كتبت صحيفة “الجمهورية”: يستمر الجمود سيّد الموقف على جبهة الاستحقاق الرئاسي، في غياب اي معطيات جديدة عن الحراك الفرنسي، بعد جولة الموفد الرئاسي جان ايف لودريان الاخيرة، او عن المجموعة الخماسية العربية الدولية المهتمة بالملف اللبناني، وما يمكن ان يكون لديها من خطوات. وقال مصدر مسؤول لـ”الجمهورية”، انّه لا يستبعد ان يطول هذا الجمود الى أمد غير معلوم، لأنّ الانقسام السياسي الداخلي يتعمّق يومياً، حتى ولو انسحب جميع المرشحين المطروحين من السباق الرئاسي، لانّ خلفية مواقف بعض الأفرقاء معطوفة على معطيات خارجية معينة، تتخطّى الاستحقاق الرئاسي، لتراهن على تطورات وأحداث اقليمية ودولية يمكن ان تعدّل ميزان القوى الداخلي لمصلحتهم.
نبّهت مصادر واسعة الاطلاع عبر “الجمهورية”، الى انّ تداعيات الشغور الرئاسي آخذة في التمدّد من مكان إلى آخر في جسم الدولة المترهّل، لافتة إلى انّ “موس” الأزمة وصل الى “ذقن” حاكمية مصرف لبنان والمجلس العسكري في الجيش اللبناني، وهما مجالان حساسان جداً على مستوى التوازن الوطني.
واشارت هذه المصادر، إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أصبح مقتنعاً بأنّ لا مفرّ من أن يتسلّم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري صلاحيات الحاكم رياض سلامة بعد انتهاء ولايته في أواخر تموز، “لكن بري يعرف في الوقت نفسه انّ المسؤولية ثقيلة، وانّ المطلوب وجود حاكم أصيل لا يزال تعيينه متعذراً في ظل عدم انتخاب رئيس الجمهورية حتى الآن”.
وحذّرت المصادر من انّ الشغور يقضم تباعاً مقاعد المجلس العسكري الذي قد يفقد النصاب قريباً، موضحة انّ مقاطعة وزير الدفاع لمجلس الوزراء تحول دون تعيين البدائل، لانّه هو المعني باقتراح الاسماء لعضوية المجلس العسكري.
وكشفت المصادر، انّ هناك تخوفاً لدى بعض الاوساط السياسية من الانعكاسات التي قد تترتب على انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون في كانون الثاني المقبل، اذا لم يتمّ انتخاب رئيس الجمهورية حتى ذلك الحين، “وهذا الاحتمال وارد في حال أصرّت القوى السياسية على عدم النزول عن الشجرة”. واوضحت أن لا رئيس لأركان الجيش حالياً، وبالتالي لا يمكن له أن يحلّ مكان قائد الجيش اذا تقاعد قبل انتخاب الرئيس، ما يعني انّ العميد الأعلى رتبة في المؤسسة العسكرية هو الذي سيتولّى المهمّة بالإنابة، “لكن يبدو انّ هناك بين الجهات السياسية من قد لا يكون مرتاحاً الى هذا الخيار”.
وكان خَرَق الجمود السياسي امس لقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، إلّا انّه لم يرشح عنه اي معطيات في ظل تكهنات عن انّه تناول آخر التطورات المتعلقة بأوضاع لبنان واستحقاقاته، وبموضوع القضم الاسرائيلي للجزء اللبناني الشمالي من بلدة الغجر الحدودية.
ميقاتي
وفي مقابل تراجع الملف الرئاسي بدافع الجمود الذي اصابه بانتظار الخطوة التالية للموفد الفرنسي، تقدّم ملفا التدقيق الجنائي ومشروع قانون الموازنة الذي يحضر اليوم في جلسة صباحية، يرأسها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السرايا الحكومية في حضور وزير المال ونائب رئيس الحكومة والوفد المكلّف درسها.
واكّدت اوساط السرايا لـ”الجمهورية” انّ اجتماع اليوم سيحدّد الوقت الذي يحتاجه فريق وزارة المال لإنجاز الموازنة قبل طباعتها وتوزيعها على الوزراء لوضع ملاحظاتهم عليها.
