كتبت صحيفة “الجمهورية”: توزعت الاهتمامات امس بين الاستحقاق الرئاسي وبين شؤون السلطة النقدية مع تسلّم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري حاكمية المصرف بالوكالة وما يدور بينه وبين الحكومة ومجلس النواب من بحث في قضايا إقراض الدولة من الاحتياط، وبين الوضع المتفجّر في مخيم عين الحلوة الذي يهدّد بالتفاقم اكثر فأكثر، فيما المعالجات الجارية له توقفه حيناً ثم ما يلبث ان يتفجّر مهدداً أمن صيدا ومحيطها.
على الصعيد الرئاسي تواصل الاوساط المعنية تحضيراتها لملاقاة عودة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان إلى لبنان منتصف أيلول المقبل لرعاية التشاور بين الأفرقاء المعنيين في شأن برنامج عمل رئيس الجمهورية الجديد ومواصفاته. وتولي هذه الاوساط اهتماماً بالحوار الجاري بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، حيث يرشح مزيد من المعلومات عن توصّل الجانبين إلى توافقات حيال الاستحقاق الرئاسي ترشيحاً واقتراعاً، وحيال طروحات رئيس التيار النائب جبران باسيل لجهة اللامركزية الإدارية الموسعة والصندوق الائتماني.
لقاءات البخاري
وفي هذه الأجواء، توالت اللقاءات شبه اليومية في دارة السفير السعودي وليد البخاري، منها ما أُعلن عنها ومنها من ينتظر او سيبقى قيد الكتمان في انتظار عودة الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص الى لبنان الوزير جان ايف لودريان في ايلول المقبل مبدئياً.
وبعد مسلسل اللقاءات الذي بدأ بالنواب السُنّة وقيادة «الحزب التقدمي الاشتراكي»، التقى البخاري أمس رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض، حيث تركّز البحث والنقاش حول التطورات الراهنة وما انتهى إليه اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، وما قالت به المبادرة الفرنسية بنسختها الجديدة، وما يمكن أن تقود إليه وخصوصاً على مستوى «طاولة التشاور» التي دعا اليها لودريان، والتحضير لأوراق عمل يتسلّمها قبيل انعقادها، توطئة لتحضير ورقة موحّدة يعدّها بنفسه في الأسبوع الأخير من آب الجاري بالتنسيق مع القوى الدولية الداعمة له. وكل ذلك تمهيداً للدعوة الى جلسة انتخاب الرئيس على ان تُستكمل في حال لم يصر الى انتخابه من الدورة الاولى، ان تحقّق التوافق على أحد المرشحين او الاستمرار بعقد الدورات المتتالية الى أن يُنتخب الرئيس في أي منها ومهمّا تعددت.
أوساط المعارضة
وقالت مصادر المعارضة لـ«الجمهورية»، إنّ معوض أبدى تفهماً لمواقف «الخماسية الدولية» وقدّر الانخراط السعودي فيها ومشاركته بقوة في المرحلة المقبلة. كذلك رحّب بما يمكن أن تقود اليه إن نجحت الاتصالات الجارية، إلى السماح للبنان بانتخاب رئيسه واكتمال عقد المؤسسات الدستورية، وهو ما تشدّد عليه المملكة العربية السعودية التي تقف خلف المقترحات الفرنسية، وخصوصاً أنّها صاحبة فكرة «التوافق على المواصفات الرئاسية» قبل البحث في الاسماء، وترك العملية الانتخابية تأخذ مجراها وفق الآليات الدستورية المرعية، ووقف كل أشكال الخروج عنها او تعطيلها قبل الدعوة إلى الحوار التي يوجّهها الرئيس المقبل للجمهورية ليتولّى خلال ولايته متابعة ورعاية مسيرته وما يتقّرر، على أن تكون القوى الدولية الى جانبه في ما تتطلّبه المرحلة المقبلة من اصلاحات بات الإقرار بها مطلباً شاملاً لبلوغ مرحلة التعافي والإنقاذ.
المجلس والحكومة والاقتراض
من جهة ثانية، لم يجف حبر مشروع قانون الحكومة الذي يجيز لها الاقتراض من مصرف لبنان المركزي، ولم يمرّ يوم على جلسة مجلس الوزراء، حتى بادر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى رميه في ملعب مجلس النواب طالباً تحويله من مشروع قانون تحيله الحكومة الى اقتراح قانون يقدّمه عدد من النواب ويأخذ طريقه الى اللجان النيابية المختصة، وذلك كسباً للوقت وتلافياً لاي عقبات او تعقيدات تعوقه في حال ارسلته الحكومة التي يشكّك البعض بصلاحياتها في هذا الشأن، تحت عنوان انّها حكومة تصريف اعمال في الاطار الضيّق.
وقال مصدر وزاري لـ«الجمهورية» انّه «خلال جلسة مجلس الوزراء امس الاول الاثنين، وزّع ميقاتي مشروع قانون الاقتراض على الوزراء، واستدعى النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري ليشرح اسباب طلبه هذا القانون في اعتبار أنّه هو من شارك بتحضيره، وتمّ الاتفاق على تأجيل البت في هذا الأمر إلى جلسة الخميس (غداً) التي خُصّصت لدرسه، وإذ نتفاجأ في جلسة اليوم (امس) بكلام ميقاتي المعلّل قانونياً بأننا لا يمكن أن نناقش هذا المشروع في جلسة الخميس لضيق الوقت، إذ يجب أن يوزع قبل أسبوع، وأنا أرى أنّ لا وقت لدينا، لذلك سأطلب من مجلس النواب تقديمه الى الهيئة العامة بصيغة اقتراح قانون يتقدّم به النواب».
هروب من المسؤولية
وقالت مصادر نيابية رفيعة في تعليقها على هذا الامر لـ«الجمهورية» انّ «هذه الخطوة هي هروب من المسؤولية، وتجنّب لأن يكون الرئيس ميقاتي وحكومته من يسعى للحصول على هذه الاموال. فلا مشكلة لديه ان تأتيه الاموال من المجلس النيابي لكن ليس ان يطلبها هو فيكون قد سجّل نقطة على نفسه بأنّه طلب المساس بالاحتياط».
واكّدت هذه المصادر «انّ ما قام به ميقاتي ليس سهلاً على مجلس النواب ابتلاعه، لانّ المادة 90 من قانون النقد والتسليف تفصل في هذا الامر، وتشير صراحة الى انّ الحكومة هي من يجب ان يبادر الى طلب الاموال وتبرّر اسباب الطلب وتضع جدولة لتسديدها. وهذا الامر يُترجم بمشروع قانون، فهي من يتعهّد باسترداد الاموال وفق مهلة زمنية، وهذه هي الآلية المنطقية الطبيعية». وتوقعت المصادر «ان تكون طريق هذا القانون وعرة»، متسائلة: «ماذا سيفعل منصوري اذا لم يُقرّ خصوصاً انّه اشترط إقراره ليتسلّم مهمات الحاكم». وأبدت تخوفها من «عدم وضوح الصورة وان يكون شراء الوقت حالياً هو السياسة المتبعة».
عين الحلوة
وعلى صعيد مخيم عين الحلوة، فقد تلاحقت الاشتباكات فيه بين حركة «فتح» وبعض المجموعات الاسلامية المتطرفة، وسقطت اكثر من محاولة لوقف إطلاق النار في ظلّ استمرار المساعي والاتصالات على مستويات مختلفة لبنانية وفلسطينية منعاً لتمدّد هذه الاشتباكات الى محيط المخيم، حيث ينتشر الجيش اللبناني والقوى الامنية اللبنانية، الى أن تمّ الاتفاق على وقف جديد لاطلاق النار بدأ سريانه مساء امس، ولكنه تعرّض لانتكاسات عدة. وقد دخل الى المخيم مساء وفد من «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» في لبنان، برفقة ممثل حركة «أمل» المهندس بسام كجك وممثل «التنظيم الشعبي الناصري» أبو جمال عيسى. وانقسم الوفد إلى قسمين الاول دخل إلى منطقة البركسات، والتقى مع قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي ابو عرب، وفي منطقة صيدا العميد ابو اياد شعلان وقائد القوة المشتركة اللواء محمود العجوري والقادة الميدانيين. والثاني اتجّه إلى الشارع التحتاني والتقى القوى الإسلامية في عين الحلوة حيث جرى التأكيد على وقف اطلاق النار ترجمة لاجتماع الهيئة في مقر سفارة فلسطين.
ولفت عضو القيادة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية غسان أيوب إلى أنّ «النيات ايجابية»، وقال: «هناك تطبيق لوقف إطلاق النار داخل مخيم عين الحلوة بنسبة 99 في المئة، بعد دخول وفد من هيئة العمل الفلسطيني المشترك برئاسة فتحي أبو العردات من أجل تنفيذ الاتفاق». وتحدث عن «قرار السفير الفلسطيني أشرف دبور وقيادة الأمن الوطني الفلسطيني التي دعت عناصرها كافة إلى التزام وقف إطلاق النار، وصولاً إلى تثبيته بشكل نهائي».
وأشار إلى أنّ «هناك وفداً يتواصل مع القوى الإسلامية لتتواصل بدورها مع الطرف الآخر في النزاع، والتزامه وقف إطلاق النار». وأكّد أنّ «الأولوية الآن لتثبيت هذا القرار وتأمين عودة آمنة لشعبنا إلى المخيم، بعد أن كان نزح إلى صيدا». وأعلن أنّ «التحقيقات مستمرة وكل من يثبت تورطه في هذه الجريمة يجب تسليمه إلى القضاء اللبناني».
