كتبت “النهار” تقول: في واحد من أشد الملفات إثارة للاستفزاز لدى شرائح واسعة من اللبنانيين، عبثت الديبلوماسية السلطوية قبل ساعات في حفرة الممالأة للنظام السوري بل والتواطؤ معه والتبعية لفريق الممانعة ففجرت عاصفة في وجهها حجبت كل التطورات الأخرى المتصلة بالمشهد الداخلي. ذلك أن قرار امتناع لبنان عن التصويت في الأمم المتحدة إلى جانب قرار تشكيل هيئة مستقلة لجلاء مصير المفقودين في سوريا بدا بمثابة تنكّر كامل لقرارات لبنانية رسمية متخذة سابقاً في ملف المعتقلين والموقوفين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية بما يضرب صدقية السلطة والحكومة اللبنانية و#وزارة الخارجية ويكشف حالة الانصياع التام لديها جميعاً لفريق الممانعة المتحالف مع #النظام السوري.
ولم يكن أسوأ من الامتناع عن القرار الذي صوتت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة سوى التبريرات والذرائع التي راحت وزارة الخارجية تسوقها في إطار ردودها على انفجار عاصفة الإدانات والسخط حيال التهرب الرسمي من تحمل المسؤولية في دعم تشكيل الهيئة المستقلة للمفقودين في سوريا. إذ إن المسوغات الرسمية حاولت التلطي وراء امتناع الدول العربية عن التصويت على هذا القرار فيما المعلوم ان لبنان وحده من دون سائر الدول العربية فقد آلاف اللبنانيين في السجون السورية منذ عقود في ملف هو الأكثر توهجاً ولم تجرؤ السلطات اللبنانية يوماً على ملاحقة النظام السوري في تبعاته ومحاولة جلاء مصير المفقودين والمخطوفين والمعتقلين الذين مات منهم تحت الأسر والتعذيب عدد يصعب حصره.
وإذ يتوقع أن تكبر كرة الثلج المتصلة بهذه القضية الطارئة يبدو واضحاً أن الحكومة صمت آذانها عن الضجيج الواسع الذي فجره الموقف اللبناني الرسمي المتهرب من التصويت وترك لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب التساجل مع رافضي النهج الديبلوماسي هذا الذي من شأنه أن يفاقم المناخات السلبية في البلد.
ومن أبرز ما سجل في الأصداء الساخطة للتهرب اللبناني الرسمي من التصويت على قرار الأمم المتحدة تحميل جمعية المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية “رئيس مجلس الوزراء والمجلس مجتمعاً بمن فيهم هذا اللاوطني وزير الخارجية كامل المسؤولية جراء إعلانه امتناع لبنان الرسمي عن التصويت لصالح المعتقلين والمخفيين قسراً من اللبنانيين والسوريين في السجون السورية”.
وقالت الجمعية: “أفلا يخجل ممّا سيقوله التاريخ عنه وعن هذه الحكومة اللاوطنية التي تعمل لصالح قاتل ومجرم حرب وسفاح لعنه الله لعنة أبدية. نحن جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية ندين هذا الموقف الشنيع بحق رفاقنا الـ622 المعتقلين قسراً في سجون الأسد وسنبقى مع من يساعدنا ويساندنا الدرع المنيع في وجه هذه الحكومة الفاسدة حتى تحرير رفاقنا الأحياء واستلام رفات من توفوا منهم، وإنّنا في المناسبة وتبعاً للموقف الأرعن واللامسؤول لوزير تبرّأ من مسؤولياته ودوره وصلاحياته وحسه الوطني، فإنّنا ندعوه للاستقالة فوراً من منصبه والاعتذار أولاً من ذوي المعتقلين والمخفيين قسراً في سجون الأسد وثانياً من كافة اللبنانيين لما يعانون من تنصيب أزلام بعض السياسيين الذين تبوأوا مناصبهم على غفلة من هذا الزمن الرديء”.