واستبعدت مصادر حكومية عبر “الجمهورية” ان يدعو ميقاتي الى جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع، او حتى الاسبوع المقبل، لانّ المشكلة الاساسية التي تعترض الموزانة، هي تحديد سعر الصرف. ونفت المصادر الكلام عن انّ رئيس الحكومة يتجنّب حالياً الدعوة الى جلسة بسبب تهديد “التيار الوطني الحر” بشن حملة كبيرة عليه وعلى جلسات الحكومة. واكّدت انّ من الأساس لا موعد دورياً محدّداً للجلسات، انما عند توفر بنود طارئة تستدعي عقد الجلسة تحصل الدعوة، وحتى الآن وفي الجلسة الاخيرة، جرى بت عدد من البنود المستعجلة والى الآن لا جدول اعمال طارئاً، ولن يتردّد ميقاتي في الدعوة الى جلسة عند الحاجة. اما في ما خصّ الموازنة فستحدّد مناقشات اجتماع اليوم مسارها، بحسب المصادر، وعند الانتهاء منها سيدعو ميقاتي الى جلسات متتالية لمناقشتها واقرارها. علماً انّ العقبة الاساسية التي تجعل مسودة الموازنة تتطلب مزيداً من الوقت هو تحديد سعر الصرف الذي على اساسه ستُبنى ارقام الموازنة ومواءمته مع الإيرادات المتوقعة.…
وحول الحملة على الحكومة على خلفية ملف التعيينات وما يتصل بشأن مصرف لبنان ونواب الحاكم، اكّدت اوساط السرايا لـ”لجمهورية”، انّ كل الاتهامات التي توجّه الى رئيس الحكومة هي اتهامات سياسية مغرضة. والمفارقة ـ بحسب هذه الاوساط، “انّ الطرف الذي ينسب نفسه للمعارضة ومن خلال صحيفة معارضة، يشن الحملة نفسها التي ترد من فريق ممانع عبر صحيفة ممانعة، وكأنّ هناك اوركسترا تدير الحملة وتوزع المواقف لذرّ الرماد في العيون ولاستدراج جبهة مسيحية ضدّ الحكومة”. واكّدت المصادر “انّ هذا المخطط سيفشل. وكل كلمة ستواجه بكلمة وحملات التشويه والتضليل سيتمّ التصدّي لها بسلسلة مواقف ستتوالى، لأنّ البعض يحاول رمي المشكلة في السرايا بينما هي في فشلهم بانتخاب رئيس”…
ورفضت اوساط السرايا التعليق على مسودة التقرير الاولي الجنائي لشركة “الفاريز ومارسال”، لانّ التقرير لم تتسلّمه رئاسة الحكومة بعد. وهذا الامر سيُعرض في اجتماع اليوم. وكل الكلام حوله هو كلام سياسي.
مراوحة
وكان ميقاتي تحدث أمس في افتتاح مؤتمر “الاقتصاد الاغترابي الثالث” في فندق فينيسيا، فأشار الى “ازمة الشغور الرئاسي المستمر منذ أشهر من دون ظهور بشائر حل، بعدما تمترست الاطراف الداخلية المعنية خلف مواقف لا تقبل التراجع عنها، وبعدما دخلت الوساطات الخارجية ايضاً في دائرة المراوحة حتى اشعار آخر”.
وقال: “إنّ الحكومة ليست مسؤولة عن الفراغ الرئاسي وعن الحروب السياسية المتجددة بين المكونات السياسية، وليست هي من يمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية. الفريق الذي يتمترس خلف حفاظ مزعوم على صلاحيات رئيس الجمهورية، هو نفسه من مارس التعطيل لسنوات ويتمادى في رفع التهمة المثبتة عليه بإلصاقها بالآخرين، وبالسعي المستمر لتعطيل عمل الحكومة والتصويب على قراراتها. في المقابل ثمة من تستهويه وضعية “المعارضة” فيصوّب على عمل الحكومة لكسب شعبية مزعومة، وكأنّ البلد يتحمّل مزيداً من الجدل والسجالات العقيمة”. وتوجّه الى “المعترضين” قائلاً: “انتخبوا رئيساً جديداً بأسرع وقت فتنتفي كل الاشكالات المفتعلة. ارحموا الناس واوقفوا افتعال تشنجات وسجالات لا طائل منها”.
