كتبت صحيفة “الجمهورية”: انطلقت رسميا وعمليا امس عملية الحفر الاستكشافي للنفط والغاز في البلوك الرقم 9 في بحر لبنان الجنوبي حيث ترسو المنصة «ترانس اوشن» التابعة لشركة «توتال اينرجيز» وشريكتيها الايطالية والقطرية، على ان تظهر النتائج بعد 60 يوما تقريبا، ليبني لبنان في ضوئها على الشيء مقتضاه. اما عملية الحفر السياسي للاستكشاف الرئاسي فهي تنتظر استكمال الاجوبة النيابية على الاسئلة الفرنسية التي سيقاطع بينها الموفد الرئاسي الفرنسي والخماسي العربي ـ الدولي لعله يستولد الرئيس اللبناني الجديد على رافعة توافقية او تنافسية بين الجميع، وان لم ينجح في مهمته يكون ادى قسطه الى العلى ويلتحق بوظيفته في مدينة العُلا شمال الممكلة العربية السعودية التي كان اختاره لها الرئيس ايمانويل ماكرون قبَيل زيارته الثانية لبيروت اثر اجتماع الدوحة الخماسي الاخير، تاركا للافرقاء اللبنانيين، ولا سيما منهم المعرقلين للحل، ان «يُقلِّعوا» بأيديهم شوك العقوبات التي يمكن ان يتعرضوا لها.
خلافاً لكل ما تروجه بعض القوى السياسية في العلن او في الغرف الضيقة فإن لودريان آت الى لبنان في موعد اقصاه منتصف ايلول المقبل وهو يتلقّى هذه الايام تباعا عبر السفارة الفرنسية في بيروت اجوبة الكتل والنواب على الاسئلة التي وجهها اليهم حول الملفات ذات الاولوية التي على الرئيس العتيد ان يتصدى لها في بداية ولايته والمواصفات والمؤهلات الواجب توافرها فيه وتنسجم مع تلك الاولويات.
واوضح مصدر ديبلوماسي فرنسي لـ”الجمهورية” ان الطرح الفرنسي نفسه ما زال قائما ولم يتغير، الا ان فرنسا ليس لديها اي مانع من تقبل الاعتراضات والاقتراحات المطروحة ومناقشتها وتوضيحها خصوصا اذا كان هناك عتب او تساؤل لدى البعض”. وكشف “ان الـ package التي كانت مطروحة سابقاً اي رئيس الجمهورية مقابل رئيس حكومة لم تعد مطروحة لأنها لم تؤد الى نتيجة الا ان الطرح الفرنسي الاساسي ما زال مطروحاً”. وحذر المصدر الأطراف المعنية والمعرقلة للملف الرئاسي اللبناني من تداعيات فشل المهمة الأخيرة للموفد الفرنسي” واعتبرها “المحاولة الاخيرة المتاحة والمتبقية للبنان لإنقاذه من الوضع القائم”، مذكّراً أن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي تسعى اليوم الى “حشر الملف اللبناني من ضمن الملفات الاولوية للدول الكبرى فإذا فشلت في المهمة، جميع الاحتمالات ستفتح سواء من عقوبات اميركية وأوروبية وغيرها”.
لودريان والدعم القطري
وفي هذه الاجواء كشفت مراجع ديبلوماسية عربية لـ”الجمهورية” ان وفدا قطريا وسيطا وصل الى بيروت، او هو في طريقه اليها، للبحث في بعض التفاصيل المتصلة بمهمة الودريان وما قطعته مساعيه في الأيام التي أعقبت لقاء الدوحة الاخير وخصوصا انطلاقاً من مضمون رسالته الاخيرة الى النواب اللبنانيين.
وقالت هذه المصادر ان مهمة الوفد القطري جاءت تلبية لنداء لطلب لودريان من شركائه في “اللقاء الخماسي” لمعاونته في مهمته في ضوء ردات الفعل اللبنانية على رسالته الى النواب وما قصده منها سعياً الى تجميع قواسم مشتركة يمكن ان تفتح الطريق لفكفكة العقد بما يحرك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة وتحقيق أي إنجاز ممكن في هذا الاتجاه.
