أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس ، والقى خطبة الجمعة التي قال فيها:
“بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَا بِحَوْلِهِ وَدَنَا بِطَوْلِهِ مَانِحِ كُلِّ غَنِيمَةٍ وَفَضْلٍ وَكَاشِفِ كُلِّ عَظِيمَةٍ وَأَزْلٍ أَحْمَدُهُ عَلَى عَوَاطِفِ كَرَمِهِ وَسَوَابِغِ نِعَمِهِ وَأُومِنُ بِهِ أَوَّلًا بَادِياً وَأَسْتَهْدِيهِ قَرِيباً هَادِياً وَأَسْتَعِينُهُ قَاهِراً قَادِراً وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ كَافِياً نَاصِراً وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ لِإِنْفَاذِ أَمْرِهِ وَإِنْهَاءِ عُذْرِهِ وَتَقْدِيمِ نُذُرِهِ .
أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي ضَرَبَ الْأَمْثَالَ وَوَقَّتَ لَكُمُ الْآجَالَ وَأَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَأَرْفَغَ لَكُمُ الْمَعَاشَ وَأَحَاطَ بِكُمُ الْإِحْصَاءَ وَأَرْصَدَ لَكُمُ الْجَزَاءَ وَآثَرَكُمْ بِالنِّعَمِ السَّوَابِغِ وَالرِّفَدِ الرَّوَافِغِ وَأَنْذَرَكُمْ بِالْحُجَجِ الْبَوَالِغِ فَأَحْصَاكُمْ عَدَداً وَوَظَّفَ لَكُمْ مُدَداً فِي قَرَارِ خِبْرَةٍ وَدَارِ عِبْرَةٍ أَنْتُمْ مُخْتَبَرُونَ فِيهَا وَمُحَاسَبُونَ عَلَيْهَا.
فَإِنَّ الدُّنْيَا رَنِقٌ مَشْرَبُهَا رَدِغٌ مَشْرَعُهَا يُونِقُ مَنْظَرُهَا وَيُوبِقُ مَخْبَرُهَا غُرُورٌ حَائِلٌ وَضَوْءٌ آفِلٌ وَظِلٌّ زَائِلٌ وَسِنَادٌ مَائِلٌ”.
اضاف: “ما زلنا أيها الاخوة في أجواء محرم الحرام وشهادة أبي عبد الله الحسين (ع) وآله وأنصاره، نتربّى في مدرستهم ونتعرّف نهجهم ونهتدي بهديهم ونقتفي أثرهم فهم عدل القرآن وباب الله الذي منه يُؤتى، وهم أعلام الورى وأعلام التقى والعروة الوثقى وسفن النجاة من تمسَّكَ بهم نجى ومن تخلَّف عنهم غَرِقَ وهوى، المتقدم لهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق”.
وأكد ان “من المفيد هنا أن نتعرّض لنهجهم في التعامل مع قضايا الحياة والمبادئ التي التزموها وحكمت تعاطيهم وفقها وتصرفاتهم طبقها، فهم ليسوا عشوائيين ولا غوغائيين ولا ضالين ولا مُضلّين، بل هادون مهديون أُمناء الرسالة والاوصياء عليها بعد النبي (ص) والمفسِّرون لها وأُولو الامر الذين وجبت طاعتهم وولايتهم ومودّتهم بحكم الكتاب ومن أُنزل عليه الوحي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى من قال: عليٌّ أعلمكم وعليٌّ أقضاكم وعليٌّ باب مدينة علم رسول الله (ص)، وإنه الميزان الذي يُفَرّق به الحق من الباطل، فعليٌّ مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار، وهو المحب لله ورسوله ومن يحبه الله ورسوله، كرّاٌر غير فرّار الذي فتح الله على يديه، ومن كانت ضربته يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين الخ.. من أقوال وأفعال رسول الله (ص) الكثيرة والعديدة والثابتة لدى المسلمين ما جعلهم المرجع الصالح والوحيد الذي يرجع اليه في رسم المبادئ والخطوط العريضة التي يجب التزامها وعدم تخطيها وتجاوزها والتعاطي وفقها في قضايا الحياة العامة والخاصة، رغم المحاولات العديدة التي جرت من أجل تشويه هذه الصورة ولكن علياً بقي نقيّاً صافياً كما أراده الله تعالى كالقرآن: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
فقد عبَّرَ حين سُئل الخليل بن أحمد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (ع) فقال: “ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبوه خوفاً، وظهر من بينِ ذينِ وذين ما ملأ الخافقين”.
