وجه الرئيس الفخري للاتحاد الدولي للمحامين المحامي انطوان عقل، نداء الى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، دعا فيه الى انعقاد مؤتمر وطني تأسيسي لدستور الجمهورية الثالثة. وجاء فيه:
“نتوجه اليكم اليوم بهذا النداء، انطلاقا من الشرعية التاريخية والوطنية والشعبية التي تمثلون، وطنيا واقليميا ودوليا، لأننا أصبحنا اليوم بلا مرجع لنا لخلاصنا من الهلاك، وانتهاء لبنان كدولة ومؤسسات. ولا نجد سواكم لنتوجه إليه. أولستم يا صاحب الغبطة الجالسون على كرسي سلفكم البطريرك يوحنا مارون الذي انتخب بطريركا على الطائفة سنة 686 أي في القرن السابع للميلاد؟
لقد أهرق اسلافكم وشعبكم دماءهم طوال قرون للحفاظ على حرية هذا الشعب وكرامته. أوليس سلفكم يا صاحب الغبطة البطريرك الياس الحويك الذي سلمته جميع العائلات الروحية اللبنانية تفويضا لتمثيلها في فرساي، بعد الحرب العالمية الأولى. حيث حضر مع الوفد اللبناني وطالب بأن تكون فرنسا دولة منتدبة من قبل عصبة الأمم. فأرسلت فرنسا الجنرال غورو الذي اعلن ما سمي بلبنان الكبير بحدوده الحالية، فكان هذا الإعلان بتوحيد لبنان جغرافيا لأول مرة في تاريخه. واستتبع هذا التوحيد الجغرافي توحيدا سياسيا، فجعل لبنان دولة مستقلة بحدودها ومؤسساتها.
نقول ذلك للمقارنة بين الأمس واليوم. ونعلم يا صاحب الغطبة، أن تركيا تركتنا بعد أربعمئة وسنتين من دون مؤسسات، ولم تترك لنا سوى المجلة القانونية. بينما قدمت لنا فرنسا المؤسسات الدستورية، في العام 1926، وبات لنا رئيس للدولة، واعطتنا مجلسا للنواب في العام 1927، ومن ثم مجلسا للوزراء، ثم القضاء والقوانين. واعطتنا فرنسا جيشا وأمن عام ودركا والجمارك.
وعلى صعيد البنى التحتية، أعطتنا شركات المياه والكهرباء والسكك الحديد ومرفأ لبنان والعرب والترمواي.
لقد وضعت الميليشيات يدها على المرفأ ومستودعاته، وخزنت فيها أخطر المواد، وهي نيترات الأمونيوم. وتفجر المرفأ. لكن السلطة في لبنان حالت دون التحقيق بهذا التفجير، حتى وصلت الى وقت كف يد المحقق، وهو ما لا يجوز بعد اكثر من مئتي ضحية و6000 جريح. وعندما لا تتمكن دولة من اجراء تحقيق داخلي، فهناك محكمة جنائية دولية، انشئت بموجب معاهدة روما. وإما أن يقوم المحقق العدلي بموجب المادة 15 من نظامها بالشروع بالتحقيق من تلقاء نفسه، أو أن يطلب منه مجلس الأمن القيام بالتحقيق. وهناك سوابق في هذا السياق. فالصرب القوا قنبلة على سوق الخضار في سراييفو. فانشأ مجلس الأمن فورا محكمة باعتبارها جريمة ضد الانسانية. وبعد سنتين، وقعت جريمة فظيعة في رواندا، حيث جرى ذبح 800 الف من قبيلة التوتسي. وقامت محكمة للتحقيق والمعاقبة.
أما لبنان، فلم يشأ أن ينضم الى هذه المحكمة. واعتبر أن انضمامه سيعني معاقبة امراء الحرب عندنا الذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية. وهناك آلاف المهجرين حتى اليوم.
أما فرنسا، التي ذهبت لها ضحيتان جراء الانفجار، فلها الحق بالمطالبة بالتحقيق الدولي، ولم تقم بذلك. على غرار دول أوروبية أخرى. وما يمكن طلبه من فرنسا تسليمنا صور الاقمار الاصطناعية لنعرف من فجّر بيروت.
والرئيس الفرنسي الذي زارنا وزرف الدموع في الجميزة بين الشعب، يرفض حتى اليوم تسلينا صور الاقمار الاصطناعية. ونحن نعرف يا سيدنا الأسباب التي تمنع تسليمنا الصور وطلب التحقيق الدولي.
