شدد وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى على أن ” أوّلُ قاعدةٍ في درسِ حِفظِ التنوّع، أن يقبلَ كلُّ واحدٍ منا الآخرَ كما هو لا كما نريدهُ نحن أن يكون، وأن نحبّه كما هو، لا كما نريد نحن له أن يصير. نحنُ بهذه القاعدةِ نصونُ أنفسَنا أوّلًا، على مبدأ المعاملةِ بالمثل على أقلِّ تقدير، وعلى مبدأ الخير الاجتماعي العام الذي لا يتحقّق إلاّ بالسلام والوئام النابعَين من قَبول الآخرِ لنا وقَبولِنا له، ومحبّة بعضِنا بعضًا كأعضاءٍ في جسدٍ واحدٍ هو هذا الوطن العظيم. مستعيداً ما رسخه في وجداننا “سماحة امام الوطن موسى الصدر انه لا مبرر لوجود لبنان إلاّ إذا كان إسلاميًّا مسيحيًّا في آن، ولهذا لا خوف عليه ما بقيت فيه كنيسةٌ واحدةٌ تدقُّ أجراسَها”.
وتوجه بالقول الى اهالي بلدة المعيصرة –قضاء كسروان :”ومقامُكم ههنا يا أهل المعيصرة، كمَقام غيرِكم في مناطقَ أخرى متنوّعةِ الانتماءات الدينية والحزبية والفكرية، يجعلُ كلَّ دعوةٍ تُطلَقُ لترويجِ الانفصال بين الناس، مهما أُمعِنَ في تزويقِها لتسويقِها، دعوةً لا أفقَ لها، ولا حظَّ في الوجود والاستمرار. فكيف للفدرالية مثلًا أن تتعاملَ مع وجودِكم ههنا، ومع وجود آخرين في بقاعٍ لبنانية مختلطة؟”.
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره سمبوزيوم ومعرض “من وحي العيش الواحد والقيم الجامعة “، بدعوة من الجمعية العائلية للاعمال الخيرية لعائلة آل عمرو، بالتعاون مع منتدى الفن التشكيلي اضافة الى افتتاح مكتبة عامة، وذلك في حضور حشد من الفاعليات السياسية ونواب المنطقة والجوار ولفيف من الشحضيات والهيئات الثقافية ورؤساء البلديات والمخاتير. وبعد جولة للوزير والحضور في ارجاء المعرض وافتتاح المكتبة العامة القى كلمة بالمناسبة جاء فيها :
“كلُّ تصغيرٍ في اللغةِ يكون للتقليلِ أو للتودُّد إلاّ المعيصرةَ، فصيغةُ التصغيرِ في اسمِها لا يُقلِّلُ من شأنِها درجةً، ولا يزيدُ في ودِّها مثقالَ حبّةِ خردل، ذلك أنَّ المعاصرَ، إن صغُرَت أو كبُرت، تُخْرِجُ الخيرَ عميمًا، والبركاتِ وفيرةً، وتخزنُ في كوى أحجارِها ذكرياتِ الأُلفةِ والمودّة والتعاونِ بين الناس. أما معيصرتُكم فلها قصةٌ أخرى، ذلك أن الآتي إليها يعبرُ بلْداتٍ وقرًى مُزدانةً هياكلُها بالأجراس، ودروبُها بالمزارات، وقلوبُ أهلِها بالاستسلام لمشيئة الخالق تعالى على هدي السيد المسيح.
ولا أكتمكم أن هذه الطريقَ إليكم ذكّرتني بأمرٍ أعتقدُه من زمانٍ طويل: أنّ الإنسان لا يمكنُه أن يصلَ إلى نفسِه إلا عبرَ سواه-الآخرِ الذي نظنُّه مختلِفًا، وهو إلينا أقربُ من الدم إلى حبل الوريد، مهما تمادَيْنا أو تمادى في لغةِ البعدِ والانفصال. فالأصلُ في الناسِ التعارفُ واللقاءُ لعِمارةِ الأرض على قاعدةِ التنوّعِ الذي يزيِّنُ الطبيعة البشرية كما يزيِّنُ الطبيعة المادية”.
وقال :”إذْ تصوَّروا معي أيّها الأصدقاء لو أنَّ أرضكم ههنا، ليست تلالًا ووديانًا وحقولًا، ودروبًا متعرّجة وبيوتًا متعدّدةَ الهندسات، تصوّروا لو كانت كلُّها على نسقٍ واحد، متشابهةً كحبّاتِ رملٍ في صحراء، فهل كنّا نراها جميلةً كما نراها الآن؟ هكذا، أيها الاحبة، أبناءُ آدم جمالُهم في غنى تنوُّعِهم. فإن الحياة تكرهُ اللون الواحد. والتنوّع في عمقِ كيان لبنان. هكذا أرادَه الله، وهكذا ينبغي لنا أن نحافظ عليه. وأوّلُ قاعدةٍ في درسِ حِفظِ التنوّع، أن يقبلَ كلُّ واحدٍ منا الآخرَ كما هو لا كما نريدهُ نحن أن يكون، وأن نحبّه كما هو، لا كما نريد نحن له أن يصير. نحنُ بهذه القاعدةِ نصونُ أنفسَنا أوّلًا، على مبدأ المعاملةِ بالمثل على أقلِّ تقدير، وعلى مبدأ الخير الاجتماعي العام الذي لا يتحقّق إلاّ بالسلام والوئام النابعَين من قَبول الآخرِ لنا وقَبولِنا له، ومحبّة بعضِنا بعضًا كأعضاءٍ في جسدٍ واحدٍ هو هذا الوطن العظيم”.
أضاف: “ومقامُكم ههنا يا أهل المعيصرة، كمَقام غيرِكم في مناطقَ أخرى متنوّعةِ الانتماءات الدينية والحزبية والفكرية، يجعلُ كلَّ دعوةٍ تُطلَقُ لترويجِ الانفصال بين الناس، مهما أُمعِنَ في تزويقِها لتسويقِها، دعوةً لا أفقَ لها، ولا حظَّ في الوجود والاستمرار. فكيف للفدرالية مثلًا أن تتعاملَ مع وجودِكم ههنا، ومع وجود آخرين في بقاعٍ لبنانية مختلطة؟”.
وتابع: ” كلُّ الدراسات والخرائط الملوّنة التي تتفشّى على الشاشات والألسِنة، كرُقَعِ الزيتِ على الثوبِ النظيف، لا تعطي جوابًا اجتماعيًّا ووطنيًّا شافيًا على هذا السؤال، لسببٍ واحدٍ أنها تعاكسُ طبيعةَ الوجود، فليس بمقدور أحدٍ أن يجعلَ التاريخَ ضدَّ الجغرافيا، ولا هذه ضد ذاك، لأنَّ نواميس الحياةِ التي وضعها الخالق تعالى، أقوى من كلِّ مشاريع الضلالة والتفرقةِ والتقسيم، أقوى من شذوذهم الأخلاقي الذي حاولوا ترويجه سعياً الى هدم قيمنا الجامعة، وأقوى من شذوذهم السياسي والوطني الذي يحاولون من خلاله هدم الصيغة اللبنانية التي حباها الله العيش الواحد المزدان بالتنوّع ضمن الوحدة والوحدة مع التنوّع”.
وأردف :” يقودُني هذا إلى تذكّر ما رواه الأستاذ عمر زين الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب، في كتابه: “تقي الدين الصلح سيرة حياةٍ وكفاح” من أن زوجته كانت قد حزمت حقائبَها للسفر إلى باريس مع أبنائهما هربًا من جحيم الحرب الأهلية التي كانت في ذُروةِ نارِها، ولاعتقادها بأنَّ لبنان الذي تعرفه لم يعد له وجود. وعندما زارهم دولة الرئيس وعرَف بالأمر قال ونقول معه قولاً جسدّته قبلنا سيرة ومسيرة سماحة امام الوطن موسى الصدر، الذي رسّخ في وجداننا انه لا مبرر لوجود لبنان إلاّ إذا كان إسلاميًّا مسيحيًّا في آن، ولهذا لا خوف عليه ما بقيت فيه كنيسةٌ واحدةٌ تدقُّ أجراسَها”.
وحذر من الحداثة الموهومة الهادفة لتدمير المجتمعات ” كذلك النواميسُ الأخلاقية الجامعة، لن تتبدَّلَ تبديلًا. من هنا كان موقفُنا الصارمُ، الذي ارتدى أحيانًا تعابير قاسيةً ولكن مناسِبة، من قضيةِ تشريعِ الشذوذِ والترويجِ له، القادمةِ إلينا على متنِ حداثةٍ موهومة تريد تدمير المجتمعات، متلطيّةً بشعارات الحريّة وحقوق الإنسان. ونحن في هذه القضية لا نقولُ إنَّ لبنان دولةٌ دينية، فهو ليس كذلك حتمًا، لكنه دولة تحترم فرائض الله تعالى، وفي الآن نفسِه تبيحُ حريّة الرأي والمعتقد لمواطنيها تحت سقف الدستور والقوانين. وشتّانَ ما بين المفهومين”.
واستطرد المرتضى :” أردتُ من هذا الخطاب أن يكون متنوِّعًا على صورة لبنان، وعلى صورة هذه العشيّة المليئة بالنشاطات الثقافية المتعدّدة. ولا يفوتني فيه أن أتوجّه بالشكر إلى فضيلة القاضي الدكتور الشيخ يوسف عمرو الذي رهن العمر لخدمة قضايا الحق، وها هو اليوم يحوّل مكتبته الخاصة إلى عامةٍ ليجعلها منهلًا متاحًا لجميع القاصدين بلا تمييز. هكذا بالعلم والعطاء تحيا الأوطان؛ كما أتوّجه بالشكر الى كلّ من ساهم في احياء فعاليات هذا النهار الثقافي البهيّ المتنوّع الذي يحمل عنوان “العيش الواحد والقيم الجامعة” لا سيّما الأصدقاء في منتدى الفن التشكيلي، والأحبّة طلاباً وادارةً من مدرسة الشهيد زهير شحادة في عين بسوار، و الشعراء الأساتذة عبد الحافظ شمص وشربل كاملة وميلاد ضو، والأخوة في جمعية آل عمرو لا سيّما الصديق علي عمرو الذي نسجّل له غالياً جهوده التي بذلها في سبيل أن تبصر هذه الفعالية النور على أحسن ما تكون عليه الفعاليات حفظاً للوحدة الوطنية وللقيم اللبنانية الجامعة.
وختم وزير الثقافة: “يبقى أيّها الأحبّة أن أعود قليلًا إلى مقولة الرئيس تقي الدين الصلح التي ذكرتُها سابقًا. تلك قالَها في سبعينيات القرن الماضي…. أما اليوم فبعد تحرير العام الألفين وانتصار العام ألفين وستة والتحرير الثاني في العام 2018، لنا أن نعبّر عن معنى هذه المقولة بكلمات أخرى تتلاقى مع روحها وتؤيِّدُها تمامًا هي: ما دام في الجنوبِ مقاومٌ على أهبة الزناد، وجيشٌ وشعبٌ يدعمونه، فلا خوفَ على لبنان، بل الخوفُ يسري الآن في قلوب أعداء الإنسانية الذين باتت ترعبُهم خيمةٌ خاليةٌ إلاّ من الكرامة والبطولة والوطنية. أدام الله المعيصرة دار لقاءٍ وقيم، عشتم وعاش لبنان”.