ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم وحنا علوان، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان _حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور مدير عام وزارة الزراعة لويس لحود على رأس وفد من أركان الوزارة وعدد من المعنيين في القطاع الزراعي ، قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، رابطة البترون الإنمائية والثقافية ، لجنة التعليم المسيحي للشباب في راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية، وحشد من الفعاليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة بعنوان:””هوذا الزارع خرج ليزرع” ( مر 4: 3 )، قال فيها: “بهذا المثل يدل الرب يسوع إلى أنه هو الزارع الذي أتى عالمنا ليزرع كلمة الله في القلوب فتثمر روحانية وأخلاقية وثقافة وحضارة. وسلم الكنيسة رسالة زرع كلام الله كرازة وتعليما قبيل صعوده إلى السماء: كما أرسلني أبي أرسلكم أنا أيضا. أمضوا الآن وتلمذوا كل الأمم … وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم جميع الأيام إلى إنتهاء العالم” (متى 28: 18-20). إن سماع كلام الله مسؤولية توجب علينا أن نقبله في قلوبنا المنفتحة عليه والمهيأة لقبوله كالأرض الجيدة المهيأة لقبول الزرع فتعطي الحبوب ثلاثين وستين ومئة. ويحذرنا الرب يسوع من ثلاثة: سماع كلام الله من دون إهتمام كالحب الذي يقع على جانب الطريق، أو سماعه وسط الهموم والإنشغالات كالحب الذي يقع بين الشوك، أو سماعه بسطحية كالحب الذي يقع على أرض حجرة (راجع مر 4: 4-8). يسعدنا أن نحيي معكم اليوم عيد سيدة الزروع وقد حضر للمناسبة سعادة مدير عام وزارة الزراعة الأستاذ لويس لحود، وبعض أركان الوزارة والشخصيات المعنيية بالقطاع الزراعي في لبنان. فالله الخالق سلم الأرض للإنسان لكي يحرثها ويعيش من ثمارها لان كل مأكل البشر وشرابهم هو من الارض وزراعتها، والارض تشكل عنصرا جوهريا من الهوية الوطنية. وللزراعة أهمية استراتيجية لتحقيق الامن الغذائي عبر تأمين حاجة لبنان من الغذاء والمواد الاولية للمصانع الغذائية والحد من استيراد الحاجات الغذائية الذي تجاوز ال 75 بالمئة وزيادة الصادرات الزراعية لادخال العملة الصعبة الى لبنان”.
وتابع: “إن البطريركية والأبرشيات والرهبانيات في تنسيق دائم مع المدير العام للزراعة والكليات الزراعية والجمعيات والنقابات والتعاونيات من أجل إبقاء المزارع في أرضه، والحد من النزوح والهجرة وبيع الأراضي، ومن أجل خلق فرص عمل للشبيبة. إن ثلث سكان لبنان يعيش من القطاع الزراعي الذي يشمل النبات والحيوان الداجن وأسماك البحر.
إننا نوجه معكم ثلاثة نداءات: الأول، إلى الدولة اللبنانية لدعم هذا القطاع وجعله اساسيا في الاقتصاد الوطني واعادة النظر في الاتفاقيات لحماية المنتج الوطني وفتح الاسواق امام الانتاج الزراعي وتحسين سبل عيش المزارعين والمنتجين وزيادة القدرة الانتاجية وتعزيز كفاءة سلاسل الانتاج الزراعي والغذائي وقدرتها التنافسية، وتحسين التكيف مع التغير المناخي. الثاني، إلى المنتشرين اللبنانيين لتسويق المنتوجات الزراعية اللبنانية والمونة والمطبخ اللبناني في بلدانهم.
الثالث، إلى المنظمات الدولية والهيئات المانحة لإحتضان القطاع الزراعي ولنهوض به وتأمين شبكة الامان الغذائي وتحويل النظام الزراعي والغذائي اللبناني إلى نظام اكثر صمودا وشمولية تنافسية واستدامة. وإننا نذكر بصلاتنا كل الذين تفانوا في تعزيز القطاع الزراعي وسبقونا إلى بيت الآب”.