وكان علي (ع) ملتزماً ومطبِّقاً لنهجه الذي نهجه من غير أن يتجاوز قيد شعرة على الإطلاق، مهما كانت المصالح التي ستفوته بسبب هذا النهج ولو كان الحكم ولم يكن هذا النهج سُنّة استنها لنفسه، وإنّما حكماً إلهياً ومبدأً ربّانياً وسُنّةً إلهيةً منذ أن خلق الله الانسان وجعله خليفةً له في الحياة:
(كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)”.
وتابع: “لقد كانت لأمير المؤمنين (ع) مواقف رسم فيها الخط الفاصل بين الخير والشر لم تكن لأحد غيره الذي أراده الله تعالى كمبدأ يجب اعتقاده وثم التزامه، فالخير هو القيم المعنوية والاخلاقية والشر هو القيم المادية التي تتنافى معها وتخالفها التي يجب الاعتقاد بشروريتها إن صح التعبير وثم تركها بل مواجهتها وإحباط مفاعيلها. فكثيرون حاكموا عليّاً وحكموا عليه إنطلاقاً من تبني المبادئ المادية والمصالح الدنيوية كما في مسألة ابن عباس وطلحة والزبير حينما خرجا عن بيعة عليّ (ع) لأنه لم يستجب لطلبهما أن يولّيهما الكوفة والبصرة، دَخَلَ ابنُ عَبّاسٍ عَلى أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام فَابتَدَأَهُ عليه السلام وقالَ: يَا بنَ عَبّاسٍ، أعِندَكَ خَبَر؟
فَقالَ: قَد رَأَيتُ طَلحَةَ وَالزُّبَيرَ، فَقالَ لَهُ: إنَّهُمَا استَأذَناني فِي العُمرَةِ، فَأَذِنتُ لَهُما بَعدَ أنِ استَوثَقتُ مِنهُما بِالأَيمانِ ألّا يَغدِرا ولا يَنكُثا ولا يُحدِثا فَسادا، وَاللّهِ يَا ابنَ عَبّاسٍ ما قَصَدا إلَا الفِتنَةَ، فَكَأَنّي بِهِما وقَد صارا إلى مَكَّةَ لِيَستَعينا عَلى حَربي، فَإِنَّ يَعلَى بنَ مُنيَةَ الخائِنَ الفاجِرَ قَد حَمَلَ أموالَ العِراقِ وفارِسَ لِيُنفِقَ ذلِكَ، وسَيُفسِدُ هذانِ الرَّجُلانِ عَلَيَّ أمري، ويَسفِكانِ دِماءَ شيعَتي وأنصاري.
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: إذا كانَ عِندَكَ الأَمرُ كَذلِكَ فَلِمَ أذِنتَ لَهُما؟ وهَلّا حَبَستَهُما وأوثَقتَهُما بِالحَديدِ، وكَفَيتَ المُسلِمينَ شَرَّهُما؟.
فَقالَ لَهُ عليه السلام: يَا ابنَ عَبّاسٍ، أتَأمُرُني أن أبدَأَ بِالظُّلمِ وبِالسَّيِّئَةِ قَبلَ الحَسَنَة، واُعاقِبَ عَلَى الظِّنَّةِ والتُّهَمَةِ وآخُذَ بِالفِعلِ قَبلَ كَونِهِ؟ كَلّا! وَاللّهِ لا عَدَلتُ عَمّا أخَذَ اللّهُ عَلَيَّ مِنَ الحُكمِ بِالعَدلِ، ولَا القَولِ بِالفَصلِ.