مواقف
وفي المواقف السياسية، قال تكتل “الجمهورية القوية”، بعد اجتماع له عبر تطبيق “زوم” برئاسة رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع: “إنّ أي دعوة إلى الحوار حول الملفات الأساسية، واستطراداً أي تلبية لهذه الدعوة، هو فعل تنصّل علني من المؤسسات ودورها من جهة، وتحديداً مجلس النواب المناط به انتخاب الرئيس، كما هو أيضاً تنصّل علني من ثيقة الوفاق الوطني من جهة أخرى، في حين أنّ الحلول للمسائل الخلافية التي اتفق عليها جميع اللبنانيين، ومن بينها السلاح والقرار السيادي، منصوص عنها في شكل واضح في اتفاق الطائف”.
وأشار إلى انّ “الحوار الذي تريده الممانعة لا يهدف إلّا إلى الإنقلاب على الطائف ونسف الدستور اللبناني، بما يعاكس النظام والانتظام العام، كترسيخ الثلث المعطّل لفئة معينة، والتوقيع الثالث، ومصادرة القرار الاستراتيجي للدولة بما يناقض جوهر ومندرجات اتفاق الطائف”.
“حركة أمل” و”التقدمي”
وفي هذه الأثناء التقى رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” النائب تيمور جنبلاط وفداً من “حركة أمل” قدّم له التهنئة باسم بري والحركة بتوليه رئاسة الحزب، و”كانت مناسبة تمّ فيها التأكيد على العلاقة المتينة بين الطرفين واستمرار التواصل والتعاون في مختلف المجالات وبذل الجهود المشتركة على المستوى الوطني لتعزيز الحوار والتقارب والتوصل الى التوافقات المطلوبة لإتمام الاستحقاقات الدستورية وأولها انتخاب رئيس للجمهورية، وفق بيان لـ”التقدمي”. واشار الى انّ حنبلاط وجّه “التحية الى الرئيس بري على دوره الوطني، وعلى مساعيه”، مؤكّداً “استمرار هذه العلاقة فوق كل الظروف”.
نواب في المانيا
والتقى وفد من نواب المعارضة ضمّ: فؤاد مخزومي، غسان حاصباني، الياس حنكش، أديب عبد المسيح، بلال الحشيمي، وضاح الصادق، وراجي السعد، والمستشارة السياسية للنائب مخزومي كارول زوين، وزير الدولة الألمانية لشؤون الخارجية توبياس لنتنر، في حضور مسؤولة مكتب سوريا في الخارجية الألمانية. وأفاد بيان لمكتب مخزومي أنّ “هذه الزيارة تأتي في إطار مبادرة مخزومي لنقل صوت المعارضة ومن تمثل إلى المجتمع الدولي، ومنها قضية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الإصلاحات الاقتصادية والسياسية، إضافة إلى ملف النزوح السوري في لبنان”.
عون يتحدث
وفي جديد مواقف الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون، أُعلن امس عن مقابلة خاصة معه ستُبث عند الثامنة والنصف من مساء اليوم الأربعاء عبر شاشة “OTV” يتطرّق فيها الى التطورات الراهنة، ولا سيما منها العلاقة مع “حزب الله” والمواقف المعلنة من الاستحقاق الرئاسي وقضايا مختلفة تتعلق بالعلاقة بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله على خلفية الحديث عن تجميد العمل بتفاهم “مار مخايل”.
قضية سلامة
من جهة ثانية، وفي جديد قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، أعلن وزير العدل في حكومة تصريف الاعمال هنري خوري، في بيان لمكتبه الاعلامي أمس “موافقة القضاء الفرنسي على الطلبات التي قدّمها المحاميان الفرنسيان ايمانويل داوود وجان كلود بوفيه، اللذان كلّفتهما الدولة اللبنانية إلقاء الحجز على الأموال والممتلكات العائدة لحاكم مصرف لينان رياض سلامة ورفاقه رجا سلامة ماريان حويك وآنا كوزاكوفا لمصلحة الدولة اللبنانية”.
وكانت محكمة الاستئناف في باريس أيّدت امس قرار الحجز على أموال حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة للاشتباه بأنّه حصل عليها بطرق غير مشروعة، بحسب ما أفادت مصادر مطّلعة على القضية وكالة “فرانس برس”.
وأوضحت المصادر، أنّ غرفة التحقيق في المحكمة أصدرت قراراً أكّدت فيه قانونية عمليات الحجز التي تمّت على أصول عقارية ومصرفية يملكها في فرنسا وأنحاء أخرى من أوروبا سلامة، الذي يدير مصرف لبنان منذ 1993.
وصدر الحكم بناءً على مراجعة قدّمها وكلاء الدفاع عن سلامة أمام محكمة الاستئناف، للطعن بعمليات حجز قامت بها فرنسا على أصول وممتلكات لموكّلهم تقدّر قيمتها بعشرات الملايين من اليورو، وتشمل شققاً في مناطق راقية من العاصمة كالدائرة السادسة عشرة وجادة الشانزيليزيه، وأخرى في بريطانيا وبلجيكا، وحسابات مصرفية. ويُشتبه في أنّ سلامة البالغ 72 عاماً استحصل على هذه الأملاك والأصول بواسطة عمليات مالية معقّدة واختلاس مبالغ كبيرة من الأموال العامّة في لبنان، حيث يتولّى حاكمية المصرف المركزي منذ ثلاثة عقود وتربطه علاقة وثيقة بالطبقة السياسية.
وهذه القضية مدار تحقيقات في دول أوروبية عدة، بالإضافة إلى تحقيقات في لبنان نفسه.
وسارع إلى التعليق على حكم محكمة الاستئناف المحاميان وليام بوردون وفينسان برينغارث، ممثّلا منظمة “شيربا” غير الحكومية لمكافحة الجريمة المالية و”تجمّع ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان” التي أسّسها مودعون في المصارف اللبنانية تضرّروا من تبعات الأزمة المالية التي يشهدها لبنان منذ 2019. وقال المحاميان في بيان، إنّ هذا الحكم “يفتّت أكثر فأكثر” حجج وكلاء الدفاع عن سلامة و”يثبّت” الاتهامات الموجّهة إليه. وأضاف البيان، أنّ هذا الحكم “يمثّل تقدّماً أكيداً” في المسار القضائي الجاري ضدّ سلامة.
وبحسب مصادر مطّلعة على الملف، فقد طلبت النيابة العامة تأكيد عمليات الحجز هذه، لأنّها تخشى في حال رُفع الحجز أن تُحرم فرنسا من “أيّ مجال للمصادرة” في حال دان القضاء سلامة يوماً ما.
وأوضح أحد المعنيين بالملف، أنّ المصادرة هي “عصب” المواجهة مع سلامة، بينما رأى مصدر آخر أنّ “استهداف رصيد” سلامة من الممتلكات والأصول يُعدّ “الخطوة الأساسية الملموسة الممكنة في هذا الملف” في ظل رفض لبنان تسليم مواطنيه المطلوبين للعدالة من دول أجنبية ويطلب محاكمتهم على أراضيه.
قضية القرنة السوداء
وفي ظلّ غياب اي موقف عسكري او قضائي عن نتائج التحقيقات الجارية في أحداث منطقة القرنة السوداء، والتي انتهت الى مقتل شابين من آل طوق من بشري، أُعلن بعد ظهر أمس عن زيارة لوزير العدل هنري الخوري يقوم بها للقاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، لإطلاعه على ما سُمّي “معطيات جديدة في ملف جريمة القرنة السوداء”.
وفي ردّ نادر في توقيته وشكله ومضمونه، أشار مجلس القضاء الأعلى في بيان رسمي له عصر أمس، اراده ان يكون “تعقيباً على ما ورد في بعض الكلمات والمواقف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حول الجريمة التي وقعت في منطقة القرنة السوداء”، فكشف عن “قرارات قضائية عدّة صدرت عن قاضي الأمور المستعجلة في بشري، والقاضي العقاري في محافظة لبنان الشمالي، تتعلّق بالمنطقة العقارية المتنازع عليها، جرى إبلاغها من الأفرقاء ومن المراجع الرسمية، كما تمّ إنفاذها على أرض الواقع”.
واضاف: “على أثر وقوع الجريمة المذكورة، بادرت قاضي التحقيق الأول في الشمال للانتقال الى مكان وقوع الجريمة، وذلك بهدف إجراء التحقيقات اللازمة، التي هي قيد المتابعة، توصّلاً الى معرفة الجناة وتحديد المسؤوليات وترتيبها”.
وختم: “انطلاقاً مما تقدّم، وتأسيساً عليه، فانّه لا وجود بتاتاً لأي تلكؤٍ أو تخاذلٍ يُنسب الى القضاء والقضاة، الذين قاموا ويقومون بواجباتهم، بالرّغم من التطاول وكل الضغوط والتهديدات التي يتعرّضون لها، مع التأكيد أنّ القضاء يبقى السلطة الوحيدة التي يُركن إليها لتحقيق العدالة والوصول الى الحقيقة”.