أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الليلة الثامنة من محرم لهذا العام، في مقره، برعاية وحضور نائب رئيس المجلس العلامة الشيخ علي الخطيب، في حضور علماء دين وشخصيات قضائية وعسكرية وامنية وتربوية واجتماعية ومواطنين.
وتلا المقرئ احمد المقداد آيات من الذكر الحكيم ، وقدم الحفل الدكتور غازي قانصو الذي تحدث عن عاشوراء وقيم الحب، فقال: “ترتبط مفاهيم الحب والمحبة والعشق بعاشوراء في كربلاء بعدة طرق: الحب العميق لله: عبّر الإمام الحسين وأهل بيته وصحابته عن حبهم العميق لله من خلال الوقوف بوجه الظلم والتمسك بالحق والعدل، وهم على استعداد للتضحية من أجل رضا الله، فأظهروا إيمانًا قويًا بالله، وثقةُ به، فرضوا بقضائه بما جرى أو بما كان يمكن أن يجري عليهم. وكان الإمام الحسين يعرف أن مصيره في كربلاء سيكون الشهادة، ولكنه رضي بقضاء الله وتقديره، ولم يتردد في الوفاء بمهمته ورسالته المقدسة، فبان ذلك في تحمل الإمام الحسين ومن كان معه للمصاعب ولتضحياتهم الكبرى”.
اضاف: “ان هذين البيتين من الشعر يناسبان لسان حال الحسين : “تركتُ الخلقَ طرَّاً في هواك، وأيتمتُ العيال لكي اراك، فلو قطَّعتني في الحبِّ إرباً، لما مال الفؤاد إلى سواك”.
الحب للإنسانية: إنّ قرار الإمام الحسين عليه السلام بالوقوف أمام الظلم والطغيان يُعد تعبيرًا عن الحب العميق للإنسانية، فقاوم الظلم والفساد، ورفض الانحناء أمام الظالمين، حتى لو كلفه ذلك حياته. وبذلك، قدم مثالًا للتضحية من أجل القيم الانسانية بالمبادئ الإسلامية التي يحمل.
الحب للعدل: يُعَدُّ الحسين وموقفه في كربلاء رمزًا للحب للعدل والمساواة، فكان يسعى لحفظ الأمة بإقامة نظام يعتمد على العدل والإنصاف، رافضا لكل أشكال الاستعباد والاستبداد.
الحب والولاء للأسرة: كان موقف الحسين من كربلاء يعكس أيضًا الولاء والحب لعائلته وتضحيته للحفاظ على كرامتها وعزتها”.
وتابع: “بالتالي، يُمكن القول إن كربلاء تُجسِّد روحًا نبيلة من الحب العظيم، وأثرت، هذه الروح بشكل كبير على تبيان مفاهيم الإسلام الحقة، وعلى إظهار الثقافة الإسلامية الصحيحة؛ ثقافة الحياة العزيزة، والعيش الكريم دون بطر، وسيادة الحكم دون طغيان، وبث الأمان والسلام، والنماء والاطمئنان، وفي ذلك حفظ الدين كما انزله الله رحمة للعالمين وهدى لهم”.
وختم: “في النهاية، يُعَدُّ يوم عاشوراء مؤسسةً مؤاثرة بما فيها من عظيم الحب والولاء، والعشق والارتباط بالله سبحانه وتعالى، وتظل تلك المفاهيم الايمانية العميقة مصدر إلهام للكثيرين، من كل العالمين، حتى يومنا هذا، وإلى قيام الساعة”.
أبو كسم
ثم ألقى مدير المركز الكاثوليكي للاعلام الأب الدكتور عبده أبو كسم كلمة قال فيها: “ليست المرّة الاولى التي التقي وإيّاكم في هذا المقرّ الوطني العامر، المجلس الشيعي الأعلى، وأشكر صاحب السماحة العلاّمة الشيخ علي الخطيب على دعوته لي للمشاركة في هذا المجلس العاشورائي، لنتأمّل في واقعة كربلاء، ونسقطها على واقعنا الحالي في لبنان، لنأخذ العبر من موقف الإمام الحسين الذي واجه المفسدين، وقاد الإصلاح في أمّة جدّه ، وقد كلّفه هذا الامر التضحية بذاته فداء “عن شعبه وأمّته”.
