نظمت منطقة بيروت في حزب “القوات اللبنانية” ندوة عن “قضية الوجود وبناء الدولة” في مقر المجلس العام الماروني في المدور، بدعوة من عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني ولمناسبة الذكرى 41 لانتخاب الرئيس الشهيد بشير الجميل، شارك فيها النائب العام في الرهبانية اللبنانية المارونية البروفسور الأب جورج حبيقة، في حضور النواب: اشرف ريفي، غادة أيوب، رازي الحاج، نزيه متى وغسان سكاف، الوزيرين السابقين مي شدياق وريشار قيومجيان، رئيس الرابطة المارونية السفير خليل كرم، رئيس المجلس العام الماروني ميشال متى، نقيب الصيادلة جو سلوم، رؤساء الاجهزة والمصالح ورؤساء المكاتب والمناطق في “القوات” وفاعليات.
حاصباني
بداية، قدم حاصباني مقارنة بين ما يحصل اليوم وبين ما كان يحصل عندما انتخب بشير الجميل رئيسا للبنانيين وقال: “الدولة هي عبارة عن شعب وارض ومؤسسات، ولا يمكننا ان نعتبر ان هناك دولة اذا نقص فيها احد تلك الاعمدة، ولا يمكن ان يكون هناك شعب متماسك من دون ان يكون هناك دولة”.
اضاف:”بشير الجميل عرف بشعار 10452 كيلومترا مربعا، وهي لم تكن محصورة بمساحة جغرافية فقط، بل كانت عنوانا لمشروع دولة على المستوى الوجداني والانساني والكياني والوجودي والسياسي، كلها ارتبطت بوجود شعب وارض ومؤسسات”.
واوضح انه “على المستوى الوجودي والوجداني والانساني، كان هاجس بشير الجميل دائما الوفاء لكل شهداء الوطن ولكل من استشهد من اجل بناء الدولة، والاساس هو الانسان وكل شيء يحدث لاجل خدمة هذا الانسان، وكل ما يتعارض مع هذا الامر يتعارض بدوره مع مفهوم الدولة”.
ودعا الى ان “نتعلم من الماضي لبناء دولة لنا ولابنائنا ولاحفادنا”، معتبرا ان “هذا الامر كان هاجسا لدى بشير”، وطالب ب”انماء المناطق بحسب القيم التفاضلية الموجودة فيها وليس عن طريق الانماء المتشابه، لان هذا يؤدي الى ضياع القيمة الاستثمارية في البلد”، مشددا على “اهمية التعليم لانه من دونه لا يمكننا بناء دولة”.
واكد ان “ال10452 كيلومترا مربعا هي ارض موحدة واحدة ونهائية، بغض النظر عما قيل ويقال وسيقال. فلا شيء يقسم الارض التي التزم بها بشير الجميل، وكل ما حكي عن تقسيم اداري لادارة هذه الارض وشؤون الناس كان يتم فهمه على انه تقسيم جغرافي لهذه الارض الى اراض متعددة، وهذا لم يكن المشروع المطلوب، وكذلك اليوم ليس هذا هو المشروع المطلوب”.
وشدد على ان “مشروع بشير الجميل لبناء الدولة مازال قائما بعد اكثر من 40 عاما من طرحها والعمل عليها من قبل بشير”، لافتا الى ان “الارض ليست وطنا بديلا ولا منصة لأحد، ولا مقاطعة ضمن كيان آخر ولا ساحة لصراعات الآخرين.”
واعلن ان “المؤسسات تفككت وانهارت بسبب الحرب، تماما كما انها منهارة اليوم بسبب امور اخرى تشبه الحرب”، واكد ان “اعادة بنائها تطلب في ذلك الوقت، كما يتطلب اليوم إخلاء سبيل المؤسسات واعادة احيائها كشرط اساسي لاعادة بنائها”.
وختم:”مؤسسات الدولة محتلة من قبل من يريد السيطرة على هذه الدولة ومن يريد تفكيكها واضعاف قواها”، واشار ي الى ان “هاجس بشير الجميل الاول بالنسبة للمؤسسات لاعادة الاستقرار كانت المؤسسات العسكرية والامنية خصوصا الجيش ، وان يكون متعاف ومؤمن بالقضية ومرتفع المعنويات ومؤمن بالاهداف وشعبي الانتماء، اي ان الجيش للشعب وليس للسلطة، وعندما تقتل السلطة شعبها يكون دور الجيش الدفاع عن الشعب”.
