كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
عشيّة اليوم الاخير من هدنة الايام الاربعة في غزة والمرشحة للتمديد أياماً أُخَر، سيطر الهدوء الحذر على القطاع الشرقي والمناطق الحدودية الجنوبية في اليوم الثالث للهدنة، خَرقه تحليق طائرات التجسس الاسرائيلية التي لا تفارق الأجواء الجنوبية، كذلك خرقه الجيش الاسرائيلي باستهداف «جبل بلاط» عند أطراف بلدة مروحين في القطاع الغربي بـ3 قذائف مدفعية مساء امس. فيما ارتفع منسوب الاهتمام السياسي بالاستحقاقات الداخلية في ضوء زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الذي سيصل مساء غد لتحريك ملف الاستحقاق الرئاسي في اطار المهمة التي كلفته ايّاها المجموعة الخماسية المهتمة بالشأن اللبناني، والتي تضم الى فرنسا الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر.
يصل لودريان الى بيروت مساء غد في زيارة تدوم الى الجمعة المقبل، ويلتقي خلالها عدداً من المسؤولين الرسميين ورؤساء الكتل النيابية في محاولة لإحياء الحوار حول طروحاته السابقة في شأن الاستحقاق الرئاسي.
وقالت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» ان لودريان أعدّ ملفا موثقا يحصي فيه مواقف القوى اللبنانية مما قالت به المبادرة الفرنسية الداعية الى حوار بين اللبنانيين توصّلاً الى التفاهم على خوض العملية الانتخابية في ظل ترشيحات متعددة بعدما تراجعَ الجانب الفرنسي عن المعادلة السابقة التي قالت بطرح موضوعي رئيس الجمهورية والحكومة سلّة واحدة، معتبراً انّ تعطيلها لا يقع على مسؤولية الجانب الفرنسي إنما هذا هو قرار أكثرية القوى اللبنانية، مؤكداً ما قاله اكثر من مسؤول فرنسي بأنه «ليس مجلس النواب الفرنسي هو من ينتخب رئيس الجمهورية».
ولفتت المصادر الى انّ لودريان متيقّن من ان الاجوبة التي نالها على اسئلته التي طرحها على النواب منتصف آب الماضي ما زالت صالحة للمناقشة، وهي كانت وستبقى بما تحدثت عنه الإصلاحات المخرج للبنان من مسلسل أزماته وان التفاهم في شأنه ورسم خريطة الطريق الى تنفيذها يستلزمان انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية قبل القيام بأي خطوة أخرى، ولذلك فهو يسعى من أجل «تحريك ملف الاستحقاق الرئاسي بعد جمود مستمر منذ تشرين الثاني 2022».
لا نصاب ولا جلسة
الى ذلك وعلى رغم من عودة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من انقرة بعد زيارة رسمية امتدت ليومين، طار النصاب القانوني الحكومي مرة أخرى من أجل تلبية اي دعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء كما كان متوقعا اليوم، والأمر يعود الى انه مقابل اكتمال عقد الوزراء منذ عطلة نهاية الأسبوع غادر وزير الصناعة جورج بوشكيان الى النمسا صباح أمس لتمثيل لبنان في الدورة العشرين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، فطارَ النصاب مرة أخرى.
وفي الاطار عينه نصحت مصادر وزارية بضرورة وقف الجدل الاعلامي حول مصير قيادة الجيش سواء بالنسبة الى التمديد لقائده او تعيين قائد آخر واعضاء في المجلس العسكري، فكل شيء في أوانه خصوصاً انّ هناك قراراً واضحاً على جميع المستويات بعدم المَس بالمؤسسة وأن ما يجري تداوله من سيناريوهات مختلفة لا تستند الى اي توجّه رسمي تضر بهيبتها وسمعتها، وانّ الحكومة لن تفرّط بها وتضمن لها ما تحتاجه من مقومات ومعها العالم اجمع الحريص على مساعدتها لتجاوز المرحلة الصعبة.
ميقاتي
وفي اطار جولته المتواصلة على العواصم العربية والاجنبية و»التي تصبّ في اطار تحصين الوضع في لبنان وتحقيق السلام فيه وفي المنطقة»، على حد قوله لـ«الجمهورية»، زار ميقاتي تركيا السبت والتقى في اسطنبول الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي اكد خلال الاجتماع «ضرورة العمل على تحقيق هدنة مستدامة في غزة ووقف العمليات العسكرية تمهيداً للانتقال الى العمل لتحقيق السلام المستدام». وقال: «إن أكثر الدول تأثراً بحرب غزة هو لبنان، ونتمنى استمرار الهدنة لكي يبقى لبنان آمنا وهادئا». وفي المقابل قال ميقاتي: «إننا نعوّل على مساعي الدول الصديقة لإحداث خرق في جدار الازمة القائمة والعمل على احلال السلام، وعودة الهدوء الى جنوب لبنان».
