القى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى محاضرة بعنوان “ترسيخ العيش المشترك مسؤولية وطنية ودينية ” خلال اللقاء الحواري في دارة المحامي غسان شيت في بلدة كفركلا ، حضره النائبان: الدكتور علي فياض والدكتور قاسم هاشم، المطران الياس كفوري، المفتي الشيخ عبد الحسين عبدالله ، المفتي الشيخ حسن دلة وعضو المكتب السياسي ل”حزب الله” غالب ابو زينب، رؤساء بلديات وفاعليات وشخصيات اجتماعية وتربوية وعلماء دين .
بداية القى المحامي شيت كلمة ترحيبية اكد فيها ان “العيش المشترك حقيقة قائمة خصوصا في هذه المنطقة ، والحضور المتنوع في هذا اللقاء دليل على ذلك”.
وألقى الخطيب كلمة استهلها بالحديث عن الازمة السياسية في لبنان “التي ليست في الواقع ذا طابع طائفي وصراعات طائفية ومذهبية ، وكل ما يقال على أن المشكلة في لبنان هي مشكلة مذهبية وطائفية أقول بصراحة وبلا مداراة أنه كذب، فالمسيحيون والمسلمون على تنوع مذاهبهم هم اخوة ، المذاهب هي تفسيرات للدين، الدين إذا لم يكن من إهتمامه حفظ الإنسان وكرامته فهذا ليس ديناً، هذا تخلف، الدين والمذهب الذي يقتصر إهتمامه على الجماعة المنتسبة إليه عقائدياً و مذهبياً هو حينئذٍ عنصرية ،قيل لرسول الله ص الذي حينما يتكلم يتكلم بإسم جميع الأنبياء، وكلامه ص هو كلام عيسى و موسى ونوح وإبراهيم ،قيل له هل من العصبية يا رسول الله أن يحب المرء قومه قال: لا ، ولكن العصبية أن ترى شرار قومك خيرا من خيار قوم آخرين، إذاً الموضوع هو موضوع العصبيات الطائفية والمذهبية و هناك عصبيات عائلية وعشائرية كما ان هناك عصبيات قومية عصبيات طائفية دينية ومذهبية، هذه العصبيات هي كلها عصبيات ينطبق عليها نفس الكلام، إذا لم يكن هم ّالدين الإنسان وكرامة الإنسان مطلقاً ، فهذا حينئذٍ تخلف وعصبية وليس ديناً، ولقد اوصانا الله تعالى بحفظ كرامة الإنسان حين قال في كتبه العزيز : ولقد كرمنا بني آدم، فهذه قاعدة لكل بني آدم، كل إنسان له كرامة، أما الموضوع المذهبي فليس له شأن خاص في القضايا وفي الواجبات والمسؤوليات والحقوق، الإنتماء المذهبي والديني لا يُعطي إمتيازاً للمنتمين إليه على حساب الآخرين، كوني مسلما شيعيا لا يعطيني حقاً ولا يرتب علي واجباً مختلفاً عن سائر المنتمين إلى مذاهب أو أديان أخرى، القاعدة هي كرامة الإنسان، وثانياً أن الناس سواسية كأسنان المشط وأن أكرمكم عند الله أتقاكم، التقوى هنا في هذا الموضوع هو القيام بالمسؤولية وتطبيق هذا المعنى، كل الناس سواسية في الحقوق والواجبات، الموضوع المشكلة التي هي مشكلة قديمة في الشرق وفي غير الشرق و ربما الغرب تخطاها في القرن الماضي، أما نحن في العالم العربي والعالم الإسلامي وفي لبنان نحن لا زلنا نعيش عقلية مذهبة السياسية وتطييف السياسة تحت ذريعة أقليات و تقسيمنا إلى أقليات”.
