Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

الجمهورية: تحرّك إيراني يتزامن مع التحذير الأميركي والحكومة رسمت الموقف

كتبت “الجمهورية” تقول: لليوم السادس على التوالي ظلّت الاهتمامات الداخلية، وحتى الخارجية، منصّبة على حصر المناوشات التي تشهدها الجبهة الجنوبية بين اسرائيل والمقاومة منعاً لتوسع الحرب الدائرة على غزة وتخومها بين المقاومة الفلسطينية والجيش الاسرائيلي الى لبنان، فيما استمرت التحذيرات الخارجية للبنان، وتحديداً لـ»حزب الله» ومحورالمقاومة الذي ينتمي اليه، من المشاركة الواسعة في هذه الحرب، في الوقت الذي يؤكّد هذا المحور انّه ليس محايداً فيها، خصوصاً في حال حصول اجتياح بري لغزة.

رسم مجلس الوزراء في جلسته أمس السياسة الرسمية مخترقاً الألغام البدائية التي تُزرع دائماً في طريقه لاعلان الموقف الرسمي، وهو الموقف الذي اعتبره رئيس الحكومة نجيب ميقاتي معبّراً عن الحكومة مجتمعة، وحرص على تلاوته شخصياً بعد الجلسة الحكومية التي بقيت عند مستوى الخلافات الضيّقة ولم ترق الى مستوى المشاركة الكاملة التي فرضتها التطورات الخطيرة الجارية في المنطقة وعند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، فقاطعها المقاطعون ولم يلبّوا دعوة ميقاتي إلى “كلمة سواء”.

وقال ميقاتي في كلمته بعد الجلسة “إنّ لبنان في عين العاصفة، فما يجري على حدودنا الجنوبية يثير لدينا القلق العميق والاستنكار، لانّ مجمل الحوادث التي تجري على طول الخط الازرق، هي نتيجة للاستفزازات الاسرائيلية ولخرق العدو الاسرائيلي الدائم للقرار 1701”. واكّد انّ مجلس الوزراء “يدين بشدة هذه الأفعال الجرمية التي يقترفها العدو الاسرائيلي، ويسكت عنها المجتمع الدولي. كما يؤكّد المجلس إنتصاره للمظلوم، وتضامنه مع الشعب الفلسطيني في نضاله، وحقه في الحياة وأرضه وكرامته الإنسانية”. واعلن “إنني على تواصل، ليس فقط مع المسؤولين الدوليين، الذين بادروا الى الاتصال لوضعنا في صورة الطلب الينا السعي لتهدئة الاوضاع، بل أيضاً مع كافة القوى السياسية الفاعلة في لبنان، للطلب اليهم ضبط النفس وعدم الانجرار الى المخططات الاسرائيلية” .

ودعا ميقاتي “القوى الفاعلة في المجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الامن الدولي، الى تحمّل مسؤولياتها والضغط لوقف اطلاق النار في غزة، والبدء بمفاوضات تؤدي الى وقف دوامة العنف وعودة الهدوء. وبالتوازي يجب العمل على تنفيذ مبادرة السلام العربية التي أُقرّت في القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002 كخريطة طريق وحيدة لإحلال السلام واعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة”. وقال: “إنّ لبنان، الذي يلتزم بتطبيق القرارات الدولية، وخصوصاً القرار 1701، يشدّد في هذه المرحلة العصيبة على دور الجيش في حماية الأمن والاستقرار، وعلى التعاون الوثيق بين الجيش وقوات “اليونيفيل”، وعلى ضرورة الاستقرار الأمني، مع التأكيد إنّ قضية الشعب الفلسطيني العادلة هي في وجدان كل لبناني وعربي وكل إنسان يؤمن بالحق”. وذكر انّه طلب من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب “تقديم شكوى عاجلة الى مجلس الأمن الدولي ضدّ اسرائيل على خلفية اعتداءاتها المتكرّرة ضدّ لبنان”.