توتر شديد
في غضون ذلك، ومع انطلاق الحفر والتنقيب في البلوك رقم 9 اشتد التوتر بين “عين التينة” و”ميرنا الشالوحي” عبر المنابر والخطابات ووسائل الاعلام التابعة للطرفين ومنصات التواصل الاجتماعي التي تنافست على منصة الحفر، والتي كان اول من نقب فيها عن الخلاف رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل والرئيس السابق ميشال عون، واللذين استفزّتهما صورة رئيس المجلس النيابي نبيه بري على منصة الحفر مقابل المياه الاقليمية في الناقورة، الامر الذي طرح علامات استفهام حول مصير الحوار الجاري بين “حزب الله” و”التيار” وما اذا كان سيتأثر بموجة التوتر النفطية خصوصا وانّ “الحزب” يناقش مع حليفه “حركة امل” في ورقة باسيل.
لكن مصادر الثنائي اكدت لـ”الجمهورية” ان لا علاقة لما حصل خلال اليومين السابقين بالحوار القائم بين “التيار” و”الحزب”، وهو ليس مرتبطا بعضه ببعض والحقيقة ان باسيل دق الباب وسمع الجواب واشارت المصادر الى ان حركة امل لا علاقة لها بالحوار مع التيار وليست معنية فيه ولا تناقش اي تفاهم او اتفاق معه وما يبحث بين “حزب الله” و “حركة امل” امور تخص الطرفين ولو كانت نقاطا مطروحة في ورقة باسيل.
رد مباشر
وفي اول رد سياسي مباشر على عون وباسيل، قال المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل في افتتاح فرع الجامعة الاسلامية في برج البراجنة: “نقول لاصحاب الرؤوس الحامية الذين تحدثوا قبل ايام عن انهم يريدون رئيسا على قياس تيارهم او حزبهم ويختصر بمواصفات المنتمين اليهم، نحن الذين دفعنا الدماء من اجل هذا الوطن نريد رئيسا لكل لبنان وليس رئيس طائفة او حزب او تيار، القادر على مد اليد للجميع بلا استثناء بعيدا من الحقد والنكد السياسي والتعطيل من اجل حفظ المصالح الخاصة”. واضاف: “نعرف كيف اديرت مشاريع التحكم والمصالح في الوزارات والادارات وكيف اديرت مشاريع الكهرباء والطاقة والمياه ومحطات الفيول والبواخر وغيرها، والتي تسجل في تاريخ هولاء ولا يلغيها تصفيق داخل قاعة مقفلة تحية للزعيم على حساب الوطن… وبناء الصورة الحزبية لا يحصل عبر تشويه ادوار الآخرين ونحن الذين دفعنا وعملنا كثيرا ولن نقف امام هرطقات، نحن نريد ان نستثمر ايجابا كل المحطات واخرها اليوم التنقيب عن النفط في مياهنا… كل الناس تعرف بحق من هو صاحب الفضل في اطلاق القانون وفي العمل من اجل انجازه والدفع في اتجاه تأمين الظروف التي سمحت باقراره بافضل صورة، نحن دعاة انجاز ملفات وليس تحريض”.
سجال عنيف
في غضون ذلك عكست مقدمتا نشرتي الاخبار المسائيتين لقناتي “إن بي ان” و”أو تي في” مناخاً عالي التوتر بين عين التينة و”التيار”. فقالت “ان بي ان” في مقدمتها ان انطلاق التنقيب “جاء استكمالا لمتابعة رئيس مجلس النواب لهذا الملف ومن ضمنها جهوده على مدى عشر سنوات تفاوضاً وتشريعاً ومتابعةً والتي تكللت باتفاق الإطار الذي أعلنه عام 2020. أما أولئك الخائبون فهم في غيّهم يعمهون وفي أوهامهم يتخبطون، وفي جنونهم يغرقون… يحاولون السطو على كل إنجاز ويرمون فشلهم على الآخرين، لكن المياه تكذّب الغطاس”. واضافت: “الشواهد على فشل ميشال عون والصهر كثيرة … أكثر من المليارات التي صرفت على الكهرباء وبواخرها والنتيجة لبنان غارق في العتمة (…) ورغم ذلك… عند الإنجاز الوطني أطلّ الفاشلان النرجسيان بكل شذوذ في محاولة مكشوفة أمام كل اللبنانيين لتبني إنجاز لا يعرفان منه سوى تطبيل عون لدور مزعوم قام به باسيل وإقناع باسيل لعون أنه المخلّص في هذا الملف (…)”.
