عقد الأمين العام لـ”الحزب الشيوعي اللبناني” حنا غريب مؤتمرا صحافيا، ظهر اليوم في مركز الحزب الرئيسي في الوتوات، استعرض خلاله موقف الحزب من أبرز القضايا السياسية والاقتصادية الاجتماعية.
وقال غريب: “يعتمر في صدور اللبنانيين غضب عارم وشعور بالقهر والعذاب نتلمسه في وجوههم وعيونهم وحناجرهم، جراء ما ارتكبته المنظومة السياسية الحاكمة في بلدهم من جرائم سياسية ومالية لم يحصل مثيل لها في أي من بلدان العالم”.
اضاف: “لم تكف انتفاضة شعبنا في 17 تشرين هذه المنظومة الحاكمة كي ترحل مع نظام المحاصصة الطائفية والمذهبية القاتل. كما لم يكفها تفجير المرفأ وسقوط مئات الضحايا وآلاف الجرحى وانتشار الدمار والخراب والفقر والجوع والبطالة والمرض، فتستمر في ارتكاب مسلسل جرائمها: في وقف الادعاءات القضائية التي طاولت بعض المسؤولين لطمس المسؤولية عن جريمة المرفأ، وكأن حقوق مئات الشهداء وآلاف الجرحى ودمار العاصمة لا تعنيها من قريب أو بعيد، في اجهاض التحقيق الجنائي للحؤول دون استرداد الأموال المنهوبة والمهربة في حسابات مصرف لبنان والحسابات المالية للدولة، في تفشيل إصدار قانون ينظم الرقابة على التحويلات المالية ويمنع استمرار الخروقات والاستنسابية في موقف المصارف من هذا الموضوع، في تغاضيها عن تعدد أسعار صرف الليرة اللبنانية حماية لمصالحها التحاصصية المتبادلة عبر مصرف لبنان، في استعدادها الصريح للانقضاض على ما تبقى من موارد وأملاك للدولة بحجة حماية أموال المودعين التي سرقتها، في تحميل اللبنانيين تبعات جائحة كورونا التي كشفت ضعف القطاع الصحي العام بفعل الخصخصة والتغاضي المتواصل عن التكتلات الاحتكارية المتحكمة بالقطاع، لا سيما سوق الدواء ومستلزمات التجهيزات الطبية والاستشفائية، في اتجاهها اليوم نحو رفع الدعم عن السلع الأساسية كالقمح والدواء والمحروقات. إنها المنظومة الحاكمة التي أدخلت البلد في الانهيار، وتأخذه اليوم الى الانفجار، ولا خيار أمام شعبنا لإنقاذ لبنان من خطرها، الا تحويل الانتفاضة الى ثورة وطنية ديمقراطية تطيح هذه المنظومة ونظامها”.
واكد “ان إنقاذ لبنان وخلاصه يتوقفان على كلمة الشعب وموقفه الذي عليه نراهن. فهو الترياق المتبقي، وهو صاحب القرار في لحظة تاريخية هي الأخطر في تاريخ لبنان الذي يتهدد انهيار اقتصاده ونظامه المالي والمصرفي والنقدي بتفكيك المرتكزات الوجودية للمجتمع والكيان. كما أن اللحظة من أخطر اللحظات في تاريخ المنطقة حيث تلوح صيغ على غرار سايكس – بيكو هدفها تفتيت المنطقة وفرض الشروط الاميركية – الصهيونية، ونشر التطبيع والحروب والعقوبات لتصفية القضية الفلسطينية في إطار صفقة القرن”.