 

وزراء “الثنائي”

وعلمت “الجمهورية”، انّ الجلسة التي حضرها قائد الجيش العماد جوزف عون الى جانب القادة الأمنيين، وبعد كلمة مقتضبة لميقاتي تخلّلها خطاب عالي السقف لـ”الثنائي الشيعي” على لسان كل من وزير “حزب الله” مصطفى بيرم ووزير حركة “امل” محمد وسام المرتضى، اللذين استبقا اي موقف تمييعي للحكومة حيال ما يجري، بحسب ما اكّدت مصادر حكومية لـ”الجمهورية”، مشيرة الى “انّ وزراء الثنائي اعتبروا انّ الموقف لا يحتمل اللون الرمادي، ويجب على الحكومة ان تتخذ موقفاً واضحاً لا لبس فيه”.

وعلمت “الجمهورية” انّ وزراء “الثنائي” شدّدوا داخل الجلسة على إصدار موقف يشدّد على إدانة حرب الإبادة على غزة وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة ورفض المساواة بين الضحية والجلاد، والمطالبة بضرورة وقف هذه الحرب العدوانية على غزة فوراً. وكان واضحاً التوجّه بحصر النقاش بالحرب على غزة وتجنّب الدخول في التطورات على الحدود الجنوبية.

وسأل المرتضى عن موقف وزير الخارجية الذي قال انّه يجب ان يعكس التوجّه العام للحكومة التي كان يجب ان تجتمع وتتخذ قراراً قبل اجتماع القاهرة وليس بعده. وسأل: “لماذا لم يتحفّظ بوحبيب كما فعل نظيراه العراقي والجزائري وغيرهما”. وقال: “لولا الاقتدار والمقاومة في لبنان لكان العدو تمادى وقصف مطار بيروت كما فعل بسوريا، وليس الموقف الحيادي الذي يجنّب لبنان الاعتداءات”. وطالب بموقف صريح وواضح لإدانة الموقف الدولي. ووافقه وزير السياحة الذي أثنى على موقف “الثنائي” الذي قال انّ الدمار والمجازر غير مقبولين.

 

اجتماعات القاهرة

وكان بوحبيب قد عاد من القاهرة والتقى ميقاتي واطلعه على نتائج الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء الخارجية العرب، وأبلغ اليه مضمون لقاءاته مع وزراء خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، والكويت الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، والجزائر السيد أحمد عطاف، والمغرب السيد ناصر بوريطة، وفلسطين الدكتور رياض المالكي، واليمن الدكتور أحمد عوض بن مبارك. وكذلك اللقاء الذي جمعه فور وصوله الى القاهرة مع وزير خارجية سوريا الدكتور فيصل المقداد، والتفاهم الذي تمّ بينهما على زيارة دمشق في 23 الجاري على رأس وفد لبناني للبحث في ملف النازحين السوريين.

وقالت مصادر ديبلوماسية مطلعة على نتائج الاجتماع العربي، إنّ مجموعة الاتصالات التي أجراها الوزراء تناولت سبل مواجهة العدوان الاسرائيلي ووقفه ومعالجة النتائج المترتبة عليه.

 

تحذير نمساوي

وتلقّى بوحبيب أمس إتصالاً من نظيره النمساوي الكسندر شالنبرغ تناول التطورات في المنطقة، وأبدى بوحبيب خلاله خشيته من”حرب إقليمية طاحنة في حال عدم وقف التصعيد الاسرائيلي في غزة”. وقالت مصادر ديبلوماسية لـ “الجمهورية”، انّ اتصال شالنبرغ صبّ في التوجّه الموحّد لدول الإتحاد الأوروبي وأكثرية دول العالم على التحذير من مخاطر التصعيد في المنطقة ولبنان، متمنياً ممارسة أقصى الضغوط لعدم توسيع نطاق الحرب ليتسنّى للاتصالات الدولية حصرها ووقفها، ملمّحاً الى عدم قدرة لبنان على تحمّل أوزار أي مواجهة.

وفي هذه الاجواء برز تحرك ايراني في المنطقة، يتزامن مع الحراك الديبلوماسي والحشد العسكري الاميركي الداعم لاسرائيل. وكشفت مصادر ديبلوماسية مطلعة لـ “الجمهورية”، انّ اي تعديل لم يطرأ على زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان للبنان، حيث وصل مساء امس وسيلتقي ميقاتي عند التاسعة صباح اليوم، قبل ان يلتقي نظيره اللبناني بوحبيب، حيث سيكون لهما مؤتمر صحافي مشترك، على ان يلتقي لاحقاً رئيس مجلس النواب نبيه بري وعدداً من القيادات السياسية والحزبية.

