ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطرانان سمير مظلوم ومروان تابت ، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور رئيس الرابطة المارونية السفير الدكتور خليل كرم، رئيس تجمع موارنة من اجل لبنان المحامي بول يوسف كنعان، النائب السابق نعمة الله ابي نصر، قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، مساعد مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي رولان شرتوني، المدير العام في مجلس النواب هادي عفيف، وفد من جمعية “فينيسيا” للقديس شربل البولونية، عائلة المرحومة وداد ابو حبيب تابت والدة المطران مروان تابت، عائلة المرحومة ايزابيل باسيل، رئيس مؤسسة البطريرك صفير الاجتماعية الدكتور الياس صفير، نجل الشهيدين صبحي ونديمة الفخري باتريك ، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس القى البطريرك الراعي عظة بعنوان: “لما كان الصباح، ظهر يسوع لتلاميذه على شاطئ البحر، ولم يعرفوه” ( يو 21: 4)، قال فيها: “بعد ليلة صيد فاشلة، حضر يسوع القائم من الموت عند الصباح لكي يخرج تلاميذه من فشلهم، ولكي يعودوا إليه في حاجاتهم. أما هم فلم يعرفوه. ذلك أن بعد القيامة أضحى جسمه البشري جسما روحانيا، على ما يقول بولس الرسول (1 كور 15: 44). فلا نعرفه بعد الآن بعين الجسد، بل بعين الإيمان. يوحنا عرفه من صوته بقوة الحب الذي في قلبه، وسمعان بكلمة يوحنا “هذا ربنا” (يو 21: 4-7)، أما التلاميذ الآخرون فظلوا مرتابين ولم يجرؤ أحد منهم أن يسأله: من أنت؟ (يو 21: 12). ومن قبلهم المجدلية ظنته البستاني، ولم تعرفه إلا عندما ناداها باسمها، تلميذا عماوس لم يعرفاه إلا عندما كسر الخبز (لو 24: 35)، الرسل الأحد عشر ظنوه روحا (لو 24: 37) ولم يعرفوه إلا عندما “أراهم يديه ورجليه وجنبه” (لو 24: 39؛ يو 20: 20). هذا كله يعني أن الرب يسوع حاضر دائما بيننا ومعنا، لكننا لا نعرفه بالحواس الخارجية، بل بالإيمان والرجاء والحب، ونراه من خلال أنواع حضوره الكثيرة: في كلامه، في صلاة الجماعة كما وعد: “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فأنا أكون هناك في وسطهم” (متى 18: 20)، في الفقراء والمرضى والمساجين (متى 25: 31-46)، في الأسرار التي وضعها، وبخاصة في ذبيحة القداس، في شخص خادم السر، الأسقف والكاهن، وبأعلى درجة في الأشكال الإفخارستية (الدستور المجمعي في الليتورجيا، 7). إن سر الإفخارستيا يحتوي حقا وواقعا وجوهريا جسد ربنا يسوع المسيح ودمه مع نفسه وألوهته، ومن ثم يحتوي المسيح الإله والإنسان بكاملهما. هذا الحضور “الحقيقي” في الإفخارستيا ليس بمعنى النفي كما لو كانت سائر أشكال حضوره “غير حقيقية”، بل بمعنى التفوق إذ كان حضوره جوهريا بكامل ألوهته وإنسانيته (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1373-1374)”.
وتابع: “يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، ونجدد إيماننا بأن المسيح الرب حاضر بيننا ومعنا ومن اجلنا، وبخاصة في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها على صعيد دولتنا اللبنانية الآخذة بالإنهيار، وعلى صعيد شعبنا الذي يفتقر أكثر فأكثر، ويضطر إلى هجرة الوطن نحو أوطان تحترم الإنسان وحقوقه. وذلك احترام مفقود على ارضنا.كل ذلك بسبب سوء الحوكمة من جماعة سياسية فاسدة وهدامة وفاشلة، من دون أي وخز ضمير أخلاقي أو وطني. فيما أحييكم جميعا، أيها الإخوة والأخوات الأحباء، يطيب لي أن أرحب بجمعية “فينسيا للقديس شربل” البولونية يرافقها وفد من الحجاج في زيارة تقوية إلى لبنان. وأحيي سيادة أخينا المطران بول-مروان تابت راعي أبرشية مار مارون كندا وشقيقيه الحاضرين معنا، وقد ودعنا معهم أول من أمس والدتهم المرحومة وداد أبو حبيب أرملة الياس ابراهيم تابت. إننا نجدد لهم ولأنسبائهم تعازينا الحارة، ونصلي في هذه الذبيحة المقدسة لراحة نفسها. وأحيي أيضا سعادة النائب السابق نعمةالله أبي نصر وأولاد شقيقته المرحومة إيزابيل أرملة المختار سمعان أديب باسيل التي ودعناها مع أنسبائها في شهر كانون الثاني الماضي؛ كما نحيي سعادته وزوجة شقيقه المرحوم عصمت وأولاده وأنسبائهم، وقد ودعناه معهم منذ ثلاثة أسابيع. فإنا نذكر في هذه الذبيحة المقدسة المرحومة إيزابيل، والمرحوم عصمت، راجين لهما الراحة الأبدية في السماءوالعزاء لأسرتيهما. ظهور الرب يسوع وآية الصيد العجيب تكشف لنا ملامح الكنيسة”.