قراءة فلسطينية
وتعليقاً على أحداث مخيم عين الحلوة قالت مصادر سياسية وديبلوماسية فلسطينية لـ«الجمهورية» إنّ ما جرى في المخيم هو «محاولة فاشلة قامت بها مجموعات من المسلحين التكفيريين لوضع اليد على المخيم». ولفتت، أنّ اغتيال مسؤول الأمن الفلسطيني اللواء ابو أشرف العرموشي ورفاقه شكّل «مجزرة حقيقية» الهدف منها سيطرة هذه المجموعات المتطرّفة على المخيم الذي كانت دخلت اليه في الفترة الاخيرة، بدليل أنّ الهجمات التي تعرّضت لها مراكز حركة «فتح» في المخيم انطلقت لحظة اغتيال العرموشي، بعدما اعتقد المهاجمون انّ مثل هذه العملية الغادرة ستكون سهلة قبل ان يثبت لديهم انّها صعبة جداً. فالقوة الفلسطينية المشتركة المكلّفة أمن المخيم تعتبر نفسها مسؤولة ليس عن أمن سكانه فحسب انما هدفها الحفاظ على أمن محيطه اللبناني كما الفلسطيني.
وانتهت هذه المصادر لتسأل: هل في إمكان أهالي صيدا ومغدوشة والمنطقة المواجهة للمخيم أن ترى أعلام «داعش» والمجموعات المتشدّدة على أسطح المنازل؟
الرئيس بري ودريان
وفي إطار متابعة الوضع تلقّى رئيس مجلس النواب نبيه بري اتصالاً من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، تشاورا خلاله في التداعيات الخطيرة للأحداث في مخيم عين الحلوة. وأثنى المفتي على «الجهود التي يبذلها بري لوقف الإقتتال في المخيم». وردّ بري منوّهاً بموقف دريان الذي «حرّم فيه الإقتتال بين الأخوة أبناء القضية الواحدة والداعي الى الوقف الفوري لإطلاق النار».
واشنطن
في غضون ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أمس أنّها «تواصل متابعة التقارير المقلقة عن أعمال عنف في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان»، وفق ما أفاد المتحدث باسمها ماثيو ميللر.
ودعت الوزارة في بيان، «جميع الأطراف في المخيم لاحترام سلامة المدنيين وعدم استهداف المنشآت المدنية».
نصرالله
واعتبر الامين العام لحزب الله في خطاب له في النبطية لمناسبة الثالث عشر من محرم «انّ ما يجري في مخيم عين الحلوة مؤلم ومحزن ومؤسف»، ودعا الجميع في المخيم إلى «وقف القتال، إلى الاحتكام للقضاء، للعقلاء، للحكماء، لكن بالتأكيد وقف القتال بأيّ شكل من الأشكال، وكلّ من يستطيع أن يُساهم، أن يضغط، أن يقول كلمة، أن يُجري اتصالًا، أن يبذل أيّ جهد لوقف هذا الاقتتال يجب عليه أن يفعل ذلك، دينيًا، شرعيًا، أخلاقيًا، إنسانيًا، وطنيًا، قوميًا، لكل الاعتبارات هذا أمر واجب ولا يجوز لهذا القتال أن يستمر لأنّ تداعياته سيئة على أهل المخيم (أهلنا الفلسطينيين الأعزاء)، على أهل صيدا، على أهل المنطقة، على أهل الجنوب، على كلّ لبنان».
ومن جهة ثانية حيّا نصرالله الجيش اللبناني في عيده وقال: « نحن نرى في الجيش اللبناني أحد أعمدة المعادلة الذهبية التي تحمي لبنان في مواجهة «إسرائيل»، ونَرى فيه الضمانة الأساسية لوحدة لبنان، لوحدة الدولة، لوحدة الأرض، والضمانة الأساسية للإستقرار. ولذلك هذه المؤسسة يجب الحفاظ عليها، يجب دعمها، يجب الحرص عليها لِتستطيع أن تقوم بهذه المسؤولية، وهي تَقوم بهذه المسؤولية وتُقدّم الكثير من التضحيات، ويتعرّض ضباطها وجنودها في الميدان للكثير من المتاعب والكثير من المخاطر ويَسقط منهم الشهداء».
عيد الجيش
وكان الجيش احتفل بعيده امس وسلّم قائده العماد جوزف عون شهادات التخرّج لضباط دورة «النقيب الشهيد مارون الليطاني»، بعد أن أنهوا دراستهم في الكلية الحربية لمدة ثلاث سنوات، وعددهم 107 ضباط.
وألقى كلمة في المناسبة توجّه فيها الى الضباط المتخرّجين، فقال: «ستحملون على أكتافكم اليوم مسؤولية وطن ومسؤولية مرؤوسيكم، فكونوا على قدر القرارات التي ستتخذونها. لا تدعوا السياسة ولا الطائفية تتغلغل بينكم. اجعلوا لبنان حزبكم والبزة العسكرية طائفتكم. ليست الطوائف هي التي تحمي الوطن، بل المؤسسة العسكرية التي هي صخرة لبنان، وأنتم صخرة المؤسسة».
واعتبر «أنّ الجيش لا يزال مستمراً وصامداً بفضل عزيمة عناصره وإيمانهم وثباتهم»، وقال: «أُدرك صعوبة المرحلة، لكن العسكري يتدرّب لمواجهة الظروف المماثلة، والجيوش تُبنى لمواجهة التحدّيات الكبرى، ولو أنّ جيشاً آخر خاض تجربة الجيش اللبناني خلال السنوات الماضية لما بقي قادراً على الاستمرار».