كتبت صحيفة “الجمهورية”: يستمر «الفيلم الأميركي الطويل» ثقيلاً على صدور اللبنانيين، وهو من بطولة وإخراج وتمثيل مجموعة من القوى السياسية اللبنانية الفاشلة، التي لم تسأم بعد من تبادل السجالات والاتهامات، ولم تكتفِ بما ارتكبته من فظائع في حق البلد والشعب، ولا تخجل من سمعتها السيئة بين الأمم، والسبب واحد، هو ان ليس هناك من يحاسبهم، وهم طبعاً لن يحاسبوا انفسهم.
كل تحذيرات العالم لا تحرّك سياسيين من كوكب آخر، يتفرّجون على وطن يستمر في النزف، وشباب وشابات يسلكون معبر الهجرة، فيما الغرباء يجتاحون المعابر تحت عنوان النزوح، ويُغرقون البلد في نزيف اكبر وأخطر.
لا جديد في ملف الرئاسة اللبنانية، غير الثرثرة السياسية والتصريحات الغوغائية، بعدما تخلّت معظم القوى السياسية عن واجباتها ودورها في التزام الدستور والاحتكام الى اللعبة الديموقراطية، وسلّمت رقبتها ورقبة البلد إلى الخارج. ولم يعد على اللبنانيين سوى انتظار نضوج التسويات الكبرى الدولية الإقليمية، حتى يأتي دور لبنان فينال نصيبه بعد خراب البصرة.
الرهان على الخارج
في السياق، قالت أوساط معارضة مواكبة للحراك السياسي الرئاسي لـ»الجمهورية»، انّ الرهان اليوم هو على الدور القطري لإنهاء الشغور لسببين أساسيين:
السبب الأول، لأنّ المسار الداخلي مقفل في ظلّ الخلاف والانقسام وغياب المساحات المشتركة، وبالتالي فإنّ التعويل على لبننة الاستحقاق لم يعد في محله، إنما أصبحت الحلول الممكنة، مع الأسف، رهن دور الخارج لا الداخل.
السبب الثاني، لأنّ قطر تربطها أفضل العلاقات مع إيران التي لا يمكن تغييبها عن المفاوضات حيال الأزمة في لبنان، إنما من الضرورة إشراكها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، نظراً لتأثيرها على غرار دول أخرى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
ورأت الأوساط، انّه يمكن لقطر ان تحقِّق الخرق المطلوب، كونها تتحرّك في ظلّ لحظة مؤاتية أميركياً وسعودياً، حيث انّ العلاقة بين الرياض وطهران تشق طريقها أكثر فأكثر نحو الأفضل، بعد الاتفاق بينهما في بكين وانتقال علاقتهما من التوتر إلى تنظيم الخلاف، فيما أظهرت الأسابيع الأخيرة انّ واشنطن منفتحة على اتفاقات غبّ الطلب مع طهران، ما يعني انّ الخطوط غير مقطوعة وإمكانية فتحها لتشمل لبنان غير مقفلة ولا موصدة.
واعتبرت الأوساط، انّه عندما تصبح اللجنة الخماسية + إيران على الموجة نفسها، يصبح عبور الحواجز بين اللبنانيين ممكناً. وأسفت لكون معالجة الأزمات اللبنانية تنطلق من عواصم العالم باتجاه بيروت بدلاً من ان تكون الحلول لبنانية صافية.
قراءة 8 أذار
غير أنّ مصادر قيادية في قوى 8 آذار، اعتبرت انّ مهمّة الموفد القطري معرّضة للاصطدام بحائط مسدود، أسوة بالوساطات الخارجية الأخرى في الوقت الراهن، لكنها قد تأخذ زخمها عندما تنضج التسويات في المنطقة.
«ناطرين»… هي كلمة السرّ التي تتناقلها كل القوى السياسية، وتجمع عليها في أجوبتها حول مصير الملف الرئاسي. حيث قالت مصادر سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ «الانتظار هو سيّد الموقف، وانّ مرحلة ما بعد نعي المبادرة الحوارية الرئاسية لرئيس مجلس النواب نبيه بري هي كما قبلها.
انتظار اللاشيء…
وتابعت المصادر: «ليتحمّل كل فريق مسؤولية أفعاله ويأخذ الطريق الذي يحب، لبنان دولة تسير والرب راعيها من دون قيادة، والجديد الآن اننا ننتظر القطري بعدما انتظرنا الفرنسي وقبلها الاميركي والسعودي والايراني، وصولاً إلى البلجيكي (مقولة ناطرين بلجيكا)».
