كتبت صحيفة “النهار” تقول: اذا كانت الساعات الأخيرة مرت من دون تسجيل او انفجار فضيحة جديدة في سياق النمط الانهياري الذي يحكم المشهد الداخلي، فان ذلك لم يكن كافيا لحجب العودة الى التداعيات اليومية المتفجرة أساسا للازمات الداخلية على اختلاف طبيعتها المالية والاقتصادية والخدماتية والاجتماعية. انحسرت حدة جبهة تبادل الهجمات الكلامية السياسية لتستعر المخاوف من ان يعزل لبنان عن العالم بفعل تهديده بانقطاع الانترنت بسبب اضراب هيئة “اوجيرو”، علما ان المفارقة الساخرة المضحكة المبكية تتمثل في ان خطر الانعزال هذا يأتي بعدما عاد لبنان وانضم “رسميا” منتصف الليل الفائت الى التوقيت الصيفي المعتمد عالميا. ولم يكن حال التداعيات لازمات أخرى افضل حالا، اذ لاحت معالم تهديد باضرابات مفتوحة جديدة واضافية على لسان الاتحاد العمالي العام بسبب التفاوت الكبير في احتساب قيمة “صيرفة” على رواتب الموظفين، كما ان الاتجاه الحكومي الى تعديل الرواتب بنسب سربت قبل ان “تطير” جلسة مجلس الوزراء التي كان يفترض انعقادها لاقرار إجراءات مالية جديدة للموظفين، لم ترض الجهات المعنية لديهم بما يعني ان الازمة تراوح مكانها. وزاد الطين بلة ان الاضراب المفتوح الذي ينفذه موظفو هيئة “اوجيرو” أخرج سنترالات من الخدمة وشلّ شركات بأكملها واضعا الاقتصاد في البلاد امام معضلة خطيرة تتهدد ما تبقى من أعمال.
كل ذلك والافق السياسي يبدو الى مزيد من الاقفال وهو ما عكسته تحركات ومواقف في الساعات الأخيرة عكست الفراغ المتعاظم في الحركة السياسية المتصلة بأزمة الشغور الرئاسي بل والتداعيات السلبية الإضافية للاحتقانات والتوترات السياسية المتعاقبة على سد منافذ أي حل وشيك ومحتمل.
والحال ان العودة الى الأزمات الحياتية تقدمت امس واجهة الحدث الداخلي ولا سيما منها ازمة “اوجيرو” التي دخل على خطها وزير الاتصالات جوني القرم محاولا معالجتها من دون ان ينجح. واثر خروج سنترالات المتن الأوسط، جل الديب، المريجة، سن الفيل، اليسار، العمروسية، حلبا، شتورة والدامور من الخدمة، اعلن القرم في مؤتمر صحافي في حضور مدير عام هيئة اوجيرو عماد كريدية انه فوجئ بقرار إعلان الإضراب المفتوح من نقابة موظفي هيئة “أوجيرو”، وهناك بعض النّقاط الجوهرية التي وإن تمعن الموظفون بها لعادوا فورًا إلى عملهم”. وقال “للأسف، يأتي هذا الإضراب في وقت كنت من مركزي، أحاول وبشتى الوسائل التي اتاحها أمامي القانون، أن أجد حلاً ومخرجاً لمطالب الموظفين، الذين أقف إلى جانبهم، وأُؤكّد على كل مطالبهم التي تعتبر محقّة من دون أدنى شك، إذ أنهم يعانون تماماً كما يعاني أي موظف أو مواطن آخر من جراء الازمة الاقتصادية والمعيشية والمالية التي يمرّ بها لبنان ولا سيما القطاع العام”. وسأل “هل يجوز إعلان الإضراب وأنا كوزير مسؤول أخوض مفاوضات، وأحاول فتح الأبواب لأجل الوصول إلى حل يُرضي الموظفين؟ هل يُعقَل ان يعلن الموظفون الاضراب ضاربين بعرض الحائط ما أقوم به من اتصالات واجتماعات لإنهاء هذا الملف وغير آبهين بالـ 5 ملايين لبناني بينهم أخوتهم واخواتهم وابناؤهم الذين لا يستطيعون الاستغناء عن خدمات القطاع؟”. واعتبر أن “إعلان إضراب الموظفين هو بمثابة قرار متسرّع اتّخذتْه النقابة في وقت لم ينتظروا ما ستؤول إليه المساعي والحلول علماً ان اي قرارات لزيادة الرواتب والأجور لا تخضع إلى سلطتي أبدًا بصفتي وزيرا للاتصالات، انما هي أمور مناطة حصرًا بمجلس الوزراء مجتمعًا، ولا يمكن قانونياً ومن موقعي أن أُقرَّ هكذا مطالب منفردًا”. في المقابل، أشار كريديّة إلى أن “الإضراب لم يكن متسرّعاً إنّما قرارٌ مفاجئ”، مشددا على أنه يدعم الإضراب. وأضاف: “كان هناك جوّ من الامتعاض بين الموظفين” لافتا إلى أن “الحديث عن تخريب مكوّنات الشبكة غير صحيح”. كما أكدت رئيسة نقابة موظفي أوجيرو اميلي نصار بعد مؤتمر القرم، ان الاضراب مستمر والوعود لا تكفي.
