ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس رأس السنة في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطارنة حنا علوان، سمير مظلوم وبيتر كرم، أمين سر البطريرك الاب هادي ضو، في حضور الوزيرة السابقة أليس شبطيني، قائمقام كسروان الفتوح جوزف منصور، نقيب المحامين ملحم خلف، السفير جورج خوري وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان:”دعي اسمه يسوع”، قال فيها:
“1. تحتفل الكنيسة اليوم بعيدين: عيد ليتورجي هو عيد إسم يسوع الذي دعي به رسميا بمناسبة ختانته بحسب الشريعة، بعد ثمانية أيام من ميلاده، وهو الإسم الذي أوحاه الملاك لكل من مريم ويوسف. وعيد كنسي هو الإحتفال بيوم السلام العالمي الذي أسسه القديس البابا بولس السادس سنة 1967، إيمانا منه أن السنة الجديدة التي تبدأ في أول كانون الثاني تكون سنة سلام، لأنها تبدأ باسم يسوع. إعتاد البابوات منذ ذلك الحين على توجيه رسالة خاصة بموضوع السلام.
2. يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، وأن نتبادل التهاني والتمنيات معكم ومع كل الذين يشاركوننا عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وبخاصة محطة تلي لوميار-نورسات والفيسبوك. نسأل الله أن يجعلها سنة خير وسلام، فنطوي فيها مرحلة المآسي والضيق والقلق على الغد والمصير. ولكن لا بد من أن نشكر الله على عنايته الخفية التي مكنت اللبنانيين من الصمود بوجه القلق الوجودي على أمنهم القومي، وأمنهم الفردي، وأمنهم السياسي، وأمن حرياتهم، ولو أنهم في معظمهم فقدوا الإبتسامة والسعادة والفرح والطمأنينة على الغد.
3. على الرغم من كل المآسي التي عشناها من أزمة سياسية وإقتصادية ومالية وتجارية، إلى إنفجار مرفأ بيروت وما خلف من ضحايا ودمار ونكبات، وإلى عرقلة التحقيق العدلي، فإلى جائحة كورونا التي شلت الحياة عندنا وفي العالم، فإنأ نواصل السعي باسم يسوع مع مطلع هذا العام الجديد من أجل بناء مجتمع أفضل وحماية وطن أسلم. عندما نقول “باسم يسوع” نحن نؤمن بأننا ندعو “الله الذي يخلص” كما تعني لفظة “يهوشوع” بالعبرية، وندعو “الله الذي هو معنا” كما تعني لفظة “عمانوئيل”، وندعو “المسيح” الذي مسحه الآب وأرسله إلى العالم لخلاص البشر، وإحلال ملكوت المحبة والسلام بين الشعوب وفي الأمم. هذا اليوم هو عيد الإيمان بيسوع المسيح “أمير السلام”، وعيد الرجاء الثابت.
4. إعتادت اللجنة الأسقفية “عدالة وسلام” على الإحتفال بيوم السلام العالمي في الأحد الذي يلي رأس السنة، لأسباب عملية. وهذا ما سنفعله في كنيسة الكرسي البطريركي الأحد المقبل.
ولكن لا بد من أن نقدم بإيجاز رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذا اليوم وهي بعنوان: “ثقافة العناية مسار السلام”. وسنتبسط في مضمونها الأحد المقبل، غير أننا نختصر أفكارها الأساسية من أجل مواكبة قداسة البابا والكنيسة في الصلاة من أجل السلام والتعمق في مضامينه.
تتأصل ثقافة العناية في عمل الله الخالق والمثال الذي يقدمه للبشرية جمعاء؛ وتتجسد بكاملها في رسالة الرب يسوع؛ وتتواصل في حياة المسيحيين وجماعة الكنيسة الأولى وصولا إلى أيامنا، حتى أصبحت من صميم عقيدة الكنيسة الإجتماعية، من خلال أربعة مبادئ تختص بكرامة الشخص البشري وحقوقه، وبالخير العام، وبالتضامن، وبحماية الخلق. وهي مبادئ تشكل نوعا من بوصلة توجه مسار السلام. ولذا، تقتضي ثقافة العناية تربية متكاملة، لأن لا سلاما من دون هذه الثقافة.
5. إن ثقافة العناية بالآخرين في حاجاتهم واجب على كل واحد وواحدة منا، وعلينا كجماعات، هذا ما فعله ويفعله المتطوعون والمحسنون والمنظمات الخيرية والمبادرات الجماعية، والبطريركية والمؤسسات التابعة لها والأبرشيات والرعايا والرهبانيات والأديار، والمنظمات الرسولية والشبيبة وهي تنسق الخدمة فيما بينها عبر هيئة “الكرمة” لتشمل كل الأراضي اللبنانية. وهذا ما فعلته الدول، وعلى رأسها الكرسي الرسولي، التي هبت للمساعدة المتنوعة منذ إنفجار مرفأ بيروت.
6. واجب ثقافة العناية يقع على ضمير الجماعة السياسية التي وجدت من أجل تأمين الخير العام “الذي منه خير كل مواطن وخير كل المواطنين”. وهو “مجمل أوضاع الحياة التشريعية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية التي تمكن الأشخاص والجماعات من تحقيق ذواتهم تحقيقا أفضل” (شرعة العمل السياسي-5 آذار 2009- ص 6). كيف يمكن توفير هذا الخير العام من دون حكومة دستورية تمثل السلطة الإجرائية مع ما لها من صلاحيات، وما عليها من واجبات يحددها الدستور بوضوح ولا سيما “وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات، ووضع مشاريع القوانين والمراسيم التنظيمية واتخاذ القرارات لتطبيقها، ومتابعة أعمال الإدارات والمؤسسات العامة، والتنسيق بين الوزراء، والإشراف على أعمال كل أجهزة الدولة، وتعيين الموظفين”، وسواها من الصلاحيات (راجع المادتين 64و65 من الدستور). حيث لا حكومة هناك شلل أخطر من جائحة كورونا، لأنها تتسبب بحياة الفوضى في البلاد.
7. فلا يحق لأحد أو لأي فريق من الجماعة السياسية، أكانوا معنيين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، أن يعرقلوا تشكيل الحكومة من أجل حسابات ومصالح آنية أو مستقبلية، وقد إنطوى شهران وعشرة أيام على التكليف، فيما لبنان سائر سريعا نحو الإنهيار الكامل والإفلاس. يا لها من مسؤولية تدميرية أقوى وأشمل من تدمير مرفأ بيروت، وهدم نصف العاصمة، والتسبب بمئات الضحايا البريئة وآلاف العائلات المشردة، لأن دمارها يطال الشعب كله وحياة الدولة بكاملها!
من المعيب حقا أن تبدأ السنة الجديدة من دون أن تكون الحكومة مؤلفة ومنكبة على العمل. ومعيب أيضا على المعطلين التعاطي بالشأن اللبناني كأنه حجر من أحجار شطرنج الشرق الأوسط أو الدول الكبرى. فلتتذكر الجماعة السياسية أن تأليفَ حكومة هو واجبها الأول والأساسي ومبرر وجودها، ومن أجلها ومن أجل الوطن يرخص كل شيء ويبوخ.
وبالمناسبة، نحن حريصون على أن يكون أي حل للقضية اللبنانية، أكان نتاج الإرادة اللبنانية وحدها أم بالتعاون مع المجتمع الدولي والعربي، لمصلحة لبنان وجميع اللبنانيين. وهي مصلحة تكمن في الانتقال إلى دولة القانون حيث نعيش معا في شراكة ومحبة في ظل شرعية مدنية واحدة، وجيش وطني واحد، ودستور عصري واحد، وعلم لبناني واحد. هذه القيم والمبادئ تحتاج إلى فعل سياسي وولاء للبنانَ دون سواه.
8. بارك الله السنة الجديدة 2021 الطالعة، وتقبل أمانينا، وتبارك اسمه وتمجد، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيخة الإلهية للتهنئة بالاعياد المجيدة.