واشار الى ان “موضوع الأقليات الذي هو شعار رفعته أوروبا في مواجهة الدولة العثمانية لتستطيع ان تضع قدمها في هذه المنطقة وبالتالي لتحقيق مصالحها، و نحن لظروف متعددة في لبنان أصبحنا مع هذا الشعار أننا أقليات، ورفع شعار الأقليات يعني تخويف كل أقلية من الأقلية الأخرى ، وبالتالي وُضع هذا النظام الطائفي في لبنان ، وهذه التميزات طبعاً هي أيضاً موروثة من العهد العثماني يعني البيك والأفندي والشيخ ، وهذه الألقاب الموجودة في مجتمعاتنا وبيوتاتنا السياسية التي تتوارث الحكم والمناصب والمواقع جيلاً بعد جيل، لم يضعها الفرنسي، بل وضعها العثماني، و بعد أن تحقق للأوروبي ما أراد و خسر العثماني الحرب وخسر المنطقة حل محله البريطاني والفرنسي ، وأبقى الانتداب الفرنسي في لبنان هذه الإمتيازات على ما هي عليه وأضيف عليها روتوش بإسم الديموقراطية والإنتخابات وهذا الفلكلور الذي نراه في لبنان الذي وصلنا إلى ما وصلنا إليه في تجربة امتدت من ١٩٢٠ حتى ٢٠٢٣ ، هذه الإمتيازات قائمة ليست على قواعد أخلاقية وليست على قواعد منطقية وإنما على قواعد مصالح من وضعها، كما أنها ليست مصالح اللبنانيين ولا الشعب اللبناني، هي مصالح لهذه الفئات التي اليوم نعبٌر عنها زعماء الطوائف و زعامات طائفية، زعامات مذهبية وحزبية في داخل الطوائف أيضاً هي التي تقطف ثمار هذا النظام والذي يدفع ثمنه كما نرى نحن الشعب اللبناني وأبناء الطوائف جميعاً، اليوم ما وصل إليه الحال بعد سلسلة من الصراعات الداخلية التي أوقعوها بين الطوائف وبين المذاهب، بإسم الطوائف وبإسم المذاهب والطوائف والمذاهب منها براء، هي غطاء وربما البعض غطى هذا الصراع و اعطاه وجها دينيا، لكن في الواقع أن الطوائف والأديان كما ذكرت في البداية أنها ليست عصبية، و ينبغي أن يكون فهمنا جميعاً في الدين هو هذا كرامة الإنسان والمساواة، يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، اي ليس المسيحي وليس المسلم وليس الشيعي ولا السني ولا الدرزي ولا الكاثوليكي والأرثوذوكسي، كل الناس والخلق هم خلق الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، إذاً هذا الموضع الأساسي موضوع تطييف السياسة ومذهبة السياسة لمصالح خاصة لزعمات طائفية وهي في الواقع في العالم الإسلامي هي من أجل مصلحة النظام، من أجل مصلحة الحاكم الذي كان في العهد الأموي وتطور فيما بعد في العهد العباسي بان تمذهبت السياسة،و هذا النظام أكثر شيء مسؤول عنه هو النظام العباسي الذي أدخل المذاهب في السياسة، فأوجد صراعات مذهبية هي صراعات على ماذا كانت؟ حقيقةً على الإختلاف في تفسير أن الوحدانية ما هي، أن الجنس الملائكي ما هو، هذه هي المشكلة بين الناس وحرية الإعتقاد لكم دينكم ولي ديني، فلا أحد يجبر أحد على الإعتقاد ، فهذه مسألة بين الإنسان وبين الله”.
وتابع: “ان موضوع مذهبة الصراع السياسي هو الذي اورثنا كل المشاكل والازمات، وفي لبنان أُضيفت إليه عوامل مصالح العالم الغربي وأصبح مكمن المشكلة في هذا النظام الطائفي، و التجربة أكبر برهان، نحن جربنا هذا النظام أولاً على قواعد غير قائمة على قوائم منطقية وصحيحة، نحن لسنا أقليات، نحن في الشرق ننتمي إلى نفس الجذور مسيحيين ومسلمين، محاولة بعض الناس للأسف المعتبرين الذين يكتبون في السياسة أن هناك شعوبا في لبنان، ويعمل على ايجاد هذا الواقع الذي هو أصلاً غير صحيح، المسلم والمسيحي في هذه المنطقة متعايشون، و داخل كل مذهب وداخل كل طائفة حصل هناك صراعات، وتجربة الحرب على مدى خمسة عشر سنة أليست فيها عبرة ودرسا لنا جميعاً لنستنتج منها ان هناك صراعا طائفيا هذا كله كلام غير صحيح، لأن الصراعات ما بين شرقية وغربية ما بين يمين ويسار والكلام انها بين المسلمين والمسيحيين غير صحيح ، وأنا أنكر أن الحرب كانت بين المسلمين والمسيحيين كانت بين اليسار وبين اليمين، وبشكل صريح تلبيس المسلمين والمسيحيين هذا الموضوع هو لتبرئة أنفسهم وتغطية أغلاطهم، لهذا لا يوجد مشكلة مسيحية إسلامية على مدى الزمن الماضي ، وانا أقول وأكرر أن المسيحيين كانوا معززين ومكرمين ربما في بعض الأحوال ، وما حصل من صراع فهذا شغل النظام وليس شغل المسلمين الذين تصرفوا مع المسيحيين كما تصرفوا مع سائر المسلمين، المسلمون تقاتلوا فيما بينهم وتذابحوا والمسيحيون تقاتلوا فيما بينهم ذبحوا بعضهم، الموارنة أخواننا المحترمين الذين أتوا إلى لبنان، و كلنا نعرف أن المشكلة بين المسيحيين وقعت في حمص على طبيعة الإله على طبيعة السيد المسيح أنها طبيعة إلهية أو طبيعة بشرية وصارت القصة، وفي أوروبا استمرت الحرب بين المسيحيين سبعين سنة مستمرة من الحروب”.