وقال: “لقد مهدت المنظومة اللبنانية الحاكمة الطريق أمام المشروع الاميركي والصهيوني الرامي الى إخضاع لبنان، عبر السطو على المال العام والخاص وتعريض الشعب اللبناني لمخاطر الفوضى والمجاعة والهجرة شبه الجماعية على وقع انهيار سعر الليرة الذي سيتفاقم مع وقف دعم أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية. وينبغي النظر الى مجمل هذه المواقف بصفتها تعبر عن رفض هذه المنظومة الحاكمة إعادة ما نهبته وهربته من مدخرات اللبنانيين ومن موجودات عامة، فهي لن تتورع، حفاظا على مصالحها الطبقية ونظامها التحاصصي الطائفي، من تحويل البلد الى محميات طائفية ومذهبية تلاقي عملية التفتيت الجارية في المنطقة في إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. ويندرج في هذا الإطار سعي المنظومة الراهن الى استدراج مزاد عالمي – كدولة مفلسة – بحثا عمن يتبناها من أوصياء الخارج، وفي مقدمهم الاميركي والفرنسي، بعدما عجزت عن تشكيل حكومة بسبب قصورها البنيوي وتفاقم التجاذبات المصلحية الفوقية بين أطرافها وتصاعد التدخلات الخارجية. وهذه المواقف الملتبسة والمشتبه فيها للمنظومة الحاكمة تنسحب أيضا على المقاربة الحكومية لمسألة رفع الدعم عن السلع الاساسية، والتي تعتبر الأخطر من بين كل القضايا الداهمة كونها ستزيد العوز والجوع وتدفع البلاد دفعا نحو الانفجار والفوضى والخضات الأمنية، بما فيها زيادة القمع السلطوي”.
وفي قضية رفع الدعم، قال غريب: “يهم الحزب الشيوعي التأكيد أن المسألة المطروحة راهنا ليست مسألة دعم تمنحه المنظومة الحاكمة إلى الشعب، بل هي مسألة طارئة تخفي تبعات انهيار سعر صرف الليرة الذي تتحمل المنظومة الحاكمة مسؤوليته بصورة مباشرة. فما نشهده في الظاهر من دعم تقدمه الحكومة أو المصرف المركزي لأسعار الدواء والقمح والمحروقات في الوقت الحاضر ليس سوى تعويض مموه عن عجز الدولة عن معالجة الأسباب العميقة للانهيار النقدي الذي تضرب جذوره عميقا في بنية السياسات العامة المتبعة منذ وفادة الحقبة الحريرية وخصوصا منذ إقرار خيار التثبيت النقدي في النصف الأول من التسعينيات. والوجه الآخر لهذا الانهيار النقدي يتمثل في عجز الدولة الفاضح عن التعاطي مع موضوع تدهور القدرة الشرائية للأجور والمداخيل، وعدم تصحيح الرواتب والأجور بالرغم من خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 80% من سعرها تجاه الدولار منذ خريف عام 2019”.
اضاف: “شكلت سياسة الدعم تاريخيا – أي قبل حصول الانهيار النقدي والمالي (عام 2019) – ركنا اساسيا من اركان نظام المحاصصة الطائفية بين أطراف التحالف السلطوي – المالي، وغطاء لنظام الزبائنية والاستتباع الذي تجمع فيه المنظومة الحاكمة كل أشكال الممارسات الهجينة والتسويات الملتبسة التي توسلتها لشراء ولاءات الناس وتوسيع قاعدة علاقاتها الزبائنية، من دون إجراء أي حساب اقتصادي فعلي لتقييم حصيلة المنافع والأعباء المتأتية عن هذه التسويات وتوزعها على الفئات المعنية بها. وهي شملت دعم فوائد خدمة الدين وفوائد القروض الممنوحة للمؤسسات والسكن غير الشعبي، والتعليم الخاص المجاني (الطائفي) واستشفاء فئات من الميسورين على حساب وزارة الصحة وعدد من أصناف الإنتاج الزراعي، بما فيها التبغ الذي يخدم أغراضا سلطوية سياسية بامتياز ولا يحرر المزارعين”.
ورأى “ان الأساس الطبقي والسياسي للدعم كما مارسه التحالف الحاكم تاريخيا هو رجعي من الناحية الضريبية، حيث لا يميز بين الفقير والغني، فيستأثر الميسورون والوسطاء والتجار والمهربون والأجانب المقيمون في لبنان بنسبة 75% من إجمالي قيمة الدعم – عبر فائض الفوائد والهندسات المالية ودعم الاحتكارات وبرامج القروض وتسويات المخالفات على الأملاك العامة البحرية والنهرية والبرية ودعم جمعيات عائلات المتنفذين في السلطة… – بينما لا تنتفع الغالبية الساحقة من الفئات اللبنانية المتوسطة والفقيرة بأكثر من ربع هذه القيمة”.
