كتبت صحيفة “الجمهورية”: من اليوم ستتجه الانظار الى القمة العربية التي ستنعقد يوم الجمعة المقبل في جدة، والتي يتوقع ان يكون من بين نتائجها في الشق المتعلق بلبنان، إطلاق العد العكسي لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في موعد أقصاه 15 حزيران المقبل، وهو الموعد الذي حدده رئيس مجلس النواب نبيه بري لِحضّ الافرقاء السياسيين من كتل نيابية وقوى سياسية على الاسراع في انتخاب رئيس جديد في ضوء التطورات الايجابية المتسارعة في المنطقة نتيجة الاتفاق السعودي ـ الايراني والسعودي ـ السوري. ويرى المراقبون انّ على هؤلاء الافرقاء ان يلاقوا نتائج هذه القمة بالتوافق على رئيس جمهورية جديد او انجاز هذا الاستحقاق بمنافسة ديموقراطية بين مرشحين او اكثر اذا اقتضى الامر. ولذلك، فإنّ الكرة هي في ملعب المعارضة التي تتحرك بمختلف مكوناتها للاتفاق على مرشح ينافس رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي يدعم «الثنائي الشيعي» مع حلفائه ترشيحه.
تظهر المواقف انّ التباعد ما زال كبيراً بين مكونات المعارضة، ما يعوق إمكانية اتفاقها على مرشح موحد، فمرشحها النائب ميشال معوض أطلّ تلفزيونياً مساء امس وأعلن: «لن أسحب ترشيحي رسميا قبل أن يذهب هذا الترشيح الى مرشّح جامع لقوى المعارضة سيادي إصلاحي، وأتحدّى بري أن يدعو غداً الى جلسة لانتخاب رئيس».
وقالت مصادر مواكبة للاستحقاق الرئاسي ان كلام معوض بعدم سحب ترشحه قبل اتفاق المعارضة على اسم بديل «يدلّ على مدى التخبط داخل صفوفها، اذ ان كلامه هذا هو موجّه الى حلفائه قبل خصومه».
وينقل عن اوساط في المعارضة قولها انه لم يتم التواصل مع معوض حتى اللحظة لمفاتحته في امر سحب ترشيحه، وان المعنيين يتعاملون مع ترشيحه على انه في حكم المنتهي، ولكن كلامه يكشف مدى صعوبة اتفاق المعارضة على مرشح بديل، اذ ان تتعدد الرؤوس المارونية فيها يعوق مثل هذا الاتفاق.
وعلمت «الجمهورية» ان هذا الامر يثير استياء جنبلاط مثلما استاء قبله السفير السعودي وليد البخاري، والذي يعبر عن هذا الاستياء في مجالسه.
وتوقفت مصادر داعمة لترشيح فرنجية عند تحدي معوض رئيس المجلس النيابي نبيه بري لدعوة الى جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، وسألت: «هل نسي معوض كلام رئيس حزب القوات اللبنانية الدتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل اللذين هددا بتعطيل نصاب الجلسة التي يمكن انتخاب فرنجية خلالها؟».
الى ذلك نُقل عن جعجع انه يعتبر بأن السعودية ليست مسهّلة لانتخاب رئيس فحسب وانما مسهّلة لانتخاب فرنجية بالتحديد. الامر الذي جعله في موقع المُربك والمرتبك، خصوصا ان ليس مؤكداً لديه ان رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل يريد ترشيح الوزير السابق جهاد ازعور الذي يتردد انّ المعارضة قد تجمع عليه.
ومن هنا يأتي تريّث «القوات اللبنانية» في دعم ازعور، لأنها تخشى من باسيل وتتوقّع ان يذهب الى التفاهم مع «حزب الله» في ضوء التطورات الجارية في المنطقة. ولا يجب ان يُنسى في هذا السياق ما قاله باسيل في اطلالته الاعلامية الاخيرة من ان هناك خطاً انتصر «وانهم اذا وافقوا على اللامركزية الادارية الموسعة والصندوق الائتماني» فإنه لن يناقش في اسم الرئيس.
ولذلك يبدو جعجع مُربكاً بسبب ضيق الخيارات لديه بعدما تفاجأ بالموقف السعودي الذي لم يكن يتوقعه. كذلك فإنه لا يرى أن الموقف الاميركي يمكن ان يبنى عليه للمواجهة، اذ ان الاميركي لا يهمه سوى تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بالتنسيق معه قبل حلول موعد نهاية ولاية الحاكم الحالي رياض سلامة. كما ان جعجع لا يعوّل على موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لأنّ الاخير بطبيعته لا يعاكس التسويات الكبرى وتداعياتها الداخلية، وحتى الخارجية.