اما “أو تي في” فقالت: “ضاقوا ذَرعاً بالتدقيق الجنائي، “ففشوا خلقهم” بالغاز. خنقهم مضمون التقرير الاولي لتدقيق طالما حاولوا منعه، فحاولوا خنق فرحة اللبنانيين ببدء التنقيب في بحرهم بعد طول تعطيل. (…). يفاخرون بدورهم في ملف التنقيب عن الغاز، وهم الذين يتحملون مسؤولية تأخيره سنوات، لولا رئيسٍ رمز، فرض اقرار المرسومَين المتأخرَين الشهيرَين في اول جلسة لمجلس الوزراء على عهده، وانجز اتفاق الترسيم، لكن خارج اطار التفريط، مستندا الى عناصر قوة لبنان، ولولا مسار تنفيذي وتشريعي اطلقته وزارة الطاقة في ايام الوزير جبران باسيل وتحدت على دربه كل العابثين. يرحبون بالحوار بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” في العلن، ويطلقون عليه النار في السر، واكثر ما يرعبهم فيه، الشق المالي من اللامركزية الادارية، الذي يكفل حرمانهم من موارد على حساب الشعب، بعدما غطوا لعقود تجاوز الدولة وعدم تسديد المتوجبات، ناهيك عن ضرب الدستور وتجاوز الميثاق وتخطي كل القوانين او تطبيقها بهوى سياسي معروف (…)”.
مواقف
وفي جديد المواقف قال نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم خلال احتفال في بيروت “اننا نعمل بكلِّ جدٍّ وبكلِّ أولوية من أجل إنقاذ البلد وانتخاب الرئيس لتنتظم المؤسسات وننتقل من هذه الحالة المرّة التي نعيش فيها، لكنَّ بعضهم حاضرٌ لأن يحرق البلد بالفتنة والتعطيل والكذب والتضليل والإعاقة من أجل أن يحكم وليس له قدرة لأن يحكم بحسب القواعد الموجودة في البلد، لأنَّ المجلس النيابي هو من يختار الرئيس وليس لديهم العدد الكافي ليختاروا الرئيس ومع ذلك يعملون من أجل التشويش والتعطيل بكل الوسائل”. واضاف: “أمامنا اليوم إنجازٌ كبير بأنَّ الحفَّارة بدأت باستخراج النفط، (…) هذا إنجاز عظيم حاولوا تشويهه بعناوين مختلفة، فقالوا أولاً أنَّ الحفارة لن تبدأ بالحفر وها هي بدأت، اليوم يقولون انَّ المال الذي سينتج سيسرقونه، فهل أنتم عرَّافون؟”. واشار الى ان “هؤلاء يتحدثون بتشاؤم ونحن نتحدث دائماً بأمل وثقة. يسأل البعض هل من الممكن أن يستمر التنقيب؟ ومن يتجرأ على منع التنقيب سواء من إسرائيل أو غيرها؟ اطمأنوا ما دامت المقاومة في لُحْمة حقيقية في ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة وحاضرة وجاهزة فالردُّ قادم والنفط سيخرج وسيتثمره لبنان بإذن الله تعالى”.
