كتبت “الجمهورية” تقول: الحرب التدميريّة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، محكومة بعقل مجنون يديرها، وماضية بذات الوتيرة التصاعديّة منذ العملية التي نفذتها حركة «حماس» قبل أسبوعين. ومراكمة في الاجواء مخاوف جدية من أن تتمدّد شراراتها الى كل منطقة الشرق الاوسط. ربطاً بالوقائع الحربية المتسارعة في غزة، وما تشيعه اسرائيل عن استعدادات لعملية بريّة في القطاع، وكذلك بالعمليات العسكرية المتصاعدة على جبهات اخرى، لا سيّما على حدود لبنان الجنوبية.
تلك الوقائع توحي وكأنّ المنطقة تتدرّج نحو حرب واسعة؛ إسرائيل تتوعّد بحرب طويلة، وتتحدث عن حسمٍ مسبق لهذه الحرب بالقضاء على حركة «حماس»، وفرض أمر واقع جديد، وفق ما اعلنه بالامس، وزير الدفاع الاسرائيلي بقوله: «بعد إنهاء «حماس»، ستفكّ اسرائيل ارتباطها بغزة وتنشىء نظاماً وسلطة أمنية جديدين».
الحرب البرية
يعكس كلام وزير الدفاع الاسرائيلي وغيره من قادة اسرائيل انّ خيار الحرب البريّة واجتياح قطاع غزة يبقى الأكثر ترجيحاً لتحقيق هذا الهدف. الا ان ما ينبغي لَحظه في هذا السياق، ما يعكسه الاعلام الاسرائيلي لجهة ان المستويات الاسرائيلية سواء السياسية أو العسكرية، وبرغم ما قيل عن ان الحكومة الاسرائيلية أعطَت الاذن للجيش بالبدء بالعملية البرية، لم تحسم بعد خيار حرب الدخول في حرب برية غير مضمونة النتائج. فضلاً عن ان الولايات المتحدة الاميركية التي تقود تغطية دولية واسعة للحرب الاسرائيلية على غزة، لا تنصح اسرائيل بذلك، والرئيس الاميركي نفسه حذّر اسرائيل من خطأ العملية البرية والدخول الى غزة.
يتوازى ذلك مع تقديرات لمحللين عسكريين يوردها الاعلام الاسرائيلي، تتقاطع مع ما حذّر منه الرئيس الاميركي، وتلتقي جميعها عند «الصعوبة التي تعترض الحرب البرية، حيث أنه يُعرف كيف تبدأ إنّما لا يُعرف كيف ستنتهي وما قد ينتظر اسرائيل في غزة، فضلاً عن انها قد لا تبقى محصورة في نطاق غزة، بل قد تتوسع الى جبهات اخرى ما يُلقي بثقلٍ اضافي ضخم جداً على اسرائيل، التي يرى المحللون انها تحتاج إلى نصر سريع، الا انها، وخلافاً لما يكرّره نتنياهو، لا تستطيع ان تدخل في حرب طويلة الإجل، او أن تدفع خسائر وأثماناً كبرى».
الجبهة الجنوبية
ومع استمرار الحرب الاسرائيلية، تتصاعد التحركات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في غزة على المستوى الدولي، فيما تبدو المنطقة العربية في حال من الغليان الشديد، يجري التعبير عنه بتحركات شعبية ضخمة في العديد من الدول، في وقت باتت فيه جبهة الجنوب اللبناني في حالة حرب غير معلنة، منذ تنفيذ حركة «حماس» لعمليتها في مستوطنات غلاف غزة في السابع من الشهر الجاري.
والملاحظ على هذه الجبهة، انّ التوتر يشتد ويتصاعد على مدار الساعة، ورقعة العمليات العسكرية والقصف المتبادل الصاروخي والمدفعي تتوسّع بشكل ملحوظ، حيث أن كرة النار تدحرجت على كلّ الحدود الجنوبية امتداداً من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وصولاً الى الناقورة، مترافقة مع إخلاء كامل للمستوطنات الاسرائيلية المحاذية للحدود، وآخرها بالأمس، مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن إخلاء مستوطنة كريات شمونة.
واذا كانت الجبهة الجنوبيّة قد شهدت منذ بدء الحرب الاسرائيلية على غزة، وصولاً حتى يوم أمس، سلسلة عمليات عسكريّة ومناوشات على جانبي الحدود، الجامع المشترك بينها كلها انّها لم تخرج عن ضوابط «قواعد الاشتباك» المعمول بها منذ العام 2006 بين «حزب الله» واسرائيل، إلا انّها أي الجبهة الجنوبية، باعثة للقلق في غير اتجاه، وهو ما عكسته حركة الموفدين الغربيين الفرنسيين والبريطانيين والألمان، وكذلك الاتراك، التي تسارعت نحو بيروت في الايام الاخيرة. وحملت رسالة صريحة مفادها ضرورة الحفاظ على امن الحدود الجنوبية وعدم انزلاقها إلى مواجهة واسعة، وأنّ اسرائيل لا تريد حرباً مع لبنان، وعلى الجانب اللبناني مسؤولية أن يبادر الى لجم «حزب الله»، ومنعه من إشعال جبهة الجنوب اللبناني. وهو ما تشدد عليه السفيرة الاميركية دوروثي شيا في اللقاءات العلنية وغير العلنية التي تجريها مع جهات لبنانية.
وابلغت مصادر سياسية مواكبة لهذا الحراك الى الجمهورية» قولها: انّ الحراك الدولي تجاه لبنان ينظر بعين واحدة، حيث انّه يتجاهل الحرب الاسرائيلية المتواصلة على غزة والمجازر التي ترتكبها بحق المدنيين، ويطلب في الوقت نفسه تطمينات بألا تفتح على اسرائيل جبهة عسكرية تُربكها. وبالتالي، لم يلق هذا الحراك اي تطمينات خصوصا ان المستويات الرسمية اللبنانية تشدد على الالتزام بمندرجات القرار 1701، واستمرار حالة الامن والاستقرار سائدة على طول الحدود اللبنانية، فيما مصدر التطمينات، والمقصود «حزب الله»، لم تبدر عنه اي اشارة تطمينية في اي اتجاه داخلي او خارجي، بل تأكيدات متتالية بأنه لن يبقى على الحياد، ويترجم ذلك بالجهوزية الكاملة التي دخل فيها منذ عملية حماس في 7 تشرين الأول، وسلسلة العمليات اليومية التي ينفذها ضدّ المواقع العسكرية».
على حافة الهاوية
وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ اللقاء بين احد المسؤولين وموفد غربي وصف بالعاصف واتّسَم بالحدة في عرض وقائع ما يجري في غزة، وعقّب فيه المسؤول المذكور على ما قاله الموفد الدولي عن اسرائيل وحماس وضرورة ان ينأى لبنان بنفسه عما يجري في غزة، بما حرفيته: سأتحدث بكل صراحة، المؤسف أنّ دولكم تغطي القاتل وتدين الضحيّة، واثبتت في موقفها هذا شراكتها الكاملة في جريمة العصر التي ترتكبها اسرائيل، وأكدت بما أزالَ كل شك لدينا بأنّ شعار حقوق الانسان التي تنادي به، لا يشمل شعب فلسطين واطفال فلسطين الذين يدفنون تحت ركام بيوتهم. بل حَصَرتمونه بإسرائيل، واكثر من ذلك، قزّمتمونه الى ما بتّم تسمّونه حقها في الدفاع عن نفسها، وأجَزتم لها تدمير غزة وقتل اطفالها… اقول لكم بكل ثقة ان هذه الحرب لن تحقق لإسرائيل مرادها».
واضاف انه «على الرغم ممّا يبدو انّه «انضباط «بقواعد الاشتباك على الجبهة الجنوبية، ونحن لا نتمنى ان تنحدر الأمور، إلّا انّ هذه الجبهة، مع العمليات اليومية والقصف المقرون بإجراءات عسكرية وتعزيزات ظاهرة ومتزايدة على جانبي الحدود، باتت متموضعة على حافة الهاوية، واحتمال انزلاقها الى توتر أوسع واخطر وارد في ايّ لحظة. ليس على مستوى حدود لبنان الجنوبية فقط، بل على مستوى المنطقة ككل. ومن هنا فإنّ السبيل الوحيد إلى احتواء الامور وعدم تطورها الى الأسوأ هو أن تُبادِر دولكم الى الضغط على اسرائيل وحملها على وقف عدوانها».
الفرنسيون والالمان
وضمن هذا الحراك، يندرج الاتصال الهاتفي الذي تلقّاه رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن وتم البحث في الاوضاع الراهنة في لبنان والمنطقة. وقالت مصادر مطلعة لـ»الجمهورية» ان وزير الخارجية الاميركي اكد على موقف واشنطن الداعي الى احتواء الجبهة الجنوبية وعدم دخول لبنان طرفاً في الصراع الدائر في غزة».
وكذلك الحراك الفرنسي المتواصل الذي تجلّى أمس باتصال هاتفي أجراه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو بوزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال موريس سليم، واكد فيه انّ باريس تقوم باتصالات مع كل المجتمع الدولي للبحث في الاوضاع في غزة، وضرورة إبقاء لبنان بمنأى عن تداعيات الوضع في الاراضي الفلسطينية، مشدداً على دور قوات «اليونيفيل» ووجوب تجنّب اي تصعيد على الحدود الجنوبية».
وضمن هذا الحراك ايضا، تندرج زيارة وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بيربوك الى بيروت امس، حيث التقت الرئيس ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب وقائد الجيش العماد جوزف عون، الذي كان قد استقبل وفداً من مساعدي أعضاء الكونغرس الأميركي بحضور مُلحق الدفاع الأميركي العقيد ايمي موري، وتناول البحث الأوضاع العامة في البلاد وأوضاع المؤسسة العسكرية والتحديات التي تواجهها، إضافة إلى التطورات على الحدود الجنوبية.
وفيما أعلن بو حبيب انه «تم الاتفاق في اللقاء مع الوزيرة الالمانية على أن حل الدولتين هو المدخل لمعالجة أسباب النزاع الحقيقي في غزة»، نَبّهت الوزيرة الالمانية خلال اللقاء مع ميقاتي الى «ضرورة تلافي الحسابات الخاطئة وابقاء لبنان في منأى عن الصراع قدر المستطاع». بينما اكد رئيس الحكومة «أننا نبذل كل جهدنا لعودة الهدوء الى الجنوب»، داعياً الى «ممارسة الضغط على اسرائيل لوقف عدوانها على لبنان ووقف اطلاق النار في غزة».
وكان ميقاتي قد اجتمع نهارا مع وفد من منطقة حاصبيا، وخلال اللقاء نوّه رئيس الحكومة بصمود الاهالي في أرضهم رغم كل الصعوبات التي يعانونها. وشدد على ان الحكومة تقوم بكل الاتصالات الديبلوماسية والسياسية لمعالجة الاوضاع الراهنة ووقف العدوان الاسرائيلي، وبالتوازي فإنها تقوم بإعداد خطة عملانية للطوارئ في حال حصول اي مستجدات. وأمل في «أن تنجح الضغوط التي تمارس على العدو الاسرائيلي في وقف العدوان على غزة والانتهاكات الاسرائيلية المستمرة للاراضي اللبنانية».
تحذيرات .. ونصائح
وذكرت مصادر رسمية لـ«الجمهورية» ان وزيرة الخارجية الالمانية نقلت الى المسؤولين في لبنان نفس التحذيرات و»النصائح» التي نقلتها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا قبل يومين، من انجرار لبنان الى الحرب، نظراً للنتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب عن ذلك، و استفسرت الوزيرة الالمانية ما اذا كان رئيس الحكومة يتواصل مع حزب الله لثنيه عن الانجرار الى الحرب ناصحة بأن يبقى لبنان بمنأى عمّا يجري، وكان جواب ميقاتي انه يتواصل مع الحزب ويقوم بما عليه من جهود في هذا المجال عدا اتصالاته الخارجية لضبط الوضع، ولكن الموضوع خارج يده طالما اسرائيل مستمرة في عدوانها على غزة، لذلك يطلب من الموفدين العمل والضغط على اسرائيل لوقف اطلاق النار.
لكن المصادرأشارت الى أن كولونا لم تكن مرتاحة وكانت أكثر صراحة – ومن باب المحب والحرص على لبنان – بقولها: إن لبنان متروك حالياً ووضعه الإقتصادي في الأرض، وسبق ونصحناكم منذ سنة بإنتخاب رئيس و إجراء الإصلاحات اللازمة ولم نلمس أي نتيجة. والآن الوضع اللبناني لايحتمل أي حرب، لأن احداً لن يدعم لبنان.
وأكدت المصادر أن التقدير الرسمي يشير الى أن «حزب الله» واعٍ للوضع ولازال يتصرف ميدانياً ضمن قواعد الإشتباك المتعارف عليها. لكن الموقف الأوروبي متماثل بين كل الدول ومختصره أنه «سيتم تدمير لبنان اذا دخل الحرب الواسعة».
