Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

المرتضى من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى: لا تراجع عن موقفنا السياسي ومِثلُنا لن يبايع الاّ مثل هذا الرئيس

استضاف المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى مساء أمس وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى، وكان للأخير كلمةٌ بمناسبة ذكرى عاشوراء أمام حشدٍ رفيع تقدّمه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الشيخ علي الخطيب وسفير الجمهورية الاسلامية في لبنان مجتبى اماني، النائب محمد خواجة، رئيس الجمعية الخيرية العاملية يوسف بيضون ونائبه القاضي حسن الحاج وشخصيات تربوية واجتماعية وعلماء دين ومواطنين وقضاةٌ وحشدٌ من النواب والفاعليات الإجتماعية.

وتلت فرقة البينة للتلاوة والانشاد الإيرانية آيات من الذكر الحكيم، وقدم الاحتفال الدكتور غازي قانصو الذي قال: “ان سيرة سيد الشهداء مصدرُ إلهامٍ وحافزٍ لتعزيز الوعي الفردي والجماعي بحقيقة الدين والإيمان والاسلام، وباعثٍ لتعزيز الثقافة الهادفة الى فهم مصاديق تطبيق الدين في مجالات الحياة كلها، لا سيما السياسية والاجتماعية وسواهما. وبالتالي، يُعَدُّ يومُ عاشوراء حدثًا تاريخيًا فارقًا من اعظم حوادث التاريخ الانساني ومن أكثرِها دلالةُ، حيث تجلت فيه روحُ التضحية النبيلة مع الإصرارِ على التزامِ المبادئ المحمدية- العَلوية التي تُجسِّدُ حقيقةَ الإسلام”.

وتابع: “كان الإمام الحسين عليه السلام يتحدث بلغة الوعي والتوعية بطريقة تلامس قلوب الناس وتحاكي ضمائرهم. يعبر عن قناعته الراسخة بأهمية التمسك بالحق، مشددًا على رفض الظلم و وعدم الانحياز للظالمين. وقد بلّغ الكلمة الواعية، كما جاء في الآية، لتعيها أُذُنٌ واعية، بقصد نشر رؤيته للإصلاح والتغيير السياسي الإيجابي في الأمة، تمسكا بالأصول الإسلامية الصحيحة في الاعتراف بالحق واحترامه وتقديره والثبات عليه. مستلهمًا في ذلك قيمَ وتعاليمَ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة ابيه سيد الائمة علي بن أبي طالب عليه السلام، وبهذا، ثبّت عُمقَ القيمِ الإنسانيةِ والإسلاميةِ، التي التزم فيها بحياته كلها، ورافقته إلى حين شهادته، وستبقى خالدة متجددة الى يوم الدين. حيث أصبحت مصدر إلهام وعبرة للملايين من الموالين واحرار العالم وأشرافه ومثقفيه في كل أصقاع الدنيا. واعتُبرت تلك الثقافةٌ الهادفةُ الواعيةُ أحدَ أهمِ المحفزات التي شجعت الأجيال اللاحقة على السعي لتحقيق العدل والإنسانية في العالم اجمع”.

وأضاف: “بكل وضوح، عاشوراء وإحياءُ ذكراها كل حين، عبر مئات السنين، هي دينٌ، وتعبدٌ، والتزامٌ، ووعيٌ، وثقافةٌ لا ترقى إليها ايّ ثقافة من الثقافات البشرية المتنوعة، لأنها تنتمي إلى الله، وإلى أنبياء الله، وإلى أولياء الله، وإلى أصلح عبادِ الله، ولأنها تعمل حقا وصدقا وبكل فعالية في نفع عيال الله سبحانه وتعالى، والحمدلله رب العالمين. لن يكتمل بناءُ المجتمع بلا ثقافة ، لن تؤكد امة حضورها في عالم الأمم بلا ثقافة. الثقافة هوية حقيقية، الثقافة حصن حصين، الثقافة تربية وتنمية، الثقافة قيم تتجسد بالأفعال، وأفكارٌ تنمو بالأعمال، الثقافة منعةٌ تامة، وفعلٌ مقاوِم”.