واكد ميقاتي في حديث الى محطة «TRT» التركية «انّ قواعد الاشتباك عند الحدود الجنوبية بين لبنان واسرائيل تبقى كما هي لكن لا توجد ضمانات دولية يمكن أن نطمئن اليها». واضاف: «في هذه النفسية الاجرامية الموجودة لدى العدو الاسرائيلي بِقتل الاطفال والنساء والشيوخ والتهجير والتدمير، أيّ ضمانات يمكن أن تعطى ونحن نرى هذا العدوان على غزة القائم يوميًا ولا أحد يكترث لذلك ولا أي ردات فعل دولية؟». وتابع: «لا نريد حرباً ونحن طلاب سلام، لكن في الوقت نفسه لا نريد لأحد أن يدنّس الأرض اللبنانية». وقال: «نحن نساند القضية الفلسطينية مساندة كاملة، ولكننا نحاول قدر المستطاع تجنيب لبنان الدخول في معارك دموية».
على فوهة بركان
وفي المواقف التي شهدتها عطلة نهاية الاسبوع، شكرَ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في عظة الاحد من بكركي، الله «على الهدنة الإنسانية في غزة»، وقال: «نرجو ونصلّي أن تصبح بهمّة أصحاب الإرادات الحسنة، وقفًا دائمًا لإطلاق النّار، وبدايةً لحل المشاكل بالتّفاوض. كما نشكر الله على وقف التوتّر في جنوب لبنان، ونصلّي من أجل أن يستعيد الجنوب هدوءه، فيكفينا قتالًا وتدميرًا وتهجيرًا». وتوجّه االى المسؤولين قائلاً: «إنّنا لا نقبل بمواصلة انتهاك الدستور وتحديدًا المادّة 49 منه، على حساب قيام الدولة والمؤسّسات. وأنتم لا تنتخبون عمدًا رئيسًا للجمهوريّة منذ سنة وشهر، فيما الأوضاع الإقليميّة الدقيقة للغاية تفرض وجود حماية للدولة بشخص الرئيس». وأكّد أنّ «الرّياح تتّجه إلى ترتيبات في المنطقة، ولا نقبل برهن انتخاب رئيس الجمهوريّة لشخص أو لمشروع أو لغاية مرتبطة بالنفوذ، ولا نقبل بحرمان الدولة من رأسها، ولا بنتائج الحرمان»، موضحًا أنّ «المادّة 49 من الدستور تنصّ على أنّ رئيس الجمهوريّة هو رئيس الدّولة ورمز وحدة الوطن. ولَمّا حوّل اتفاق الطائف رئيس الجمهوريّة من رئيس للسّلطة الإجرائية، أرادَه رئيسًا للدولة، أي للدولة بأرضها وشعبها ومؤسّساتها، لا سيّما منها المؤسّستَين الأساسيّتين مجلس النّواب ومجلس الوزراء؛ لجهة ضبط تناسق عملها».
كما شدّد على «أنّنا لا نقبل ولو ليوم واحد بتغييب الرئيس وفوضى الحكم وكثرة الرؤوس»، جازمًا «أنّنا لا نقبل بمحاولات المَسّ بوحدة الجيش اللبناني واستقراره وثقته بنفسه وقيادته لا سيّما أنّ البلاد وأمنها على فوهة بركان». وخاطبَ المسؤولين بالقول: «إذهبوا فورًا وفقًا للدّستور، وانتخبوا رئيسًا للجمهوريّة، فتُحَلّ كل المشكلات السّياسيّة وتَسلم كلّ مؤسّسات الدّولة».
