمق شمال الليطاني، وبعد تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، لا يتوقع معالجة أيّ من الملفات والاستحقاقات خلال الايام القليلة المتبقية من السنة، فالبلاد تدخل اليوم في عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة، على أمل ان تشهد السنة الجديدة حلولاً لكل الازمات الداخلية بدءاً بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يمهّد لإقامة سلطة جديدة.
علمت «الجمهورية» انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سيبدأ مطلع السنة الجديدة حركة مشاورات في مختلف الاتجاهات، في مبادرة جديدة له تهدف الى دفع الافرقاء السياسيين الى الاتفاق على انجاز الاستحقاق الرئاسي.
وفي انتظار هذه الحركة يتوقع ان تشهد عطلة الاعياد اتصالات ولقاءات بين المعنيين تأخذ في الاعتبار التطورات الجارية محليا واقليميا ودوليا سواء بما يتصل بالوضع اللبناني او بالاوضاع الاقليمية، خصوصا انّ بعض العواصم المهتمة بلبنان نصحت المسؤولين والقوى السياسية بوجوب الاتفاق على رئيس للبلاد وتشكيل سلطة تستطيع مواكبة ما يحضّر من اتفاقات وتسويات للمنطقة لا يجوز ان يكون لبنان بعيداً عنها او غير مشارك فيها حتى لا يتم بعضها في غيابه وربما على حسابه.
ولفت في هذا الاطار أمس ما عبّر عنه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، في بيان، حيث قال: «إن كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يريد الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية عن طريق التوافق فنحن على أتمّ الاستعداد لذلك، ولكنّ التوافق يكون على غرار ما حصل في موضوع تمديد سن التقاعد لقائد الجيش، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي، ولا يكون إلّا من خلال الاتّصالات الجانبيّة الهادئة، وليس عبر طاولة حوار استعراضيّة شهدنا الكثير منها في السنوات الـ15 الأخيرة، والتي لم تؤتِ يومًا بثمرة واحدة».
ميقاتي في بكركي
وينتظر ان يكون الاستحقاق الرئاسي وغيره من القضايا المطروحة مدار بحث اليوم في بكركي بين البطريرك الماروني مار بشارة الراعي ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يزوره صباحاً للتهنئة بعيدي الميلاد ورأس السنة، ويتشاوران في التطورات الجارية.
التعيينات العسكرية
في غضون ذلك نجحت وساطة وزيري الثقافة محمد وسام مرتضى والمهجرين عصام شرف الدين في تحقيق التقارب بين ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، لتوضيح المواقف من ملء الشغور في رئاسة الاركان والمجلس العسكري للجيش. فبعد اجتماع الوزيرين بوزير الدفاع، عقد لقاء عصر امس بين ميقاتي وسليم في حضور المرتضى، اوضح فيه وزير الدفاع مقاربته القانونية لملء الشغور والتي تقوم بحسب معلومات «الجمهورية» على تعيين الضباط وفق قانون الدفاع، اي بناء لاقتراح الوزير. لكن سليم طلب وقتاً لإجراء مشاوراته.
واعتبرت مصادر وزارية ان اللقاء في حد ذاته خطوة إيجابية لمعالجة المشكلة القائمة ولو ان النقاش مستمر حول الآلية التي ستُتّبع للمعالجة، حسبما اعلن سليم بعد اللقاء، ما يعني ان المعالجة لن تتم في القريب العاجل. لكن المصادر اكدت ان المهلة لن تطول وكل الامور سائرة في طريق الحل مع مطلع السنة الجديدة.
نسف الاتفاق
وقال سليم لـ«الجمهورية»: «لا شيء بيني وبين الرئيس ميقاتي على صعيد شخصي واللقاء حصل بناء على رغبته، هذا ما أبلغني به صديقي وزير الثقافة محمد وسام مرتضى عندما زارني الاربعاء ونقل لي رغبة رئيس الحكومة بلقائي، وسألني اذا كنت مستعداً لتلبية الدعوة؟ فأبلغته انني وزير دفاع في حكومة يترأسها ميقاتي وبالتأكيد لا أمانع. وهكذا كان. وتوجهتُ الى السرايا واستقبلني بالسلام والقبلات كعادته، وشرحتُ له وجهة نظري من كل ما حصل وأين وقع الخطأ في الرسالة التي وجّهها لي».
ونفى سليم ان يكون قد أسف لميقاتي كما ورد في البيان، موضحا انه تأسّف على الطريقة التي تم فيها التعاطي معه ولم يعتذر لأنه «غير مذنب». وكشف انه اتفق مع ميقاتي الذي طلب منه اقتراح اسماء للتعيين لثلاثة مواقع من بينها رئيس الاركان، وان يبلغه قراره في هذا الشأن والحل الانسب قبل ١٥ كانون الثاني على رغم انه غير مقتنع بهذا التعيين بعد التمديد لقائد الجيش. وأوضح: «خرجتُ على هذا الاساس، لكن بعد صدور بيان المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة اتصلتُ بمستشاره وقلت لهم انه من المعيب القول انّ مرتضى اصطحبني وكأني طفل صغير، ثم أنا لم أعتذر. وطلبتُ منه إبلاغ الرئيس ميقاتي أنه نَسف الاتفاق، ولينسى عنواني».