أضاف: “يسعدني أن أرحب معكم برابطة البترون الإنمائية والثقافية التي أسسها المرحوم الدكتور سمير أبي صالح سنة 1985 أثناء الحرب اللبنانية في قلب الحصار والعزلة لمنطقة البترون، من جراء وجود الجيش السوري، وغياب مؤسسات الدولة ومقوماتها كالبلديات والوزارات. إنطلقت الرابطة من مستشفى البترون بشخص مؤسسها وتعاون الأطباء فيها، وأساتذة القطاعين العام والخاص والمثقفين كافة. فتجند أهل القلم وقامت مبادرات إنسانية تحدت الإفقار والتهميش، فأرست البسمة والإنفراج على كل وجه متعطش لما كانت تقدمه الرابطة. واليوم، ما زال شعراؤها وكتابها يقاومون موجات الإستهتار والجهل من خلال ندوات شعرية وفنية وثقافية، وما زال أعضاؤها وسيداتها مستمرين بالقيام بنشاطات شتى، من مثل دورات تدريبية على تطوير الذات واكتساب مهارات مهنية جديدة، وتنظم رحلات استكشافية لثرواتنا الطبيعية، وإجراء فحوص طبية. إننا نحيي هذه الرابطة ونشجعها على الإستمرار في مقاصدها أعني: التعاون لأجل بناء مستقبل زاهر للأجيال، الشفافية والنوايا الصالحة في العمل، إعتبار الإنسان الهدف، والمساواة بين الجميع. ونود أن نحيي زارعي كلمة الله أعني لجنة التعليم المسيحي للشباب من ضمن “راعوية الشبيبة في الدائرة البطريركية”. نحيي مرشدهم والمشرف عليهم الخوري جورج يرق وهيئة المكتب. إنهم يبدأون الأسبوع المقبل رسالتهم بزرع كلمة الله لحوالي ألفي شاب وصبية من مختلف الكنائس الكاثوليكية من 20 أيار الجاري إلى التاسع من تموز في مناطق الشمال والجنوب عبر ستة مراكز أساسية، وتسمى “الأيام الرسولية للشبيبة”. ويتم فيها توزيع ثلاثة كتب: التعليم المسيحي للشباب، وتعليم الكنيسة الإجتماعي للشباب، والكتاب المقدس للشباب، بتمويل من المؤسسة الألمانية: مساعدة الكنيسة المتألمة Aid to the Church in Need.
وقال: “لا يستطيع نواب الأمة والمسؤولون السياسيون عندنا متابعة صم آذانهم عن سماع كلام الله، ومتابعة سماع أصوات مصالحهم الخاصة والفئوية، وأصوات الأحقاد والكيديات، على حساب هدم مؤسسات الدولة بدءا من عدم انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن يوحي بالثقة في الداخل والخارج، وصولا إلى إفقاد المجلس النيابي صلاحية التشريع، وحرمان الحكومة من كامل صلاحياتها، وتعطيل التعيينات المستحقة وتفشي الفساد في الإدارات العامة. لو يسمعون كلام الله، لتسارعوا إلى إصلاح الهيكليات والمؤسسات، وإلى النهوض بالإقتصاد والحد من إفقار الشعب، ولأصلحوا الوضع المالي، وأوقفوا هجرة قوانا الحية، ولحزموا أمرهم ووحدوا كلمتهم وعمدوا إلى إجراء المفاوضات اللازمة مع سوريا والمجتمع الدولي من أجل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وقد اصبحوا خطرا متزايدا على بلادنا، مطالبين الأمم المتحدة بمساعدتهم على أرض وطنهم. ولسمعوا صرخة التجار المؤلمة التي عبرت عنها جمعية تجار جونية وكسروان الفتوح بكتاب مفتوح قدموه لنا بالأمس، لنضم صوتنا إلى صوتهم”.
وختم الراعي: “يا أيها النواب والمسؤولون السياسيون على رؤوسكم وضمائركم يقع كل هذا الخراب بسبب فشلكم وكبريائكم. والأدهى أن المنطقة في حالة تغيير وتسويات وحوارات وتهدئة. فأين أنتم من جرأة الحوار؟ وإلى أين تذهبون بلبنان جاعلينه أرضا سائبة؟ فهو ليس ملككم بل ملك الشعب الخير الذي حافظ عليه بالتضحيات وافتداه بدماء أبنائه الشهداء. يا رب، أنت قادر على مس ضمائرهم وزرع كلامك في قلوبهم فهو كسيف ذي حدين (راجع عب 4: 12). ولك نرفع كل مجد وشكر وتسبيح أيها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.