ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداسا احتفاليا في بازيليك سيدة لبنان – حريصا لمناسبة عيد سيدة لبنان، عاونه فيه المطارنة سمير مظلوم، بولس الصياح، انطوان نبيل العنداري، شكرالله نبيل الحاج، ميشال عون، جوزيف معوض، انطوان عوكر، انطوان شبير، الياس سليمان وانطوان بو نجم، الآباتي مارون مبارك، الآباتي بيار نجم، امين سر البطريرك الاب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان الاب فادي تابت، بمشاركة عدد من الرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات، في حضور حشد من الفعاليات والمؤمنين.
بعد الإنجيل، ألقى الراعي عظة بعنوان “ها منذ الآن يطوبني جميع الأجيال، لأن القدير صنع بي العظائم” ( لو 1: 48-49). وقال: “هذا النشيد النبوي قالته أمنا مريم العذراءأثناء زيارتها لنسيبتها أليصابات، لتكون في خدمتها وهي حامل بيوحنا في شهرها السادس. نحن وكل الذين توافدوا ويتوافدون إلى مزار سيدة لبنان المقدس، من هؤلاء الأجيال الذين “يطوبون أمنا مريم العذراء لما أجرى فيها الله من عظائم” (راجع لو 1: 48-49) نتوافد إليها كأبناء وبنات، وفينا ملء الثقة بأنها تحمينا بيدها الخفية. نحن هنا لنشكرها على حنانها وسهرها من على قمة حريصا، باسطة يدي أمومتها، وهي تغدق النعم السماوية على كل المارة ساحلا ووسطا وجبلا وتحتضنهم بيديها المباركتين. وإنها تفعل ذلك منذ أن رفعت على هذه القمة وكان الإحتفال بعيدها، عيد سيدة لبنان، في ذاك الأحد الأول من شهر أيار 1908. واحتفل به سلفنا المثلث الرحمة المكرم البطريرك الياس بطرس الحويك بمشاركة الأساقفة والرؤساء والرئيسات العامين وشخصيات مدنية ورسمية. ومذ ذاك الحين وبطاركة كنيستنا يحتفلون بهذا العيد. وأصبح شهر أيار بكامله شهر الزيارات التقوية إلى أمنا سيدة لبنان”.
أضاف: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مفتتحين بها الإحتفالات بعيد أمنا سيدة لبنان، والمسيرات التقوية والزيارات الجماهرية طيلة هذا الشهر المبارك. وكل واحد وواحدة منا ومن سائر الزوار يحمل في طيات قلبه عاطفة بنوية لأمنا السماوية، فضلا عن الذين ينظرون إليها من بعيد: هذا ذاهب إلى عمله، وذاك عائد. هذا يناجيها من فراش ألمه وشيخوخته، وذاك يتوسل إليها من شبابيك مستشفاه. هذا يلتمس نجاحا في دروسه وعمله، وذاك سلامة وخيرا في سفره. هؤلاء وسواهم كلهم ثقة بأمهم السماوية على ما يقول القديس برناردوس: “إذا تبعت العذراء مريم لا تتيه، وإذا دعوتها لا تيأس، وإذا تأملتها لا تضل، وإذا أسندتك لا تعثر، وإذا حملتك لا تخاف، وإذا أرشدتك لا تتعب، وإذا نلت لديها حظوة بلغت ميناء النجاة”.
وتابع: “أود معكم أن أوجه عاطفة شكر لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة الممثلة بقدس الأب العام مارون مبارك، والمشيرين العامين، ولكل الآباء الذين تولوا إدارة هذا المزار والخدمة الروحية، منذ الأحد الأول من أيار سنة 1908، وقد تسلمت الجمعية هذه الخدمة من البطريرك الياس الحويك والقاصد الرسولي آنذاك. وهكذا يواصل الآباء المرسلون مسؤوليتهم بتفان وابتكار وتوسع وصولا إلى الرئيس الحالي الأب فادي تابت والآباء معاونيه الأحباء. كافأهم الله جميعا بفيض من نعمه وعطاياه. ولا بد من التذكير بأن فكرة إنشاء مزار سيدة لبنان-حريصا انطلقت سنة 1904 من المكرم البطريرك الياس الحويك والقاصد الرسولي Carlos Duval بمناسبة اليوبيل الذهبي لمرور خمسين سنة على إعلان عقيدة الحبل بلا دنس سنة 1854. فاشترى البطريرك الحويك قطعة الأرض المعروفة “بالصخرة” في قمة تلة حريصا، “راجيا من العذراء مريم سلطانة الحبل بلا دنس أن تبارك هذا السعي لمجدها ومجد ابنها”. وبدأ العمل. وكان التدشين في الأحد الأول من أيار 1908 وهي السنة الخمسين لظهورات العذراء في لورد سنة 1858 حيث أعلنت السيدة العذراء اسمها للقديسة برناديت: “أنا الحبل بلا دنس”. ورسم البطريرك الحويك أن يكون الأحد الأول من أيار كل سنة عيد سيدة لبنان، سلطانة الحبل بلا دنس”.