وفي موازاة ذلك طالب رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر امس حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي للمصرف بالاستمرار في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والعسكريين في القطاع العام والاساتذة في التعليم الرسمي واساتذة الجامعة اللبنانية على سعر صيرفة 45 الف “لأن عكس ذلك يعني خسارة 50% من الراتب اذا اعتمد سعر الصيرفة الحالي اي 90 ألف ليرة للدولار”. وطالب الاسمر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “بالتدخل للمعالجة اللازمة مع حاكم مصرف لبنان ووزير المال قبل اللجوء الى التحركات في الشارع التي تضمن الحد الادنى من حقوق القطاع العام” .
ميقاتي الى السعودية
اما في المشهد السياسي فالتقى امس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي السفير السعودي وليد بخاري في السرايا الحكومية قبل ان يسافر ميقاتي مع افراد من عائلته الى المملكة العربية السعودية لاداء مناسك العمرة على ان يعود بعد يومين الى بيروت . ولفت بخاري بعد لقائه ميقاتي إلى “مواصلة الجهود المُشتركة لحضّ قادة لبنان على انتخاب رئيس للجمهورية والمضيّ قدماً في الإصلاحات الجذرية”.
وفي عمان اكد الملك الأردني عبدالله الثاني، خلال لقائه في قصر الحسينية، وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، “وقوف الأردن المستمر إلى جانب لبنان وشعبه”. وأفادت وسائل إعلام أردنية بأنه “تمّ خلال اللقاء بحث العلاقات الأخوية التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين، وفرص توسيع التنسيق والتعاون في المجالات كافة. كما تمّ تاكيد أهمية تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، ولا سيما في البلدان المستضيفة، كما تطرق اللقاء إلى آخر التطورات الإقليمية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية”.
مواقف
وفي المواقف الداخلية البارزة من التطورات اعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان “الوضع في لبنان من سيء إلى أسوأ إقتصادياً ونقديّاً، لأن المسؤولين عن الحكم لا يُريدون المُعالجة الجذرية، والأقطاب لدى اخواننا الموارنة قالوا علينا انتخاب رئيس لكنهم مختلفون وكل منهم لديه شروطه على الآخر، أما الثُنائي الشيعي أعلنوا ترشيحهم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وأنا مع التّسوية وانتخاب رئيس يُعطي أملاً ببداية إصلاح سياسي واقتصادي” .
الى ذلك، وغداة المواجهات الكلامية التي شهدتها اللجان المشتركة امس، عقد رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل بعد ظهر امس في بيت الكتائب المركزي في الصيفي مؤتمرًا صحافيًا لفت فيه إلى “أننا من مدرسة أخلاقية علّمتنا أنّنا عندما نتلقى اعتذاراً نطوي الصفحة وإشكال الأمس انطوى بمعزل عن الخلاف السياسي المستمّر” وأوضح أن “ما حصل بالأمس كان أوصل البلد إلى مكان آخر وهذه ليست المرّة الأولى وهذا مسار يُمكن أن يأخذ لبنان إلى أماكن خطيرة ولقد تفادينا هذا الأمر بالأمس ولا شيء يضمن ألّا يتكرّر” . وقال: “لا يمكننا الإستمرار بلبنان على ما هو عليه اليوم فهو على حافة الإنهيار وقد وصل إلى مكان “ما بقا يترقع” وأكد أن “حزب الله لن يتمكن من فرض رئيس جمهورية على اللبنانيين، وإن حصل ذلك فسيكون رئيسًا لجمهورية حزب الله وليس للبنانيين” مشيرا إلى ان “في ظل هذا الوضع نرى أداءً استفزازياً ومحاولة فرض وفوقية بالتعاطي في كل الأماكن التي نكون فيها وهذا لا يمكن أن يوصلنا إلا إلى مزيد من الانهيار” . وأضاف: “حرصًا منّا على هذا البلد نُوجّه نداء للجميع بانتخاب رئيس للجمهورية قادر على جمع كل اللبنانيين ولا أحد قادر على فرض إرادته، و”حزب الله” لن يتمكّن من فرض الرئيس الذي يريد” كما اعتبر أن “لبنان لا يقوم إلّا بمؤتمر وطنّي من أهم بنوده المصالحة والمصارحة بين اللبنانيين وفتح ملف السلاح لأنّه لا يمكن بناء بلد بسلاحين”.