وتضيف المصادر: «اعتدنا الانتظار ولم يتغيّر علينا شيء، والرئيس بري لن يدعو الى جلسة لانتخاب رئيس قبل وضوح الصورة وتبلور المشهد الرئاسي في أعقاب المسعى القطري».
لودريان في السعودية
في هذا الوقت، لفت الأنظار اجتماع ضمّ في الرياض وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان والمبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان، وتسرّب انّه تمّ خلاله البحث في الملف الرئاسي، غير انّ مصدراً ديبلوماسياً اشار الى انّ لودريان موجود في السعودية في مناسبة العيد الوطني السعودي، وعشية تولّيه منصبه الجديد خلفًا لجيرار ميستراليه (Gérard Mestrallet) رئيس الوكالة الفرنسية للتنمية في المملكة العربية السعودية، وبالتالي ليس لسبب ظهور عنصر جديد في ملف الرئاسة اللبنانية المعطّل.
تحذير من مخاطر النزوح
من جهة أخرى، يستمر عجز الحكومة عن مواجهة ملف النازحين منذ اكثر من 12 عاماً، الاّ في التصريحات والاقوال لا الأفعال. وقد رفع وزير العدل القاضي هنري خوري الصوت عالياً خلال جولته في إيطاليا، ولقائه كبار المسؤولين في المجال القضائي والمنظمات الحقوقية، وكان التقى في روما أمس، نظيره الإيطالي كارلو نورديو، واثار معه خطورة مسألة النزوح السوري وأعبائه، ووضع القضاء في لبنان.
وأبلغ خوري إلى نظيره الايطالي موقف الحكومة اللبنانية. كاشفاً انّهم «يزحفون الى لبنان بأعداد كبيرة، وهم بذلك لم يعودوا لاجئين بل نازحين اقتصاديين». وحذّر من أنّ «الأمر سينعكس سلباً على أوروبا، لأنّها الهدف الحقيقي والمبطّن للنازحين السوريين، اما لبنان فهو محطة بالنسبة اليهم». كذلك، كشف خوري عن «حدّة وخطورة الإكتظاظ في السجون اللبنانية الذي يسببّه زحف النازحين وتجاوزاتهم التي ترفع نسبة الجريمة وعدد المساجين»، لافتاً الى أنّ «البنية التحتية للسجون في لبنان لا تتحمّل الاكتظاظ الناتج من ارتفاع عدد المساجين».
لا طبع لليرة
مالياً، أكّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أنّ مصرف لبنان «لن يطبع الليرة لتمويل الدولة، ولا استكتاب سندات خزينة». وكشف أنّ «تمويل الدولة بالدولار أمر غير وارد».
وأوضح منصوري خلال لقاء مع المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أنّ «الدولة لن تستطيع إعادة أموال المودعين قبل إعادة هيكلة المصارف». ولفت إلى أنّه «يجب إعادة إطلاق القطاع المصرفي عبر إعادة ثقة المودع».
واضاف: «ستستمر الدولة اللبنانية بدفع رواتب القطاع العام بالدولار الاميركي. ونحن كمصرف لبنان نوافق على هذه الآلية من منطلق نقدي بحت. وهذا امر يؤمّن استقراراً معيشياً واجتماعياً لنحو 400 الف عائلة ويحافظ على الاستقرار النقدي». وأكّد منصوري «أنّ هذه الاموال المدفوعة هي بالكامل من الدولة اللبنانية ومن مداخيلها». وكشف «أنّ مصرف لبنان منذ 1 آب 2023 لم يخرج من عنده ولا دولاراً واحداً لتمويل الدولة اللبنانية ولن يُصدر اي تمويل اطلاقاً».
وتابع: «نحن نجمّد الحالة المالية والنقدية الى حدّ ما في انتظار وصول حلول. وهذا الامر لا يمكن ان يُستدام ولا بدّ من وجود حلول للأزمة الاقتصادية الراهنة. والمواطن لا يستطيع ان يكمل بهذه الطريقة». وقال: «اذا عملنا جميعاً يداً بيد نجد الحلول، والمسؤولية مشتركة. وانا اول مسؤول ومن بعدي مسؤولية الحكومة ومجلس النواب والطبقة السياسية. وكلنا مسؤولون ولا يجوز الاّ يحصل المودع على وديعته بالدولار».
تخبّط حكومي… فواتير الكهرباء بالدولار
بعد قرار مجلس الوزراء الذي اقرّ موازنة العام 2024 بأنّ لا جباية الاّ بالليرة اللبنانية عملًا بنصيحة وفد صندوق النقد، عادت الحكومة عن هذا القرار وسمحت لوزارة الطاقة، التي بدورها سمحت لمؤسسة كهرباء لبنان، ان تجبي فواتيرها بالدولار الاميركي اختيارياً. وقالت مصادر وزارية لـ»الجمهورية»، انّ «ما حصل هو نتيجة تخبّط بالسياسات العامة المالية والانفصام بالاقتصاد اللبناني والتناقض».
واوضحت المصادر: «من الأساس تمّ طرح موضوع الجباية بالدولار أثناء مناقشة موازنتي الـ 2023 والـ 2024 وخصوصاً الجمارك، لأنّ الدولار موجود في الاقتصاد اللبناني الذي تبلغ قيمته 20 مليار دولار، اي انّ نصف الناتج المحلي «مدولر»، والتناقض انّه في المالية العامة لا إيرادات بالدولار، وما تستوفيه الشركات لصالح الدولة تُحصّل بطريقة غير مباشرة، في حين الجزء الأكبر من المدفوعات الخارجية هو بالعملة الاجنبية، وهذا هو التناقض بعينه ، ثم انّ الاستيراد الذي نحتاجه هو بالدولار، فلماذا لا نجبي بالدولار بدل المرور والضغط على مصرف لبنان؟».
وكشفت المصادر، انّ «عدداً من الوزراء عارضوا جباية الرسوم الجمركية بالعملة الاجنبية بحجة عدم رفع الكلفة على المواطنين، بينما كان همّهم حماية التجار الكبار وتجنيبهم دفع رسوم عالية، خصوصاً انّ العائدات الأساسية اليوم هي من الدولار الجمركي». واوضحت، انّ «هناك فرقاً بين الدولرة التي لا يسمح بها القانون وجباية الفواتير بالدولار، مثلما سيحصل الآن مع استيفاء فواتير الكهرباء بطريقة اختيارية، تسمح لمؤسسة كهرباء لبنان ان يكون لها حساب خاص بالعملة الأجنبية لا يمرّ عبر مصرف لبنان».
ردّ الموازنة
من جهة ثانية، قدّم رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان تقريره حول مشروع موازنة 2023، الى رئاسة مجلس النواب، مفنّداً أسباب ردّ المشروع على إثر جلسة لجنة المال والموازنة التي انعقدت في 18 أيلول 2023، وذلك للأسباب التالية:
1- ورود مشروع موازنة 2023 بتأخير 9 أشهر عن الموعد الدستوري، أي في نهاية السنة المالية، ما يُفقد الموازنة أي معنى أو فائدة بحسب المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية التي تحدّد الموازنة كإجازة للحكومة للجباية والإنفاق. فما الفائدة منها إذاً، عندما تكون الحكومة قد أنفقت وجبت وأتت الى المجلس النيابي بموازنة لتشرّيع ما قامت به ومن دون أية حسابات مالية؟
2- ورود مشروع الموازنة من دون أي رؤية إصلاحية أو إنقاذية. لا بل على العكس، فقد جاء المشروع، كسابقاته قبل الانهيار وبعده، مرتكزاً على المنطق المحاسبي والأرقام الوهمية التي تستند الى زيادات في الإيرادات غير مثبتة أو ممكنة في الواقع المالي والاقتصادي الحالي، وذلك من خلال زيادات لبعض الضرائب والرسوم.
3- إعلان الحكومة انتهاءها من درس وإقرار مشروع موازنة 2024. فما الداعي إذاً لإغراق المجلس النيابي بدراسة موازنتين، واحدة منها انتهت صلاحيتها وأصبحت تشرّع أقله لأمر واقع غير مدقق؟
4- ضرورة إحالة مشروع موازنة 2024 في الموعد الدستوري وفق المعايير الدستورية والميثاقية، كما إحالة قطع الحساب المدقق للسنة التي سبقت بحسب المادة 87 من الدستور