أشار الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف الى ان “المصارف طالبت الدولة بإلحاح بتحمّل مسؤولياتها تجاه أموال المصارف والمودعين، لكن الدولة ما زالت حتى اليوم تتهرّب من هذه المسؤولية، محاولة تحميلها للمصارف بإلقاء اللوم عليها في لعبة تقاذف المسؤوليات بين السياسيين، فأضحى التهجّم على المصارف أداة للشعبوية أكثر من أي شيء آخر”.
وقال في افتتاحية التقرير الشهري لجمعية المصارف: “بالنسبة إلى مشاريع القوانين، أكان مشروع إعادة الانتظام المالي أم إعادة هيكلة المصارف، أصبح لدى المصارف قناعة واضحة بأن التركيز يتجّه نحو شطب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، وبالتالي تحميل المصارف والمودعين مسؤولية الفجوة المالية التي تواجهها البلاد اليوم. إن الفجوة المالية أتت نتيجة “أزمة نظامية” تسبّب بها الفساد المستشري وسوء الإدارة في القطاع العام. أزمة نظامية أرخت بظلالها بشكل كبير على القطاع الخاص وتحديدًا على القطاع المصرفي وعلى المودعين. على هذا الأساس وحده يجب أن تُبنى الحلول وليس على أي أسسٍ أخرى”.
ولفت الى ان” من الناحية القضائية تعرّض القطاع المصرفي لقرارات تعسفية، عبر الادعاء جزافاً بتهمة تبييض الأموال على عدد من المصارف بسبب عدم منحها معلومات مصرفية بمفعول رجعي خلافاً للقانون”. وقال: “من المؤسف انه بالإضافة إلى الناحية التعسفية لهذا الادعاء، يكمن الأذى البالغ الذي يلحقه هكذا ادعاء بعلاقة المصارف اللبنانية بالمصارف المراسلة، مما يهدّد مصالح المودعين والاقتصاد الوطني عمومًا. وحده مجلس شورى الدولة نطق بالحق، إذ قبل “بالشكل” الدعوى المقدمة من جمعية المصارف ضد الدولة لمنعها من استملاك أموال المودعين مع مفعول رجعي. وقد ورد في متن قرار الشورى توصيف دقيق للواقع، عندما تحدث بوضوح لا لبس فيه، عن “قيام الدولة اللبنانية بمصادرة ودائع المصارف لدى مصرف لبنان والتصرف بها وتملّكها”. إن هذا القرار يعتبر انتصاراً للمودعين وللمصارف على حد سواء. على أمل أن يستكمل مجلس الشورى قراره بقبول “أساس الدعوى” لتعود للمودعين وللمصارف حقوقهم”.
وأشار الى أن “المصارف تعرضت من الناحية الأمنية، لهجمات شرسة”، قائلا: “تم إحراق العديد من الفروع وتدمير صرَّافاتها الآلية. تعرض موظفو المصارف للتهديد والاعتداء الجسدي. في ظل هذه الظروف الصعبة نسمع بشكل متكرّر عن محاولات لإصدار تراخيص لمصارف جديدة في لبنان. لقد قام حاكم مصرف لبنان بنفي هذه الأخبار، لكن المصارف رغم ذلك تشعر بالقلق الشديد من أن تتفاقم الضغوط القادمة في هذا الاتجاه، فتقضي على أي إمكانية لاستمرارية المصارف الحالية وعلى أي أمل باستعادة الودائع”.
ورأى “في ما يتعلق بالدعاوى الحالية التي تقام ضد المصارف في الخارج، أن من الواضح أن قلة من كبار المودعين المقيمين في الخارج هم من يقدمون هذه الدعاوى ضد المصارف، بما يؤدّي إلى جفاف سيولتها التي يفترض أن توزع على جميع المودعين بالتساوي وفقًا للتعميم الرقم 158”. واعتبر أن “ما يحدث يمكن تصنيفه على أنه قمة الاستنسابية وضرب للمساواة بين المودعين”.
وفي ما يتعلق بكيفية تبديد 51 مليار دولار من أموال المودعين بعد 17 تشرين الأول 2019، قال خلف: ” انخفضت التسليفات للقطاع الخاص من 38 مليار دولار إلى حوالي 9 مليار دولار. وهذا يعني أنه تم تسديد 29 مليار دولار من أموال المودعين إما بالليرة أو بالدولار المحلي. لقد تم ذلك بسبب عدم اتخاذ الدولة للخطوات اللازمة لحماية أموال المودعين. هذا التأخير أدّى إلى تغيير جذري في النظام الاقتصادي اللبناني وحوَّلَه إلى نظام أشبه بالأنظمة التي تنادي بإعادة توزيع الثروات، حيث أصبح مقترضو الأمس، أثرياء اليوم، وذلك على حساب المودعين. بالإضافة إلى ذلك، تم استخدام حوالي 22 مليار دولار منذ بدء الأزمة من الاحتياطي الإلزامي لتمويل المحروقات والأدوية والطحين، ولتلبية احتياجات الدولة من العملات الأجنبية، ولدفع رواتب القطاع العام، وللتدخل لدعم الليرة اللبنانية من خلال منصة صيرفة، وغيرها من الأغراض غير المعتادة. وهنا يجب التذكير وبشدّة، أن هذا الاحتياطي هو مخصص حصرياً لحماية الودائع وحق للمودعين، لا يشاركهم فيه أحد. ولكن، ورغم الاعتراضات المتكررة للمصارف، تم تحويل جزء كبير من هذا الاحتياطي إلى أغراض غير تلك المخصّصة لها، بدلاً من إعادته إلى المودعين، وهم وحدهم أصحاب الحق”.
اضاف:” في ما يخصّ ودائع المصارف لدى مصرف لبنان، صرّح سعادة حاكم مصرف لبنان، وخلال لقاءات تلفزيونية عدة، بأن مصرف لبنان أعاد للمصارف كامل إيداعاتها لديه، لا بل أنه حول لها مليارات من الدولارات زيادة على ما أودعته في المركزي. من الطبيعي أن تفضي هذه التصاريح إلى بلبلة في أوساط عدّة معنية مباشرة بهذا الموضوع، أولها المصارف والمودعين، وقد أدّى ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى ذيول تواجهها المصارف منذ فترة”.
وقال:” يواجه القطاع المصرفي فترة انتقالية حرجة وسط فراغات في المراكز الدستورية والإدارية وتأجيل الحلول. لقد حان الوقت للتعامل مع الأسباب بالتزامن مع معالجة النتائج. يجب أن تترافق إعادة هيكلة المصارف مع القضاء على الفساد والمحسوبيات في القطاع العام على جميع المستويات ومن دون استثناء، بحيث لا يتم تبديد ما تبقى من أموال المودعين، ولا تُبنى الخطط على باطلٍ فتعود وتسقط من جديد”.
وختم: “لا يموت حق وراءه مُطالب”. للمودعين حقوق وللمصارف حقوق وكلاهما يطالبان بها. على الدولة أن تحزم أمرها وتتحمل مسؤولياتها ، لأن رمي الدولة ومصرف لبنان مسؤوليتهما المشتركة في ضياع أموال الناس على المصارف لن يؤدّي إلا إلى مزيد من الخراب وضياع الأمل” .