افتتح وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى معرض الفن التشكيلي السنوي احتفالا بمناسبة 25 شباط اليوم الوطني للفن التشكيلي في لبنان الذي أقيم استثنائيا هذا العام في 5 الجاري، بالتعاون بين وزارة الثقافة وجمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت ونقابة الفنانين التشكيليين في قصر الاونيسكو في بيروت، في حضور رئيس الجمعية ميشال روحانا والنقيب نزار ضاهر وحشد كبير من المنتسبات والمنتسبين الى الجمعية والنقابة عدا عن الهواة من متذوقي الفن التشكيلي .
سبق الافتتاح كلمة ترحيبية من التشكيلية خولة الطفيلي اشارت فيها الى “الظروف الحالية التي يعيشها الفنان التشكيلي ومحاولته تقديم افضل ما عنده”، وشكرت الوزير لرعايته. وحضوره ودعمه .
المرتضى
وألقى الوزير المرتضى كلمة مرتجلة جاء فيها: “جرت العادة ان ألقي في المناسبات التي نكون معنيين فيها كوزارة ثقافة كلمة أكون قد حضرتها بجهد يشبه لوحاتكم الجميلة. لكنني وللحقيقة أشعر معكم بأنه لا حاجة لكي أحضر أي كلمة. لا أدري لماذا أخبركم بهذه الحقيقة، ولكن هذا المكان هو الوحيد الذي أرتجل به. لعل السبب أن إبداعكم هو أثمر بكثير مما أعتبره جميلا، لأن إبداعكم يتهددني فأقول لنفسي لا، لا تكتب ولا تخذل نفسك لأن كلماتك، ومهما كانت جميلة، ستكون أقل حلا وإبداعا من الشيء المعروض. لذلك، اسمحوا لي بكلمتين ،ولكن قبل أن نبتدئ، أدعو للوقوف دقيقة صمت عن روح الراحل الكبير رفيق شرف”.
اضاف: “من الحاضرين من يعرف رفيق شرف شخصيا. ومن لا يعرفه فلقد سمع مؤكدا ما حكي عنه. رفيق شرف كان ومنذ البدء إنسانا عظيما بكل ما للكلمة من معنى. إنسان مرهف. ولأنه كان عظيما فلقد تمكن من أن يكون إنسانا مبدعا ورفيقا بكل ما للكلمة من معنى. رفيق لكل شخص التقى به وعلى صعوبة مزاجه. بموروثه وبما تركه للبلد والفن التشكيلي هو حقيقة وسام شرف بكل ما للكلمة من معنى. رفيق شرف هو من قلة قليلة يتاح لها في حياتها أن تكون اسما على مسمى. رسم البقاع وأهله وسهله. رحمه الله وجعل مثواه الجنة.”
تابع:”في الأصل، هذا عيدكم. فكل عيد وانتم بخير.ما قالته الأستاذة طفيلي منذ قليل يؤكد الفكرة التي استهليت بها هذه الكلمة. فالكلمة التي كان يفترض بي أن أحضرها كانت لتقل حتما أهمية عن إبداعاتكم اليوم. وما قالته الأستاذة طفيلي أيضا يلخص الواقع الذي نعيشه. فنحن في خضم أزمة قاهرة محبطة للشعب بشكل كامل، وهذا مقصود على كل حال، إذ أن الأزمة التي نعيشها نتاج سياسات أسس لها بحسبي من تسعينيات القرن الماضي وأفضت إلى نهب المال العام، سياسات هدر وإفساد أفضت إلى نهب المال العام وحتى سرقة أموال المودعين. سياسات أسس لها من عشرات السنين وأريد لها أن تثمر تركيعا للشعب وإنكسارا له.الأستاذة طفيلي دعت منذ قليل ألا تغلبنا الحقيقة. وأثر الواقع القاهر الناتج عن وطأة المصيبة والكارثة اللتين نعيش في خضمهما، مضاعف عليكم أضعافا مضاعفة. مرد ذلك أن حساسيتكم مختلفة. فالقدرة التحسسية لدى الفنان، شاعرا كان أو رساما، أعلى بكثير من القدرة التحسسية لدى الشخص العادي. ولذلك، تكون وطأة الأزمة عليه مضاعفة. ولكن، وكما قالت الأستاذة طفيلي، هو لا يسمح لهذه الأزمة أن تكسره أو تحبطه. فهو ينفس بإبداع عن هذا القهر لكي لا يتملكه الإحباط.
وعلى كل حال، فإن أي شخص واع ويتأمل بشكل صحيح يؤكد على أن هذه السمة غير موجودة لدى الفنان فحسب، لكن أيضا لدى جميع اللبنانيين ومنذ القدم وحتى تاريخه. فإذا ما دققتم بأول الشعوب التي سكنت هذه الأرض، وبالظروف التي عاشت في ظلها، لرأيتم أنها استطاعت أن تتعملق وأن تنجز إنجازات هي الأبهى تاريخيا ولا نظير لها على مستوى الإنجازات البشرية الأخرى. فهم أشخاص سكنوا الساحل وأبدعوا الحرف بكل ما للكلمة من معنى. اخترعوا في ظروف ولا أصعب أهم اختراع بشري وجد على هذه الأرض ألا وهو الحرف. ثم انطلقوا بعد ذلك لنشره عبر البحر رغم الظروف الصعبة، مندفعين بفعل روح المغامرة والاندفاع لديهم.هؤلاء اللبنانيون هم فنانون بكل معنى الكلمة، كل واحد على طريقته. هم مبدعون كل واحد على طريقته. وعندما يجتمعون مثلما تجتمع النقابة والجمعية اليوم يولد الإبداع. ”
تابع: “وبالإشارة، لقد أصررت من أول يوم لي في الوزارة على التلاقي فشددت على أنني سأحل الجمعية والنقابة في حال لم تتعاونا. وها هما تتعاونان اليوم. كل منهما لديه خصوصيته ونظرته ومقاربته وموجوداته. فبالإمكان أن نختلف لكن أن نبقى مع ذلك متحدين بحيث يحافظ كل منا على خصوصيته ويتكامل في الوقت عينه مع الآخر. ويتولد الإبداع. قدمت من السفر من أيام قليلة. ولا يحصل أن أسافر إلا واتأمل وأراقب وأقارن. فالسفر بذاته لا ينقلني ولا ينقل وعيي. وفي كل مرة أجد أننا كأفراد وأشخاص وموروث أهم ومن بعيد من أي أشخاص آخرين على وجه الأرض. ولا تقبلوا بأي كلام مخالف لذلك”.
وقال:”وزير الثقافة يأتي إليكم أولا بصفته الشخصية كما تلمسون لكي يرتاح، ويفرح ويعيش حالة أمل في وقت انكفأ فيه الكثيرون، وأغلبهم من مسؤولين وسياسيين. فهؤلاء انكفؤوا انكفاء كليا رافعين المتاريس ورافضين اللقاء والحوار ومسلمين بالواقع وغاسلين أيديهم من مشاكله ومنتظرين القرار من الخارج. لا بل إن بعضه قد قرر أن هذا الشعب لا يجب أن يعيش مع بعضه البعض. ففي ظل كل هذا الواقع الذي أسمته الأستاذة طفيلي بالحقيقة، تتجتمعون اليوم وتصرون بأن تكملوا الطريق وأن تبدعوا لأنكم موجودون حقا. ”
وختم : “ولا أبالغ ولا أجامل إن قلت أنه يتعين على كل شخص منكم أن يلتفت لنفسه وأن يأخذ في الاعتبار أنه مدرسة بكل ما للكلمة من معنى، مدرسة للوزير ولمن هو أهم منه أو أدنى أهمية منه.عيدكم مبارك ومعرض مبارك وإلى مزيد والله يحميكم”.
بعد ذلك، جال وزير الثقافة والحاضرون في أرجاء المعرض المتضمن لوحات تشكيلية لما يقارب ال 200 فنانة وفنان عدا الهواة المشاركين.