مراد
بعد كلمة من منسق منطقة بيروت في الحزب إيلي شربشي، تحدث رئيس مكتب التواصل مع المرجعيات الروحية في الحزب أنطوان مراد واعتبران “الرئيس بشير الجميل قاوم دفاعا عن الوجود كيانا ووطنا وأهلا ودولة، دفاعا عن الجغرافيا والتاريخ، عن إرث الآباء والاجداد والشهداء والقديسين”.
وقال: “حلم ال10452 كيلومترا مربعا تظللها راية الأرز، اليوم نقول لبشير هذا الحلم لم يسقط وان اعترته كوابيس ومسافات ضبابية، فمساحة لبنان هي مساحة الحرية فيه، فمن دون حرية لا قيمة لعشرة آلاف او لمليون او لعشرة كيلومترات مربعة”.
حبيقة
من جهته قال حبيقة:”من رحم الأوجاع والقلق الوجودي، من رحم الانتفاضة على ويلات الزمن ومصائبه، ولد الرئيس الشهيد بشير الجميل، لاوعيه وأحاسيسه وانفعالاته اللاطوعية تبرعمت ونمت في عائلة مفطورة على الذود العنيد وغير المساوم عن لبنان القضية والرسالة. فالمسألة اللبنانية استوطنت عقله باكرا وأصبحت هاجسه الأساسي”.
واضاف:”كانت تعبر ذاكرته باستمرار مشاهد متتالية من تاريخ لبنان المجيد والمأسوي. انضم بشير الجميل بحماس واندفاع خارقين إلى حاملي لواء القضية اللبنانية التي بزغت مع اللبنانيين الأوائل وراحت تتشكل رويدا رويدا حتى يومنا، على يد جماعات متنوعة، ومن ثقافات مختلفة، ومن خلفيات دينية متمايزة، هاربة من شرق ظالم وقاهر، يجمعها الألم والوجع والاضطهاد والسعي إلى الإقامة في ربوع الحرية”.
وتابع:”إن مشهد شعب لبنان ينوء من فترة إلى فترة تحت ثقل مصائب التاريخ، ويتحملها ببطولة خارقة، ويندفع من جديد في محاولة تطويع القدر الظالم والانطلاق مرة أخرى في ورشة بناء دولة تليق بجلجلة اللبنانيين على مر الزمن، هذه المشهدية لا بد أنها كانت تنقل بشير الجميل تلقائيا إلى قصة سيسيفوس الشهيرة في الأساطير اليونانية”.
وقال:”قد يكون بشير الجميل تساءل في داخله بحرقة المفجوعين ودمعة المنتحبين وغضب المنتفضين، هل اللبنانيون هم أحفاد سيسيفوس، يسعون أبدا إلى إصعاد لبنانهم من القعر إلى واحات الحياة المستقرة والسلامية والمزدهرة، وما إن يقتربوا من الهدف حتى يفلت بلدهم من أيديهم ويتدحرج متصدعا ومحطما إلى الهوة؟ هل هذا قدرهم أن يحاولوا أبدا بناء وطن ممنوع أو متعذر تحقيقه، أو بتعبير آخر، محرم أو محال”؟
وسأل:”هل هذا قدرهم أن يسعوا دائما إلى بناء وطن للإنسان، وتتلاشى جهودهم في حلقة مفرغة من النجاحات المجيدة والانتكاسات الكبيرة”؟
وتابع:”عندما انتخب بشير الجميل رئيسا للبنان في 23 من شهر آب سنة 1982، جميعنا تيقن آنذاك بفرح واندهاش وذهول أن حلقة سيسيفوس اللبنانية المفرغة قد انكسرت ووصلت أخيرا صخرة لبنان إلى قمة الجبل، وترسخت هناك شامخة وابتدأ عهد جديد وزمن جديد. لهذا الزمن الجديد مقومات حددها الرئيس المنتخب في لغة تجمع الإيجاز إلى الاكتناز والشفافية إلى العمق لبناء دولة الأمة لا دولة الإدارة، لأن دولة الأمة هي مؤسسة الطموحات والأحلام التاريخية، بينما دولة الإدارة، هي مؤسسة التوظيف والملاكات الرسمية، كما ورد هذا التحديد في خطاب القسم الذي لم يقيض للرئيس الشهيد بشير الجميل أن يتلوه”.