وقالت المصادر نفسها لـ “الجمهورية”، انّ عبد اللهيان الذي لم يتمكن من ان تحطّ طائرته في دمشق بعد ظهر امس، بعد أن قصدها من بغداد بسبب القصف على مدرج المطار واعلان خروجه عن الخدمة، قد انتقل الى مطار بيروت على ان يقصد دمشق في طريق عودته الى بلاده.

وقال عبداللهيان من بغداد قبيل توجّهه الى لبنان وسوريا، انّ “أحداث غزة من قِبل النظام الصهيوني جرائم حرب وعدم وقفها سيؤثر على المنطقة بأكملها، وإذا لم توقف إسرائيل هجماتها على المدنيين في غزة فإنّ المنطقة ستواجه أوضاعاً جديدة”. واشار إلى أنّه “لا يمكن لإسرائيل وضع غزة تحت الحصار الكامل وقصف المواطنين وارتكاب جرائم حرب من دون ردّ”.

وكان بري تلقّى إتصالاً من نظيره الإيراني محمد باقر قاليباف ناقشا خلاله الوضع في لبنان والمنطقة والعدوان الاسرائيلي المتواصل على قطاع غزة. كما تمّ التداول والتنسيق حول عقد جلسة طارئة لرؤساء مجالس الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي مخصّصة لمناقشة تداعيات العدوان الاسرائيلي على غزة.

 

الموقف الاميركي

وعلى وقع زيارة وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن لاسرائيل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية عبر موقع “بلينكس” الإلكتروني رداً على سؤال: هل يستغل “حزب الله” الأوضاع في غزة للتدخّل عسكرياً؟ فأجاب: “تحذّر الولايات المتحدة الأميركية ميليشيا “حزب الله” اللبنانية، من استغلال الأوضاع الحالية في غزة، فأيّ قرار يتخذه “حزب الله” أو جهات فاعلة أخرى، يجرّ لبنان إلى هذا النزاع، ستكون له عواقب وخيمة على الشعب اللبناني، في وقت يستحق هذا الشعب ما هو أفضل من ذلك. تحذّر واشنطن من خطورة محاولة استغلال أيّ جهة أو طرف الوضع الحالي، وتشدّد على ضرورة ألّا تنضم أيّ أطراف أخرى إلى هجوم “حماس” المروع أو تستفيد منه بما في ذلك حزب الله”.

وفي غضون ذلك، قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فلوريدا أمس الاول: “قبل ليلتين قرأنا أنّ كل مساعدي بايدن ـ تصوّروا ـ فريق الأمن القومي يقولون “نأمل أنّ “حزب الله” لن يهاجم من الشمال، لأنّه الموقع الأكثر هشاشة بالنسبة لنا”ـ قلت لحظة ـ “حزب الله” أذكياء للغاية، جميعهم أذكياء للغاية، والصحافة لا يحبون سماع ذلك، عندما قلت إنّ الرئيس الصيني ذكي للغاية لأنّه يسيطر على 1.4 مليار من السكان بقبضة حديدية، قلت إنّه رجل ذكي للغاية، هاجموني بشدّة في اليوم التالي. لكن “حزب الله” أذكياء للغاية. وزير الدفاع الإسرائيلي أو أحدهم يقول آمل أنّ “حزب الله” لن يهاجمنا من الشمال، وفي صباح اليوم التالي هاجمهم “حزب الله”، ما كانوا ليفعلوها لو لم يتحدث هذا الأحمق لأنّه قال علنًا أنّها نقطة ضعيفة”.

 

الوضع الميداني

ميدانياً، عاشت الجبهة الجنوبية هدوءاً نسبياً عكّرته بعض المناوشات، وسقوط قذيفة إسرائيليّة في منطقة وطى الخيام قرب مكبّ للنّفايات، في ظل تحليق مكثّف للطيران الحربي الإسرائيلي في سماء المنطقة .

ومساءً، اطلق الجيش الاسرائيلي قنابل مضيئة في سماء المنطقة الحدودية، وسبق ذلك اعلان المتحدث باسمه أفيخاي أدرعي، أنّه “جرى أطلاق صاروخ اعتراض في منطقة الشمال بعد رصد في سماء البلاد، اتضح بعد الفحص انّ الحديث ليس عن قطعة جوية معادية والاعتراض كان كاذبًا”.

وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” نقلاً عن الجيش الإسرائيلي، إنّه “عزّز قواته في المناطق الحدودية مع لبنان”. وذكرت انّ “الجيش الإسرائيلي قال إنّه نشر جنود احتياط في البلدات الواقعة على الحدود اللبنانية وسط تعزيز عام للقوات في شمال إسرائيل”. فيما اعلنت الجبهة الداخلية الإسرائيلية، “اننا مستعدون لاحتمال وقوع مواجهة على الحدود الشمالية”.

 

“اليونيفيل”

والى ذلك، أعلن قائد قوة “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان اللواء أرولدو لاثارو، في بيان انّه “على الرغم من الأحداث المثيرة للقلق في الأيام الماضية، فإنّ الوضع في منطقة عمليات “اليونيفيل” لا يزال مستقراً، ولكنه متقلّب. ومن حسن الحظ أنّ تبادل إطلاق النار بين الأراضي اللبنانية وإسرائيل لم يتصاعد إلى نزاع”.

 

“حزب الله”

في غضون ذلك، قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش خلال مهرجان حاشد في بر الياس للتضامن مع أهالي غزة والمقاومة ‏في فلسطين: “إننا لن ‏نتخلّى عن مسؤولياتنا تجاه ما يجري في غزة، وقد أعلنّا بكل وضوح أننا لسنا على الحياد، ‏ونحن على تواصل دائم مع الفصائل الفلسطينية ومع محور المقاومة، نتابع وننسّق وندرس كل ‏الخطوات التي يجب القيام بها، ولن نتردّد في فعل كل ما نستطيعه من أجل نصرة الشعب ‏الفلسطيني”. ‏وأضاف: “لن ترعبنا البوارج الأميركية وحاملات الطائرت التي تدفع بها أميركا إلى المنطقة، ‏ولن تخيفنا تهديدات رئيسها الأخرق، وسنقوم بكل شيء يمليه علينا واجبنا الشرعي والأخلاقي ‏والإنساني والقومي انتصاراً للشعب الفلسطيني، وكل تهديداتهم لا تعني بالنسبة لنا شيئاً”.

والى ذلك، أوضح رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحركة “حماس” في الخارج علي بركة لموقع “الجزيرة نت”، أنّ قيام “حماس” بعملية من جنوب لبنان “هي رسالة رمزية تحمل عنوان التضامن مع الشعب الفلسطيني، ورسالة للعدو الصهيوني بأننا لن نسمح باستفراد المقاومة في غزة”. وأكّد أنّ “العمليات التي تحصل في لبنان تأتي تلبية لنداء القائد الضيف، حتى نمنع العدو الصهيوني من الاستفراد بقطاع غزة، لأنّه فشل أمام المقاومة ويحاول الانتقام من الشعب الفلسطيني بقصف الأبراج السكنية والمدارس والجامعات والمساجد والأسواق والإسعافات”، داعياً إلى معاقبة إسرائيل على جرائمها.

 

نواب المعارضة

وفي المواقف، اعتبر “نواب المعارضة” في بيان لهم امس انّ “سيادة لبنان “خط أحمر” ولا يملك اي فريق على الأراضي اللبنانية وتحديداً “حزب الله”، الحق في زجّ البلد في حروب لا قدرة له على تحمّل تبعاتها”. وقالوا: “إنّ استخدام الاراضي اللبنانية وربطها بمصالح استراتيجية ايرانية مرفوض، وأي مغامرة يقوم بها “حزب الله” أو اي فصيل مسلّح آخر، لبناني أو غير لبناني، بفتح جبهة الجنوب تحت شعار وحدة الساحات الذي يرفعه محور الممانعة بقيادة ايران، مرفوضة رفضاً باتاً. لا يمكن أن يتحكّم “حزب الله”، أو أي من الفصائل الفلسطينية بقرار السلم والحرب في لبنان، وحدها الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية تملك الحق في هذا القرار السيادي، وعلى رأس واجباتها أن تقوم بحماية لبنان فوراً من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة لتغطية وتمكين الجيش اللبناني ومعه قوات الطوارئ الدولية لاستكمال تطبيق القرار 1701 في شكل ناجز”.