أما في الأصداء السياسية فاتسعت بيانات الاستنكار وكان من أبرزها اعتبار رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أنه “أمر مخز جداً أن تمتنع الحكومة اللبنانية عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قضى بإنشاء مؤسّسة مستقلّة من أجل جلاء مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً من الحرب” وأضاف، “من غير المفهوم، الدافع الذي منع السلطة اللبنانية من تأييد هكذا قرار، وهو الذي يشمل العمل على كشف مصير سيادة المطرانين يوحنا إبراهيم وبولس يازجي والصحافي اللبناني سمير كسّاب. إنّ قرار الأمم المتحدة، ليس موجّهاً ضد أيّ طرف، ولا يُحمّل مسؤوليّة الخطف أو الإخفاء لأيّ جهّة بعينها، بل ينطلق بسياق مستقلّ بحثاً عن مصير كلّ المفقودين، وبالتالي ومن الناحية السياسية يُعدّ توجّه الحكومة غير مقبول البتّة”.
ولفت جعجع إلى أنه، “من الناحية المبدئية، إنّ خطوة الحكومة تُشكّل وصمة عار لكونها تُناقض شرعة حقوق الإنسان الذي يُعدّ لبنان أحد أبرز المساهمين في إرسائها، أمّا من الناحية الوطنية، فكان الأولى من الحكومة اللبنانية، لا أن تؤيّد فقط قرار الأمم المتحدة، بل أن تطلب ضمّ الملف اللبناني إلى نطاق اختصاصها، للعمل على كشف مصير مئات اللبنانيين المخطوفين والمعتقلين في السجون السورية منذ العام 1975 حتّى اليوم”. وأكّد أنّ، “الموقف الذي أعلنه وزير الخارجية اللبناني غير متّزن وغير مقبول بأيّ شكل من الأشكال، فهل يوافقه عليه الفريق السياسي الذي يُمثّله أيّ التيار الوطني الحر؟ وقرار الحكومة عار ما بعده عار، وهو لا يُمثّل لا الشعب اللبناني ولا صورة لبنان، بل فقط بعض المصالح الضيّقة لبعض المرتهنين على حساب الدولة والشعب اللبناني وعائلات اللبنانيين المفقودين أو المخفيين قسرا في سوريا”. وختم بالقول: “بئس هكذا حكومة وسخطاً على هكذا ديبلوماسية”.
ومن المواقف النيابية غرّد النائب وضاح صادق عبر حسابه على “تويتر”: “في لبنان لجنة رسمية تضم قاضيين وممثلاً عن وزارة الدفاع وآخر عن وزارة الداخلية، مهمتها معالجة قضية اللبنانيين المعتقلين في سوريا، وفي لبنان حكومة تكلف وزير خارجيتها بالامتناع عن التصويت على قرار إنشاء المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا. هذا هو الانفصام الذي يعيشه اللبنانيون منذ إحكام فريق الممانعة سيطرته على القرار في البلد وإخضاع الحكومة لقرارته، هذا تحديداً ما نواجهه اليوم وهو في صميم معركة استعادة الدولة وتحريرها من خاطفيها”. وأضاف: “مصير المعتقلين والمفقودين قضية أخلاقية إنسانية قبل أيّ شيء آخر، من غير المقبول على لبنان، كأحد واضعي شرعة حقوق الإنسان أن يحيّد نفسه عنها تحت أي ظرف من الظروف”.
ردّ الخارجية
وأصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً تبريرياً لقرارها فقالت: “بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي، أوعزت وزارة الخارجية والمغتربين لمندوبية لبنان الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار حول المفقودين في سوريا الذي طرح على الجمعية العامة للأمم المتحدة، تماشياً مع شبه الاجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بإمتياز، وانسجاماً مع سياسة عدم الإنجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحل قضية المفقودين اللبنانيين التي تشكل جرحاً نازفاً وألماً مستداماً لأهاليهم. كما يتمسك لبنان بحل هذه القضية وقضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا، والأطراف العربية والدولية المعنية، علماً أن تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيُقَوض عمل اللجنة الوزارية العربية المشارك فيها لبنان والساعية لحل المشاكل مع سوريا. كذلك يُجدد لبنان احترامه وتمسكه بتطبيق كافة القرارات الشرعية الدولية المُطبق منها والقرارات العديدة التي لم تُطبق أيضا لأنها جميعها تُشكل مظلة حماية للسلم والأمن الاقليميين والدوليين”.