رئيسة حكومة إيطاليا
وفي إطار التحركات الديبلوماسية التقليدية في اتجاه لبنان عشية عيدي الميلاد ورأس السنة خصوصا على مستوى المسؤولين الكبار في الدول المشاركة في قوات «اليونيفيل»، تصل الى بيروت غداً رئيسة وزراء إيطاليا السيدة جورجيا ميلوني في زيارة رسمية تستمر لساعات تزور خلالها قيادة قوات «اليونيفيل» للقاء قائدها الجنرال لازارو والكتيبة الايطالية العاملة في إطارها. ثم تلتقي كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قبل ان تغادر بيروت مساء، وستُجري معهما محادثات تتناول العلاقات الثنائية بين البلدين والوضع في الجنوب وغزة ودور قوات «اليونيفيل» وما يمكن القيام به لاستعادة الهدوء على الجبهة الجنوبية.
جنوباً
وعلى الجبهة الجنوبية، تواصلت المواجاهات بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي، وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أنّ «مدفعية العدو المتمركزة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة استهدفت الأحياء السكنية في بلدة مارون الراس»، مضيفة أنّ «القصف المعادي (…) أدى الى استشهاد مواطنة وجَرح زوجها».
وكان «حزب الله» قد حذّر من أنه سيقابل بالمثل أي استهداف إسرائيلي للمدنيين. وقال في بيانات منفصلة امس إنه شَن سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل، بما فيها هجوم باستخدام ثلاث مسيّرات.
وأوضح، في بيان: «دَعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على اعتداءات العدو الاسرائيلي على القرى والمنازل المدنية واستشهاد المواطنة نهاد موسى مهنا وجرح زوجها، قام مجاهدو المقاومة الاسلامية الخميس 21-12-2023 باستهداف مستعمرتي دوفيف وأفيفيم (قرية صلحا اللبنانية المحتلة) بالأسلحة المناسبة وأوقعوا فيها إصابات مؤكدة».
من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ «مدنيَين إسرائيليَين أصيبا بجروح طفيفة إثر إطلاق نار في مستعمرة دوفيف» القريبة من الحدود اللبنانية. وأضاف أنه رَدّ على مصادر النيران.
وكان «حزب الله» قد أعلن ليل الأربعاء الخميس استشهاد أحد مقاتليه بعد غارة إسرائيلية على منزل في قرية مركبا الحدودية.
كما أنه أعلن مسؤوليته عن سلسلة هجمات على إسرائيل خلال الليل، مشيراً خصوصاً إلى أنّه أطلق «صواريخ حارقة» على منطقة حرجية في شمال إسرائيل قرب الحدود. وذلك رداً على «إحراق حرج الراهب» الناجم من قصف الجيش الإسرائيلي المتّهم باستخدام ذخائر فوسفورية خلال غاراته على جنوب لبنان. كذلك أعلن الحزب انه شن «هجوماً جوياً بثلاث مسيرات إنقضاضية دفعة واحدة على تجمعات العدو المستحدثة خلف مواقعه في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وأصابت أهدافها بدقة وتم تدميرها». فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنّه قصف «مركز قيادة عمليات» تابع لـ«حزب الله»، واستهدف مقاتلين كانوا مُتجهين نحو الحدود قرب المطلة.
وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية «أن سكان المستوطنات الإسرائيلية الحدودية مع لبنان يشعرون بقلق كبير من أنفاق محتملة لـ«حزب الله».
ماكرون
في غضون ذلك، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «أننا نعمل بشكل نَشط حتى لا تمتد النار نحو حدود إسرائيل مع لبنان». وأشار إلى أنّ «تهديد الحوثيين (حركة أنصار الله اليمنية) لحريّة الملاحة البحريّة لا يُمكن التساهل معه»، في وقت تستمر فيه الهجمات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل والمتوجهة إلى الموانئ الإسرائيلية.
ركود اقتصادي
على الصعيدين الاقتصادي والمالي توقّع البنك الدولي، في تقرير أعلنه أمس، أن تتسبّب الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» بعودة الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود، على رغم من التوقعات المتفائلة التي تحركها السياحة وتحويلات المغتربين في البلاد التي تشهد أزمة. وأوضح أنّ تداعيات النزاع الحالي أثّرت على الانتعاش الطفيف الذي حقّقه لبنان الغارق في أزمة اقتصادية عميقة منذ سنوات.
وجاء في التقرير «قبل تشرين الأول 2023، كان من المتوقع أن يسجل الاقتصاد – لأول مرة منذ عام 2018 – نمواً طفيفاً في عام 2023 (بنسبة 0.2%). ويعود السبب في معدل النمو الإيجابي المتوقّع إلى الموسم السياحي الذي حقق عائدات كبيرة في الصيف، وتحويلات المغتربين». لكنه أضاف أنه «مع اندلاع النزاع الحالي، من المتوقع أن يعود الاقتصاد اللبناني إلى حالة الركود في عام 2023. وبافتراض استمرار الوضع الحالي المتمثّل باحتواء المواجهة العسكرية على الحدود الجنوبية، تشير التقديرات إلى أنّ الاقتصاد سينكمش في عام 2023، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الصدمة التي أصابت الإنفـاق السياحي. وعلى وجه التحديد، من المتوقع أن يتراوح انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بين -0.6% و -0.9% وفقاً لحجم الصدمة التي سيشهدها القطاع السياحي».
وأشار البنك الدولي إلى أنّ أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان لتمضية العطلة الشتوية أُلغيت، مُحذراً من أنّ «اعتماد لبنان على السياحة وتدفقات التحويلات المالية لا يمثل استراتيجية اقتصادية سليمة أو خطة لحل الأزمة الاقتصادية. فنظراً للتقلبات في قطاع السياحة وتعرضه لمخاطر الصدمات الخارجية والداخلية، لا يمكن لهذا القطاع أن يكون بديلاً عن محركات النمو الأكثر استدامة وتنوعاً».