 

مفتي الجمهورية

وبتوجيه من مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، عمّمت المديرية العامة للأوقاف الإسلامية على أئمة المساجد في لبنان وخطبائها لتخصيص خطبة الجمعة اليوم “عن فلسطين والعدوان الإسرائيلي على غزة، وإقامة صلاة الغائب عن أرواح شهداء غزة الذين ارتقوا بشهادتهم دفاعاً عن الأرض والقدس بمساجدها وكنائسها”.

وقال دريان: “الاعتداء الوحشي والهمجي على قطاع غزة وسائر الأراضي الفلسطينية لن يمرّ دون عقاب من الله ومن أبطال المقاومة الفلسطينية”، مؤكّداً انّ “أرواح الشهداء لن تذهب دماؤهم هدراً، فليعلم العدو الصهيوني أنّ أبطال فلسطين يمثلون ضمير الأمة العربية والإسلامية ووجدانها”. وتوجّه إلى القادة العرب قائلاً: “انتم أملنا ولنا الثقة بحكمتكم ومعالجتكم لما يجري في غزة وكل فلسطين من المذابح والإبادة التي يرتكبها الكيان الصهيوني الغاشم في حقهم كل يوم، وليل نهار على مرأى العالم ومسمعه”.

ولا شك أنّ المحور الاقليمي الذي تنتمي اليه حركة «حماس» يُجري قراءة متأنية للمسار الجاري رسمه وكيفية مواجهته.

فالامور تتدحرج باتجاه هجوم بري يستهدف غزة، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات عدة، كون ذلك سيعني إحداث تبدّل جذري في ميزان القوى والمعادلة القائمة على الساحة الشرق أوسطية.

ووفق تدرّج الأحداث، فإنّ مسارعة رئيس الحكومة الإسرائيلية الى اعلان حال الحرب بعد ساعات على عملية غزة، تلاه تبنّي الحكومة الإسرائيلية المصغّرة اضافة الى الكنيست لقرار حال الحرب.

وبعد ذلك ظهرت الخطوة الأهم من خلال الاعلان عن حكومة الوحدة الوطنية، ما يعني تجاوز الانقسامات الداخلية الحادة القائمة. وتفسير ذلك أنّ ثمة اتجاهاً كبيراً يستوجب هذه الخطوة. في الواقع فإنّ هنالك اجماعاً من المراقبين بأنّ نتنياهو اصبح جثة سياسية ستُعلن مراسم دفنها بعد انتهاء الحرب. فالاتهامات كبيرة حول مسؤوليته عن الكارثة التي لحقت بإسرائيل، ولكن تصفية الحساب معه مؤجّلة.

وتشكيل حكومة الوحدة يعني الشروع في الحرب البرية باتجاه غزة وإحداث تعديلات ميدانية نهائية، والتجارب التاريخية توجب عدم حصر الأهداف الاسرائيلية بغزة فقط، فقد تكون هنالك نوايا عدوانية تطال ما هو أبعد من غزة، لاعتقاد اسرائيل أنّ الظروف الدولية مؤاتية ويجب استغلالها.

وكانت اسرائيل أعلنت عن اتصال اجراه نتنياهو بالرئيس الأميركي، حيث أبلغه خلاله عن بدء العملية البرية باتجاه غزة خلال الساعات المقبلة. ولكن استدعاء قوات الاحتياط الاسرائيلية لا يلغي حقيقة الضعف الذي تعاني منه القوات الاسرائيلية البرية، خصوصاً بسبب افتقاد الجنود الاسرائيليين الى الروح القتالية. وهذا ما ادّى الى حال الانهيار السريع مع تقدّم عناصر حركة «حماس» الى مستوطنات غلاف غزة بسهولة عند بدء العملية العسكرية. فلقد بدت ردود الفعل العسكرية خلال فترة الـ 48 ساعة التي تلت هجوم «حماس» في حال ارتباك كبيرة، وبأنّ القيادة العسكرية لا تملك خطة.

الواضح أنّ القيادة العسكرية الاسرائيلية حاولت التعويض عن ذلك من خلال اتباع سياسة الأرض المحروقة وتدمير المباني السكنية والمنشآت القائمة وتسويتها بالارض.

ورغم ذلك، فإنّ قدرة الجيش الاسرائيلي على اقتحام غزة تبقى صعبة ومكلفة جداً خصوصاً في ظل التطور العسكري الكبير لمقاتلي «حماس».

أغلب الظن أنّ الجيش الاسرائيلي سيتجّه الى تغلغل يؤدي في أحسن الاحوال الى تقسيم غزة الى عدة قطاعات، ومن ثم التعامل مع كل قطاع لوحده وبمعزل عن الآخر ووفق معايير مختلفة.

وحتى في هذه الحالة، فإنّ المخاطر امام الاسرائيليين كبيرة، اضافة الى الحاجة الى اسابيع عدة، وربما فترة اطول. الواضح أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد. فالهدف هو بتغيير صورة غزة، وهو ما عبّر عنه صراحة وزير الدفاع الإسرائيلي.

وللدلالة على وجود هذا القرار الكبير، بدا أنّ نقطة الضعف الاسرائيلية والتي عملت عليها حركة «حماس» والمتمحورة باحتجاز رهائن، تتصرف اسرائيل وكأنّها تجاوزتهم، نظراً الى أهمية الهدف المنشود. تماماً كما فعل نائب الرئيس الاميركي السابق ديك تشيني في 11 ايلول، حين أمر سلاح الجو الاميركي بإسقاط الطائرة الاميركية الرابعة المختطفة بمن فيها، قبل أن ينفّذ الخاطفون مهمتهم.

وستعمل اسرائيل على الأرجح على دفع فلسطينيي غزة باتجاه مصر، وهو ما ترفضه القاهرة رفضاً قاطعاً.

وافتراضاً في حال نجاح اسرائيل في خطوتها في تقسيم ومن ثم تطويع غزة، فانّ امامها خيار من ثلاثة:

1- اما ترك المنطقة تحت السيطرة الاسرائيلية، وهذا خيار مستحيل بالنسبة لاسرائيل كونه سيجعلها تحت وطأة جحيم حرب العصابات.

2- أو تكليف مصر أو هيئة عربية او دولية بمهمّة الاشراف الكامل عليها. وهذا ما يبدو صعباً جداً.

3- أو تركها تحت سيطرة السلطة الفلسطينية ولكن وفق مبدأ تسوية سلمية تقوم على أساس الدولتين، وهو ما كانت ترفضه احزاب اليمين الاسرائيلي ومن بينهم نتنياهو بالذات. ولكن المقصود هنا انتزاع الفلسطينيين من الحضن الايراني ووضعه في الحضن العربي والسعودي تحديداً، وهو ما يدخل في اطار رسم معادلة اقليمية جديدة. ولفت في هذا الاطار ما أدلى به الرئيس السابق للحكومة الاسرائيلية يائير لابيد الى شبكة الـ (cnn) حين أبدى تأييده لتسليم غزة لاحقاً الى السلطة الفلسطينية. كذلك لفت الاتصال الذي أجراه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما اعتُبر سعياً سعودياً لردّ الاعتبار لعباس والسلطة الفلسطينية.

لكن ما سبق يمثل جزءاً من المشهد. فثمة زوايا أخرى لا تقلّ خطورة وتعقيداً ومنها ساحة جنوب لبنان حيث الثقل الأكبر للنفوذ الايراني.

ومع وصول حاملة الطائرات الاميركية الأكثر تطوراً في العالم الى قرب الساحل الشرقي للبحر المتوسط، حطّت أول طائرة شحن عسكرية اميركية ضخمة في اسرائيل، وهي تحمل اطناناً من الذخائر والقنابل النوعية والمتطورة، والتي لم تُستعمل بعد، وهو ما تعمّدت الدعاية العسكرية الاسرائيلية على نشره بطلب اميركي. الواضح أنّ واشنطن تريد التعويض عن تراجع المستوى القتالي للجيش الاسرائيلي بالأسلحة والقنابل النوعية.

لكن المقصود هنا ليس غزة بقدر ما هو «حزب الله» وايران.

وكان ذلك واضحاً من خلال كلام مستشار الامن القومي الاميركي جيك سوليفان، حين قال إنّ ادارته لم تحرّك حاملة الطائرات لمواجهة «حماس»، بل لمنع التصعيد. وهو قصد ان يقول بوضوح لمنع تدخّل «حزب الله» او ايران في القتال. وكانت واشنطن قد حذّرت «حزب الله» سابقاً من الانخراط في القتال، وذلك عبر البيت الأبيض ووزارة الدفاع، وليس الاكتفاء بوزارة الخارجية، للدلالة على جدّية القرار. «ونصحت» واشنطن «حزب الله» بالتفكير مرتين.

وفي موازاة ذلك، نشرت الصحف الاميركية اتهامات حول دور ايران و»حزب الله» في التخطيط لعملية غزة. ولكن سوليفان قال إنّ ادارته لا تملك دليلاً على تدخّل ايران في التحضير لعملية غزة. وما لم يقله سوليفان عبّرت عنه وزارة الخارجية بشكل أوضح، حين أضاف الناطق باسمها عبارة «حتى الآن». وهو ما يعني بأنّه في حال توسيع دائرة الحرب فسيكون كلام آخر.

في الواقع لا تريد واشنطن «تمزيق» ما تبقّى من لبنان في أتون لهيب المواجهات الحاصلة. ذلك أنّه سيؤدي أولاً الى تشتيت التركيز الحربي حيال غزة، وثانياً الى نشر الفوضى العارمة في لبنان وسوريا، وعدم القدرة لاحقاً على اعادة انتظام الامور. ولكن الى جانب الرسالة العلنية والمرسلة الى ايران و»حزب الله»، هنالك رسالة أخرى ولكن ضمنية إلى «الجموح» الاسرائيلي. فوفق دروس التاريخ، ما حصل في حرب العام 1967 شكّل ضربة لواشنطن التي طلبت من اسرائيل عدم مهاجمة الضفة الغربية، وهي أعطت تعهداً بذلك لملك الاردن. ولضمان ذلك أرسلت سفينة التجسس «ليبرتي» الى قرب الساحل الاسرائيلي لمراقبة التحرّكات العسكرية الاسرائيلية. فما كان من سلاح الجو الاسرائيلي الاّ أن قصف وأغرق السفينة، بذريعة أنّه اعتقدها تابعة للبحرية المصرية، ومن ثم هاجم الجيش الاسرائيلي الضفة الغربية واحتلها.

واليوم تشعر اسرائيل أنّ هنالك فرصة تاريخية ذهبية لمهاجمة «حزب الله» وايران على السواء، وسط تعاطف وتأييد دولي عارم واستلامها اسلحة وذخائر متطورة وفتّاكة.

ووفق ذلك، تصبح مهمّة حاملة الطائرات والقطع البحرية المواكبة مراقبة كافة التحركات، بما فيها الاسرائيلية، لضمان عدم انزلاق الوضع الامني في جنوب لبنان. ورغم التوترات والمواجهات اليومية، الّا أنّ الجهات الدولية المراقبة تعتبرها بأنّها لم تتجاوز الخط الأحمر، على الرغم من خطورتها، رغم انّها لا تخفي قلقها من امكانية انزلاقها باتجاه المجهول. فقيادة «حزب الله» التي اشتهرت بأنّها إيديولوجية وعقائدية بقدر ما هي براغماتية وواقعية، تكاد تجد نفسها وكأنّ الظرف لم يعد يسمح لها بالجمع بين الاثنين، كما أنّ ايران تقف من دون ان تستطيع الحركة لإنقاذ أحد أعمدة الاستراتيجية التي بنتها بتأنٍ طوال العقود الماضية في غزة، وسمحت لها بالاستحواذ على بريق القضية الفلسطينية، ومن خلالها ترتيب معادلة اقليمية جعلت منها محوراً اقليمياً كبيراً يلف العالم العربي من باب المندب في الخليج الى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين. وهنا حساسية وخطورة المواقف والمواقع. خصوصاً اذا ما أدّت النتائج الميدانية الى السماح لواشنطن ببناء تحالف أمني وعسكري جديد يبدأ من اليابان وكوريا الجنوبية والهند ويصل الى السعودية وتركيا التي تريد أن يكون لها دور أكبر في سوريا وفلسطين، والتي قد تجد في تعقيدات حرب غزة فرصةً تمنحها موقعاً متقدّماً، تماماً كما تتمنى موسكو ان تتحول غزة الى «أوكرانيا» شرق أوسطية.