اضاف: “بهذا المعنى، يمكننا القول أنّ المسيرة الحسينيّة التي ابتدأت في كربلاء، لم تنته مع إستشهاد الإمام الحسين، إنّما استمرّت حتى يومنا هذا، وستستمر طالما هناك على وجه الارض حق وباطل – ظالم ومظلوم وفاسد ومفسدون. من هذا المنطلق يمكننا أن نؤكّد أنّ كربلاء تحمل في ما تحمل من معان، عنوانا” كبيرا” هو الكرامة الانسانيّة، تلك التي ناضل في سبيلها الإمام الحسين، وقاد معركة القضاء على الفاسدين، وسعى إلى تحقيق العدالة الإجتماعيّة، وقاتل في سبيل الحق، معتبرا أنّ الحقيقة والحق وحدهما يستطيعان أن يحرّرا الإنسان، ويدفعان إلى بناء الأوطان”.
وتابع: “في هذا السياق، اختار الإمام الحسين الإصلاح في أمّة جدّه، فقاد ثورة على الباطل بكل أشكاله، وقرّر أن ينتصر للخير، ويقضي على الظلم والظالمين، فلم تغرّه سلطة، ولا مال ولا جاه، ولم تنغمس يديه في مال الفاسدين والمفسدين، ولم يشته عروش الملوك، ومقام السلاطين، فاختار أن يكون نصيبه بين الفقراء والمهمّشين والمظلومين والمقهورين، فأضحى صوت الضمير في أمّة غاب الضمير عنها، ونخرها الفساد حتى أصبح الشعب فيها سلعة تشرى وتباع”.
وقال: “أمام هذا الواقع المرير الذي ذكرناه، كان أمام الإمام خياران، إمّا أن يستسلم لواقع الحال، وإمّا أن يقود ثورة تحدث في الإسلام منحى جديدا” في محاربة الفساد الذي زرعه يزيد بن معاوية، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ودعا الى مخافة الله”.
وتابع: “في هذه الليلة، أحببت أيّها الأحبّة أن أتأمّل معكم في الخصال النبيلة التي زيّنت شخصيّة الإمام الحسين علّنا نستطيع اليوم أن نستخلص العبر والدروس. من خصال هذا القائد العظيم. كان رجلا” نبيلا”، شجاعا”، مقداما”، متجرّدا” إلاّ من الإنسانيّة، فكان إن قال فعل. هذه الشجاعة دفعته إلى الإستشهاد بالرغم من أنّه كان يعلم أنّ المكائد نصبت، لكنّه اختار أن يكون كبش فداء الذي سيفدي أمّته. أمّا تلك الصرخة التي ردّدها من بعده الحسينيّون ” هيهات منّا الذلّه”، كانت الشعار والعنوان الأساس في معركة الكرامة التي استشهد فيها الإمام الحسين، مرفوع الرأس، فكتب بدمائه على رمال الصحراء شرف أمّته التي سارت على نهجه الشريف حتى يومنا هذا” .
واكد “ان الامم الحسين خسر معركة، لكنّه لم يخسر حربا، لأنّ عاشوراء بقيت وستبقى عنوانا” للإنتصار على الظلم كما إنتصار الحق على الباطل، وإذا ما عدنا اليوم لنستعرض الواقع الذي نعيشه في لبنان، الا يشابه الزمن الذي عانى منه الإمام الحسين؟”.
وقال: “نحن في لبنان، للأسف، أصبحنا نعيش في مجتمع مغموس بالفساد، وحصدنا ما زرعه الفاسدون في وطننا، حصدنا أزمات لم نشهد لها مثيل حتى في خضم الحروب التي عاشها اللبنانيّون، فالشعب اللبناني نهبت أمواله وجنى عمره، ويعاني من أزمات سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة وإستشفائيّة، فالمواطن اللبناني يذل أمام المستشفيات والصيدليّات، فيما الضيوف على أرضه ينعمون بما لا يستطيع أن يحصل عليه المواطن اللبناني بحق من عناية طبيّة وغذائيّة وماليّة، حتى أصبح غريبا” في وطنه”.