 

المرتضى

ولم تخل كلمة المرتضى من اسقاط لمعاني واقعة كربلاء على الواقع السياسي الراهن اذْ تضمّنت موقفاً سياسياً بارزاً جاء فيه:”تاريخُ البشرِ مكتظٌّ بما حَوَتْ أيامُهم من حوادثِ ساعاتِها ودقائقِها وثوانيها. كلُّها تَعبُرُ مهرولاتٍ إلى مُستقَرِّها في أقصى النسيان، أو إذا أبطأت، فإلى غُرفِها في أقربِ منازلِ الحنين، إلاّ حوادثَ لا تنتهي بانتهاء يومها أو بموتِ صاحبِه، ولا يستحوذُ عليها نسيانٌ أو تتلاشى بتقادم، بل تبقى حيّةً في وعي الأجيالِ مهما تمادى البُعْدُ، فهي على قِدَمِها جُزءٌ لصيقٌ بالحاضرِ والآتي. إنَّها تلكَ التي تؤسِّسُ الزمنَ الأرضيَّ، وبها يؤرَّخُ، لما يأتي بعدَها، من وقائعَ تُدَوَّنُ في سجلِّ الحياة. ومن هذه الحوادثِ المؤسِّسة، هجرةُ الرسولِ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة، وخروجُ الإمامِ الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وقد تزامن يوماهما مع فارقِ إحدى وستين سنةً، وتشابها غايةً وتأثيرًا على مستوى الحضارة الإنسانية جمعاء. ففي هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلّم، كان الحقُّ يدفع عنه الباطلَ باعتزالِه إلى حين، وفي خروج الشهيد أبي الشهداء عليه السلام، كان الحقُّ يدفعُ عنه الباطلَ بمواجهتِه إلى النهاية. كلا الحدثين إذًا كانا حلبةً للصراعِ بين الحقّ والباطل، على وَجهَيِ اعتزال ومواجهة، أو إذا شئتم، كرٍّ وفرّ، أو هدنةٍ وحرب. ولعلَّ إرادةَ البطولةِ الهادفةِ إلى حمايةِ القيَم من أيّ عدوانٍ عليها، هي التي تُملي وِجهة هذا الصراع. فمرةً تكون الحكمةُ في أن يُتَجَنَّبَ القتالُ المباشر، ومرةً أخرى تقضي البطولةُ أن يذهبَ المرءُ إلى حتفِه بقدميه وهو يردِّدُ في نفسِه ما استشهد به الحسينُ عليه السلام من الشعر:

سأمضي وما بالموتِ عارٌ على الفتى * إذا ما نوى حقّاً وجاهد مسلماً

وواسى الرجالَ الصـالحين بنفسـه * وفارق مثبوراً وخالف مجرما

فإن عشـتُ لم أندم وإنْ متُّ لم أُلم * كفى بك موتاً أن تُذلّ وتُرغما”

وأضاف: “وهذا الموقفُ عينه هو ما عبّر عنه أجملَ تعبيرٍ العلاّمة المغفور له الشيخ عبد الله العلايلي في أبياتٍ له أوردها في كتابه “تاريخ الحسين” تضمّنت:

فما قرَّ في وجه الظلومِ وما التوى على مِرّة الظُلاَّم أو شدَّة الهوى

أرادوا به ذُلاً فكان جوابُه زئيراً كليثِ الغاب حُفِّز للشَّرى.

سرى جاهداً يستندب الرَّوع بغيةً كأنّ الردى في الذُلِّ والعيشَ في الردى”.

وأضاف: “لا شكَّ أيّها الأحبة في أنَّ النفوسَ الكبيرةَ وحدَها قادرةٌ على حسن اختيارِ أيٍّ من الوجهتَين أوفقُ لانتصارِ الحقِّ، لا وقتيًّا، بل إلى الأبد. ولذلك اختار الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم الهجرة واختار الحسين عليه السلام المواجهة، وكان الخياران من أجل الحقّ وحدِه، فكانت نتيجةُ الهجرة أنِ انتصر أخيرًا الدينُ على الشِرك، انتصارًا ما زالَ يتجدّدُ في حياةِ البشرية حتى اليوم، وكانت نتيجةُ خروج الإمام عليه السلام أن انتصر العدلُ على الظلم والحقُّ على الباطل والدمُ على السيف، انتصارًا ما زال وهّاجًا ملهماً إلى الساعة. هكذا أدّى سفكُ الدم الحسيني الطاهر إلى نتيجة معاكسةٍ لما اشتهى يزيد، فإنَّ مشعل الحق الذي كان بيد السّبطِ ازداد اتّقادًا ولم ينَلْ منه موتٌ ولا ظلم، بل انتقل إلى أيدي الأجيال التي جاءت بعده وسينتقل إلى تلك التي ستأتي بعدنا، حتى يرث الله الأرض وما عليها. وهكذا، بالتضحية والثبات على الفضيلة والإيمان الوطيد بالحق، خرج الحسينُ من ضريحه إلى رحاب الإنسانية، وخرج يزيد من سلطانه الغاشم إلى قبر التاريخ”.

