ألقى النائب نعمة افرام مطالعة في مؤتمر الإمام الحسين الثامن تحت عنوان “القيم الإنسانية تجمعنا”، الذي نظمه المجمع الثقافي الجعفري للبحوث والدراسات الإسلامية وحوار الأديان، وتحدث فيه رئيس المجمع العلامة الشيخ محمد حسين الحاج وممثل عن المطران عصام درويش، وفي حضور حشد من الشخصيات الديبلوماسية والسياسية والدينية والفكرية والإعلامية، ومسؤولين في مؤسسات تعنى بالسلم الأهلي وحوار الحضارات وحقوق الإنسان.
وتناول النائب افرام في “مطالعته التكاملية بين الوجدان الإيماني في الديانات ومحوره قضية الإنسان، وبين إصلاح السياسة والدولة والمؤسسات على قاعدتي الإصلاح القيمي والإنساني، فشدد على أن “بناء مؤسسات الدولة لتكون في خدمة قضية الإنسان هو المشروع الجامع وهو ما نحن في أمس الحاجة إليه اليوم.”
وقال: “في مشواري الإيماني منذ صغري، تعرفت على يسوع المسيح في أناجيله، فأصبح معلمي وملهمي ونور دربي. بداية، اطلعت عليه بحذر في القـرآن الكريم. لاحقا، رأيت أنه كلمة الله وروح منه. “إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه”. (سورة النساء 171). وتأثرت كثيرا حين اكتشفت أهمية مريم العذراء في القرآن الكريم وتكريمه لها بطريقة رائعة. فقد كانت المرأة الوحيدة التي ذكرها القرآن الكريم باسمها، وقد تردد أربعا وثلاثين مرة في اثنتي عشرة سورة. الطاهرة كما جاء في الآية الكريمة “والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين”.(سورة الأنبياء 91).
أضاف:” لست لاهوتيا ولا فقيها، ولا أدعي ما أنا لست عليه، فاعذروني إذا كنت مخطئا. ولكن، أنا مقتنع كمسيحي مؤمن، أنه ليس من تناقض بين يسوع، كلمة الله ومن روح الله في الإسلام، وبين يسوع كلمة الله وابن الله الحي، الذي تجسد وصار إنسانا في المسيحية”.
وتابع: “في مشواري الدراسي والبحثي، تعرفت إلى حكمة وعدالة الإمام علي بن أبي طالب. واطلعت على نهج البلاغة وما يحمل من أفكار وتوجيهات وفلسفة إيمانية واجتماعية. علي لم يكن ابن عم النبي وصهره فحسب، بل أميرا للمؤمنين ومدرسة، وطليعة رجال الفكر والحكمة في العالم الإسلامي. كان إيمانه بالإنسان عظيما وهو القائل: “إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق”. وعلى خطى الإمام علي، خاض نجله الإمام الحسين غمار نهضة إنسانية خالصة في جميع أبعادها. ففي زمن الإمام الحسين، طغت العنصرية القومية والعرقية. فكان أن رفع عاليا وجهارا راية القيم الإنسانية العظمى، ولقيمة المساواة في الإنسانية بين خلق الله. بنبل عظيم، أشار الإمام على صحبه في واقعة كربلاء، بالماء لألف فارس من أعدائه، وعلى رأسهم بن يزيد الرياحي، كي لا يهلكوا عطشا. وتعامل مع فتى تركي ومع عبد أسود، تماما كما تعامل مع إبنه علي. فيما كان ذلك مستهجنا لدى الحكام والعامة”.
وعن الإنسان في الإسلام والمسيحية، قال: “يصح لي أن أتكلم عن الانسان الذي جعله يسوع المسيح قضيته. يصح لي أن أتكلم عن الإنسان في الإسلام وقد جاء في القرآن الكريم:” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا”. (الإسراء: 70). ويصح لي أن أقول إني رأيت في المسيح شهادة وفداء عن الإنسان وهو الذي قال: ” ليس لأحد حب أعظم من هذا، وهو أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه “. وفي استشهاد الحسين وهو لم يتردد في التضحية بحياته من أجل قضية الانسان، عجب كم هو الإسلام قريب من المسيحية في مسيرة الشهادة والفداء. والفداء الذي يجد رضي عند الله، يكون نقيا وطاهرا. في هذه الحالة، يخرج حدث الفداء من الزمان والمكان، ويدخل إلى عالم يفتح من خلاله نفق بين السماء والأرض. وحينها يصبح المستحيل ممكنا، فينتصر الخير على الشر وتنتهي العداوات بين البشر”.
وعن الاصلاح القيمي كمدخل إلى الإصلاح في الشأن العام قال: “إن التآخي والتكامل ما بين الإسلام على مذاهبه، والمسيحية على مذاهبها، هو حتمية سماوية. فما من شيء من الله ليس جامعا، أما التفرقة والتباعد فمن الشيطان. إن ثمرة هكذا فداء في نهاية المطاف هي الجمع لا التفرقة. الحب لا البغض. الكرامة لا الذل. الحياة لا الموت. وبناء المجتمعات والدول، إن لم يكن ترجمة واضحة لهذه الرسالات السماوية المؤنسة، فهي محكومة بالاضطرابات المستدامة والتفسخات النازفة إلى ما لا نهاية. والإمام الحسين قالها بوضوح الشمس: “اني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي”.
أضاف: “نعم الإصلاح الأخلاقي، وإصلاح الدولة، وإصلاح المؤسسات، وإصلاح السياسة، والإصلاح القيمي والإنساني هو ما نحن بأمس الحاجة إليه اليوم. وأنا مؤمن أن السياسة هي فن شريف لخدمة الانسان والخير العام. وفي أساس عملها وعلة وجودها، تطوير مستوى حياة الإنسان في كل أبعادها وتحقيق كرامته البشرية. وأنا مؤمن أن بناء مؤسسات الدولة لتكون في خدمة قضية الإنسان، هو المشروع الجامع بين أبناء الوطن الواحد. هدف هذه المؤسسات هو سعادة المواطنين، وفي صميمه تحقيق ملء الذات البشرية، وتثمير عطايا الله الموهوبة لخلقه. إن نبل هذا الهدف، يسمح للدولة بحسن تثمير نعم الله ووزناته المطبوعة في قلب الإنسان، فينعم الله عليها ببركاته ويحفظها وينميها. أما الدولة التي تفرط بأسمى عطايا الله للإنسان، فهي مرذولة وملعونة وهالكة. فيهجرها أبناؤها، ويأخذون معهم مواهبهم إلى بلاد أخرى، تثمنها وتنميها وتستثمرها.كل شيء لا يحظى بمرضاة لله،هو قتل وموت للبنان وإنسانه”.
وعن التكامل بين الوجداني والقيمي من جهة والاصلاحي لـ”مشروع وطن الإنسان” من جهة ثانية، قال: “في رحلتي البحثية نحو التكامل بين إيماني العميق وروحي العملية في الشأنين الخاص والعام، توصلت مع أخوة لي إلى رسم مشروع بناء وطن الإنسان في لبنان. لقد التزمنا بناء دولة المؤسسات المنتجة والرائدة، ودولة الخدمات المتفوقة. فيكون الإنسان أولا في كرامته وسعادته وازدهاره، هو الجوهر. ومن خلال هذه القيم، يتخطى العيش المشترك مستوى التساكن غير المتفاعل بين المجموعات اللبنانية. فيصبح نمط عيش منتج ومنسق، يقوم على خلق القيمة المضافة، وتحقيق ملء الذات، وتخصيب الغنى في التنوع”.
وخلص إلى إن “بناء لبنان الجديد لن يكون إلا على أساس إعادة الاعتبار للقيمة الإنسانية لإنسانه. وطن مبني على الإيمان العميق برسالة الله الواحد الخالق. ومجتمع يحترم قيم الطبيعة وقيم العائلة وقيم الحرية، والإبداع، والجمال، والكرامة، وينحني إجلالا أمام التضحية والفداء.”
وتابع: “وهذه مجتمعة، تشكل في تكاملها هوية لبنان الحقيقية. هكذا نؤمن الدخول اللائق لأجيالنا في القرن الواحد والعشرين وإلى ما بعده، على أسس الكفاءة والاستقامة”.
وختم: “هنا، أريد أن أنهي كلمتي بميثاق وطن الإنسان، ميثاق لبنان الجديد الذي أحلم به: “نحن أبناء الوطن الواحد من معتقدات متنوعة، نقسم بشرفنا وبكل ما اوتينا من قوة، دون تردد أو تحفظ، أن نزود عن بعضنا البعض بحياتنا ومقدراتنا، حاضرا ومستقبلا، ونبني سويا وطنا حرا سيدا مستقلا، حافظا لتاريخه، مؤتمنا على مواطنيه، يحفظ العيش الكريم، ويحول دون استبداد أي فريق، ويضمن النمو المستدام، ويحمي الضعيف، ويحفز المبادرة الفردية، ويطلق الابداع”. فنصل إلى ذلك الإنسان الذي أراده الله مستمدا قيمه من معجن السماء”.