وقال: “إن الحزب الشيوعي، إذ يحمل القوى الحاكمة تبعات فشل السياسات الرسمية في موضوع الدعم، لا يعتبر نفسه معنيا بالبازار الحسابي الذي تقوم به هذه القوى بارتجاله راهنا حول موضوع “ترشيد” الدعم، سواء في اجتماعات السراي الحكومي أم في الاجتماعات التي تعقد في العديد من الوزارات المعنية. فهذا البازار الذي يتبارى فيه الحاضرون في اللحظة الأخيرة وبصورة عشوائية من أجل إلغاء أو تثبيت أو خفض هذا النوع من الدعم أو ذاك على هذه المواد والخدمات أو تلك، ليس سوى ستار لإلهاء الناس عن الحقيقة المرة المتمثلة في التوجه الصريح نحو تحرير أسعار معظم السلع الاستهلاكية الأساسية في الأجل القصير على إيقاع انهيار سعر العملة الوطنية”.
واكد “ان السياسات العشوائية سواء في موضوع الدعم أو في غيره من المواضيع الحياتية الملحة، لم تعد تنفع، حيث فشل هذا النظام فشلا ذريعا، في معظم، إن لم يكن في جميع سياساته العامة وأوصل البلد والمجتمع الى الخراب. والحاجة باتت ماسة لقيام نظام بديل من خلال حكومة وطنية انتقالية من خارج هذه المنظومة البائسة تتمتع بصلاحيات استثنائية وتشريعية واسعة، ترسي أسس بناء دولة علمانية وطنية وديمقراطية، دولة للعدالة الاجتماعية، تتولى وضع خطة اقتصادية – اجتماعية بديلة تعيد ثقة المواطن بالبلد والدولة والاقتصاد. ومعالجة الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية هي معالجة سياسية قبل كل شيء، وهي أقصر الطرق للشروع في بلورة معالجات جدية ورصينة لمشاكل البلد، بما فيها مشكلة الدعم، من خلال توجهات ترفع لواءها قوى التغيير الديمقراطي. وأبرز هذه التوجهات:
– وضع ضريبة على الثروة لاسترداد الأموال التي أهدرت على تسديد فائض كلفة خدمة الدين، أي فائض معدلات الفائدة (نحو ثلث إجمالي كلفة خدمة الدين خلال ربع قرن أي ما يمثل 27 مليار دولار)، واستعمالها بالأولوية لخلق فرص عمل للفقراء والمتعطلين عن العمل – الذين تضاعف عددهم بسبب الانهيار الاقتصادي وجائحة كورونا – وذلك عبر الاستثمار في مشاريع إصلاح البنية التحتية الأساسية وتطويرها، على أن يترافق مع إنشاء “صندوق عائلي” موقت لدعم الأسر الفقيرة عبر تحويلات نقدية على غرار ما شهدته تجارب ناجحة في بلدان أنشأت مثل هذه الصناديق.
– إقرار وتنفيذ التحقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان من أجل معرفة القيمة الحقيقية لاحتياطي العملات الأجنبية والوضعية الصافية للعلاقة بين البنك المركزي وكل من المصارف ووزارة المال، وكذلك إجراء مثل هذا التحقيق في شتى مؤسسات الدولة.
– إعادة هيكلة الإنفاق العام وزيادة وزن الاستثمارات العامة فيه، وكذلك الإيرادات العامة لاسيما النظام الضريبي الذي ينبغي أن يخضع لتركيبة تصاعدية واضحة المعالم.
– اقرار قانون الكابيتال كونترول لمنع خروج العملات الصعبة الى الخارج إلا في حالات محددة.
– تفكيك الاحتكارات في مجالات النفط والدواء والحبوب والقمح، كجزء لا يتجزأ من المعالجة المتوسطة المدى للمشاكل البنيوية التي تعترض إنتاج الخدمات العامة الأساسية وتوزيعها.
– تصحيح الرواتب والاجور وتدعيم الركنين الأساسيين للحماية الاجتماعية، مشروع التغطية الصحية الشاملة ومشروع النهوض بنوعية التعليم الرسمي، إضافة الى تنفيذ خطط للسكن الشعبي والنقل العام”.
