ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة العيد لهذا العام بعدما أدى الصلاة في مسجد الإمام الحسين، في منطقة برج البراجنة قال فيها: “ها نحن اليوم بصبيحة عيد الله المبارك حيث قسّم الله كفلي رحمته، بين صومه وفطره، وذلك بعد شهر عظيم، وموسم كريم اختصّه الله بنفسه، وصدّره بضيافته، وقدّره على سماواته، لنلاقي دعوة الله بعيده، وبِشارتَه بصبيحة فطره، وما أعظم ثقتنا بالله العلي العظيم، والموطن اليوم موطن {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فشكراً لله شكراً يدوم، وشكراً لله شكراً يبقى، وشكراً لله شكراً يشهد لنا يوم القيامة، وشكراً لله شكراً يرضي الله عنا في الدنيا والآخرة، وإذا كان من وصية في هذا اليوم العظيم أقول لكم أيها الإخوة المؤمنون: عيشوا مع الله، واعتصموا بحبله، وتوثّقوا دينه، وسارعوا إليه، ووطّنوا أنفسكم على طاعته، وأكّدوا التوبة، واستقيموا على الحق، وعزّزوا الإنابة، وصوموا عن الباطل، وقدّموا الحقيقة، واجمعوا أيامكم بأيام الله، واصدقوا الله بعياله وخلقه، وتحنّنوا على بعضكم وانزعوا من قلوبكم اللؤم، واشحنوها بالطيبة، وصلوا أرحامكم، ووقّروا كباركم، وتداركوا أجيالكم، وانبذوا الخصومة بينكم، وتشاركوا رحمة ربكم، وتعاونوا وتكاتفوا وكونوا نفساً واحدة، فإن الله يحبّ العون والخير والصدق والنزاهة والطيبة والاستقامة والعطاء والبذل وإغاثة المكروب، والتنفيس عن المهموم، وعون المحروم والمعذب والمقهور، ولا شيء أعظم عند الله من التضامن والتكافل والبرّ والإحسان والأمان وجمع العيال وتأكيد مواقفنا الأخلاقية والإنسانية كأساس لوجودنا ودورنا ووظيفتنا الإنسانية والوطنية، وأن نبقى كما كنّا، في شهر رمضان حيث وحدة الحال وأنس العيال، والقيام بشؤون الضعيف والمريض والمحتاج والمنكوب كعائلة واحدة، وجسد واحد، وهو أفخر ما نلاقي به الله تعالى كعهد عملي موثوق طيلة العام إن شاء الله تعالى.
وكمدخل سياسي في عيد الفطر المبارك أقول: بلدنا بالقعر، والانهيار متعمّد فيه، والمشروع الدوليّ له أيادٍ داخلية خطيرة، وبعض السفارات تحوّلت إلى غرف عمليات، ومفوضية اللاجئين تدير النزوح على طريقة أوكار سفارات، فضلاً عن الإنهاك الشامل للبنية التحتية والقدرات الوظيفية للدولة والبلد. وهنا أقول وبشكل واضح وصريح: واشنطن تعمل على طبخة تريد معها لبنان بلد نزوح، وفوضى منظّمة، ومن ضمنها خريطة حرب أهلية وتجمّعات إرهابية، والخطر يمرّ بدمج النازحين، ودمجُ النازحين يعني نهاية لبنان”.
وتابع: “لذلك السؤال: هل تعي القوى السياسية أننا أمام واقع كارثي؟! وأن لبنان على شفير الانهيار الكامل الذي يطال أصل وجوده؟ وأن الفدرالية واللامركزية تمرّ بالحرب؟ أيها الإخوة إن لبنان ليس ضعيفاً بالخيارات، والحلّ بالتلاقي والشراكة لانتشال الدولة من الفراغ، وسيكتب التاريخ يوماً ما, أن أي قطيعة سياسية بسياق خرائط طائفية وجداول دولية ستأخذنا نحو حرب أهلية، لن يربح فيها المشروع التقسيمي، ولن يتقسّم لبنان حتى لو كلّف ذلك حرباً كونية. من هنا، أقول: منطقتنا تعيش على صفيح متحرك، والبلديات ليست بديلاً عن الدولة، والبديل الطائفي مشروع حرب، ولا نحتاج دوحة جديدة، ولا طائف جديداً، ما نحتاجه صدق وإخلاص وضمير وطني حيّ، ما نحتاجه دولة مركزية سياسياً وإدارياً ومالياً، ورئيس جهورية قوي وطنياً، يكون إلى جانب شعبه كلّه، ولا نريد رئيس جمهورية يباع بالمزاد العلني. ثانياً، لواشنطن ولمن يعمل لصالحها أقول: مصلحة الجميع بتسوية سياسية تحفظ الدولة ومشروعها، ولعبة الحصار والإنهاك الاقتصادي ليست لصالح واشنطن ومشروعها الإقليمي، والمنظمات غير الحكومية ما هي إلا جيوش ارتزاقية ليس أكثر، وعلى البعض أن يفهم أن اللعبة الأمريكية في سوريا انتهت على شكل كارثة طحنت الشعب السوري وإمكاناته الوطنية، وحوّلت من لعب لصالحها إلى “نزوح في خيمة”.
اضاف: “لذلك مرشّح الفراغ دمار للبنان، ورئيس بلا نفوذ وطني سيزيد من جحيم الفراغ، “وما نريده رئيس مسيحي قوي بالقيمة لا قوي بالعدد، وحماية الوجود المسيحي إنما هو بالشراكة الوطنية والدولة المركزية، لا بخرائط بعض الرؤوس الحامية، ذات التاريخ الأسود، ولن نقبل بتسوية رئاسية على ظهر الدبابة، بل في مجلس النواب. وما نريده لبنان متعدد الخيارات. نعم الحلّ المجدي اليوم يمرّ في الصين وليس في واشنطن، وبالنهاية سيخرج لبنان من هذه الكارثة لكن ليس لصالح جماعة الخرائط الدولية، وبحمد الله قوتنا الوطنية كبيرة، وكذلك الحاضنة الشعبية كبيرة، الذي بتكاتف ناسه وأهله أن يخفف من ارتددات الأزمة، التي غيّرت طريقةَ تفكيرِنا، ونمطَ خياراتِنا، وسياسةُ عنق الزجاجة لم يعد لها محل في لبنان”.
وتوجه الى الرياض وطهران: “لبنان مفتاح حلّ لاستقرار وأزمات المنطقة، والكل يحتاجه، والشراكة السعودية الإيرانية ضرورة إنقاذية للبنان والمنطقة، والتأخير صاعق تفجير، وواشنطن الأحادية انتهت، والدور اليوم للتوازنات الجديدة في العالم والمنطقة، ودبلوماسية الصين الصادمة كشفت زيف واشنطن وحجم ضعفها، وهذا ما يجب على الحكومة اللبنانية الالتفات إليه، وكأساس لخط مصالح لبنان فإنها من مصالح سوريا، وكذلك العكس، ومصالح لبنان وسوريا من مصالح فلسطين، ولا سلام ولا استقرار إلا بزوال إسرائيل من الوجود، وما يجري بالأقصى يمس لبنان وأمنه ومصالحه وقضاياه القومية، فالعالم تغير جدا منذ وعد بلفور المشؤوم”.
وقال: “رغم الكارثة التي أصابت مالية الدولة إلا أن الحكومة ليست معذورة أبدا، وبعض الوزارات ما زال سوق ارتزاق، وما زال الفساد فيها يتنفس بشدة، والمصارف تنهك الدولة، والتعافي الاقتصادي لا يمر بابتلاع الودائع، واللوبي المالي التجاري يمارس أسوأ خيانة بحق لبنان وشعبه، والمطلوب أن نحمي هياكل لبنان، ومنها الودائع والأسواق والعامل اللبناني، وفرص العمل، والقطاع التعليمي والاستشفائي، والأساسيات المعيشية، وتكريس وجود الدولة النفسي، ومنها الحضور الإعلامي والمجتمعي، لأن النوم على فراش الفراغ والاستهتار بالمسؤوليات الحكومية إنهاء لما تبقى من بلدنا، والعالم تغير، والخيارات يجب أن تتغير، واستسلام لبنان ليس في الحسبان أصلا”.
وختم قبلان: “للبعض كلمة: تشريع الضرورة، وانعقاد الحكومة ضرورة وطنية محسومة، ودعونا من الحقد الطائفي، والارتزاق السياسي، ولا تقسيم ولا فدراليات ولا توطين ولا دمج ولا انتداب أمميا من خلال صندوق النقد، ولا شطب لدور الدولة المركزي ووظيفتها، ويبقى الحل بتسوية رئاسية في مطبخ مجلس النواب، ونفط لبنان ضمانة كبرى والضامن الأكبر لهذه الضمانة جيش وشعب ومقاومة، والعين دائما على الإلفة الكاملة للعائلة اللبنانية وأكبر طائفة في لبنان طائفة الإنسان الجامعة لكل طوائف لبنان، والسنوات العجاف بطريقها للنهاية إن شاء الله تعالى. كل عام وأنتم بخير تقبل الله صيامكم، وشكر طاعتكم وقيامكم، وأجزل لكم عطاءكم في يوم عيدكم… عشتم وعاش لبنان”.