كتب منير الربيع في “المدن”: لن يوقف رئيس الجمهورية ميشال عون معركته حول التدقيق الجنائي. أو الأحرى معركة إطاحته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت.
ثارات عون المتجددة
ويخوض عون هذه المعركة بمفعول رجعي، لتحقيق هدف لم يتمكن من تحقيقه في السنوات الماضية. فحالياً هو يقبض على مفتاح تشكيل الحكومة، للحصول على ضمانة الإطاحة بالموظفَين الكبيرين.
والفريق القانوني المحيط به يعمل على إعداد دراسة قانونية تفرض محاكمة سلامة. وتستند الدراسة على مواد قانونية تجيز محاكمة حاكم المصرف المركزي وإسقاط أي حصانة عنه.
ويوم أعلنت شركة التدقيق المالي الجنائي عن انسحابها من لبنان، غضب عون وقال أمام بعض مستشاريه إنه يجب توقيف رياض سلامة فوراً، ولا بد من توقيفه في المطار لدى عودته من فرنسا، التي ذهب إليها للمشاركة في لقاء مع المصرف المركزي الفرنسي.
وقيل لعون إن مثل هذه الخطوة لا يمكن أن تحصل. فقرار التوقيف يحتاج إلى استنابة قضائية، وهي غير متوفرة، ولا يمكن إصدارها بهذا الشكل. ولذلك شرع بالمطالبة بإعداد الدراسة القانونية اللازمة.
في مقابل معركته المفتوحة هذه، هناك من يقترح حلّاً على الطريقة اللبنانية: توفير مخرج آمن لسلامة لترك منصبه، وربما مغادرة البلاد. ولكن، حتى الآن، الظروف الدولية غير متوفرة لهذا المخرج.
معركة عون ضد أميركا
ويحمّل عون الأميركيين مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة. ويعتبر أن الحريري يستند على الشروط الأميركية ويستقوي بالمبادرة الفرنسية، لفرض شروطه. لكن هذه الشروط بالنسبة لعون لن تمر.
كذلك يعتبر أن الأميركيين هم الذين يوفرون الحماية لرياض سلامة. وفي بعض الكواليس تضج أقاويل عن أن شركة التدقيق المحاسبي قررت المغادرة بإلحاح من ضغوط أميركية، بعد توصيات أميركية لحاكم المصرف المركزي، تقترح عليه كيفية التعاطي مع الشركة.
ويقال أكثر من ذلك: ممارسات سلامة المالية تحصل بتوجيهات أميركية، لجهة عدم الإفصاح عن الموجودات الدولارية الحقيقية لدى مصرف لبنان. لذا، يرى عون أنه يخوض معركته ضد الأميركيين. وقد أصبحت حتمية بعد فرض العقوبات على صهره جبران باسيل.
وستتخذ المعركة العونية هذه أشكالاً متعددة: رفع سقف الشروط حول عملية تشكيل الحكومة، لتحصيل المزيد من التنازلات من الحريري. ورفع سقف شروط التفاوض على ترسيم الحدود، بطرح ملف الترسيم البري مستقبلاً وتلازمه مع البحري، ووجوب معالجة النقاط البرية التي لا تزال عالقة.
وأضيف إلى ذلك مجدداً معركة قانون الانتخابات. وهذا ما يدفع عون إلى مواجهة القوى السياسية كلها. حكومياً، المعركة بين عون والحريري، ولا يمكن استثناء الثنائي الشيعي منها. فعون كان في الأساس يريد وزارة المالية.
ومعركة قانون الانتخابات ستنعكس على علاقة عون برئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي يطالب بلبنان دائرة واحدة، مع نسبية خارج القيد الطائفي. بينما يرفض عون تغيير القانون الحالي.
تعويل دولي على الانتخابات
على وقع هذه المعارك العونية التي تتيح للقوى السياسية تصفية الحسابات في ما بينها، وتحقيقها مزيداً من المكتسبات، تستمر النظرة الدولية التشاؤمية تجاه هذه القوى كلها، الفاقدة لأي مسؤولية أخلاقية حيال الانهيار المستمر.
وهذا يضاعف عدم استعداد أي جهة دولية لتقديم مساعدات جدية وحقيقية للبنان. والقوى الدولية تعوّل كثيراً على أن تفعّل الثورة نشاطها، وتستعد للتحضير للانتخابات النيابية المقبلة. وتنقل مصادر ديبلوماسية أن التوجه الدولي متشدد في ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها. ولا بد للقوى الثورية أن تعبر عن تطلعاتها في إيصال أشخاص جدد إلى السلطة.
ولا تنظر العين الدولية إيجاباً إلى المسار اللبناني الحالي. هناك وضوح في الرؤية لجهة استمرار الانهيار، وانعدام أي دعم أو أي سياسة رادعة لهذا الانهيار. وسيبقى الملف اللبناني الداخلي معلّقاً لمدة طويلة، فيما تستمر الملفات الخارجية، كمفاوضات ترسيم الحدود، التي لا بد أن تخرج باتفاق معين في الأشهر المقبلة.
وتبقى الجهود منصبة على الحفاظ على الاستقرار، وعدم تحويل لبنان ساحة صراع أمني أو عسكري.