وبالعودة الى واقع المؤسسات، فلبنان كان قبلة أنظار العالم والعرب. حينما أصبح مستشفى العرب ومصيفهم وجامعتهم. وبات فندق العرب ومطعمهم وملجأهم للسياحة والتبضّع. ونتذكر أمير الكويت الراحل الذي كان يقول ما إن تطأ قدماه لبنان “الحمد لله أنا في وطني الثاني لبنان”.
فيا صاحب الغبطة، ماذا أصبح عليه لبنان اليوم؟ فقد حملنا السلاح ضد بعضنا البعض، ومن أجل توحيد البندقية قتلنا بعضنا في الصفرا. وتهجّرنا من الجبل من منازلنا وأراضينا. واستعان البعض بالفلسطينيين وسواهم ضد أبناء بلدهم في العاصمة والدامور وسواها. وفي نهر البارد بالأمس القريب، أدخلوا السلاح الثقيل، واستخدموه كما في مخيمات أخرى، ضد اللبنانيين.
كل ذلك أدى الى دخول الجيش السوري الذي سيطر على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية طوال سنوات. الاقتتال في ما بيننا جعلنا نذهب الى المملكة العربية السعودية، المشكورة، الى الطائف، حيث توافق النواب على وثيقة الوفاق المدني، دستور الطائف. وقد حملت هذا الدستور وذهبت الى فرنسا، حيث اجتمعت بالبروفسور بيار باكتيه، الأستاذ في جامعة السوربون. فقرأناها مادة مادة، قبل أن يقول لي “هناك غموض كثير في تفسير هذه المواد. بينما هناك مواد ستؤدي الى الفراغ”. وهذا ما حصل فعليا، اذ ان من هذه المواد، ما يتعلق برئيس الجمهورية في الدعوة الى الاستشارات لتسمية شخصية لتأليف الحكومة. كما أن لا مدة تلزم الرئيس المكلف في تشكيل الحكومة. بينما في اسرائيل والبلدان العربية، هناك مهل محددة، والا فتكليف شخصية أخرى للتأليف.
في ظل الواقع الراهن، فالمؤسسات المالية الدولة، والدول الصديقة، غير مستعدة لتقديم العون لنا، الا اذا اجرينا اصلاحات. فلماذا لا يتم ذلك؟
صاحب الغبطة، كم من مرة ناديت بحياد لبنان؟ فهل نستطيع استمرار حمل السلاح كما هو حاصل عندنا؟ وما هو السبب الذي يجيز الوقوف ضد اخواننا العرب؟
كما أنكم، يا صاحب الغبطة، تنادون اسبوعيا بانتخاب رئيس للجمهورية، كالصوت الصارخ في البرية. فيما وصلنا الى شلل المؤسسات، في غياب رئيس الجمهورية ووجود حكومة تصريف أعمال، تفسر عملها على هواها. والمجلس النيابي مشلول، ومفتاحه في جيب أحدهم، يفتحه ويقفله عندما يريد.
والقضاء في حال شلل، بينما يضع بعض السياسيين يدهم عليه. مع احترامي لعدد من القضاة الذين وهبهم الله العلم والنزاهة. ولكن، القضاء يعاني من التدخلات السياسية.
مؤسساتنا في خبر كان، في ضوء الأزمات المالية والسياسية والكورونا والاضرابات. فهل يعقل أن تكون رواتب الخدم في المنازل أهم من رواتب القضاة والجيش والموظفين؟
والأخطر يبقى سرقة أموال المودعين، وهو ما لا مثيل له في تاريخ الشعوب، ما ادى الى تهجير الشعب واهانته في كرامته وتجويعه.
صاحب الغبطة، لأن لا دولة في لبنان، ندعوكم من موقعكم وشرعيتكم الوطنية والاقليمية والدولية، للدعوة الى مؤتمر وطني تأسيسي، توجهونه لرؤساء الطوائف والوزراء والنواب والنقابات ورؤساء الجامعات، والمتخصصين بالدستور، لارساء دستور الجمهورية اللبنانية الثالثة، مع مؤسساتها كافة. وهذا الدستور يعيد للشعب اللبناني حقوقه المشروعة والعيش الكريم، ويعيد للبنان مقعده بين الدول الراقية”.