كتبت صحيفة النهار تقول: دخل 7 تشرين الأول 2023 تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتحديداً الفلسطيني الإسرائيلي، من بوابة تاريخ استثنائي لا سابق له على رغم الحروب المتعاقبة التي شهدها هذا الصراع منذ نشأة إسرائيل ونشوء القضية الفلسطينية معها. فالحرب والهجمات والعمليات التي شنّتها حركة “حماس”، أمس، على البلدات والمستوطنات الإسرائيلية، في ما يعرف بغلاف غزة، كما على القصف الصاروخي الكثيف على بلدات في وسط وجنوب إسرائيل، والنجاح المبهر الذي حقّقته عبر عامل المباغتة والمفاجأة وجعلها توقع إصابات خيالية في صفوف الإسرائيليين عسكريين ومدنيين وتأسر عشرات الضباط والجنود والمستوطنين عبر حرب لا تُشبه أي حرب سابقة، هذا التطوّر وقف أمامه العالم مذهولاً بقدر ما أذهل الإسرائيليين أنفسهم.
ولعلّ العامل الأشدّ إثارة للإذهال تمثَّل في فداحة انكشاف الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي أمام عمليات “حماس”، التي سُمّيت “طوفان الأقصى”، والتي تمكّنت فيها هذه المنظمة المهيمنة بالكامل على قطاع غزة منذ عام 2005 من الحاق خسائر بإسرائيل فاقت في يوم واحد خسائرها البشرية بين قتلى وجرحى طوال حرب تموز 2006 في لبنان مع “حزب الله”. حتى أنّ متحدّثاً سابقاً باسم الجيش الإسرائيلي اختصر الهزيمة الإسرائيلية باعترافه بأنّ النظام بأكمله فشل أمام هجوم “حماس” وجميع الهياكل الدفاعية فشلت كذلك. وإذ تجاوزت أرقام الخسائر البشرية الإسرائيلية الـ250 قتيلاً وأكثر من ألف جريح حتى ساعات الليل المنصرم، فيما فاق في المقابل عدد الخسائر الفلسطينية هذا الرقم، ارتسمت معالم حرب متدحرجة ستكون الساعات المقبلة مسرحاً شرساً، بل في غاية الشراسة لميادينها المفتوحة بين غزة والمدن الإسرائيلية خصوصاً بعدما نجح مئات من مقاتلي “حماس” في اقتحام مراكز عسكرية إسرائيلية ومهاجمة دبابات وأسر عشرات الضبّاط والعسكريين ونقلهم إلى غزة.
وبإزاء هذه الضربة الأشدّ قسوة للجيش الإسرائيلي باعترافه بنفسه، ومع بدء توغّل القصف ليلاً إلى تل أبيب نفسها بعدما اشتدت وطأة القصف الإسرائيلي على غزة، يمكن القول بأنّ عملية “طوفان الأقصى” شكّلت ما يُشبه تماماً “11 أيلول إسرائيلي” أسوة بالهجمات التي اخترقت الولايات المتحدة ودمّرت مبنيي برج التجارة في نيويورك ومبانٍ حكومية أخرى في واحد من أسوأ الهجمات التي شهدتها الولايات المتحدة. وبذلك، ومع التعبئة العسكرية الشاملة التي أجرتها إسرائيل في الساعات التي أعقبت الاختراق الهائل لمنظومتها الاستخباراتية والأمنية والعسكرية ونجاح مئات من مقاتلي “حماس” في مهاجمتها برّاً وبحراً وجوّاً عبر إنزال مقاتلين بمظلّات في المستوطنات وقرب المراكز العسكرية مع بداية الأعياد اليهودية، فإنّ إسرائيل المصابة بأسوأ ما لم تتوقّعه بدأت الإعداد لرد مزلزل متدحرج أيضاً يصعب تصور التداعيات المخيفة التي ستنشأ عنه في المقبل من الساعات والأيام، بدليل استدعاء زعماء المعارضة للمشاركة في جلسة مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو مساء أمس لإظهار وحدة الموقف الإسرائيلي حيال المواجهة والرد الذي ستقوم به إسرائيل وحديث عن دخول المعارضة الحكومة لتكون حكومة طوارئ بما ينذر بحرب متدحرجة.
هذه الحرب المباغتة أشعلت التساؤلات عن طبيعة تداعياتها بين إسرائيل وغزة من جهة، وإسرائيل والمحيط وتحديداً لبنان الذي تخوَّف من تمدُّد الحرب إليه في حال انخراط “حزب الله” بدعم “حماس” . ذلك أنّ الوضع على الحدود الجنوبية مع إسرائيل بدا مقلقاً ومشدوداً وسط معلومات تحدّثت عن استنفار “حزب الله” من جهة، وحشد إسرائيل تعزيزات عسكرية كبيرة من جهة مقابلة، فيما عملت قوات “اليونيفيل” على تكثيف حركتها وانتشارها لتجنب اطلاق صواريخ من المنطقة الحدودية. ويسود الترقب القلق المنطقة خصوصاً وسط معالم احتدام المواجهات.