وقال بوحبيب في حديث تلفزيوني أنه “يشعر مع كل أهالي المفقودين”، موضحاً أنّ “لبنان دائماً يتقيد بقرارات الأمم المتحدة” وأضاف “نحن مستعدون للتعاون مع الآلية التي سيقرها بيان الأمم المتحدة” معتبراً أنّ “الأمور بحاجة إلى هدوء والمصلحة اللبنانية شاملة”
وأضاف: “ما بدنا نكسر الجرة مع حدا ولو صوتنا أو لم نصوت لن تتغير النتيجة”. كما شدد على أنّ “وجود 2 مليون لاجئ سوري يهدد لبنان”، لافتاً الى أنّ “قضية المفقودين سيتم بحثها في المستقبل مع سوريا”.
كلمة مندوبة لبنان
وكانت المندوبة الدائمة بالوكالة في بعثة لبنان الدائمة في الامم المتحدة المستشارة جان مراد، ألقت كلمة لبنان خلال جلسة التصويت على “مشروع القرار الخاص بإنشاء آلية جديدة للمفقودين في الجمهورية العربية السورية” والذي تمنع لبنان عن التصويت عليه، وأقر بموافقة 83 دولة، ورفض 11 دولة ومقاطعة 62 دولة وحرصت خلالها على التذكير بقضية عائلات المفقودين اللبنانيين ومما قالت:
“اسمحوا لي من منبركم هذا أن أوجه تحية من القلب لكافة عوائل المفقودين في لبنان، هذا الملف الذي لا يزال جرحاً نازفاً في ذاكرة الوطن الجماعية. فلبنان صاحب التجربة الأمر في ملف مفقودي الحروب والنزاعات التي مزقت أوصاله وشتت أبناءه، لا تغيب عن جدار عاصمته بيروت ومعارضها صور كافة المفقودين توثيقاً لمسار أربعة عقود تخللها البحث المضني عن أحبة بلا اضرحة من العام 1982 من هذا المنبر رسالة إلى الأمهات والزوجات والعوائل أن لبنان لم يمتنع عن هذه القضية الحق ولم ينأ بنفسه عن معاناة الأهالي، لا بل يؤكد لبنان التزامه وتمسكه بكشف مصير المفقودين اللبنانيين في الحرب الأهلية ومعالجة هذا الجرح النازف منذ أربعين عاماً، والذي يشكل استمراره ألماً مستداماً في ضمير الوطن، وحرقة في قلوب الأهالي. وفقط للتذكير، لبنان الحريص على كافة ابنائه لم يأل جهداً ضمن صفقة تبادل على استعادة كافة المحتجزين اللبنانيين الأحياء في السجون الاسرائيلية أو تسلم رفاة من توفى منهم”.
أضافت: “صوت لبنان اليوم بالامتناع على هذه الآلية التي لم يتضح من خلال مشروع القرار هذا ماهيتها والإطار المرجعي لها. لبنان امتنع عن استخدام هذا الملف الجلل مطية لتصفية حسابات سياسية يضيع معها البند الاساس ويتبدد معها الجوهر أو الدافع الانساني الرئيسي البحت الذي نتمنى أن يسير هذه المبادرة”.
ورأت مراد أنه “ما من آلية أممية للبحث عن المفقودين ممكن أن تثبت نجاعتها من دون أن تتحول إلى هيئة وطنية بالتعاون والحوار والتشاور والتنسيق الوثيق مع الحكومة السورية، إذا كانت هذه الالية المطلوب إنشاؤها اليوم تهدف أن تكون الرافعة في تقديم العون والمساعدة والحفاظ على الزخم اللازم من أجل إبقاء هذا الملف حياً لإيصاله إلى خواتيمه المنشودة ومعه تهدئة نفوس الأمهات الثكلى فان ذلك لا يمكن ان يتحقق من دون تحويل هذه الآلية إلى وطنية وبالحوار والشراكة مع الحكومة السورية وتحت مظلة ومراقبة الأمم المتحدة “.