كتبت صحيفة “النهار” تقول: لم يكن الانحسار الموقت للمواجهات السياسية حيال مختلف محاور الازمات المتصاعدة سياسيا او قضائيا او اقتصاديا سوى انعكاس لبلوغ سقف العجز الداخلي عن التعامل مع تداعيات الازمات حدودا بعيدة للغاية بات معها الاهتراء السياسي المسبب الأساسي لسقوط الرهانات الداخلية والخارجية على نهاية قريبة لازمة الشغور الرئاسي. ثم ان التطورات المالية والاجتماعية تتقدم بقوة مقلقة على مجمل الأولويات وسط استعدادات لدى مختلف القطاعات لعودة التعبير الاحتجاجي الى الشارع بعدما ثبت سقوط أي رهان على معالجات احتوائية للتداعيات المدمرة لانهيار الليرة وفلتان الأسواق المالية واستشراء الفوضى التي تتأتى عن خضوع السلطة وتواطئها مع الكارتيلات التي تتحكم بحياة المواطنين وعيشهم ونظام خدماتهم. وفي ظل هذا الواقع “حجبت” في مطلع الأسبوع الازمة القضائية التي ظلت تعتمل في كواليس العدلية بعيدا عن الاعلام، ويبدو ان ثمة عدم استعجال في تحديد موعد جديد لاجتماع مجلس القضاء الأعلى الذي يقول مطلعون على ما احدثته الازمة الأخيرة بين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار انه يتريث اكثر فاكثر في الانعقاد لئلا يتكرس الانقسام داخله ويتلقى ضربة قاصمة تشرذمه. كما ان جلسة مجلس الوزراء التي كان رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي يعتزم الدعوة اليها هذا الأسبوع انما جاء قرار ارجائها بسبب عدم توافر الموافقات السياسية اللازمة لتامين نصابها بعدما بدا ان “حزب الله” ليس متحمسا لتوفير الغطاء لها اقله حتى الان. واما موعد الجلسة الثانية عشرة لانتخاب رئيس الجمهورية فيبدو انه لن يكون قريبا ويرجح عدم توجيه رئيس مجلس النواب نبيه بري الدعوة اليها هذا الأسبوع، بما يعكس اتساع الازمة والمأزق في ظل الحملة التصاعدية لنواب الكتل المعارضة من اجل المطالبة الضاغطة بجعل الجلسات الانتخابية مفتوحة، كما ان الضغط لمنع انعقاد جلسات تشريعية زاد التوتر بين هذه الكتل ورئيس المجلس وحلفائه. حتى ان التحرك الذي يقوم به رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لا يبدو انه حرك ساكنا لدى فريق 8 اذار في ظل ما ينقل عن الثنائي “حركة امل” و”حزب الله” من تحفظهما عما يطرحه جنبلاط بعدما ارجىء لقاء كان مقررا بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة عصر الاحد الى عصر اليوم بسبب وعكة المت بجنبلاط.
وقد بات “ميزان القوى” البرلماني اذا صح التعبير يتسم بتوازن حاد وسلبي يمنع في ظله أي فريق من الطغيان على اخر، الامر الذي يرسم اطارا صراعيا شديد الهشاشة في مسار الازمة الرئاسية ويحول دون أي أوهام بقدرة أي فريق على تمرير “مرشحه” ما لم يجر توافق متجدد عام وواسع على معايير مختلفة لانهاء الازمة الرئاسية بلا مغامرات استفزازية لان الجميع في الخارج والداخل يجمعون على ان ما تحقق في الفراغ والضغوط لانتخاب الرئيس السابق ميشال عون قد سقط الى غير رجعة ولن يكون واردا هذه المرة الرضوخ لعامل الضغط بالوقت مهما طال امد الفراغ اذا كان هذا هدف الفريق المعطل الذي يحاول استعادة التجربة مجددا.
الاحتواء المالي
في ظل هذا المناخ عاد العامل المالي والاجتماعي الى واجهة المشهد الداخلي بدءا بالعمل على احتواء سعر الدولار وتبريد الحمى التي يتسبب بها . ولكن اجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان امس لم يخرج بأي قرارات تتعلق بضبط سعر صرف الدولار، على الرغم من أن هذا الموضوع أخذ حيزا كبيرا من النقاش في الاجتماع. ووفق معلومات “النهار” كان ثمة اجماع على ضرورة تدخل “المركزي” في ضبط سعر الصرف شرط تدخل الأجهزة الأمنية والقضائية كافة لضبط وتوقيف المضاربين على الليرة في الأسواق. وأكدت مصادر المجتمعين أن نية “المركزي” في التدخل جدية، خصوصا وأنه قادر على التدخل أقله بنحو 500 مليون دولار، وهو مبلغ بإمكانه سحب نحو 35% من النقد بالتداول.