«الحاكم الوحيد»
ولاحظ متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، خلال القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس، انّ عيد الإستقلال يحل مرة أخرى فيما البلد بلا رأس، وهو يتخبط في مشكلات لم يجد المعنيون لها حلولا منذ سنوات، أضيف عليها شبح الحرب التي لا طاقة للبنان على تحمّلها في ظل تداعي الدولة وانهيار الإقتصاد». واكد انّ اللبنانيين «لا يريدون أي مقامرة بمصيرهم بل يتطلعون إلى اليوم الذي ينتخب فيه رئيس للبلاد تبدأ معه مسيرة نهوض البلد من كبوته التي طالت، وتبدأ عملية إصلاح شامل تقضي على الفساد والتطاول على السيادة والدستور، واستباحة الحدود، وكبح الحريات واستغلال القضاء، وتحصر قرارات الدولة في يد الدولة، وتُعيد للمواطن كرامته وللدولة هيبتها وللقانون سيادته. عندها فقط يعود للإستقلال معناه ويشعر اللبنانيون أنهم يمسكون مصيرهم بيدهم لأنّ دولتهم، بكافة عناصرها، هي الحاكم الوحيد، والناطق الوحيد باسمهم، والراسم الوحيد للسياسة الداخلية والخارجية». وشدد على «أهمية دور جيشنا، وضرورة الالتفاف حوله، وعدم العبث بكل ما يتعلق به كونه المدماك الأخير الصامد. كذلك لا بد من التشديد على وعي المواطنين وواجبهم في محاسبة ممثليهم لكي يقوموا بالدور الذي انتخبوا من أجل القيام به».
فرصة لِلم الشّمل
واكّد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النّائب محمد رعد أنّ «الشّهادة فعل إيمان بالقيم، لا يدرك أبعادها إلّا من عاش الصّدق والإخلاص في إيمانه بربّه والتزامه بقضايا الأمّة والنّاس». وأشار، خلال حفل تأبيني نظّمه «حزب الله» في بلدة جباع لنجله الشهيد عباس رعد الذي سقط «على طريق القدس»، إلى أنّ «أملنا أن تستنهض دماء شهداء المقاومة التي نعتزّ بمسارها وبقائدها وبسيّدها الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، هذه الأمّة»، لافتًا إلى أنّ «العقل يقول لنا إنّ الوقت هو للعمل ولمتابعة السّير لتحقيق الهدف الذي كان يصبو إليه الشّهيد وإخوانه الشّهداء». وامل في أن «تكون شهادة عباس فرصةً لِلمّ الشّمل الوطني، لتحقيق الأمن والأمان والحريّة والكرامة والسّيادة والقوّة لبلدنا».
وتحدث في الاحتفال ايضا نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، فقال: «هذه المقاومة الحاضرة بأولادها وأطفالها ونسائها وكل ما تملك لا يمكن أن تهزم». واضاف: «لن نسمح لدول الإستكبار و»إسرائيل» برسم حدود ومسار حريتنا. نريد استقلال بلدنا استقلالا كاملا وتحرير أرضنا تحريرا كاملا حتى آخر شبر وخياراتنا السياسية منسجمة مع هذا الاتجاه». واعتبر ان «الإنجاز المُزلزل في «طوفان الأقصى» سيكون مؤشراً للمستقبل أن المقاومة لا يمكن أن تهزم».
تسوية وطنية
ولفت المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في بيان، الى أنه «رغم الكارثة التي تضرب صميم مصالح لبنان، ما زالت القطيعة السياسية جارفة، ولا حل في هذا البلد من دون تسوية وطنية تطاول مفاتيح مصالح البلد، ورئيس الجمهورية مفتاح وطني وضرورة عليا لمصالح البلد ولا بد من تصفية اللعبة الخارجية لحماية الإستحقاق الرئاسي، والحل بطبخة داخلية فقط، ومجلس النواب ضمان سيادة وقرار وطني وحارس أوّل لقضايا السلطة والأمن، ولأنّ المنطقة على فوهة بركان نحن أمام فرصة جدية لشطب الفراغ الوطني، خصوصاً أنّ القرابين كبيرة والأثمان بحجم ذهب لبنان والمنطقة».
عودة المستوطنين
من جهة ثانية، شهدت الجبهة الجنوبية هدوءاً حذراً خَرقه تحليق طائرات الاستطلاع الاسرائيلية وقصف مدفعي بثلاث قذائف لجبل بلاط في القطاع الغربي من الجنوب.
في غضون ذلك أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت تقييمًا للوضع في «الفرقة 210» بمشاركة قادة في الجيش في الشمال على حدود لبنان. واطّلع «على نشاط القوات الإسرائيلية في القطاع الشرقي من الحدود اللبنانية والحدود السورية، وتحصيل الثمن من «حزب الله» والتنظيمات الأخرى»، بحسب بيان صدر للوزارة. وقال: «لقد قتلنا أكثر من 100 عنصر من «حزب الله»، ودمّرنا العشرات من نقاط المراقبة، والمستودعات، والمخابئ، والمقرات، وسَحبنا قوات «حزب الله» من قطاع في الجبهة الخلفية إلى عُمق الميدان». وأضاف أنّ «الجمع بين كل هذه الإنجازات سيترجَم إلى وضع مختلف، ما سيسمح لاحقاً بعودة المستوطنين في ظل ظروف مختلفة تماماً».