وقال: “لقد تركت أطراف المنظومة مشكلة الدعم تتراكم حتى انفجرت اليوم، ثم جاؤوا لمقاربتها عبر حل ترقيعي في ظرف لا يمكن فيه إيجاد حل فعلي خارج إطار بناء دولة علمانية وطنية وديموقراطية، دولة للعدالة الاجتماعية، مع كل ما تتطلبه من مراسيم تشريعية تتولى الحكومة الانتقالية إصدارها الى جانب الإجراءات التنفيذية اللازمة”.
واعتبر ان “لبنان اليوم مهدد بوجوده ومصيره، ومنظومة المحاصصة الطائفية تربط بقاء نظامها وتبعيته ببقاء لبنان ككيان وكوطن، والكلام عن اختفاء لبنان له أساسه في كل ما يطرح من مشاريع فدرلة ومثالثة في مواجهة مشروعنا المتمسك ببناء دولة علمانية ديموقراطية. فالأزمة شاملة وجذرية ومفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها خطر إعلان لبنان دولة فاشلة، على نحو يجيز وضع هذا البلد تحت وصاية دولية أو يعرضه لخطر العدوان الاميركي – الصهيوني إذا ما أيقنت أن الكيان الصهيوني سينتصر في هذا العدوان. وهذا يعني أن مواجهتنا يجب أن تكون هي أيضا شاملة وجذرية ومفتوحة وذات استراتيجية هادفة لتعديل موازين القوى”.
وقال: “أمام هذه المخاطر نقول إن شعلة الانتفاضة لن تنطفئ، وهي مع اختمارها في وعي شعبنا سوف تتوهج في ثورة عارمة، ندعو لإنضاجها ليس في الشوارع والساحات العامة فحسب، بل في داخل المعامل والمؤسسات الخاصة والمرافق العامة والنقابات العمالية المستقلة وفي المهن الحرة والجامعات، وقد بدأت حركتها الطلابية والشبابية ترسيخ وجودها في الانتخابات وفي التحركات الجماهيرية، ومع موظفي القطاع العام وأساتذته ومعلميه وإدارييه، ومتقاعديه ومتعاقديه في وزارات ومؤسسات الدولة كافة، ولتشمل أيضا الأحياء الشعبية في المدن والبلدات وداخل البلديات وسائر الأطر الاجتماعية والثقافية والأدبية والفنية… تعبيرا عن حالة وعي حاسمة في التغيير بقيادة أوسع تحالف سياسي شعبي واجتماعي، وستحظى هذه الثورة بدعم اللبنانيين الذين دفعوا دفعا للهجرة بحثا عن مأوى وفرصة عمل، وهربا من مشاعر القلق والخوف التي لا ينفك ينتجها النظام الطائفي… ونحن واثقون من أن شعبنا الذي حرر الأرض سوف يستكمل تحرير لبنان من هذا النظام”.
واضاف: “إن تحويل الانتفاضة إلى ثورة شاملة، هدفها إسقاط نظام التبعية والمحاصصة الطائفية وإقامة نظام المواطنة والعدالة الاجتماعية، هو أكثر من ضرورة لمنع المنظومة الفاسدة من أخذ البلد الى الفوضى والصدامات الطائفية، وللحؤول دون تهربها من دفع الثمن عما ألحقته من أضرار بمصالح البلد والشعب، وخصوصا بعماله وفقرائه”.
وختم داعيا الى “تصعيد المواجهة والنزول الى الشارع والساحات العامة والأحياء الشعبية، أمام كل الوزارات والسرايات الحكومية وقصور العدل والمرافق العامة السلطوية وبالتنسيق مع كل قوى التغيير الديموقراطي، تعزيزا لنهج التنسيق في ما بينها، ضمن خطة مفتوحة ومتصاعدة تدريجيا، وابتداع أشكال وأساليب جديدة في المواجهة تحوز الدعم والتأييد الشعبيين. فمعا لإستكمال أسس المواجهة وإنضاجها، ولبناء أوسع ائتلاف وطني يحمل مشروعا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا للإنقاذ والتغيير الديموقراطي، إلى جانب التصدي للضغوط الأميركية والصهيونية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من هذه المواجهة المفتوحة والشاملة”.