وقال: “جميع الأجيال على وجه الأرض يطوبون العذراء مريم، أم يسوع، فادي الإنسان ومخلص العالم، حتى نهاية الأزمنة، لأن الله القدير صنع لها العظائم( لو 1: 48-49). أولى هذه العظائم الحبل بها، كثمرة حب والديها يواكيم وحنة، معصومة من دنس الخطيئة الأصلية الموروثة من معصية أبوينا الأولين آدم وحواء. إن “عقيدة الحبل بلا دنس” أعلنها الطوباوي البابا بيوس التاسع في 8 كانون الأول 1854، بقوله: “إن الطوباوية مريم العذراء عصمت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصلية، وذلك بنعمة وإنعام فريدين من الله القدير، ونظرا إلى استحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري الذي سيولد منها بقوة الروح القدس”. ومن بين عظائم الله لها: أمومتها ليسوع الكلمة المتجسد وهي عذراء بقدرة الروح القدس، وبطاعة الإيمان. فظلت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده. ومشاركتها في آلام ابنها يسوع لفداء العالم. ووقفت على أقدام الصليب بألم لا يوصف، ولكن دائما بطاعة الإيمان. فكما بطاعتها الإيمانية يوم البشارة أصبحت ام يسوع التاريخي، هكذا بطاعة الإيمان أمام إبنها المصلوب على خشبة والألم يمزق قلبها، أصبحت أم يسوع الكلي أي الكنيسة المتمثلة بيوحنا”.
أضاف: “وتوج الله عظائمه لمريم بانتقالها إلى مجد السماء بنفسها وجسدها وهي عقيدة أعلنها المكرم البابا بيوس الثاني عشر في أول تشرين الثاني 1950، بحيث لا يمكن لمريم المعصومة من كل خطيئة ان تعرف فساد الموت. “فبعد أن أنهت مسيرة حياتها على الأرض رفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماوي”. وتوجها الثالوث القدوس: الآب وهي ابنته، والإبن وهي أمه، والروح القدس وهي عروسته، سلطانة السماوات والأرض، وأم جميع الشعوب، وعندنا هي أيضا سيدة لبنان، ولن تترك أبناءها وبناتها فريسة الأشرار الظالمين والمستبدين وأمراء الحروب. ولئن وقعت ضحايا هنا وهناك، وهجر شعب وافتقر، فرجاؤنا وطيد بأن هذه الأم السماوية تتعهد الجميع بحنانها، وتعرف كيف تخاطب قلوبهم”.
وتابع: “على الرغم من جميع مظاهر الإنهيار السياسي والمالي والإجتماعي والمعيشي عندنا، فإن ثقتنا بأمنا مريم العذراء تبقى كبيرة. فسيدة لبنان تحفظ هذا الوطن وتحمي شعبه ورسالته ودوره في بيئته المشرقية. وهي بواسطة البقية الباقية من المخلصين توجه على طريقتها إلى طريق الخير والخروج من أزمتين كبيرتين: الأزمة الأولى: الفراغ الرئاسي الذي يشل المؤسسات الدستورية: وبخاصة مجلس النواب والحكومة والإدارات العامة والقضاء، ويضع البلاد في حالة التفكك والفوضى وفلتان السلاح، وارتفاع حالات الفقر بحيث أن أسرتين من أصل خمس هي فقيرة أو فقيرة جدا، بحسب تقرير البنك الدولي. كلنا نصلي لكي يعمل ذوو الإرادة الحسنة على انتخاب رئيس يكسب الثقة الداخلية والدولية، ويكون قادرا بشخصيته وتمرسه على التعاون مع المؤسسات الدستورية لتوطيد دولة القانون والعدالة، وإجراء الإصلاحات اللازمة في البنى والمؤسسات وهي مطلوبة من المجتمع الدولي لتسهيل التعاون معه. الأزمة الثانية، تنامي عدد النازحين السوريين في لبنان، وهو عدد بات يشكل عبئا ثقيلا على لبنان، اقتصاديا واجتماعيا وديموغرافيا وأمنيا. فإنا نأمل خيرا من اللجنة الحكومية التي تكونت وبدأت العمل على حل هذه الأزمة. ونطلب من المفوضية لشؤون اللاجئين أن تتعاون مع هذه اللجنة بإعطائها ما يلزم من معلومات. فقد بدأنا نشك من حسن النوايا، ونتساءل هل وراء الموقف الدولي نية توطينهم في لبنان؟ وهل أنهم لا يحبذون عودتهم إلى سوريا خوفا من الهجرة إلى بلدانهم؟ فكيف للبنان الرازح تحت أثقاله أن يحمل إضافة مليونين وثمانين ألف نازح سوري وثلاثماية ألف لاجئ فلسطيني؟ فنقول للمجتمع الدولي قدموا مساعداتكم للنازحين السوريين على أرض سوريا وطنهم لكي يواصلوا تاريخهم ويعززوا ثقافتهم ويحموا حضارتهم. فافصل أيها المجتمع الدولي بين الوجه السياسي والوجه الإنساني-الوطني بعودة النازحين إلى بلادهم”.
وختم: “في عيد أمنا مريم العذراء سيدة لبنان، نجدد الطوبى لها والتكريم، ونسألها أن تتشفع لنا لدى العرش الإلهي من أجل تحقيق أمنيات كل الذين يتوافدون إليها حاملين آمالهم وهموم قلوبهم. ومعها نمجد الثالوث القدوس الذي اختارها، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد”.