فقدّمَ العدل لأن العقاب على الفعل لا على القصد والنية والعدل أحد أهم المبادئ والقيم التي أراد الله إرساءها قاعدة سواء في الممارسات الشخصية أم على مستوى الحكم ومجرياته في الحياة الذي يقول فيه (ع):
أَتَأْمُرُونِّي وَيْحَكُمْ أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالظُّلْمِ وَالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ! لَا وَاللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَا سَمَرَ السَّمِيرُ وَمَا رَأَيْتُ فِي السَّمَاءِ نَجْماً، وَاللَّهِ لَوْ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ مَالِي لَسَاوَيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هِيَ أَمْوَالُهُمْ”.
قَالَ: ثُمَّ أَزَمَ سَاكِتاً طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: “مَنْ كَانَ فِيكُمْ لَهُ مَالٌ فَإِيَّاهُ وَالْفَسَادَ، فَإِنَّ إِعْطَاءَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَ إِسْرَافٌ، وَهُوَ يَرْفَعُ ذِكْرَ صَاحِبِهِ فِي النَّاسِ وَيَضَعُهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا حَرَمَهُ اللَّهُ شُكْرَهُمْ وَكَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ، فَإِنْ بَقِيَ مَعَهُ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ مِمَّنْ يُظْهِرُ الشُّكْرَ لَهُ وَيُرِيهِ النُّصْحَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَلَقٌ مِنْهُ وَكَذِبٌ، فَإِنْ زَلَّتْ بِصَاحِبِهِمُ النَّعْلُ ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى مَعُونَتِهِمْ وَمُكَافَأَتِهِمْ فَأَلْأَمُ خَلِيلٍ وَشَرُّ خَدِينٍ، وَلَمْ يَضَعِ امْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَعِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْحَظِّ فِيمَا أُتِيَ إِلَّا مَحْمَدَةُ اللِّئَامِ وَثَنَاءُ الْأَشْرَارِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مُنْعِماً مُفْضِلًا، و مَقَالَةُ الْجَاهِلِ مَا أَجْوَدَهُ! وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ بَخِيلٌ، فَأَيُّ حَظٍّ أَبْوَرُ وَأَخْسَرُ مِنْ هَذَا الْحَظِّ، وَأَيُّ فَائِدَةِ مَعْرُوفٍ أَقَلُّ مِنْ هَذَا الْمَعْرُوفِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَهُ مَالٌ فَلْيَصِلْ بِهِ الْقَرَابَةَ، وَلْيُحْسِنْ مِنْهُ الضِّيَافَةَ، وَلْيَفُكَّ بِهِ الْعَانِيَ وَالْأَسِيرَ وَابْنَ السَّبِيلِ، فَإِنَّ الْفَوْزَ بِهَذِهِ الْخِصَالِ مَكَارِمُ الدُّنْيَا وَشَرَفُ الْآخِرَةِ” .
اضاف: “لقد كان عليّاً منسجماً مع مبادئه قوياً في الحقّ عنه لا يحيد لا يضعُف أمام الباطل لا يؤمن بشيء ثم يخالفه، فإن هذا شأن الضعفاء الذين يظنون انهم أذكياء، أما الأقوياء فهم يلتزمونه ويستشهدون دونه عندما يقتضي إحقاق الحق وإبطال الباطل الاستشهاد دونه كما كان عليّ (ع) يقول:
” وَاللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لَأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَ! مَا لِعَلِيٍّ وَلِنَعِيمٍ يَفْنَى وَلَذَّةٍ لَا تَبْقَى، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وَقُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ”.
ولم يكن ذلك الا لأهل البيت (ع) وعلى رأسهم أمير المؤمنين عليّ (ع) حيث قُيض له أن يتولى الحكم ليخطّ للإنسانية كيف يكون العدل وكيف تُحيا القيم والمبادئ وتُحمى في أخطر الأمور وأبسطها، ولا يقاس بأهل البيت أحد كما قال (ع): ” نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد، فينا نزل القرآن وفينا معدن الرسالة”.
وليس قول الشاعر فيه من فراغ:
قاسوك أبا حسن بسواك وهل بالطود يقاس الذر؟
أيها الاخوة والاخوات، إنّ كل الدنيا بما فيها لا تساوي عند عليٍّ ورقة في فم جرادة تقضمها، هذا هو علي (ع) في الرؤية المقابلة للحياة وفي أهلها التي تؤلِّه المادة وتجعل منها قيمة عليا فتقصر الحياة عليها ويضيق الأمل ويغيب عنها العدل وتُفقد الضعيف الامل بالعدالة وتدفع بالحرص والتكالب على الدنيا وتدعو إلى الصراع والتنازع وتعطيها قيمةً دنيا يُعبِّر أمير المؤمنين (ع) عن معناها الحقيقي حين يقول عن طلابها مُمثّلاً لها بالبطن كناية عن الشهوات والغرائز التي لا تليق بالإنسان ويريده الله أعلى مكاناً وأرفع قيمة: “مَنْ كان همُّهُ بطْنُهُ فقيمتُهُ ما يخْــرُجُ منها “، فما لهذا خُلِقَ الإنسان بل ليكون على مثال عليّ (ع) : “فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوَ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ”.
أما الحياة في نظر الدين فهي أوسع وأبعد لتتسع للخلود والبقاء الدائم والابدي، للحياة الآخرة الارقى والنعيم الباقي لمن ارتقى في سُلّم القيم والمعاني والامل بل اليقين في تحقّق العدالة الحقّة بل الى ما هو أوسع من العدالة إلى الرحمة الإلهية.
(فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
لذلك، فإن من يختار أن ينتصر للقيم المادية فإنما ينتصر للظلم فهو ينتصر على نفسه ويخسر أولاً ثم يخسر ثانياً حينما يتسم بالظلم بعد أن ينتصر له، إن نفس الانتصار للظلم هزيمة لأن الظلم في نفسه انحطاط في عالم القيم وهزيمة لصاحبه لا للحق والقيم، فالقيم الانسانية والاخلاقية تأخذ قيمتها من نفسها والحق بهذا المعنى منتصر دائماً والباطل في نفسه مهزومٌ دائماً ولو كان ظاهراً يأخذ شكل الانتصار”.
وقال: “إنّ الكذب والافتراء والتلاعب بالمفاهيم وقلب الحقائق والفجور والصوت العالي والخداع لا يُبدِّل الحقائق وإن استطاع مرتكبوها التأثير على العامة والبسطاء من الناس، وأنا اسأل هل يريد النافخون في بوق الفتنة ومستغلو الحوادث العابرة والمطبّلون والمزمّرون المفتوحة لهم الابواق الاعلامية هل يريدون السيادة والاستقلال ويهمهم فعلاً سلامة البلاد ووحدتها واستقرارها؟ فماذا فعلوا من أجل ذلك؟ هل قاوموا العدو الاسرائيلي وحرّروا الارض حتى بالدبلوماسية المزعومة؟ فليقولوا لنا ماذا فعلوا غير افتعال الصراعات الطائفية والتعاون مع العدو ضد أبناء وطنهم إن كانوا أساساً يؤمنون بأن لهم شركاء في هذا الوطن وهو ما لا يظهر من منطقهم وأفعالهم بل العكس هو الصحيح. للأسف إنّ هؤلاء هم أنفسهم الذين مارسوا كل ذلك في الماضي وما زالوا متمسّكين بنفس المنطق ويجرّون البلاد إلى حرب جديدة، نقول لهم إنكم لن تستطيعوا أن تصلوا إلى أهدافكم ولن تحصل حرب أهلية جديدة. فاللبنانيون جميعاً يجب أن يكونوا واعين لنتائج المغامرات السابقة لهؤلاء الذين كانت أذيّتهم لبيئتهم أكثر من أيّ شيء آخر”.