وقال: “وتعرفون أيها الأحبّة أنَّ المجالسَ العاشورائية التي نحييها كلَّ عشيةٍ في الثُلْثِ الأولِ من محرَّم، ومنها هذه العشيّة، تُغنيني عن استعادة تفاصيلِ الألم الحسيني الكربلائي، بمظاهره الجسدية والنفسية، التي لحِقَت بالأهل والصحبِ من شيوخٍ وفتيةٍ وأطفال، ومن رجالٍ ونساء، وبالندوبِ التي حفرتها على وجه التاريخ الإنساني كلِّه لا الإسلامي فقط. لذلك لن أكرَّرَ مشهدياتِ كربلاءَ الساكنةَ في قلوبِنا حتى انقضاء الدهر، بل أكتفي بأن أشير إلى ما أجمع عليه المؤرّخون –والكلام لمحمود عبّاس العقّاد- من أنه “ليس في العالم بأسره أسرةٌ أنجبَت من الشهداء مَن أنجبَتْهم أسرةُ الحسين، عِدَّةً وقُدرةً وذِكرةً، وحسبُه أنه وحده في تاريخ هذه الدنيا الشهيدُ ابنُ الشهيد أخو الشهداء أبو الشهداء في مئات السنين “. لذلك اسمحوا لي أيّها الاحبّة أن أستعيد على مسامعكم شيئًا مما حدث قبل ستةِ أشهرٍ تقريبًا من واقعةِ كربلاء، كي لا أعود إلى أكثرِ من ذلك. ففي رجبَ من السنةِ الستين للهجرة، مات معاوية، بعدما كان قد مارس من المثالب وابتدع في الإسلام من البدع ما يناقضُ كلَّ المعاني الإيمانيةِ التي أتى بها الدين الحنيف، ومن مثالبه وبدعه تعيينُ ابنِه يزيدَ خلفًا له، (ولا أقول خليفةً على المسلمين كما يزعُمون). فالأصلُ في الخلافة ألاّ تكون اغتصابًا، وأن تضمَّ الرئاسةَ والإمامةَ معًا، وما كان لحُكْمِ معاوية ويزيد قبله من هذه الصفاتِ نصيب، وما كان لأحدٍ على مِساحةِ الزمان الطويل أن يجرؤَ على منح أحدٍ منهما لقبَ الإمام، ولن أخوض في الأوّل، أي في معاوية، لكن الكلّ مجمعٌ على أنَّ الثاني هو من هو في الفسقِ والفجور، قبل تسليمِه السلطةَ وبعدها. وفي كل حال، الحادثةُ التي أودُّ أن أستعيدها اليوم رواها ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ”، ومختصرُها أن يزيدَ أراد أن يُنفّذ وصيةَ أبيه بأخذ البَيْعة، ولو قسرًا، من ثلاثةٍ على الأخصّ هم الحسينُ بن عليٍّ عليهما السلام وعبدالله بنُ عمر وعبدالله بن الزبير. فأرسل إلى ابن عمه الوليد بنِ عُتْبَةَ بنِ أبي سفيان، والأخير يومئذٍ الحاكم على المدينة المنورة، يخبره بموت معاوية ويأمره بأخذ البَيْعَة له من هؤلاء الثلاثة. فبعث الوليدُ إلى سيد الشهداء يدعوه إليه. فلما جاء بعد إباءٍ فتردُّدٍ، وصحبُه به مكتنفون، أقرأَهُ الوليدُ كتابَ يزيد، وطلبَ إليه البيعةَ فأجاب الحسينُ عليه السلام: مثلي لا يبايع سرًّا… فإذا خرجتَ إلى الناس ودعَوتَهم إلى البَيْعةِ ودعوتَنا معهم كان الأمرُ واحدًا”. وقد أراد الإمام الحسين عليه السلام بذلك كسبَ بعضِ الوقت، وكذلك معرفةَ موقفِ الناس عند اجتماعهم، وقد يكون أراد أيضاً استغلالَ ذلك الجمع؛ لتعبئتهم لرفض البيعة ليزيد. فقال له الوليد: انصرف على اسم الله؛ حتى تأتينا مع جماعة الناس. فتدخّلَ رأسُ الفتنةِ مروان بن الحكم وكان حاضرًا فقال للوليد: احبسْه فإن بايعَ وإلا ضربْتَ عنقَه. فوثب عند ذلك الحسين عليه السلام وقال: يا ابنَ الزرقاء، أأنتَ تقتلُني أم هو! كذَبْتَ والله ولَؤُمْت. ثم خرج عليه السلام وانصرف الى منزلَه. فقال مروانُ للوليد: عصيتَني! لا والله لا يمكِّنُكَ من نفسِهِ بمثلِها أبدًا. فقال الوليد: ويحَ غيرِكَ يا مروان! إنَّك اخترت لي التي فيها هلاكُ ديني، واللهِ ما أُحِبُّ أنَّ لي ما طلَعَتْ عليه الشمسُ وغَرُبَتْ عنه من مالِ الدُّنيا ومُلْكِها، وأني قتلْتُ حسينًا، سبحان الله! أقتل حسيناً إن قال: لا أبايع!