اضاف: “كما أن لبنان يعاني من هجرة قاتلة لخيرة شبابه وبناته، فبدل أن يفجّروا طاقاتهم العلميّة والحرفيّة في سبيل نهضة لبنان، ها هم يساهمون في نهضة أوطان قدّمت لهم كل الفرص اللازمة ليعيشوا بكرامة، وليساعدوا أهلهم في الحصول على الحد الأدنى من عيشة لائقة، هي بالأساس من مسؤوليّة الدولة. والأدهى من كل هذا، نرى المسؤولين عن مقدرات البلاد يحاولون إعادة إنتاج وتنظيم تركيبتهم السياسيّة على حساب لقمة عيش اللبنانيّين، الا يجسّد هذا الواقع المذلّة في عينها”.
وتابع: “في المقابل، هناك أيضا أزمة سياسيّة تكمن في إنتخاب رئيس للجمهوريّة، وهذا الامر هو من أولى الاولويّات، لكنّه ما زال متعثرا” بسبب إختلاف المرجعيّات والأحزاب السياسيّة في مقاربتهم لعمليّة اختيار الرئيس، ومع الاسف الشديد أن التباين في وجهات النظر تستخدمه بعض وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتعميق الهوّة بين فئات الشعب اللبناني بما يثير النعرات الطائفيّة والمذهبيّة التي تدفع إلى افتعال مشاكل داخليّة، وتقدّم خدمة مجانيّة لأعداء لبنان”.
واكد “انّ الإختلاف في الرأي السياسي هو أمر طبيعي ومشروع في بلد نظامه ديمقراطي، فالحوار والنقاش هما السبيل الوحيد لتقريب وجهات النظر، وهذا ما نحن أحوج إليه في هذه الايام العصيبة المذلّة التي نمر بها، فمؤسّسات الدولة تنهار الواحدة تلو الأخرى، والجميع يتفرّج تاركين الشعب لمصيره المجهول، فهل الامر مقصود أم ناتج عن عجز تكون نتيجته البكاء على الأطلال؟. وهنا أتوجّه إلى ضمير من حلفوا اليمين على الحفاظ على مقرات الوطن، ماذا تنتظرون؟ إن لم يبن رب البيت فعبثا” يبني البنّاؤون”.
وقال: “لا أحد حريص على أهل ببته أكثر من رب البيت، لهذا أدعوكم إلى إستخلاص العبر من المناسبة التي نحييها اليوم إلى التلاقي فورا” على طاولة حوار، عنوانها الوحيد إنقاذ لبنان، بما يحفظ كرامة اللبنانيّين ، وإلى إيجاد أرضيّة مشتركة لتقبّل الرأي و الرأي الآخر، فإن فكرة النقاش والحوار تبدأ بانتخاب رئيس للجمهوريّة ينتظم معها العمل الدستوري والمؤسّساتي ممّا يبعد عنّا شبح الأخطار الداخليّة والخارجيّة التي أصبحت على الأبواب، لأنّه بغير ذلك سينمو، لا سمح الله، الحقد وستتوسّع الكراهية، مما يزيد الأنقسام بين اللبنانيّين عندها يسقط الهيكل على رؤوس الجميع”.
وختم: ” أتوجّه إليكم في هذه الأمسية الحسينيّة، وأدعو نفسي وأدعوكم إلى الصبر، فالصبر مفتاح الفرج، فكيف لو كنّا من الصابرين المؤمنين. إنّ من ذاق طعم الألم في سبيل خلاص الوطن، سيستطيب بالتأكيد طعم القيامة، ان شاءالله. عظّم الله أجركم في مصاب الإمام الحسين، وسكب على قلوبكم العزاء والسلوان”.
وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسيني.