Les actualités les plus importantes et les plus récentes du monde en français

الراعي في عيد مار يوحنا: لبنان يتفكك بسبب عناد بعض السياسيين ومصالحهم الشخصية والفئوية

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس تكريم القديس مار يوحنا المعمدان في ذكرى مولده في دير مار يوحنا المعمدان – حراش، عاونه فيه المطرانان حنا علوان وبولس روحانا، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، ومشاركة الرئيسة العامة لراهبات مار يوحنا الأم صوفي آصاف والراهبات وعدد من الكهنة.

بعد الإنحيل المقدس القى الراعي عظة بعنوان:”اسمه يوحنا” قال فيها: “يوحنا هو الإسم الذي أعلنه الملاك لزكريا. اللفظة بالعبرية يهو-حنان تعني الله رحوم. في الواقع تجلت رحمة الله لزكريا وإليصابات العجوزين بإعطائهما ولد قال عنه الرب يسوع: لم يولد مثله في مواليد النساء (لو 7: 28). كما تجلت في حل عقدة لسان زكريا حالما كتب على لوحة اسمه زكريا. وتجلت للشعب لأن الله افقتقده (لو 1: 78). أجل رحمة الله وأمانته لرحمته، تدوم لألف جيل (خروج 34: 6). ما يعني أنهما تستمران رغم خيانة الناس والقصاص الذي تستوجبه خطاياهم. فهو يقول عنه بولس الرسول، غني بالرحمة (أفسس 2: 4)، حتى أنه بذل ابنه الوحيد مائتا على الصليب ليحررنا من الخطيئة. وشهد موسى في العهد أن الرب يهوه، إله رحوم شفوق، بطيء للغضب، وغني بالنعمة والأمانة (خروج 34: 6). يسعدنا أن نحتفل معكم بهذه الليتورجيا الإلهية، تكريما للقديس يوحنا المعمدان، في ذكرى مولده، وهو شفيع هذا الدير التاريخي المبارك، مع الأخوات الراهبات حاملات اسمه. فنقدم التهاني لحضرة الرئيسة العامة ومجلسها وجمهور الراهبات. ونعرب عن تمنياتنا كي يبقى هذا الدير زاهرا، ومركز إشعاع روحي. فهو يرقى في تأسيسه على يد البطريرك حبيب العاقوري إلى سنة 1643، وفيه سكن المطران عبدالله قراعلي، عندما كان مطران بيروت. فساعد الراهبات المحصنات وسهر على شؤونهن، وسن لهن قانونا طغى عليه الطابع النسكي، وشكل دستورا لسائر أديار الراهبات المستقلة. وأرسلت بعض راهبات هذا الدير إلى أديار الراهبات المماثلة لتدريب جمهورها على هذا القانون. فكانت حياتهن موزعة بين صلاة وعمل في هذا الدير المستقل، المحافظ على تقاليد أديارنا. مثل هذه الأديار كنز لكنيستنا وللبنان. ويعنيناا جدا أن يبقى كذلك. فصلوات الراهبات ومثل حياتهن يجلب النفوس إلى واحته. ويرضي الله فيفيض نعمه وبركاته. أجل، مثل هذه الأديار المصلية حاجة للكنيسة وللمجتمع”.

وتابع: “رحمة الله تنبع من محبته، وقد كشفها لنا ابنه الوحيد المتجسد لخلاصنا. فيسوع بمحبته ورحمته على الخطأة، تقرب منهم، أكل على مائدتهم وأعلن أنه أتى ليدعو الخطأة لا الأبرار (مر 2: 17)، وأعرب عن الفرح في السماء لخاطئ واحد يتوب (لو 15: 7). وبلغت محبته الرحوم إلى ذبيحة ذاته على الصليب لمغفرة الخطايا (متى 26: 28). وكشف عمق رحمة الله بمثل الإبن الشاطر (لو 15: 11-24).العالم يحتاج إلى رحمة، لكي يتمكن الناس من أن يتصالحوا من كل القلب، ويتبادلوا الغفران عن الإساءات، ويعيشوا فرح المصالحة وسعادتها؛ ولكي يمارس المسؤولون العدالة والإنصاف، ولكي نعطف كلنا على الفقراء والمعوزين. الرحمة تنفي الظلم والاستكبار. الرحمة تلطف العدالة، وإلا أصبحت العدالة ظلما بدونها. الإنسان من دون محبة ورحمة يفقد إنسانيته، ويصبح وحشا لأخيه الإنسان: يستغل ضعفه وحاجته ليكسب مال الحرام بالسرقة والرشوة والتلاعب بالأسعار وفرض المال من دون وجه حق لقاء خدمات عامة أو خاصة؛ يستقوي عليه ويمارس العنف والإرهاب والتعدي على سلامته وحياته؛ ويحجم عن مد يد المساعدة له في حاجته.

تعالوا نتعلم من مدرسة المسيح في ذبيحة القداس: فقد قدم ذاته لمحبة الآب ذبيحة كاملة من أجل خلاص الجنس البشري، إنها ذروة الرحمة وثمرتها. الرحوم وحده يضحي من ذاته ومن قلبه ويده. ولهذا ردد الرب يسوع بلسان هوشع النبي: “أريد رحمة لا ذبيحة” (متى 9: 13؛ 12: 7)”.