الوضع الميداني
ميدانياً، عاشت منطقة الحدود امس توترا شديدا منذ ساعات الصباح الاولى واستمرت حتى ساعة متقدمة ليلا. وسجلت امس هجمات مكثفة لـ«حزب الله»، حيث اعلنت المقاومة الاسلامية عن استهداف مواقع الجيش الاسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة وتلال كفرشوبا، وهي: الرمثة، زبدين، الرادار، رويسات القرن ورويسات العلم، بالصواريخ الموجّهة والأسلحة المناسبة. وكذلك استهداف مواقع العاصي وهرمون وبركة ريشا وراميا بالصواريخ الموجهة والأسلحة المناسبة. وايضا استهداف تجمع للجنود الاسرائيليين في ثكنة هونين المحتلة (اميم) وإلحاق اصابات مؤكدة فيها.
وسبق ذلك بيان أصدرته العلاقات الاعلامية في «حزب الله»، جاء فيه: «يواصل العدو الصهيوني سياسته الاجرامية في الاعتداء على المدنيين وعلى الصحافيين الذين يعملون في منطقة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. تعتبر العلاقات الاعلامية ان هذا العدوان هو استكمال لجرائمه السابقة ضد الاعلاميين في لبنان وفلسطين بهَدف منعهم من نقل الحقيقة وتغطية وتوثيق جرائمه الوحشية ضد المدنيين والابرياء. اننا اذ نطالب كل المؤسسات الاعلامية والنقابات والجمعيات المهنية والانسانية بإدانة هذه الجرائم، نؤكد مجدداً انّ قتل المدنيين والاعتداء على امن بلدنا لن يمر من دون رد او عقاب».
قصف إسرائيلي
وبحسب معلومات امنية، فقد دارت اشتباكات في خراج بلدتي رميش ويارون اثر استهداف «حزب الله» لموقع هرمون الاسرائيلي، فيما تعرّض لقصفٍ اسرائيلي خراج بلدات البستان، كفر شوبا وكفر حمام وشبعا، والهبارية وحلتا وبسطرة ووادي خنسا وكفركلا والعديسة ومركبا وحولا وميس الجبل وعيتا الشعب، الضهيرة، وبليدا وراميا ومروحين وشانوح والقليعة وسهل الخيام مقابل مستوطنة المطلة، ومحيط السياج الشائك في وادي هونين.
وأعلن الجيش الاسرائيلي عن تعرّض عدد من مواقعه على الحدود مع لبنان في مختلف القطاعات لهجمات صاروخية مباشرة وقصف مدفعي. وعن استهدافه مجموعة مسلحين مجددا في جنوب لبنان. وكرر إعلانه ايضاً انه استهدف بنى تحتية عسكرية لـ«حزب الله»، مشيراً الى أن مسيّرة تابعة له قتلت مسلحا داخل الأراضي اللبنانية، قبل ان يضيف: استهدفنا 3 عناصر من «حزب الله» في جنوب لبنان بمسيّرة. وافادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن قوات الجيش طاردت شخصا تَسللَ وأطلق النار عند بلدة مارغليوت على الحدود مع لبنان، وتمكنت قوات الامن من قتله.
ولفت المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي افيخاي ادرعي الى انّ «مسيرة تابعة لنا قامت بالقضاء على «مخرّب» داخل الأراضي اللبنانية. كما أغَرنا الليلة الماضية على عدة بنى تحتية تابعة لـ»حزب الله» ردًّا على إطلاق الصواريخ من لبنان نحو إسرائيل». وأعلن جيش العدو «انّ الصواريخ التي أطلقت من لبنان على إسرائيل هي لـ«حزب الله» رغم إعلان حماس مسؤوليتها».
وتزامَنت العمليات العسكرية على الحدود مع تحليق للطائرات الإسرائيلية الحربية والاستطلاعية في الأجواء اللبنانية من الجنوب حتى بيروت. بالتوازي مع تحركات بحرية اسرائيلية قبالة شاطئ الناقورة.
إخلاء المستوطنات
الى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الاسرائيلية أمس عن خطة لإجلاء سكان مستوطنة كريات شمونة القريبة من الحدود اللبنانية. وقالت وسائل اعلام اسرائيلية انه تم حتى الآن إخلاء 27 ألف مستوطن من 28 مستوطنة عند الحدود مع لبنان بالإضافة الى بدء إخلاء 23 ألف مستوطن من كريات شمونة.