رئيس قادر
في غضون ذلك قال النائب طوني سليمان فرنجية خلال عشاء جمعه بأهالي منطقة بشري “اننا نأمل انتخاب رئيس جديد للجمهورية في الفترة القريبة المُقبلة، لأن التراخي والإهمال وحالة الانتظار التي يظهرها الفريق الآخر لن توصل الى اي نتيجة ايجابية، اذ ان هذا الفريق لا يُقدم على اي خطوة الا بعد كلّ تحرّك رئاسيّ نقوم به، كما ان مختلف خطواته في ما يتعلق بالملف الرئاسي تأتي لصد مساعينا المُتتالية”. وكرر الدعوة الى “انتخاب رئيس قادر على لمّ شمل كل اللبنانيين، فيخلق الوفاق الوطنيّ ويطلق عجلة الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة والضرورية، وفي إيماننا المسيحي، يشكّل مفهوم الغفران والمسامحة نقطة ارتكاز، لإمكان التواصل وفتح أفق التعاون مع من نختلف معهم قبل مع من نتوافق معهم، ورئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيه، تمكّن من ان يتخطى جروحه ومارس فعل المسامحة متطلعاً نحو بناء مستقبل أفضل لكل اللبنانيين”.
بوحبيب في نيويورك
على صعيد آخر باشر وزير الخارجية عبدالله بو حبيب اتصالاته في نيويورك لمواكبة حركة المواقف في اروقة الامم المتحدة حول القرار بتجديد مهمة قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) سعيا الى اعادة النظر في هذا القرار الجديد في شكله والمتشدد في مضمونه بما حمله من تحديات في مواجهة مطالب لبنان لاعادة النظر في القرار القديم 2650 الذي صدر في 31 آب العام 2022 وما قال به لجهة قيام دوريات قوات “اليونيفيل” بلا مواكبة الجيش اللبناني وتجميد البحث في مجموعة من الاقتراحات التي يناقشها مجلس الامن تحت ضغط الأميركيين وقوى أخرى لا تزال تعتقد ان لبنان عجز عن تنفيذ مقتضيات القرار 1701، وان عليه اعادة النظر في كثير من التدابير الكفيلة بإحياء التزاماته وهي تقتضي وقف المغالاة في تجاوز هذا القرار والقرارات ذات الصلة ليتجاوز مجموعة من المطبات التي يمكن ان يرفعها المجتمع الدولي ان بقيت الفوضى قائمة في الجنوب ووقف كل ما يهدد سلامة القوات الدولية ويمنعها من القيام بمهماتها.
وقالت المصادر ان مهمة بوحبيب ليست سهلة ولكن هناك شروط ينبغي على اللبنانيين انجازها لإعادة الثقة الدولية بالدولة ومؤسساتها وبعض ما هو مطلوب فرضته التفاهمات الاخيرة التي انتهت الى الترسيم البحري وبدء الحفر والاستكشاف في”البلوك الرقم 9″ على وقع اعطاء ترخيص جديد لاجراء المسح المطلوب في “البلوك الرقم 8” في خطوة تفرض تعزيز الامن والاستقرار في الجنوب.
عين الحلوة: التسليم والّا…
من جهة ثانية عادت الانظار مجددا الى مخيم عين الحلوة الذي اتخذت فيه حركة “فتح” قرارا حاسما بضرورة تسليم قاتلي قائدها الامني ورفاقه والا… هذا ما اكدته مصادر امنية لـ”الجمهورية”، مشيرة الى ان الترقب والحذر سيدا الموقف، وكاشفة ان في الاجتماع الاخير الذي عقد في السفارة الفلسطينية تم الاتفاق على ضرورة تسليم جميع المشتبه بهم بعد انجاز تقرير هيئة التحقيق واحالته الى هيئة العمل الفلسطيني المشترك في مدة زمنية لم يفصح عنها، والا ستتخذ اجراءات اخرى. لكن المصادر اكدت “ان الاولوية هي للتسليم والعمل جار لانجاز هذا الامر وتجنيب المخيم اي خضة امنية جديدة”. واشارت الى ان التعزيزات العسكرية الحاصلة ضمن المخيم تعكس مستوى الحذر والتوتر وجدية مطلب التسليم. وكشفت “ان هناك تنسيقا كاملا مع السلطات اللبنانية وان التشدد العسكري في ذروته وان وقت سماح اعطي لبعض الوسطاء الذين يجرون مفاوضات مع الحركات الاسلامية داخل المخيم لتنفيذ عملية التسليم سلمياً وبالتي هي احسن، والا الامور ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات الى حين تسليم المطلوبين”.