وجه رئيس منظمة أطباء بلا حدود الدولية الدكتور كريستوس كريستو رسالة الى أعضاء جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، ناشدهم فيها “بذل كل ما في وسعهم لتحقيق وقف فوري ومستدام لإطلاق النار في قطاع غزة”. وقال: “على الحكومة الإسرائيلية أن توقف الهجمات الدموية على المدنيين الفلسطينيين وأن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة”.
أضاف: “هدنة الأيام السبعة كانت أولى مؤشرات الإنسانية في دوامة العنف التي عصفت بغزة لأسابيع، لكنها ليست حلًا على الإطلاق. إنّ أي فترة راحة لسكان غزة هي موضع ترحيب، خصوصًا إذا أتاحت لهم الوصول إلى الإمدادات الطبية والغذاء والمياه. ومع ذلك، وبالنظر إلى الاحتياجات الهائلة، فإنّ هذه الأيام السبعة لم تكن كافية أبداً لتنظيم تسليم المساعدات الكافية تلبيةً للاحتياجات الهائلة.
لقد شعرتُ أنا وزملائي، مثل كثيرين في مختلف أنحاء العالم، بالحزن والصدمة إزاء هجوم حماس على المدنيين الإسرائيليين. والآن، وبعد سبعة أسابيع، تعجز الكلمات عن وصف الرعب المطلق الذي تُلحِقه إسرائيل بالمدنيين الفلسطينيين إذ بها تشنّ حرباً متواصلة وعشوائية في غزة ليراها العالم أجمع.
لقد أظهرت إسرائيل تجاهلها الصارخ والكامل لحماية المرافق الطبية في غزة. نحن نشهد المستشفيات تتحوّل إلى مشارح، بل إلى أنقاض. تتعرّض المستشفيات والمرافق الطبية لضربات بالقذائف والدبابات وإطلاق للنار، كما يتمّ تطويقها ومداهمتها، ممّا أسفر عن مقتل المرضى والطاقم الطبي. وقد وثّقت منظمة الصحة العالمية 203 هجوم على مرافق الرعاية الصحية، بما في ذلك 22 حالة وفاة و48 إصابة بين العاملين الصحيين أثناء الخدمة. إنّ أفراد الطاقم الطبي، بما في ذلك طاقمنا، مرهقون تمامًا وباتوا يائسين للغاية. فقد اضطروا إلى بتر أطراف أطفال يعانون من حروق شديدة دون تخدير أو أدوات جراحية معقّمة. إنّ الناس يموتون من الألم. وبسبب عمليات الإخلاء القسري التي قام بها الجنود الإسرائيليون، اضطرّ بعض الأطباء إلى ترك المرضى وواجهوا خيارًا لا يمكن تصوّره: حياتهم مقابل حياة مرضاهم. ولا يوجد أيّ مبرر معقول لمثل هذه الأعمال الفظيعة”.
وتابع: “أرسلت منظمة أطباء بلا حدود مؤخراً فريق طوارئ دولي إلى غزة لمساعدة زملائنا الفلسطينيين عبر دعم القدرات الطبية والجراحية في المرافق الصحية. لكنه، وللأسف، يواجه محدوديةً هائلة في قدرته على تنفيذ أنشطته بسبب حجم الضحايا وتدمير البنية التحتية ونقص الإمدادات الأساسية مثل الوقود واستمرار العنف غير المقبول. نريد، وينبغي لنا، أن نكون قادرين على فعل المزيد. وهذا أمر مستحيل اليوم بسبب الحصار والحرب الشاملة التي لا هوادة فيها التي تشنها إسرائيل.
قُتل ثلاثة أشخاص من طاقم عمل أطباء بلا حدود، وفقد العديد من زملائنا أفرادًا من عائلاتهم، كما أصيب العديد من الزملاء الآخرين. وأفادت منظمات إنسانية زميلة بمقتل العشرات من طواقم عملها.
إنّ غزة، الخاضعة للحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007، هي بالفعل أكبر سجن مفتوح في العالم. منذ بداية حملتها العسكرية، فرضت الحكومة الإسرائيلية “حصاراً كاملاً” على غزة، ومنعت دخول المياه والغذاء والوقود والإمدادات الطبية إلى 2.3 مليون مدني محاصر في القطاع. إضافة إلى ذلك، فُرضت قيود صارمة على وصول المساعدات الإنسانية وتمّ منع المساعدات التي تشتدّ الحاجة إليها من الوصول إلى أي شخص يحتاج إليها. إنّ إخضاع شعب بأكمله للعقاب الجماعي يُعدّ جريمة حرب بموجب القانون الإنساني الدولي.
لا زلنا نشهد المبدأ الأساسي للإنسانية يتعرّض للتحقير علنًا.
وبالرغم من مزاعم إسرائيل، فإنّ هجومها الشامل لا يقتصر على حماس فحسب، فهو يُشنّ على غزة بأكملها وأهلها بأي ثمن. وحتى الحروب لها قواعد، لكن من الواضح أنّ إسرائيل تُبَدّي عقيدتها العسكرية القائمة على عدم التناسب. وفي الأيام الأولى لهذا الهجوم غير المحتمَل، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أنّ “التركيز” في هذا الهجوم الانتقامي المفرط والصارخ كان على “إلحاق الضرر وليس الدقة”. ولكن يصحّ القول إنّ أفعال إسرائيل كانت أبلغ من أقوالها”.
واردف: “إنّ شمال غزة يُمحى من الخريطة. لقد انهار النظام الصحي. ووفقاً للسلطات الصحية في غزة، قُتل أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم من الأطفال. وهذا يساوي شخصًا واحدًا من كل 200 شخص في غزة. وأصيب أيضًا عشرات الآلاف. وتقوم العائلات بانتشال أحبائها القتلى من تحت الأنقاض. ونزح ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة. وقد أُمر هؤلاء المدنيون قسراً بالتحرّك جنوباً، لكن إسرائيل تقصف تلك المنطقة أيضًا. وهكذا فلا يوجد أي مكان آمن في غزة.
أفاد فريق الطوارئ التابع لنا في خان يونس جنوب قطاع غزة عن تدفق أعداد كبيرة من الجرحى بعد القصف المكثف والغارات الجوية، بما في ذلك على مخيمات اللاجئين المكتظّة حيث يعيش الناس بالكاد على المساعدات الإنسانية الشحيحة المتاحة. وإذا لم يلقوا حتفهم بوابل من القنابل، فإنّ الأمراض المعدية والمجاعة ستقضي عليهم لا محالة.
إنّ وقف إطلاق النار المستمرّ هو السبيل الوحيد للحدّ من مقتل آلاف آخرين من المدنيين والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها. وتدعو أطباء بلا حدود إلى إنشاء آلية مستقلة للإشراف على التدفّق الكافي للإمدادات الإنسانية إلى غزة.
تُبلغنا فرقنا الطبية في الضفة الغربية أيضًا عن هجمات على مرافق الرعاية الصحية مع تصاعد أعمال العنف والاضطهاد والمضايقات، حيث قُتل أكثر من 200 فلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأوّل، إمّا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين، وفقًا للأمم المتحدة.
إنّنا ندعوكم وجميع قادة العالم إلى أن تكونوا جزءًا من الحل وأن تبذلوا كل ما في وسعكم لمنع المزيد من المذابح. ونحن نحثكم على اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم إنسانيتنا المشتركة. يجب على الهجمات العشوائية والمتواصلة أن تتوقف الآن. ويجب على عمليات التهجير القسري أن تتوقف الآن.
يجب على الاعتداءات على المستشفيات والطواقم الطبية أن تتوقف الآن. ويجب على الحصار والقيود المفروضة على المساعدات أن تتوقف الآن. يجب أن يتوقف كلّ هذا الآن.
“لقد فعلنا ما في وسعنا. تذكرونا.” كلماتٌ كتبها طبيب الطوارئ العامل مع أطباء بلا حدود في أحد مستشفيات غزة على السبورة التي تُستخدم عادةً للتخطيط للعمليات الجراحية. عندما تصمت البنادق ويتكشّف الحجم الحقيقي للدمار، هل ستتمكنون أنتم ومنظمتكم من قول الشيء نفسه؟”.