وأكدت مصادر متابعة أن “الاهم هو ما حصل في الاجتماع الأخير الذي عقد في السرايا نهاية الاسبوع الماضي في حضور حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المال يوسف الخليل، إذ كان تركيز من الحاكم على أنه لكي يكون تدخل “المركزي” مجديا وفعالا يجب تنظيف السوق من المضاربين. وفعلا ترجم ما اتفق عليه في الاجتماع المذكور بتوجيه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات كتابا الى النائب العام المالي القاضي علي إبرهيم، طلب فيه تسطير استنابات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافة (قوى الأمن الداخلي- الأمن العام – أمن الدولة -جمارك -مخابرات الجيش) بغية إجراء التعقّبات والتحقيقات الأولية ، والعمل على توقيف الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبّب بإنهيارها، واقتيادهم مخفورين إلى دائرة النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى القانوني وإفادته بالنتيجة بالسرعة الممكنة. وأكدت المصادر أنه سيستتبع الاجراءات القضائية بقرارات نقدية من المصرف المركزي تساهم في وقف تدهور سعر صرف الدولار.
أما الإجراء الذي صدر عن المجلس المركزي امس فيتعلق بتمديد صلاحية التعميم 161 المتعلق بالإجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية، حتى نهاية شهر شباط المقبل. وهذا التعميم يجيز للمواطنين السحب من حساباتهم المصرفية بالدولار على أساس منصة صيرفة. وفيما أبقى المجلس سعر الدولار المعتمد حاليا على “صيرفة” عند 38 ألف ليرة للدولار، أكدت مصادر “المركزي” ان ثمة نية لرفع سعر صيرفة أول الشهر المقبل، ويمكن أن يصل الى حدود الـ 45 ألف ليرة.
وبالنسبة الى سعر الصرف الجديد في منصة صيرفة وغيره من المواضيع النقدية فستكون موضع نقاش اجتماع المجلس المركزي، غدا الاربعاء.
وفي ما يتعلق بالاشخاص الذين اودعوا اموالهم في بعض المصارف للافادة من صيرفة ولم يتمكنوا من قبض دولارتهم حتى اليوم، بحجة أن مصرف لبنان لم يزود المصارف الدولارات، اكدت المصادر أنه ستتم معالجة الموضوع خلال هذا الاسبوع.
موجة إضرابات
على الصعيد الاجتماعي وفي ما يبدو طليعة تصعيد لحركة إضرابات واحتجاجات واسعة جديدة، اعلن الاتحاد العمالي العام ان يوم 8 شباط المقبل سيكون يوم اضراب قطاعات النقل في كل المناطق . ووسط استمرار اضراب موظفي القطاع العام ومعلمي التعليم الرسمي منذ أسابيع، اعلنت نقابة المعلمين الإضراب التحذيري الشامل في جميع المؤسسات التربوية الخاصة يوم غد الأربعاء على أن يجتمع المجلس التنفيذي لاتخاذ الخطوات التصعيدية المناسبة، في حال لم يلمس التجاوب المطلوب من إدارات المؤسسات بتنفيذ بنود الاتفاق الذي خلص إليه الاجتماع الأخير بين النقابة والاتحاد، ودعت النقابة الاتحاد العمالي العام وجميع النقابات العمالية ونقابات المهن الحرة والاتحادات والتجمعات إلى المشاركة في الإضراب وإعلان يوم الأربعاء 1 شباط يوم إضراب عام “من أجل رفع الصوت والتعبير عن الظروف المعيشية الضاغطة التي يعيشها جميع المواطنين ودعوة المعنيين في المؤسسات الدستورية إلى تحمل مسؤولياتهم بانتخاب رئيس للجمهورية ومواجهة التحديات المعيشية بخطوات ملموسة وجدية وعبر خطة إنقاذ سريعة وواضحة المعالم”.
وفي اطار المقاربات النيابية للوضع الاقتصادي، عقدت لجنة المال والموازنة جلسة لدرس اقتراح قانون اطار لاعادة التوازن للانتظام المالي في لبنان. واوضح رئيس اللجنة ابرهيم كنعان ان اللجنة طلبت من الحكومة “أرقاماً رسمية خطية لا شفهية لنتمكن من معالجة الفجوة المالية قبل تحديد اسبابها وكيف ستتوزع الخسائر والمسؤوليات.و دعونا لجنة الرقابة على المصارف ونكرر دعوة وزيري المال والاقتصاد الى جلسة الاربعاء اذ لا يمكننا الاكمال هكذا ونطالب الرئيس ميقاتي بالايعاز لوزرائه والادارات التجاوب مع مجلس النواب”. وقال “حتى لا يتحول قانون استعادة التوازن الى “سمك بالبحر” و”يبلف الناس” نصارح اللبنانيين ونتعاطى بجدية لان مصرف لبنان والمصارف والدولة مسؤولون للقول ما هي الموجودات وماذا بقي من اموال المودعين وكيف ستعالج الأمور”.