كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول:
إسرائيل ماضية في حربها التدميريّة على قطاع غزة، واجتمعت مستوياتها السياسية في حكومة طوارىء لهدفٍ مُعلن هو تصفية حركة «حماس»، مُودِعة تِبعاً لذلك، رصيداً اضافياً في بنك الاحتمالات الدراماتيكية التي تلوح في أفق منطقة الشرق الاوسط برمتها.
واذا كانت دول المنطقة قد انقسمت بين مُنخرطة سراً او علناً مع الحشد الدولي الداعم لإسرائيل الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية في ما تعتبره حقّها في الدفاع عن نفسها، وحربها ضد حركة «حماس»، أو منخرطة في المحور الداعم لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدو وتحرير أرضه، فإنّ لبنان يواكب هذه الحرب بأعصاب مشدودة، وتتجاذبه مخاوف متزايدة على كلّ المستويات من أن تتدحرج كرة النّار إليه، في الوقت الذي يعاني فيه فقدان الحد الأدنى من المناعة والتحصين الداخلي والقدرة على تحمّل ما قد يتأتى عن هذا الاشعال.
فالحدود الجنوبية خاضعة لما يبدو انها لعبة مدّ وجزر، وتتأرجح بين الهدوء والتوتر، أمّ العمليّات الحربية على الحدود الجنوبية فقد حافظت على وتيرتها المحدودة نسبياً، مُرخية على المنطقة حالاً من التوتر الشديد، تفاقمه تعزيزات عسكريّة في المستوطنات، التي تبدو فيها حركة المستوطنين شبه معدومة. في وقت افيد فيه بأن قوات «اليونيفيل» تواصل اتصالاتها مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لتجنّب اي خطوات تساهم في تأجيج التوتر وتدهور الوضع على الحدود.
إتصالات لتلافي التفجير
وبالتوازي مع تأكيد لبنان الرسمي على اولوية الاستقرار الامني، والسعي لتجنيب لبنان تداعيات ما يحصل، وعلى الالتزام بمندرجات القرار 1701، والتشديد على دور الجيش في حماية الامن والاستقرار، والتعاون مع قوات اليونيفيل، تتوالى الإتصالات من اكثر من مستوى دولي وتشدّد على القيادات المسؤولة العمل على إبقاء لبنان بمنأى عن الحرب الدائرة في غزة وعدم الإنخراط فيها، وضمن هذا السياق تحرّك الأميركيّون في اتجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ووفق معلومات «الجمهورية» تلاهم مسؤولون في الامم المتحدة، وكذلك الفرنسيون الذين تحركوا على اكثر من مستوى داخلي مشددين على تجنّب اي خطوة من شأنها أن تمدّد ما سمّاه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون النزاع الدائر في المنطقة، الى لبنان. وضمن هذا السياق، تندرج زيارة مرتقبة لوزير الخارجية التركية هاكان فيدان الى بيروت قبل نهاية الاسبوع المقبل، يُرجّح ان تحصل يوم الخميس.
الحزب: سنواجه ضمن خطتنا
الواضح الوحيد هي «حرب الدمار الشامل» التي تسعى اسرائيل من خلالها الى تحويل قطاع غزة الى ما يشبه «مقبرة جماعية»، فيما باقي الجبهات المصنّفة من ضمن المحور الداعم للمقاومة، تُجمع القراءات والتحليلات على ضعف احتمالات اشتعالها، ما خلا جبهة الجنوب اللبناني التي باتت على درجة عالية من الغموض القلق، مما تخبئه الأيام المقبلة من تطورات فيها، سواء من الجانب الاسرائيلي الذي دفع بتعزيزات عسكرية كبيرة الى المستوطنات القريبة من الحدود، واتبعها بإعلان مستوطنة المطلّة منطقة عسكرية، أو من قبل «حزب الله» الذي اعلن مع بداية الحرب على لسان رئيس مجلسه التنفيذي السيد هاشم صفي الدين انه ليس على الحياد في هذه المعركة، واستهدف بالقصف مواقع عسكرية اسرائيلية، ويمارس في الوقت ذاته تعتيماً كاملاً حول ما قد يُقدم عليه، تبعاً لتطورات الميدان في غزة.
وضمن هذا المنحى جاء اعلان نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، امس، انّ «حزب الله» معني بمعركة المقاومة ونحن مؤيدون لمعركة «طوفان الأقصى» ونفتخر أنّ «في أمتنا شعبا فلسطينيا مضحيا وحرا وشريفا». وقال خلال تظاهرة نظمها الحزب في الضاحية دعماً لغزة: «حزب الله» يعرف واجباته تمامًا، ونحن حاضرون وجاهزون بجهوزية كاملة ونتابع لحظة بلحظة، ولن تؤثر الاتصالات التي جرت في الكواليس من أطراف دولية لضمان عدم تدخلنا في المعركة».
وتوجه الى الاسرائيليين بالقول: نحن في زمن الانتصارات ولسنا في زمن الهزائم وتوقعوا كل شيء». واضاف: «نحن كـ»حزب الله» نساهم في المواجهة وسنواجه فيها ضمن رؤيتنا وخطتنا، نتابع خطوات العدو ولدينا جهوزية كاملة، ومتى يحين وقت أيّ عمل سنقوم به». واكد أن «عمليّة «طوفان الأقصى» كشفت أنّ إسرائيل ضعيفة»… وتوجّه الى داعمي اسرائيل قائلاً: «لا تهمّنا بوارجكم ولن تخيفنا أسلحتكم وسنكون لكم بالمرصاد وسنواجه لتبقى المقاومة».
مخاوف
واذا كانت التطورات الميدانية التي شهدتها منطقة الحدود في الأيام الأخيرة، والتراشق المتبادل بين الجيش الاسرائيلي و»حزب الله» سواء بين المواقع العسكرية أو ما تسمّى «المناطق المفتوحة»، لم تخرج عن انضباط الجانبين ضمن قواعد الاشتباك المعمول بها بينهما منذ حرب تموز في العام 2006، ما بَدا كأنه اعلان غير مباشر من قبلهما بعدم الرغبة في الذهاب الى تصعيد اكبر والدخول في مواجهة واسعة، الا انّ القراءات الامنية والسياسية تتقاطع عند اعتبار منطقة الحدود على درجة عالية من الهشاشة الامنية القابلة للاشتعال وتجاوز تلك القواعد، فأمن الحدود بات معلّقاً بشعرة رفيعة على الحدود مهددة بأن تنقطع مع بروز ايّ تطور غير عادي.
مصدران للاستدراج
وكانت لافتة للانتباه في هذا السياق التأكيدات المتتالية للرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي تمنّى على «حزب الله» التنبّه واحباط اي محاولة لاستدراجه الى الحرب، من ايّ جهة أتت. وقد برز في موازاة ذلك ما ورد في تقرير حول الجبهة الحدودية، أعدّه مركز دراسات استراتيجية، ورد فيه ما حرفيته: «يمكن وصف الوضع بالحذر جداً على الخط الحدودي الممتد من الناقورة في القطاع الغربي الى القطاع الشرقي وصولاً الى مزارع شبعا، وثمة نشاط ملحوظ للجيش اللبناني وقوات اليونيفيل. والعمليات العسكرية التي حصلت بعد عملية «حماس» في ما يسمّى «غلاف غزة»، بَدا جلياً انها كانت في إطار محدود ومحصور، ويستخلص من ذلك عدم وجود رغبة او توجّه الى تجاوز هذا الحدّ.
الا أنّ ذلك لا يلغي الخشية من عوامل اخرى تبدو معها منطقة الحدود في ما يسمّى «هدوء ما قبل العاصفة»، ومن شأنها ان تستدرج أمن الحدود الى الاشتعال من مصدرين: الاول، أن تدخل على الخط من الجانب اللبناني، بعض الجهات خارج اطار المقاومة، والتي اصطلح على تسميتها «مجموعات الصواريخ المشبوهة» وتستهدف عمق المستوطنات الاسرائيلية، وتستدعي عمدا ردا اسرائيليا على عمق البلدات اللبنانية. امّا الثاني، فهو الأخطر، ويتمثّل في ان يغامر العقل الاسرائيلي الجهنمي بأن يعتبر الدعم الدولي الذي حشدته اسرائيل معها بعد عملية حماس، فرصة سانحة لها لإشعال جبهة لبنان ضد «حزب الله»، وهو الامر الذي قد لا تحصر ناره على الحدود، بل قد يأخذ كل المنطقة الى المجهول».
سيناريوهات مخيفة
مضمون هذا التقرير يتقاطع مع مخاوف جدية يُبديها مسؤول كبير، حيث ابلغ الى «الجمهورية» قوله: «هناك جهد كبير يُبذل على اكثر من مستوى خارجي لتجنّب اشعال الجبهة الجنوبية، لكن رغم ذلك، أشعر بقلق كبير، لا بل بخوف عظيم من أن تتدحرج الأمور في أيّ لحظة، خصوصاً انّ اسرائيل في حربها هذه لا تسعى فقط إلى تصفية حركة «حماس»، كهدفٍ أعلنه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، بل إلى فرض قواعد جديدة في المنطقة، وهذا الامر يَنصُبُ أمامنا سيناريوهات مخيفة».
وسط هذه الاجواء، برزت امس زيارة وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان الى بيروت، التي تأتي غداة الاتصال الذي وصف بـ»المهم» بين الرئيس الايراني الشيخ ابراهيم رئيسي وولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. وأجرى عبداللهيان محادثات حول تطورات الوضع في غزة، مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال عبدالله بو حبيب. وكذلك التقى الامين العام لـ»حزب الله» االسيد حسن نصرالله، في حضور مساعد وزير الخارجية الايرانية مهدي شوشتري والسفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني. وخَلص اللقاء الى بيان مقتضب جاء فيه انه «جرى استعراض للأحداث والتطورات الأخيرة في المنطقة، خصوصًا بعد عملية «طوفان الأقصى»، كما جرى تقييم الأوضاع والمواقف الدولية والإقليمية والنتائج المحتملة. كذلك حصل التشاور حول المسؤوليات الملقاة على عاتق الجميع والمواقف الواجب اتخاذها تجاه هذه الأحداث التاريخية والتطورات الخطيرة».
ولفت في السرايا الحكومية، اعلان وزير الخارجية الايرانية «انّ المهم بالنسبة إلينا هو أمن لبنان والحفاظ على الهدوء فيه، وهذا هو هدف زيارتي، وأقترح عقد اجتماع لقادة المنطقة للبحث في الأوضاع». الا انه حذّر من امتداد الأحداث الجارية في غزة إلى مناطق أخرى في المنطقة إذا لم يوقِف نتنياهو حربه المدمرة ضد القطاع، معتبراً انّ ما قامت به حركة حماس كان ردًا على سياسة نتنياهو وجرائم اسرائيل».
وفي وزارة الخارجية، قال عبداللهيان بعد اللقاء مع بوحبيب: «كان لدينا اتفاق في وجهات النظر حول ضرورة الوقف العاجل لجرائم الحرب التي يرتكبها نتانياهو بحق المدنيين الفلسطنيين»، مشيراً الى ان «الجانب الاميركي يدعو الاطراف للالتزام بضبط النفس لأنه قلق من توسيع نطاق الحرب، لكن الامر المضحك في هذه المسألة هو انّه في حين توصي أميركا الاطراف بضبط النفس فإنها تسمح للمجرمين في الكيان الصهيوني بقتل المدنيين في غزة».
وقال: «ما نشهده اليوم في غزة هو جريمة حرب يرتكبها الكيان الصهيوني ضد النساء والاطفال والمدنيين». ويمكن تصوّر اي سيناريو اذا لم تتوقف الجرائم في غزة بشكل عاجل. واذا كانت اميركا تسعى الى عدم توسع الحرب في المنطقة فإنه يتعيّن عليها لجم اسرائيل».
هدوء… وتوتر
وكان الوضع على الحدود الجنوبية قد شهد في فترة النهار حالاً من الهدوء، ترافق مع تحركات تضامنية ومسيرات في مختلف المناطق تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتلبية لدعوة «جمعة النفير العام» التي وجّهتها «حماس» منذ ايام. الا انّ الوضع شهد توترا ملحوظا في فترة ما بعد الظهر والمساء، تخلله قصف اسرائيل على خراج بلدات العديسة والضهيرة وعلما الشعب. وأفيد عن استهداف موقع العباد الاسرائيلي بالقرب من بلدة حولا، كما استهدف العدو برج مراقبة للجيش اللبناني، واعلن المتحدث باسم الجيش الاسرائيلي عن
قصف الاراضي اللبنانية رداً على انفجار عند السياج الحدودي في حنيتا. كما تردّد في هذه الاجواء انّ هناك محاولة تسلل لمسلحين من محيط بلدة علما الشعب واشتباكهم مع قوة اسرائيلية. ونقلت وكالة رويترز ان الجيش الاسرائيلي يحذّر من تسلل مسلحين من القطاع الغربي للحدود مع لبنان.
واعلن «حزب الله» عن مهاجمة المواقع العسكرية في العباد ومسكفعام وجل العلم ورامية بالاسلحة المباشرة والمناسبة وتحقيق اصابات دقيقة. وجاء ذلك ردا على الاعتداءات الاسرائيلية عصر أمس على محيط عدد من البلدات الجنوبية.
إصابة صحافيين
واستهدف القصف الاسرائيلي فرَق الاعلاميين الذين يتولّون تغطية الاحداث في المنطقة، حيث ادى القصف في علما الشعب الى استشهاد صحافي في وكالة «رويترز» يُدعى عصام بسام العبدالله من بلدة الخيام، واصابة 4 صحافيين آخرين بجروح.
الرئيس بري: اجرام
وعلّق رئيس مجلس النواب نبيه بري على الجريمة التي ارتكبتها قوات الإحتلال الإسرائيلي بحق الإعلاميين في منطقة علما الشعب بالقول: هل يحتاج المجتمع الدولي الى دليل بأنّ إسرائيل ومستوياتها السياسية والعسكرية تريد ممارسة إجرامها وعدوانيتها من دون شهود على الحق والحقيقة؟ أحر التعازي للإعلام الدولي والعربي واللبناني ولذوي الشهيد، باستشهاد المصوّر الصحافي في وكالة «رويترز» عصام العبد الله والشفاء العاجل للاعلامية في قناة «الجزيرة» كارمن جوخدار وزميلها المصور إيلي براخيا، ولسائر الجرحى الذين كانوا برفقتهما من مراسلين ومصوّرين.
«حزب الله» يُدين
وأصدرت العلاقات الإعلامية في «حزب الله» بياناً أدانت فيه «الجريمة النكراء التي أقدم عليها العدو الصهيوني بإستهداف عدد من الإعلاميين على الحدود اللبنانية أثناء قيامهم بتغطية الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان ما أدى إلى إستشهاد الزميل الصحافي عصام العبد الله وإصابة عدد منهم».
واعتبرت أن ما أقدمت عليه قوات الإحتلال الإسرائيلي هو إستكمال لعدوانها الإجرامي على المؤسسات الإعلامية في غزة وتدمير مقرّاتها ومراكزها وقتل عدد كبير من العاملين فيها بهدف منع نقل الجرائم وصور العدوان الوحشي على المدنيين والأبرياء.
وجاء في البيان : إننا نتقدم من وكالة «رويترز» في لبنان، ومن قناة الجزيرة، ومن وكالة الصحافة الفرنسية في لبنان، ومن سائر الإعلاميين الأحرار ومن عائلة الشهيد المظلوم عصام العبد الله بالتعازي، ونسأل الله أن يمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل. و إننا نطالب جميع المؤسسات الإعلامية والإنسانية والقانونية بإدانة العدوان الصهيوني على لبنان وإدانة الانحياز الصارخ والأعمى لمؤسسات ما يسمى بالعالم الحر إلى جانب القتلة والمجرمين والمعتدين».
واكد البيان «أن هذه الجريمة النكراء بقتل المواطنين اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية وأي اعتداء على أمن شعبنا وسلامة بلدنا لن يمر دون الرد والعقاب المناسبين».
الإقتصاديون يحذّرون
وسط هذه الاجواء، حذرت الهيئات الاقتصادية، في بيان امس، من «أن لبنان الذي يرزح منذ 4 سنوات تحت وطأة أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة أكلت الأخضر واليابس، لا يمكنه على الإطلاق تَحمّل حصول حرب جديدة على أرضه». ولفتت الى أن «لبنان اليوم مُنهك على مختلف المستويات، والدولة شبه مفككة ومتحللة ومفلسة في ظل فراغ رئاسي وشلل حكومي ونيابي وانقسام واشتباك حاد بين القوى السياسية وأزمات كارثية تطال كل الجوانب الحياتية وليس آخرها عبء النزوح السوري، فيما فاتورة الحرب كبيرة وباهظة الثمن، ولبنان لا يقوى على تحمّلها بتاتاً في الظل الظروف التي تَحكُم المرحلة الراهنة، والتي تختلف كلياً عن مرحلة العام 2006».