والله إني ما أظنّ أحداً يلقى اللّهَ يوم القيامة بدم الحسين إلاّ و هو خفيف الميزان، لا ينظر الله إليه، و لا يزكّيه، و له عذاب أليم”.

وقال: “أردتُ أيّها الأحبّة من كلِّ ما تقدم، ومن استشهادي بهذه الحادثة السابقة زمنيًّا لمأساة كربلاء، والمُهيّئةِ لأحداثِها الحمراء، أن أبيِّنَ بعضًا من العِبَرِ والاستنتاجات التي علينا وضعُها نُصْبَ الألم العاشورائي، لا لذكرى الأسى فحسب، بل للتأسّي بها، وإسقاط معانيها على حياتِنا الراهنة، وما نمرُّ به على جميع الصعُد الإيمانية والاجتماعية والوطنيّة. فالنظرُ في الماضي -المؤسِّسِ كما وصفتُه في مطلع كلمتي-، كفيلٌ بأن يكون الموعِظةَ الحسنةَ والقدوةَ والمثال لمعرفة الحاضر وبناءِ المستقبل”.

تابع: “أولى هذه العِبر تتمثلُ في حاصل المقابلة بين الهجرة النبوية والخروج الحسيني. فإنَّ تأمّلَ معاني الحادثتين يُفيدُ بأنَّ النهوضَ إلى نُصرةِ الحقِّ في صراعهِ مع الباطل لا يختلفُ في الرؤيةِ والأهداف، بين حالتي الاشتباك والتربُّص، فهما وجهان من وجوه الصراع ينبغي في كليهما أن تبقى يدُ الحقِّ هي العليا، بحيثُ لا يُعَدُّ الأولُ اعتداءً ولا الثاني تخاذلًا. وهذا بالضّبْطِ ما هو حاصلٌ في الصراع ضدّ الكيان الصهيوني المغتصب: مواجهاتٌ بالاشتباك والأعمال القتالية حيث يلزم، وتربُّصٌ بالعدوِّ يثيرُ مخاوفَه حيث يقتضي، مع التشبّث الدائم بالحقّ وبوسائل الدفاع عنه إلى أن يستعيده أهلُه. انطلاقًا من هذا، لا يكون في موقعِه الصحيح كلُّ كلامٍ يدعو إلى التعرّض لسلاح المقاومة، تحت حجّة أن الأعمال القتالية الكبرى في الجنوب توقّفت منذ العام 2006، فالعدوُّ أيّها الأحبة ما زال عدوًّا يجسِّدُ الباطلَ تجسيدًا واقعيًّا مقزِّزًا، والصراعُ معه ما زال قائمًا، تثبته اعتداءاتُه المتكرّرةُ على بلادنا وحقوقِنا ومصيرِنا، ومؤامراتُه الإرهابيةُ الفِتنويةُ التي يحاولُ نشرَها هنا وهناك، وها هو الرئيسُ الفخري لجامعة الكسليك، الأب الدكتور جورج حبيقة، يؤكّد بالأمس على ما كان قد نبّه اليه قبلاً ميشال شيحا في كتابه عن فلسطين وما جاهر به في السابق المفكّر الصهيوني مائير كاهانا، أكّد الأب الدكتور جورج حبيقة على أنّ اسرائيل سابقاً وراهناً، تعتبر أن لبنان