وقال: “لبناء دولة الأمة خارطة طريق وحيدة، ألا وهي بناؤها من فوق إلى تحت، من رأس الهرم إلى أسفله. الفوق هو الذي يدوزن على ذاته جميع مفاصل الدولة وأجهزتها. فكما يبدأ الاهتراء برأس السمكة ويتمدد إلى آخر ذنبها، كذلك يبدأ الفساد برأس الدولة وينتشر في أجهزتها كافة. وإعادة بناء الدولة يخضع إلى القاعدة ذاتها، فالرئيس هو العمود الفقري في هذه الورشة الوطنية الضخمة”.
وشدد على ان “الرئيس بشير الجميل كان يعلن من دون كلل: لا نريد رئيسا لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة له. لقد سبق بشير الجميل بهذه المواصفات بثلاثة عقود ونيف صدور كتاب الفيلسوف الكندي الشهير ألان دينو الذي يشير إلى أن النزعة الطاغية في أيامنا الحاضرة تقوم على إيصال الأشخاص القابعين في وسطية عاجزة وسطحية ومن دون رؤيوية ثاقبة وواعدة إلى قمرة القيادة، وإبعاد الأشخاص الكارزماتيين والمتألقين وأصحاب الرؤى التجديدية والمبدعة، يتقاطع أيضا مع مضامين هذا المصطلح الجديد حكم التافهين”.
ورأى ان “الرئيس بشير الجميل انتفض بكل ما أوتي من قوة وعناد وتصميم ضد هذا النوع من الآفات السياسية والمجتمعية، لإخراج لبنان من حكم التافهين وحكم غير المؤهلين وحكم الفاسدين والمفسدين”.
وقال:”في نظر بشير الجميل، إن إنقاذ لبنان وإعادة بناء الدولة يخضع جبرا إلى تجرد الرئيس، وتفانيه، وشجاعته وتفكيره الوحيد والأحد بالمصلحة العليا التي تحضن الجميع على نوعهم، وحصر اهتمامه بخدمة الشأن العام الذي هو أساس الجمهورية”.
أضاف:”كان بشير الجميل يتمزق داخليا من رؤية الشأن العام ومؤسسات الدولة اللبنانية منهوبة ومهملة ومهترئة ومتحللة. فإذا جلنا بنظرنا في جميع أنحاء لبنان، لوجدنا أن الشأن العام في الكثير من المناطق فقير، يتيم، مشرد، ملقى على قارعة الطريق يتسول اهتماما ونظرة وشفقة، وليس من يرأف به ويتحنن على بؤسه ويعالج مصائبه”.
واعتبر ان “الأهمية القصوى التي يوليها الرئيس بشير الجميل لإنعاش الميثاق اللبناني وتدعيمه كإطار أساسي للتعايش السلمي الخلاق والمبدع بين مكونات المجتمع، تظهر عمق إدراكه لصيغة الحكم في لبنان منذ القائمقاميتين ومتصرفية جبل لبنان حتى يومنا هذا”.
ختم:” إن بلدا، أعاد إليه الحياة بطريرك مكرم وقديس، عنيت به البطريرك الياس الحويك، وكان وراء رفعه على منصة المرجعية العالمية للدول المتعددة ثقافيا ودينيا وحضاريا، بابا إستثنائي وقديس، عنيت به البابا يوحنا بولس الثاني، واستشهد من أجله رجل دولة من الدرجة الأولى، وطني وكارزماتي قدره إلا ديمومة الحياة، ورؤيوي، متجرد ومتفان وشجاع ومقدام، عنيت به الرئيس الشهيد بشير الجميل، إن بلدا كهذا لن يكون قدره الا ديمومة الحياة”.