الأستاذ حسين عزّالدّين: دليلُنا إلى الوطن وأستاذنا الأوّل
تغادرنا روحك الوادعة إلى سماء بارئها، فتفارق أجيالًا وأجيالًا نمت في مدى تربيتك وتنشئتك على المواطَنة والإنسانيّة والعلم والأدب. نواريك في الأحداق والمآقي ظِلًّا من الخير وطَلًّا من الحنين إلى نقاء الأسلاف المبارَكين.
ألا تعالوا أهلي كي نمتاح من النّهر ماءً للدّير، لعلّها تغسل وجهها من غبار الجنازة ورماد الذّكريات وتحفظ قانون الوفاء. مَنْ يحملُ لنا خضرةَ الفكرةِ والعاطفةِ إلى عقولنا وقلوبنا بعد الآن؟ مَنْ يرسم لنا السّبيل من الإنسان إلى الإنسان ومن القرية إلى الوطن ومن المدرسة إلى فضاءات الطّموح بعد الآن؟
الأستاذ حسين عزّالدّين “أبو سليم” أبٌ ومُرِبٍّ وأستاذٌ عَبَرَ من هنا، فمَسَّد بكفَّيْه عَكشَ أحلامنا، وقَوَّمَ خربشاتِ أقلامنا وضبطَ على ساعته الدّقيقة وصباحاته الرّقيقة إيقاعات صفوفنا بترنيمةٍ يوميّةٍ مفعمةٍ بتعليمة كتابٍ وترسيمة صواب، كي نصبح ونُمسي ونظلّ بخير. هو أستاذٌ انضوى تحت جناحه مربّيًا ومديرًا في ديرقانون النّهر والعبّاسيّة وجنّاتا آلافٌ من التّلامذة، واستنار بإطلالته الصّبوح أجيالٌ من الآباء والأبناء والأحفاد المتعاقبين على مواسم أيّامه وأعوامه الحافلة بالعطاء والرّافلة بالضّياء. فله الفضلُ وقد أطلقها في دنيا الوطن والغربة أسرابًا تحلّقُ في صروح العلم وطلائع تبدع في ميادين العمل متّكئةً على تربيته وتنشئته لها مواطنين صالحين وبشرًا أنقياء.
في زمانه، كان الوطن حُلُمًا منسيًّا أو معلَّقَا أو مؤجَّلًا وصوله إلى الأطراف، وكان الوطن مَسبيًّا بعاصمته ودولته إلى حيّز الهيمنة والاستئثار والامتيازات. لكنّه لم يدّخر جهدًا في تلقيننا دروس الوطنيّة حين سيمَ الخسفُ ومُنِعَ النَّصفُ. فأنشأنا مواطنين نحاول وطنًا، فنقاوم يومًا بالسّيف والعمل ويومًا بالقلم والقول في سبيل الكمال. لعلّ الوطنَ يؤوب نهائيًّا إلى جميع أبنائه. هكذا، كنّا نُصيخُ السّمع إلى كلّنا للوطن في مدرسة الأستاذ حسين عزّالدّين، فننجح في اختبار المواطَنة.
سلامٌ عليه يوم رحيله، وآنَ أن نعترف بفضله، وبأنّنا اغترفنا من معينه الصّافي ألف باء المحبّة والإخاء. فله نُذكي قلوبَنا كي نواريه في نبضنا قبل أرضنا عَلَمًا ومعلّمًا وسائسًا بالعلم والحِلمِ جديرًا بالتّكريم والتّعظيم. لروحه الرّحمة والدّعاء والصّلاة، ولعائلته الكريمة صادق المؤاساة وعظيم الأجر والثّواب.