المتنوّع يمثّل الصورةَ النقيضَ لها ومصدرَ ازعاجٍ خطيرٍ لتركيبة كيانها ولذلك عملت وسوف تبقى تعمل على ازالة لبنان من خلال القضاء على الصيغة اللبنانية؛ ونحن بدورنا، كوزارة ثقافة في الجمهورية اللبنانية، أكّدنا على أن مشكلتنا كلبنانيين مع اسرائيل لا تختصر في أنّ الأخيرة تمثّل الباطل الذي اغتصب ارض فلسطين، بل وأيضاً لأنّها تطمع في ارضنا وثرواتنا وتسعى للقضاء على وطننا باعتباره بتنوّعه وعيش المعيّة الذي يمثّل سببه الموجب يشكّل النقيض لعنصريتها ويسقط أخلاقياً ومعنوياً المبرّرات الواهية لاستمرار وجودها في فلسطين الحبيبة، ولهذا ترى اسرائيل أنَّ لا رسوخ لها في هذه المنطقة الاّ بالقضاء على النموذج اللبناني الذي يناقضها لكنها هي التي الى زوال باذن الله طالما بقيت فينا روحٌ حسينية تلهمنا الوعي والثبات وتولّد فينا العزيمة وتقودنا الى النصر الموعود”.

وأضاف: “نعم أيها الاحبّة هذه هي اسرائيل، عدوٌّ متربّصٌ بلبنان، تستهدف هي ومن وراءها التنوّع والوجود المسيحي تحديداً، ولا يظنّن أحدٌ أنّها مجرّد مصادفةٍ، استيلاد كل هذه الازمات في لبنان، والضخ الإعلامي الذي يرمي الى تيئيس المسيحيين وتخويفهم وحضّهم على الهجرة المتزامن مع ضخٍّ لتثبيت النزوح في لبنان، إنّه مشروع اسرائيل ومشروع من يسعى الى ترسيخ وجود اسرائيل، إنّه استنساخٌ لمشروع دين براون وارسال البواخر في السبعينيات لحمل المسيحيين عليها الى بلادٍ أخرى بعد ايهامهم كما اليوم بأنّ النموذج اللبناني ميؤوسٌ منه وبأنّ المكوّن المسلم ينوي ابتلاعهم والغاء حضورهم وبأنّ عليهم أن يعمدوا إمّا الى السعي الى التقسيم تحت عناوين ملطّفة كالفدرلة أو الى الهجرة والتفتيش عن حياةٍ لهم في الغرب. والتصدّي أيّها الاحبّة لمشاريع الشرذمة هذه لا يكون الاّ بالوعي والوحدة الوطنية والموعظة الحسنة والمقاومة الشريفة الأبيّة التي أثبتت في كلّ المناسبات لا سيّما عند الانسحاب الاسرائيلي في العام 2000 وفي مواجهتها البطولية لوحش الإرهاب التكفيري الذي أطلقته يد الشرّ على منطقتنا في السنوات الأخيرة، أثبتت المقاومة حرصها على المكوّن المسيحي في هذه المنطقة من الدنيا وقدّمت الدماء الزكيّة لحفظ بقاءه وحضوره الفاعل وحماية مقدّساته”.