أضاف: “سفينة الصيد تمثل الكنيسة التي تصطاد البشر، وتجتذبهم إلى الله، وتجمعهم بروح الشركة التي تجعلهم في اتحاد بالله عموديا، وفي الوحدة مع الجميع أفقيا. شبكتها هي الإنجيل: إنجيل محبة الله المتجلية في شخص يسوع المسيح وأقواله وأفعاله وآياته؛ إنجيل الحقيقة المختصة بالله، والإنسان والتاريخ، وهي حقيقة تحرر وتوحد؛ إنجيل السلام بكل أبعاده الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية؛ إنجيل العدالة القائمة على احترام حقوق كل إنسان وتعزيز واجباته؛ إنجيل الأخوة الذي يبني في العالم عائلة الله. هذا الانجيل هو بين ايدينا نحن المسيحيين، ومسؤوليتنا ان نعيشة وننشره. الأسماك الكبيرة، وعددها 153، ترمز إلى شعوب الأرض، من كل لون وعرق وثقافة، وإلى انفتاح الكنيسة إليهم جميعا. “عدم تمزق الشبكة” من جراء الثقل يرمز إلى ميزتي الشمولية والوحدة في الكنيسة على أساس من عولمة الحقيقة والمحبة. ربان السفينة هو المسيح، وطاقمها الرسل ورعاة الكنيسة. عولمة الحقيقة والمحبة في الكنيسة هي الأساس والروح للعولمة الحديثة، المعروفة بعولمة الإقتصاد والمال والثقافة، والتي أوجدتها التقنيات الإلكترونية والاكتشافات الحديثة ووسائل الإتصال. عولمة الحقيقة والمحبة تدعو إلى التضامن وإنماء كل شخص بشري ومجتمع، فلا تهمش أحدا، بل تحمل قضية الفقراء وضحايا الظلم والعنف والحرب والاستبداد والاستكبار، فتحمي حقوقهم وتعمل على خدمتهم، وتندد بكل إعتداء على الإنسان وكرامته وحياته. عولمة الحقيقة والمحبة تدعو إلى الحوار بين الثقافات والأديان في سبيل خدمة السلام والنمو الشامل، ونبذ الحرب والعنف والإرهاب، ومن أجل تجاوز الانقسامات والخلافات. عولمة الحقيقة والمحبة هي رهن المسيحيين، لانها مسندة اليهم من المسيح الرب، دينونتنا كبيرة اذا لم نعش هذه العولمة”.
وقال: “إجتمعت الأسبوع الماضي في قبرص الكنائس الشرقية الكاثوليكية السبع، رعاة وكهنة ورهبانا وراهبات ومدنيين، والمسؤولون عن مجمع الكنائس الشرقية في الفاتيكان ومؤسسات اجتماعية غير حكومية أوروبية وأميريكية، بمناسبة مرور عشر سنوات على الإرشاد الرسولي: “الكنيسة في الشرق الأوسط: شركة وشهادة”. هذا الإرشاد يدعو المسيحيين إلى رمي شبكة إنجيل المسيح في محيطهم، وإلى الشهادة لمحبته في كل نشاطاتهم الروحية والزمنية، لا سيما على مستوى الثقافة والخدمة الإجتماعية والاقتصاد والسياسة وإدارة الشأن العام. وبذلك يسهم مسيحيو العالم العربي في تحقيق “الربيع العربي” الحقيقي المنشود في أوطانهم. إن هذا الإرشاد الرسولي عمل نبوي لأنه يأتي في وقت تبحث فيه شعوب العالم العربي عن هويته وسبل العيش معا والترقي بالشخص البشري والمجتمع، عبر إصلاحات سياسية لازمة في أنظمة بلدانهم”.
وختم الراعي: ” إننا نحيي كل المسيحيين في لبنان وسواه على إسهامهم البناء في مختلف الميادين، إذ يجمعون بين مشاريع الإنماء على أنواعها وبين الأخلاقية والشفافية في الإداء. فإننا نقدر ابتكاراتهم وتضحياتهم وخدمتهم للخير العام. وبذلك يعوضون عن إهمال المسؤولين السياسيين بل وعن عجزهم وتعطيلهم لمقدرات الدولة. نصلي، لكي يتنبه كل إنسان أن يسوع هو رفيق دربه، ويصغي إلى صوته، ويلجأ إليه، فتستقيم مسيرة حياته، وينعم بالعون الإلهي في كل ظروف حياته. فليكن اسم الله مسبحا وممجدا، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية