Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

دريان في رسالة المولد النبوي الشريف: الاستحقاق الرئاسي سيحصل مهما اشتدت العواصف ولا تغيير في النظام اللبناني

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة الى اللبنانيين بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف الآتي نصها:

“الحمد لله ، الذي أضاء الوجود بنور النبوة والرسالة ، وأرسل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى والحق المبين، قال تعالى : ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ ، وأرسله سبحانه وتعالى للناس كافة شاهدا ومبشرا ونذيرا ، قال تعالى : ﴿يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا * وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا * ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله ، وكفى بالله وكيلا﴾ .

فالحمد لله تعالى على إسباغه النعم ، وإغداقه العطايا والمنن .

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير .

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله ، سيد الخلق أجمعين ، صاحب المقام المحمود ، والحوض المورود ، والشفاعة العظمى ، القائل : (إنما أنا رحمة مهداة)، والقائل : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، أرسله تعالى بالهدى والنور والخير والرحمة ، وأزال به الجهل ، وأضاء به الظلام.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :

أيها المسلمون :

تحل علينا في شهر ربيع الأول من كل عام، الذكرى العطرة ذكرى المولد النبوي الشريف ، وهي ذكرى غالية وعزيزة على قلب وعقل كل عربي ومسلم ، ويحتفي بها المسلمون ، وتحوطها إشراقات الفرح والسعادة ، والبهجة والحبور ، بقدر ما يجل المسلمون نبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه ، النبي الرسول، الذي بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، ونصح الأمة ، وتركنا صلوات الله وسلامه عليه ، على المحجة البيضاء ، ليلها كنهارها، لا يضل عنها إلا هالك ، إلى يوم تشرق الأرض بنور ربها.

نستحضر اليوم مولد النبي الخاتم ، صلوات الله وسلامه عليه، النبي المبعوث رحمة للعالمين ، قال تعالى : ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ ، نبي الإيمان والعدالة وإنسانية الإنسان ، ومسؤولياته في الاستخلاف والعمران والعمل الصالح . ولو تأملنا السور المكية الأولى، لوجدناها تقوم على ثلاثة أركان : الإيمان بالله، والإيمان باليوم الآخر، والعدالة والانتظام في أفكار الناس وأعمالهم ومعاملاتهم في المجتمعات . والواقع أن هذا الركن الثالث: ركن العدالة الاجتماعية ، سيكون مع الإيمان ، هو مناط الحساب يوم القيامة.

هذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، التي نستحضرها في يوم مولده . .. ولأن العرب انتظروا طويلا، والإنسانية انتظرت طويلا ؛ فإن المسلمين أقبلوا منذ مئات السنين ، على الاحتفال بيوم المولد ، باعتباره هو الذي حمل تلك الآمال ، وتلك التوقعات بإدارة الأمور إلى نصابها ، في عالم بني البشر ، فهو عليه الصلاة والسلام ، البشير والنذير ، والبديل للواقع الذي كان قائما.

في الإيمان والعمل الصالح. قال تعالى : ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ ، آية تتكرر عشرات المرات في السور القرآنية . وهذه هي الأمانة التي تحدث عنها القرآن الكريم في قوله: ﴿إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ . فالإيمان يقترن بالعقل، والعقل الإنساني في رعايته لمقتضيات الاستخلاف والمصالح ، يسير في مسار العمل الصالح، الذي اعتبره القرآن هو المعروف ، كما اعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي الرسالة الأولى للمسلمين في هذا العالم . بمعنى أن القرآن الكريم ، أرادنا أن نكون ضمير العالم ، وأن نؤدي بذلك الشهادة ، وهي حاضرة في رسالات ودعوات الأنبياء: قال تعالى : ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون﴾.

هذه هي الرسالة التي أصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، في وجه خصوم الدعوة في بدايتها عندما قال : (والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته) .

في ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تجتمع لدينا إذا المعاني التي التقت عليها دعوته ورسالته ، وهي معاني الإيمان والمسؤولية ، والعدل ، والمعروف، والبناء والعمران ، بل إن القرآن الكريم ، وعندما يتحدث عن وحدة الدين ، يقول: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ ؛ أي إن التنافس لا يكون إلا في الخير، وعلى الخير والبر والقسط . فكما اتفقتم في الأصول ، ينبغي أن تتضامنوا في الفروع ، والمتصلة بالعيش معا ، وبالعمل معا ، وهذا هو المعروف الذي يريده الله سبحانه وتعالى للناس .

نعم أيها الأكارم : نحتفي في هذه الأيام بمولد رسول الله صلوات ربي وسلامه علبه ، تعبيرا عن الحب والتقدير، ورعاية الجميل ، والشكر على ما دعانا إليه صلوات الله وسلامه عليه، من الإيمان والخير، وصالح الأخلاق، وطهارة السيرة ، واستقامة المسار.

ولد محمد بن عبد الله يتيم الأب ، وفقد والدته طفلا صغيرا ، ثم جده لأبيه الذي كفل حفيده ورعاه لسنوات قليلة أيضا. ولذلك ، عندما نذكره صلوات الله وسلامه عليه، نذكر أطفالنا وواجباتنا نحوهم ، ونتذكر مشاعر العطف والحنان ، التي كان عليه الصلاة والسلام يحوط بها كل الأطفال ، ويدعو أصحابه للعناية بأطفالهم بنات وبنين . ونحن نعرف من خلال القرآن الكريم الخطاب الإلهي عن الطفولة، وعن رعاية اليتامى ، وعن البر من جانب الأبناء بالأمهات والآباء .

في ذكرى مولد نبي الرحمة ، نتذكر حرصه على الأسرة وتماسكها ، وعن الطفولة وحقوقها ، ومن ذلك ، ما يذكره القرآن الكريم عن حق الرضاع ، وما يذكره الرسول عليه الصلاة والسلام من حقوق التسمية للمولودين والمولودات بأحسن الأسماء.

عندما نذكر هذا كله عن الرسول الأكرم ، فلأنه كما جاء في القرآن الكريم : ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾، وكما جاء في القرآن أيضا : ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ ، ولذلك قال صلوات الله وسلامه عليه : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) . ولنستمع إلى القرآن الكريم، وهو يحدثنا عن أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام ، وخصائص تعامله مع الناس من حوله : ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم، حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ . أخلاقه العزة والإعزاز، وتجنيب الناس المشاق ، والرأفة والرحمة في كل الأحوال.

لهذا كله: وللرسالة الكبرى التي حملها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه إلينا وإلى العالم ، وهي رسالة القرآن والإسلام ، وصنع الخير والمعروف لكل الناس ، ومع كل الناس ، فنحن نحتفي بمولده ، كما نحتفي بهجرته التي بشرت بقيام الأمة ، ونصرة الدين . ومرة أخرى : تعالوا نستمع إليه وهو يخاطب جموع الحجيج في حجة الوداع : (أيها الناس، كلكم لآدم، وآدم من تراب ، لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى . أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم. وإن كل ربا موضوع. واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم… واسمعوا قوله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد!)

دعوة سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، وهو الذي تيتم طفلا ، وعانى العزلة والعذاب من بني قومه، لدعوة التوحيد التي حملها إلى الناس.

محمد وفي ختام حياته المباركة ، يقول في حجة الوداع بالمساواة بين الناس في الإنسانية ، وبالكرامة ، وبحرمة الدم والمال، وكرامة النساء كالرجال ، لأنهن شقائق الرجال . والتعامل بالمعروف والبر والقسط مع كل الناس ، كما جاء في القرآن الكريم : ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين﴾ .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

في ذكرى المولد النبوي الشريف ، نحن نقابل دعوة السلم والكرامة ، والأخلاق السامية ، أخلاق البر والقسط ، بالتزامها في ما بيننا ، ومع مواطنينا ، ومع كل الناس الذين لا يمارسون علينا الإكراه في أوطاننا، أو ديننا..

إن الأوضاع السائدة في وطننا منذ سنوات، لا تدل على أي التزام أخلاقي من أي نوع، من جانب كثير من المسؤولين السياسيين والإداريين . فالسياسيون لا يقومون خلال ما يقارب العام بمسؤوليتهم الأولى، في انتخاب رئيس للدولة ، ولا بمسؤولياتهم تجاه فراغ المؤسسات والمرافق وإفراغها، ولا بالتوقف عن تعطيل المسار القضائي في تفجير مرفأ بيروت. ويتهربون من مسؤولياتهم الكبرى عما وصلت إليه أوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.

إن المبادرات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة ، لحل الأزمة اللبنانية ، هي عامل خير وحلحلة للعقد والعقبات . والإصرار والعزيمة لإنجاح أي مبادرة ، هو هدف أصحاب المبادرات ، بمساعيهم الطيبة، لن تذهب هدرا بإذن الله ، مهما واجهتهم عراقيل بعض السياسيين ، الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب والوطن .

والحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي ، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم ، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية ، أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس ، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم ، فالفرصة لا تعوض إذا لم نحسن التعامل معها ، على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والاستحقاق الرئاسي سيحصل ، مهما اشتدت العواصف ، كي نضع حدا لآلام اللبنانيين ، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها ، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني ، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية – المسيحية ، والعيش المشترك ، ولا مكان للطروحات التي تمزق الوطن وتفرق اللبنانيين في وطنهم لبنان ، بلد الوحدة والتنوع .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

إن بناء وبقاء الدولة ، دولة الحق والقانون، الدولة القوية والعادلة ، التي تساوي بين الجميع ، وتؤاخي بين الجميع ، تحتاج إلى مصلحين وأصحاب اختصاص وكفاءة ، وقادة متبصرين ، يضعون مصلحة الناس فوق مصالحهم الخاصة ، ومصالح البلاد العليا ، والمصلحة العامة فوق طموحاتهم الشخصية ، فلتتنح السياسة عن الميدان ، لتخلي الساحات لأصحاب الكفاءة والاختصاص ، الذين لا تعنيهم السياسة إلا بمقدار ما تعني أنها تدبر شؤون الناس ، وتغني حياتهم ، وتحافظ على كراماتهم، وتعمر بلدهم.

تعب اللبنانيون من السياسة ، قضت السياسة مضاجعهم ، فرقتهم السياسة ومزقت صفوفهم ، أفقرتهم السياسة ، وهجرت أبناءهم وشردتهم .

آن الأوان للاستجابة لآلام الناس ومطالب الشعب الحياتية والاجتماعية والمعيشية ، آن الأوان ليستعيد الشعب ثقته بالدولة ومؤسساتها الدستورية والإدارية ، آن الأوان لاحترام مبادئ الديموقراطية وقيمها، ومعايير ممارسة الحكم الديمقراطي والبرلماني وقواعده، وفي مقدمته مبدأ الفصل بين السلطات ، والمساءلة والمحاسبة والحكم الرشيد .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

حدث نذير بالمدينة المنورة في السنوات الأخيرة من حياته صلوات الله وسلامه عليه، فاستغرق الأمر ساعة أو ساعتين ، حتى استعد الناس وخرجوا إلى حدود المدينة ، فماذا وجدوا ؟ وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرسه قد سبقهم ، وخرج مستعدا بسلاحه لمواجهة الخطر . ولست أعرف منكم أحدا أيها السائدون إلا ما ندر ، يخرج لمواجهة الأخطار على الوطن والمواطنين ، كما كان الشهيد رفيق الحريري رحمه الله تعالى يفعل !؟ أين العزائم والهمم ؟ أين جهود الإقدام والتطوع ؟ لقد نعمتم طويلا بخيرات هذا الوطن ، لكنكم غير مستعدين لرد بعض جمائله، بإظهار الحرص على حياة المواطنين وكراماتهم! .

النعمة الكبرى التي نشرها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، هي نعمة الأمن والأمان التي بشر بها القرآن الكريم في سورة قريش حين قال تعالى : ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ .

أيها المسلمون ، أيها اللبنانيون :

لقد عاد الذين تعرفونهم جيدا لتخويفنا وتخويف اللبنانيين ، والحديث عن الإرهاب والدواعش ، ولا شيء من ذلك يصح أن يحدث أو أن يقال . نحن نثق بأنفسنا ، وببني قومنا، وبمواطنينا وبوطننا. ونريد أن يتوقف الإخوة الفلسطينيون عن قتل أنفسهم ، وأن يتوقف الإخوة السوريون عن مغادرة وطنهم إلى الضياع في لبنان وغير لبنان .

بمناسبة مولد النيي محمد ، صلوات الله وسلامه عليه ، رسول دعوة الهدى والنور والرحمة والمحبة والأخلاق والتسامح ، نسأل الله سبحانه وتعالى ، أن يضيء قلوبنا جميعا بنور المحبة والسكن والتسامح والسكينة ، وأن يوفقنا جميعا للعمل الخالص والمخلص ، من أجل سلام وسلامة واستقرار واطمئنان وطننا لبنان.

كل مولد نبوي مبارك وأنتم أيها المسلمون، وأيها اللبنانيون بخير”.