تابع: “أما العبرةُ الثانية فنقرأها في الحادثة التي رواها ابن ُكثير، فقد كان فيها رجلان من أميّة: مروانُ بنُ الحكم الذي حرّضَ على القتل تحريضًا صريحًا مباشرًا، والوليد بنُ عتبة، الذي رفضَ بمال الدنيا وملكِها، أن يكون قاتلًا للحسين إذا لم يبايع، وذلك مخافةَ الحسابِ يومَ القيامة. ومن غيرِ أن أنسى تاريخ التخاصم بين أميّة وهاشم، وما فعله أولئك مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومع آل بيته الأطهار، زمانَ الدعوةِ وبعدَها، من مظالمٍ ليس القتلُ إلا بعضَها؛ ومن غير أن أكون في موقع تبرئة أحدٍ من الأمويين، أستخلصُ من تلك الحادثة أنّ الانتماء إلى الحسين ليس انتماءً جماهيريًّا تأخذُ به طائفةٌ من الناسِ عُصْبةً على هوًى متشابه، أو يأخذ به مذهبٌ فقهيٌّ من مذاهب الإسلام فقط. إنَّ الإنتماء الى الحسين عليه السلام انتماءٌ إلى قضية العدل والحقّ في البشرية كلِّها، فالحسينُ، بفضائله وبطولتِه الأخلاقية، وتضحيتِه بكلِّ شيءٍ من أجل الحقّ، رمزٌ للإنسانية جمعاء، بل عنوانٌ لقيمها الكبرى؛ فلا يصحُّ أنْ نظنَّ أنه لنا دون غيرِنا، وإن كان اتِّباعُنا له مفخرةً وعزًّا. فكم من حسينيٍّ أيّها الأحبّة من بين غيرِ المسلمين وغيرِ الشيعة، وكم من يزيد، بين من قد يكونون، من أشدِّ المتعصّبين لأهلِ البيت. لذلك أقول: فتِّشوا عمّن يحبُّ الحقَّ في كلِّ أمّة تحت السماء ويناضلُ في سبيله حتى الشهادةِ، فهذا منتمٍ إلى الحسين بالضرورة وبحكم الطبيعة، أيًّا كان عِرْقُه ودينُه ومذهبُه، وما قاله الشاعر بولس سلامة في هواة عليٍّ يصحّ في هواة الحسين من كل مذهبٍ وانتماء، على نحوٍ يمكننا أن نستعير من ذلك الشاعر الكبير لنقول بتصرّف:

لا تَقُـل شيعةٌ هواةُ حسينٍ إنَّ كلَّ منصفٍ حسينيا،

هُوَ فخرُ التاريخِ لا فخرَ شعبٍ يَصطَفِيهِ ويَدعِيهِ وَلِـيَّـًا.

وعلى هذه القاعدة الأخلاقية الحسينية، تنبني أيّها الأحبّة معادلاتٌ لا مفرَّ من الاعتراف بها، منها:

• إنْ كنّا ضدّ اسرائيل وما تمثّله من خطرٍ وشرّ فنحن مع الحسين.

• إنْ كنّا مع فلسطين فنحن حتمًا مع الحسين، وإن تخليّنا عن فلسطين نكون قد خرجنا عن منهج الحسين.

• إنْ كنّا متعلّقين بوحدتنا الشيعية ووحدتنا الإسلامية ووحدتنا الوطنية، وبمبدأ عيش المعيّة بين اللبنانيين، فنحن حتماً مع الحسين.

• إنْ كنّا مصرّين على اللقاء بالآخر المختلف والحوارِ معه بمحبةٍ وانفتاح فنحن مع الحسين.

• إن كنا متشبّثين بمصادر قوتنا المادية والنفسية، التي تحمي وجودَنا وبقاءَ وطننا، وفي طليعتها المقاومة، وإنْ كنّا أوفيّاء لشهدائها الأبرار أمينين على تضحياتهم، فنحن مع الحسين.

• إن كنّا مستمسكين بسيادتنا الفعلية على كامل ترابنا ومائنا وثرواتنا وسمائنا، فنحن مع الحسين.

• إنْ كنّا متطلعين لبناء دولةٍ كما يقتضي أن تكون عليه الدولة، دولةٌ لكلّ اللبنانيين تليق بتضحياتهم جميعاً، فنحن مع الحسين.

ومن لم يكن منّا ينظر الى الأمر كذلك، فليس له في الحقِّ وفي سيد الشهداء نصيب”.