ومن جهة اخرى ثمة من يعتبر انّ جعجع والجميل ذهبا بعيداً في ردة فعلهما على موقف المملكة العربية السعودية الرافض استمرار الفراغ في سدة الرئاسة ويستعجل انجاز الاستحقاق الرئاسي بالتوافق على رئيس او بمنافسة ديموقراطية بين مرشحين، فهناك كلام عن استياء سعودي نتيجة ما قاله الاول في حق الرئيس السوري بشار الاسد لحظة وجود وزير الخارجية السعودية الامير فيصل بن فرحان في دمشق. اما الجميّل فقد استخف بالموقف السعودي وعكسَ عدم اهتمامه به بعد سؤاله عن زيارة فرنجية الأخيرة للبخاري في اليرزة.
اما بالنسبة الى ما يتعلق بترشيح أزعور فقد فتحت امكانية الاتفاق عليه كتاب «الابراء المستحيل» واستحالة تبنّي باسيل لترشيحه لأنه يُعاكس ما طرحه تكتله عبر هذا الكتاب، كَون ازعور كان جزءاً من سياسة الحريرية السياسية.
كذلك توقف المراقبون عند امكانية دعم جعجع لأزعور واصفين موقفه ان حصل بمثابة تراجع تدريجي كبير يعكس عدم تمتّعه بالقدرة على القراءة الإستراتيجية كزعيم ماروني كبير. فبعد ان كان يُحضّر لترشّحه للرئاسة بعد الانتخابات النيابية انتقل الى طرح «رئيس سيادي»، وجاء اليوم ليتبنى مرشح باسيل ويخسر تحالفه الاستراتيجي مع السعودية التي تلعب دورا مهما في رسم سياسة المنطقة للعقود المقبلة.
اما عن ترشيح الدكتور صلاح حنين، فتقول المصادر المطلعة لـ«الجمهورية» ان هذا الامر يبدو معقدا جدا في اعتبار ان باسيل لا يرغب، كما تقول أوساطه، بـ»تسليم البلد الى جنبلاط وجعجع، وبالتالي لا يريد استفزاز «حزب الله».
اضف الى ذلك، انّ كل هذه الترشيحات لا تتفق مع القدرة على جذب النواب «التغييرين» الذين لا يريدون تأييد ايّ من المرشحين ذوي الارتباط بالمنظومة القديمة، باستثناء الوزير السابق زياد بارود الذي يقبلون به، لكن جعجع يرفضه لاعتبارات تتصل بقُربه من باسيل والرئيس ميشال عون، الا ان المصادر المطلعة تعتبر «انّ بارود لا يخالف التوجهات الفرنسية مهما غَلت المغريات».
على انّ المصادر نفسها ترى ان ترشيح فرنجية يسير ايجاباً على وقع المنطقة التي ستتوج حركتها بالقمة العربية التي ستشهد حضور حليفه الشخصي الرئيس بشار الاسد، ما يمكن تفسيره على ان الموقف السعودي مرشح للتقدم خطوات اخرى في اتجاه دعم ترشيحه، ما يعكس توجّهاً عاماً لأن يكون الرئيس المقبل على قاعدة تطبيق أجندة المنطقة المرسومة للمقبل من السنين.
دينامية متجددة
وفي مقابل كل هذه التطورات والمعطيات قالت اوساط سياسية مطلعة ومواكبة للاستحقاق الرئاسي لـ«الجمهورية» انّ هذا الاستحقاق تحرّك مجدداً بعد فترة جمود دامت من خمسة الى ستة اشهر، وتحديداً بعد وقف الجلسات الانتخابية التي لم تخرج بأي نتيجة عملية. ولاحظت هذه الاوساط انّ هناك دينامية متجددة داخلية وخارجية كأنها تستند الى انّ الافق الذي أوصَل الاستحقاق الرئاسي الى الاستعصاء كان مسدوداً، وبالتالي بدأ البحث الخارجي والداخلي عن مخارج محتملة للخروج من عنق الزجاجة الرئاسية، ومن الواضح ان هناك حركة تشهدها ساحة الاستحقاق الرئاسي على ثلاث مستويات اساسية:
ـ المستوى الاول: حركة ناشطة لمجموعة الدول الخمسة المعنية بالاستحقاق الرئاسي (الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر). وبالتالي، هناك اجتماعات غير معلنة واجتماعات كواليسية وحركة لسفراء وحركة خارجية وحركة اجتماعات. وبالتالي هناك حركة ناشطة على هذا المستوى. وفي هذا السياق هناك من يقول انه بعد ان وصلت المبادرة الفرنسية الى ما وصلت اليه، فإنّ هناك توجّهاً الى أن تكون الانتخابات الرئاسية في لبنان نتيجة لمساعٍ عربية مباشرة وكأن القمة العربية ستكون هي الفيصل حيث انه ما بعد هذه القمة سيتم التفرغ للاستحقاق الرئاسي في لبنان وتكون الانتخابات الرئاسية هي نتيجة مباشرة لنتائج هذه القمة. وبالتالي، الانظار تتجه نحو القمة العربية وما يمكن ان ينتج منها وتحديدا من جهة رسم خريطة طريق رئاسية جديدة.
– المستوى الثاني: يتعلق بالمعارضة التي عاوَدت اجتماعاتها ولقاءاتها في محاولة للخروج من الجمود الذي دخلت فيه منذ فترة سعياً الى توحيد صفوفها التي لم تتمكّن من توحيدها في المرحلة السابقة.
– المستوى الثالث: هو التنسيق بين القوى المعارضة و«التيار الوطني الحر» بهدف الوصول الى ما يزيد عن النصف زائداً واحداً من اجل الوصول الى رئيس مع وقف التنفيذ، وهذا الرقم الذي لم تتمكن من تحقيقه المعارضة ولا فريق الموالاة، كما ان لا فريق 14 ولا 8 آذار تمكّنا من تحقيقه في زمن الشغور السابق. وبالتالي، يمكن القول ان ما تحقق حتى الآن هو كسر الحواجز بين المعارضة والتيار ولكن لا يمكن الكلام عن مؤشرات عملية في هذا السياق، وجُل ما يمكن قوله ان هناك دينامية متجددة خارجية داخلية وانتظاراً لنتائج القمة العربية.
محطتان تتصلان بالاستحقاق الرئاسي
الى ذلك، قالت المصادر الديبلوماسية والسياسية، التي تواكب الحركة الجارية لترتيب اللمسات الاخيرة على بعض الخطوات الخاصة بأسماء المرشحين للرئاسة ولا سيما التوافق على مرشح المعارضة لخَوض السباق الرئاسي في مواجهة مرشح الثنائي الشيعي وحلفائه، انّ «الكَربجة» الداخلية دفعت الى انتظار محطتين اقليميتين لا بد من انتظار نتائجها وما يمكن ان تؤدي إليه، وهما:
– الاولى تتصل بالتحضيرات الجارية للقمة العربية المقررة في 19 ايار الجاري حيث من المقرر ان يحضر الملف اللبناني على طاولة القمة وفي مجموعة من اللقاءات المنتظرة على اكثر من مستوى، خصوصاً انه سيكون من بين المدعوين وزراء خارجية اكثر من ضيف اوروبي ومن بينهم مَن هم معنيون بالإستحقاق اللبناني مباشرة وهم على علاقة مع المشاركين العرب والخليجيين بلقاء «باريس الخماسي».
– الثانية، تنتظر زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى باريس في 2 حزيران المقبل حيث من المقرر ان يلتقي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وسيكون الاستحقاق الرئاسي على جدول أعمال اللقاء، بالإضافة الى قضايا مختلفة يتقدمها ملف النازحين السوريين والعلاقات اللبنانية – الفرنسية ومجموعة البرامج التي تنفذها باريس في أكثر من قطاع اجتماعي وانساني واقتصادي وتشجيع المشاريع الصغيرة.
وقالت المصادر إن كان الاستحقاق الأول داهماً واكثر تأثيراً في إنضاج بعض المخارج المطروحة للاستحقاق الرئاسي فإنّ الموعد الثاني قد يكون ترجمة عملية للتفاهمات التي سبقته، ويمكن ان تكون قد انتهت إلى أكثر من خطوة يسعى اليها الديبلوماسيون الناشطون على الساحة اللبنانية ولا سيما حراك السفير السعودي الذي يشجع على ضرورة إطلاق مسار تسمية المرشح الثاني تمهيداً لتحديد جلسة انتخابية للرئيس يتواجَه فيها المرشحون بطريقة جدية.
لقاء باسيل ـ صفا
وعلى الساحة الداخلية تترقب الأوساط السياسية، لا سيما تلك التي تواكب الاستحقاق الرئاسي، اللقاء المنتظَر غداً بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا، وسط أكثر من رهان على النتائج المرتقبة منه.
وقالت مصادر قريبة من «التيار الوطني الحر» لـ«الجمهورية» انّ التيار تبلّغ برغبة الحزب بزيارة صفا بُغية تبادل الآراء حول ما حققته المشاورات الاخيرة، لا سيما منها تلك المتصلة بالاستحقاق الرئاسي، وهو يحمل مجموعة من الاسئلة والأجوبة تجاه ما انتهت إليه الوساطات الخارجية لا سيما منها الإقتراحات السعودية التي حملها السفير البخاري في الأيام الأخيرة الماضية.
ولفتت المصادر الى انه سيكون من الطبيعي ان يتناول اللقاء، بالإضافة الى الاستحقاق الرئاسي، ملفات ادارية ومالية تتعلق ببعض القرارات المطروحة على الساحة الحكومية لا سيما منها مصير حاكمية مصرف لبنان والإقتراحات المتبادلة في شأن تسمية حاكم جديد وآلية التعيين، خصوصا انّ موقف «حزب الله» الأخير الذي عبّر عنه أمينه العام السيد حسن نصرالله يُمكن، في حال أيّدَته القوى الاخرى وتأثّر به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل غيره، أن يطوي موضوع مشروع تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي الى وقت لاحق سيكون رهناً بانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.