لاقت زيارة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري الى السرايا الحكومية ترحيباً كبيراً في صفوف قواعد تيار المستقبل والطائفة السنية في لحظة سياسية صعبة من خلال المواجهة المفتوحة بين التيار الأزرق والتيار الوطني الحر وما يدور بينهما من خلافات وتباعد في الرؤيا حيال التأليف المتعثر للحكومة.
ويقول مرجع ان اكثر الاسماء التي طرحت اخيراً وحل بعضها في توليفة الحريري كانت أشبه بـ”بالونات اعلامية واسماء سيكون مصيرها الاحتراق”. وعلى وقع كل هذا الضجيج والكباش الطائفي من هنا وهناك يكون القضاء اول الخاسرين على حلبة السياسيين وتدخلاتهم. وثمة من يتحدث ان القاضية غادة عون الى مجموعة من قضاة اخرين يعملون وفق اجندات سياسية تخدم التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل.
وتلقف رئيس الحكومة المكلف الادعاء الذي أصدره المحقق العدلي القاضي فادي صوان ضد الرئيس حسان دياب. ولم يكن أحد يتوقع ان يجتمع الحريري ودياب في هذا التوقيت حيث وجه رسالة مباشرة الى الرئيس ميشال عون مفادها: حذار المس باتفاق الطائف فضلاً عن قوله لكل من يهمه الأمر بأن لا قوة سياسية او غيرها تستطيع النيل من موقع رئيس الحكومة اياً كان من يشغلها.
وكان الرئيس نجيب ميقاتي اول المبادرين الى التحذير من هذه المناخات فصوب بالمباشر نحو عون بأنه “لا تستقيم العدالة بمكيالين” مع رفضه الشديد ان يكون دياب “فشة خلق” لتكر بعده سبحة الاعتراضات السنية من سياسيين ورجال دين.
ويرفض كل من يدور في فلك الحريري القول بأن الرد الذي يقومون به ليس من باب الدفاع عن الطائفة السنية بل هو حماية للدستور والنظام السياسي في البلد. وأن ما حصل شكل استباحة للدستور. ويحمل البعض ما وصل اليه المسار القضائي حيال تفجير المرفأ الى رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود. ولا يتم التفهم بسهولة بيان مجلس القضاء الذي اعلن دعمه لصوان حيث لم يخل من تعليمات رئاسة الجمهورية بحسب جهات لا تلتقي مع مقارباتها. وان المسار القضائي القائم اليوم يعمل باستنسابية واضحة بدليل ان القائمين على فتح هذه الملفات القضائية لم يقتربوا من ملفات وزراء في “التيار الوطني الحر” شغلوا على مدار سنوات عدة حقيبتي الطاقة والاتصالات “وهل من أحد يقدم على التطرق الى وزارة الخارجية ايضا”.
وادى ادعاء صوان على دياب وثلاثة وزراء الى التغطية في اليومين الاخيرين على تقدم هذا الملف على رحلة تشكيل الحكومة ولا سيما بعد تقديم الحريري توليفته الوزارية. ويذكّر فريق الحريري هنا عون الذي يحمل سيف الإصلاحات والمحاسبة ومحاربة الفاسدين بأنه عليه ان لا يتصرف وكأنه ما زال في العام 1989. وأن ما أقدم عليه صوان اخيراً حيال دياب قدّم هدية كبيرة للحريري ولا يستطيع نائب سني ان يعارضه على موقفه هذا حيال الحفاظ على دور الرئاسة الثالثة. وثمة من يرى في المشهد القضائي ولا سيما من طرف الذين لا يلتقون مع رئيس الجمهورية بأن استمراره على هذا المنوال لن يترك له صديقاً سياسياً ولا يستطيع حليفه حزب الله الاستمرار في تغطية النهج العوني.
ولم يكن من المستغرب ان يسارع الحزب الى الاعتراض على ما فعله صوان حيال دياب او بالأحرى حيال موقع رئاسة الحكومة.
في غضون ما يحصل، فان المشهد السياسي القائم سيؤدي الى المزيد من التصعيد على هذا المنوال الى حين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في العامين المقبلين، والمطلوب من بكركي والعقلاء في الطائفة المسيحية ان يسارعوا الى تدارك الامر ورفع الصوت امام مسلسل الانهيارات التي تهدد ما تبقى من البلد “ولا سيما في مؤسسات القضاء”.
في المقابل لن يستسلم العونيون امام “ضربات الحريري لهم”، وهم يرددون في حلقة قيادتهم الضيقة، “اذا أراد الرئيس المكلف استغلال الوضع في البلد وعدم التعاون مع شريكه في تأليف الحكومة وتقديمه رسائل لواشنطن وغيرها فليتحمل مسؤولية ما يقترفه. واذا ظن اننا سنستسلم فما عليه الا ان ينتظر طويلاً”.