اضاف: “إنّ هؤلاء يدّعون أنهم يريدون الدولة والجيش ويتهمون المقاومة بأنها دويلة ضمن الدولة ثم يمارسون هم ما يتهمون المقاومة به من ممارسة الاعتداء على شاحنة انقلبت بحادث طبيعي ثم يعتدون على سائقها والمرافقين ويتسبّبون بقتل أحدهم، فلماذا لم ينتظروا الدولة أن تقوم بما عليها ان تقوم به؟”.
وأردف: “أقول لهم: كفى استهزاءً بعقول الناس وافتعال مشكلات وجرّ الناس إلى الفتن والاقتتال وتهييج للنفوس ودفع للأمور الى حروب جرَّبها اللبنانيون ودفعوا ثمنها من أرواحهم وأرزاقهم وأبنائهم الذين هاجر منهم من نجا من مغامراتهم. فالمقاومة حرّرت الارض ولم تأخذ مكان الدولة ولم يتعرّض أحد حتى من المجرمين القتلة العملاء لضربة كفّ أو إهانة أو نظرة شزر، كفى إرهاباً فكريا وكفى تهريجاً وفجوراً وادعاءات كاذبة”.
وقال: “نحن ندعو العقلاء إلى تدارك الأمور وتفويت الفرصة على من يريد جرّ البلاد الى مغامرات جديدة دفعوا ثمنها من أبنائهم وأرزاقهم واستقرارهم.
إنّها سياسة الخراب، ولبنان ليس لفريق ولا يستطيع أحد أن يفرض ما يريد على الآخرين، والطريق الصحيح للخروج من هذا الوضع هو التفاهم وليس لغير التفاهم الا المزيد من المعاناة، هل أُريد أن تكون بوسطة عين الرمانة؟”.
واشار الى “إن المقاومة وبيئتها واعية ولن تنجرّ الى فتنة شيعية مسيحية، فالمسيحيون في عيون الشيعة هم مواطنون لبنانيون وليسوا أعداء، أما من يضعون الشيعة اللبنانيين أعداءً لهم فلن يبلغوا أهدافهم الخبيثة. إنّنا ندعو العقلاء إلى تدارك ما يجري والذهاب إلى التوافق والتوافق فقط وبلا العاب شيطانية تؤذي أول وأكثر من تؤذي أصحابها، فلتؤخذ الأمور برؤية ومنظور وطني لا من باب فئوي واستعلائي ضّيق”.
وقال: “ولتذهبوا بدلاً من ذلك الى الاهتمام بشؤون الناس الذين يعانون الأمرّين على كل الصعد بدل هذه الالاعيب، فما عرفناه حول فواتير الكهرباء أمر كارثي ولا يمكن أن نقبل بتحميل المواطنين مزيداً من الكوارث والاعباء المعيشية إضافة الى كوارث المستشفيات والدواء ومشاكل موظفي القطاع العام المُعبِّرة عن عجزكم لتهربوا إلى تحميل المواطنين مزيداً من الاعباء الكارثية المعيشية والاجتماعية والافساد الاخلاقي والشذوذ الجنسي والمخدرات الذي يهيئ أرضيته الفساد السياسي والعاملون على التوترات الطائفية، ولعل هذه هي الغاية من وراء الاستمرار في التأزيم السياسي وعدم الوصول إلى حلول سياسية قريبة، وأقول لهم: إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم.”
وختم: ” إنّنا نثني على ما صدر من اللقاء التشاوري للوزراء حول الاهتمام بمواجهة دعوات الشذوذ الجنسي الذي يتعارض مع الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها، ولكن نريد أن نرى نتائج عملية لهذه القرارات ولا تبقى حبراً على ورق”.