وقال: “أما أهمُّ العِبَر التي تستقى من واقعة كربلاء فهي المستمدّة من قولِ الإمام الحسين سيد الشهداء “مثلي لا يبايع مثله”. ولعلّ البعض في لبنان محتاجٌ جدًّا لأن يفهم أنَّ حجم ثباتنا في خياراتنا السياسية، لا سيّما فيما خصّ الإستحقاق الرئاسي، نابعٌ من هذا الموقف الحسيني ومرتبطٌ به أيّما ارتباط، وأنّ لا تراجع لنا عنه لا لشيءٍ الاّ لأنّه ينسجم مع قيمنا وقناعاتنا ومع مقتضيات المرحلة الدقيقة التي يمرُّ بها لبنان والمنطقة فضلاً عن أنّه يحقّق المصلحة العليا لوطننا وللشعب اللبناني.

على ذلك البعض أن يأخذ هذا بعين الإعتبار وأن يتلاقى معنا عبر الحوار بدلًا من التعلُّلِ بشعاراتٍ وخطاباتٍ لا شأن لها إلاّ أن تُرضيَ الخارج وأجندات الخارج. إذ علينا أولًا أن نتحرّر من التبعية وأن نجعل ثانياً الحوار قائدًا للعمل السياسي من أجل صالحِ الناس وخيرهم العام. وليعلم القاضي والداني أن مكائد التقسيم ستسقط، وأن عيش المعيّة سيُحفظ، وأن الوجود المسيحي في لبنان سيُصان، وأننا لن نُعطي البيعةَ رئاسياً الاّ لمن يرضى الناسُ عن تاريخه الناضحِ بتمسكّه بالوحدة الوطنية… لن نختار الاّ المؤمن بانفتاح المسيحيين والمسلمين بعضهم على بعض، الواعي لخطر اسرائيل على الوجود المسيحي في لبنان ومن ثمّ على الصيغة اللبنانية وعلى لبنان الكيان، المتمسّك بقرار حفظ المقاومة باعتبارها الوسيلة المحرّرة للأرض الرادعة للعدو المسقطة لمكائده الشيطانية، الراسخ في ثباته على العروبة وفي انحيازه البطوليّ إلى الحق في صراعه مع الباطل. وفي الخلاصة “فإنَّ مِثلنا لن يبايع الاّ مثل هذا الرئيس” .

وختم: “أيّها الأحبّة، إنّها خواطرُ عبرت، قد تبدو لوهلةٍ ما، من خارج سياقِ هذه الأيام المباركةِ بأحزانِها وتَذكاراتِها ودروسِها، لكنّها بالحقيقة خواطرُ نابعةٌ من عمقِ أعماقِ البطولة الحسيّنية التي اختُتِمت بالشهادة. ولقد أحببتُ أن أشاركَكم إياها، للتفكُّرِ قليلًا في حالِنا ومصيرِنا، ولتجديدِ الوعد والعهد، بأنَّ تضحيات الحسين وأهله وصحبه، ستبقى منائرَ لنا في ديجور هذا العالم، حتى ينتصرَّ الحقُّ فيه انتصارَه الكامل.

ويا سيدي الحسين

السلام عليك يا أبا عبدِالله.

على جرُحٍ طيَّبْتَ به الوجود،

على دمٍ سقى الفضائلَ فأينعَ ثمرُها،

على ميراثِ بطولةٍ، حملتَه كابرًا عن كابر، وسلّمتَه إلى طفلٍ كان أكبرَ من سلطان الظلم القاتل المجرم، وها اليومَ ميراثُك حيٌّ في كلِّ أصقاع الأرض، برغم سيوف القاتلين المجرمين.

السلامُ على كلِّ خُلُقٍ حميدٍ عشتَ في رَيْحانِه، ونشرتَه فينا.

السلامُ على الأرواح التي حلَّت بفِنائك، وأناخَت برَحْلِك واتَّبَعت صِراطَك المستقيم.

السلام عليك يا سيدي ومولاي سلامًا سيظلُّ يتردَّدُ على ألسنةِ محبيك ما بقي الليلُ والنهار.

السلام على علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين،

والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته”.

وفي الختام تلا الشيخ حسن بزي مجلس عزاء حسيني.