وطالب بان “يكون للمثقفين دور في المجتمع ويتحملوا المسؤولية في كشف الحقائق وتنوير الراي العام وتوعية الناس ، وينبغي أن يكونوا صانعي الرأي العام، الطبقة المثقفة والمتعلمة يجب ان تخرج من موضوع المصالح وليس السياسيبن فقط المسؤولين، الطبقة المثقفة في لبنان من سنة ٢٠ إلى سنة ٢٣ للأسف إما مستبعدة او مستوعبة من الزعامات الطائفية والاحزاب الطائفية المقتسمين للسلطة وداخلين فيها ويروجون لها ويكتبون فيها وبشجعون عليها او أنهم خائفين وجبناء او أنهم شغلة لا تعينهم ولا فرقانه معهم، يعني يتخلون عن مسؤوليتهم ، وهنا اسألهم لماذا تتتعلمون و تتثقفون وهذا جيد ولكن اين دوركم في المجتمع ، دكتور وأستاذ وكاتب وإلى آخره من هذه العناوين الموجودة أين هي دورهم، يقولون هم لا يفسحون لنا المجال ليكون لنا دور، هم لن يعطونكم دور لأنكم ستلحقون الضرر بمصالحهم، أنتم مطالبون بأن تنتزعوا الدور، الطبقة المثقفة والمتعلمة والواعية إذا لم تأخذ دورها في المجتمع الذي هو هذا الدور الأساسي فلن يحصل الإنتقال بالمجتمع من هذا الواقع المأساوي والفهم الخاطئ للنظام والمحاصصة في النظام ،وإذا نحن عملنا تسوية كما في السابق ثم نقعد عشرة وخمسة عشرة سنة على حالنا فاننا نعود الى الازمة مرة اخرى نكرر الحرب ونخرب بلدنا ونفكر بتسوية جديدة”.
وتساءل: “انجزنا إتفاق الطائف وخرجنا من الحرب ولكن لماذا لم يطبق هذا الاتفاق؟ و لو كان هناك إرادة حقيقة عند اللبنانيين لكنا طبقنا إتفاق الطائف وتجنبنا الكثير من الازمات، والان تفضلوا طبقوا اتفاق الطائف ونفذوا الإصلاحات التي وردت في إتفاق الطائف التي فيها اصلاح للنظام السياسي ، وأقول لكم لا تقولوا السياسيين وتعملوا مظاهرات على أنه إنسان فاسد وإنسان فاسق، طبيعة النظام هي الفاسدة وهي التي سمحت للفاسدين بأن يكونوا فاسدين لأن طبيعة هذا النظام تمنع المحاسبة وتخضع الوظائف للمحاصصة، هذه وجهة نظري أقولها بهذا المجتمع الطيب والمتجانس من كل الطوائف اللبنانية لا تصدقوا بأن المذهب أو الدين هو حاجز فيما بينكم، المذهب الذي يعمل حاجز بين اللبنانيين أنبذوه، اللبنانيون جميعاً هم أخوة في الإنسانية وأخوة في الإيمان، في الإيمان الإبراهيمي، الإيمان الديني يجمعنا كمسيحيين ومسلمين على الاقتداء بالسيد المسيح والنبي محمد”.
وختم الخطيب: ” أخطر ما يتعرض له مجتمعنا موضوع القيم التي اذا ضربت لن يبقى مجتمع مسيحي ولا مجتمع مسلم، لان التمسك بهذه القيم الايمانية يحفظ الاسرة ويصون المجتمع، ولقد تحدثت أمس في خطبة وصلاة الجمعة عن هذا الامر بأن السلاح الذي كان معتمدا و صار يستخدم ضمن برامج وخطط دولية لتدمير مجتمعاتنا، ولكن هذا السلاح ليس له مقابل سوى شيء واحد أن نقف أو أن نتمسك بهذه القيم ونحفظ حالنا ولا نتلهى بالصراعات الطائفية”.
وأقام المحامي شيت مأدبة غداء تكريمية على شرف العلامة الخطيب.