وتوجه الى الراهبات: “لبنان بحاجة إلى صلواتكن وتقشفاتكن وكل أنواع عملكن. وها أنتن حاليا في صدد تحديث قوانينكن. فليكن جوهرها المحافظة على روحانية وتقاليد هذا الدير المبارك. احملن في صلواتكن لبنان وشعبه في هذا الظرف الدقيق: فلبنان كدولة يتفكك بسبب عناد بعض السياسيين ومصالحهم الشخصية والفئوية، فصلين من أجل انتخاب رئيس للجمهورية بعد حوالي ثمانية أشهر من الفراغ. وعملية الإنتخاب سهلة للغاية، إذا سلك المجلس النيابي الطريق المؤدي إليه، فهو سهل ومستقيم أعني بتطبيق الدستور الذي ينص على أن “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية” (المقدمة). صلين من أجل شعب لبنان الذي يفتقر يوما بعد يوم بسبب السياسيين الذين يهملون كل قدرات البلاد وإمكاناتها؛ وهم أنفسهم مسؤولون وحدهم عن إفقار شعب لبنان وإذلاله وتهجيره من وطنه وتجويعه”.

وختم الراعي: “أجل تعالوا نصلي معا، فوحده الله، إله كل خير وسيد التاريخ وحده، سائلينه أن يحمي وطننا وشعبنا ويحرك ضمائر السياسيين والنافذين والمعرقلين، بشفاعة القديس يوحنا المعمدان الداعي دائما إلى التوبة وتغيير طريقة التصرف في حياة كل إنسان. ومعا نرفع المجد والتسبيح لرحمة الله علينا وعلى العالم، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

 

الاخت اصاف

وكانت الام آصاف القت كلمة في بداية القداس رحبت فيها بالراعي وقالت: “فما إن وقع صوتُ سلامكِ في أذنيَّ حتى ارتكض الجنين ابتهاجًا في بطني” (لوقا 1: 44)، هذا ما هتفت به أليصابات بأعلى صوتها عند سماعها سلام مريم، المباركة بين النساء والحاملة في صمت قلبها وفي عمق أحشائها حاوي الخليقة ومحييها يسوع المسيح.

التمست أليصابات رحمة الله العظيمة فدخلت الفرح المسيحاني الآنيّ؛ جمعت بهتافها أنين الأجيال الغابرة المنتظرة الخلاص ويقين إيمان الأجيال العابرة والآتية، فنادت بقوّة الصوت الصارخ المرتكض ابتهاجًا في أحشائها “من أين لي أن تأتيني أمُّ ربّي؟” (لوقا 1: 43).

واليوم، إنّ دير مار يوحنا المعمدان – حراش، يرتكض فرحًا وابتهاجًا، بمؤسّسيه وبراهباته اللواتي عبرن هذه الحياة واللواتي ما زلن يجاهدن بالالتزام الرهباني الأصيل، باستقبال أبينا صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، الذي يحمل في طيّات نبرات صوته بحّة صوت يوحنا المعمدان الصارخ في بريّة هذا العالم والمنادي بالحقّ والتوبة والاستقامة في العبادة، بطريركنا الذي لا خوف يقوى عليه ولا محاباة تطاله ولا إهانة تطفئ شعلة تعاليمه المستقيمة”.

أضافت: “لطالما نشّأتم راهباتنا آنفًا بعظاتكم المستدامة وبحضوركم الوقور، وأثركم الجليل طُبعَ وما زال يُطبع دائمًا في قلوبنا وفي حنايا ديرنا الحبيب. هذا هو اليوم الأحَبّ على قلبنا في تاريخنا، فما إن سمعنا وطأة قدمكم في حرم ديرنا وما إن رأينا غَفَرَ مُحيّاكم يُطلّ علينا، حتّى عَمَّ الفرح جماعتنا الرهبانيّة. فلا كلمة تعبّر عن مدى امتناننا لحضوركم الأبويّ والرسوليّ بيننا، ولا فعل يوفي عمقَ تقديرنا لزيارتكم؛ فالصلاة لغتنا والطاعة لغبطتكم ميزتُنا”.

وتابعت: “رهبانيّتنا التي أسّسها البطريرك يوسف العاقوري سنة 1642، والتي فيما بعد وضع قوانينها الرهبانيّة المطران عبدالله قراعلي سنة 1725، تحمل الروحانيّة الرهبانيّة المارونيّة المبنيّة على روح النسك المتجذّر بالاتحاد بالله، والمترجَم بعيش المحبة الأخويّة وبعمل الخير. ومدرستنا المؤسّسة منذ سنة 1964 هي خير دليل على انفتاحنا على االعمل التربوي الهادف إلى التثقيف العلمي والمسيحي لأجيالنا. ونحن اليوم، وبعد نيل بركتكم والتقيّد بتوجيهاتكم يا صاحب الغبطة، بدأنا ورشة تحديث قوانيننا الرهبانيّة بمعاونة حضرة القاضي الخوري اسطفان الخوري المحترم مشكورًا على جهوده، مستشفّين أصالة تقاليدنا بلغة عصرنا الحالي”.

وختمت الام آصاف: “كاسم يوحنا المعمدان الذي يحمل حنان الله، اسمكم يا صاحب الغبطة يحمل البشارة السارة بالرب يسوع، بشارة الراعي، الراعي الصالح الذي ما إن يضرب عصاه في الأرض حتى تتجمّع الرعية حوله هو الذي لا ينفكّ يُعنى بأبنائه بحنان الله. فنحن بناتكم نثق ببشارتكم الراعية ونلتمس من غبطتكم البركة الأبويّة والرسوليّة، ونقدّم لكم صدق خضوعنا وعمق احترامنا”.