في خطابه أمام وفد من مصلحة الأطباء في حزب القوات اللبنانية، ذكر رئيس الحزب سمير جعجع “أن لبنان بحاجة إلى روح مقاومة، كالتي كانت بين 1975 و1990″، لأن البلد كما قال “يتعرض مرة جديدة، ولو من جهة مختلفة، إلى السيطرة عليه من قبل محور المقاومة”. أي مقاومة يقصدها جعجع؟ وهل يمكن أن تكون مواجهة السيطرة على البلد، بحمل السلاح مرة جديدة على غرار ما حدث في الحرب اللبنانية المشؤومة؟
تشرح مصادر سياسية رفيعة في حزب القوات اللبنانية، أنه بات واضحاً بالنسبة إلى اللبنانيين أن تحالف (عون – حزب الله) مصمم على الاستمرار في الإمساك بالسلطة السياسية والمُضي بالسياسات المعتمدة سابقاً، على الرغم من انعكاس ذلك على لبنان كدولة واللبنانيين كأفراد.
معضلة تشكيل الحكومة
آخر فصول وضع اليد على السلطة ومؤسساتها من قِبل محور الممانعة، يتجلى حسب المصادر بشكل واضح في عملية “تشكيل الحكومة الحالية”، فرغم مرور ثلاثة أشهر على استقالة حكومة دياب، وما تخللها من مبادرة فرنسية وضغوط مارسها ولا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً، وكذلك محاولات حثيثة من قِبل الأمم المتحدة وممثل الأمين العام في لبنان يان كوبيتش، فإن الحكومة لم تتشكّل، لأن رئيس الجمهورية وفريقه السياسي وحزب الله، لا يزالون يتصرفون وفق المنطلقات نفسها، التي اعتُمدت في تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ بداية العهد حتى اليوم.
فمن جهة، لا يريد حزب الله أن يخسر حلفاءه، بالتالي فقدان الأكثرية الحالية، حتى لو اضطر إلى تغطية الفساد المتهم به التيار الوطني الحر، الذي كان آخر فضائحه الاتهامات المدعمة بالوثائق التي كشفها المدير العام لإدارة المناقصات جان العلية، عن صفقات الكهرباء والبواخر في عهد الوزير السابق سيزار أبي خليل وما بعده.
وعلى قاعدة “غطيلي لأغطيلك”، عمل حزب الله في المقابل على قضم السلطة، ووضع اليد على كل مواقع القرار فيها. وآخر معاركه، حسب ما ذكرت المصادر، كانت على مركز مدير المخابرات في الجيش اللبناني، إذ لم يتمكّن قائد الجيش العماد جوزف عون من التمديد للحالي.
هذا الواقع المرير الذي انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن اللبناني، دفع وفق المصادر القواتية، بسمير جعجع إلى طرح الأمور كما هي على حقيقتها، توصلاً إلى استنهاض الرأي العام المسيحي واللبناني معاً، لتأمين الصمود وعدم ترك لبنان، على الرغم من كل الصعوبات والمآسي التي يعيشها حالياً.
مقاومة بالأساليب السلمية
يتحدث كثيرون عن تحضير حزب الله وطناً بديلاً عن الحالي، والمقاومة التي تحدث عنها جعجع هي لمواجهة هذه المحاولة. وهو لهذا الهدف بالذات، أعاد الرأي العام بالذاكرة إلى 1975، ففي تلك المرحلة لم يكن اللبنانيون ليصمدوا لو لم يتكشف أمامهم مخطط قيام دولة بديلة عن الدولة اللبنانية.
ويعترف الدعاة إلى المقاومة حالياً أن الأساليب هذه المرة ستختلف، فإذا كانت في بدايات الحرب عسكرية فهي اليوم اقتصادية سياسية. “المقاومة مسار” تقول المصادر المقربة من جعجع، هي بدأت فعلياً في 17 تشرين ومستمرة تماماً كما 1975 حيث لم تنته بشهرين، بل استمرت 7 سنوات.
وتضيف، قرار مقاومة محور المقاومة الحالي اتخذ، وكل الأفكار مطروحة بما فيها العصيان المدني الذي تحدث عنه وزير الإعلام السابق ملحم رياشي، حتى التظاهرات قد تعود، لكن في الوقت المناسب لتحقيق الهدف المرجو منها.
وحسب مصادر سياسية معارضة، فإن استنهاض الرأي العام اللبناني في وجه محور المقاومة سائر في الاتجاه الصحيح، حتى تتوافر الفرصة السياسية الملائمة، التي قد تكون إما بتشكيل الحكومة المستقلة، وإما بالانتخابات النيابية المقبلة.
مبادرة مدنية تتحضر لاسترداد الدولة
في موازاة المعارضة الحزبية، وعملها الدؤوب في صفوف قواعدها وبين الرأي العام المعارض الرافض الواقع الحالي، تعمل قوى مدنية في صمت على تدشين تجمع معارض موحد تحت مسمى “القوى المجتمعية الحية”. ويكشف مصدر من صفوفها، رفض ذكر اسمه، أن القوى المتمثلة في النقابات والاتحادات العمالية والهيئات الاقتصادية والجامعات، التي شُتتت في المرحلة السابقة من قِبل السلطة الحاكمة، عبر تطويع قرارها وإجهاض محاولات المعارضة فيها، تعمل على تشكيل ائتلاف وطني جدي بالتعاون مع مجموعات انبثقت من ثورة 17 تشرين. والفكرة الأساسية التي تلتقي حولها كل هذه القوى هي “استرداد الدولة”.
يؤكد المصدر عينه لـ”اندبندنت عربية” أن تجمعاً وطنياً مدنياً يتحضر للإعلان عن نفسه قريباً، وهو حصيلة عمل متواصل واجتماعات مكثفة جرت في الأشهر الماضية. مشيراً إلى أن التصور الأولي له بدأ يتبلور، وموضحاً أن الباكورة كانت من طرابلس في اجتماع عقد في بيروت استضافته نقابة المحامين في الشمال بدعوة منها لنقابات المهن الحرة.
ويلخص المصدر مطالب التجمع الوطني المدني بواحد أساس هو “استرداد الدولة”، الذي قد تتفرع عنه خريطة طريق لخطوات أخرى توصل إلى الهدف الأساس، ويؤكد أنه لا نية لديهم لإقصاء أحد، لا سيما الأحزاب الموجودة في السلطة، لكن مطلبهم سيكون بدعوتها إلى “الاستراحة فترة”، تكون الفترة الانتقالية التي ستسبق الانتخابات النيابية.
التجمع الوطني المدني
“استرجاع الدولة وإعادة تكوين السلطة بمسار سلمي ديمقراطي لا عنفي”، هذا ما يسعى إليه التجمع الوطني المدني الذي سيعلن مبادرته، وفق المصادر خلال أيام قليلة، وأولى الطرق الكفيلة بتحقيق هدفه ستكون المطالبة بـ”تطبيق مندرجات الدستور”، التي ستكون مهمة الحكومة المستقلة التي يجب تشكيلها. في جدول مطالب العودة إلى تطبيق الدستور، وإنشاء مجلس الشيوخ في خطوة من شأنها معالجة الهواجس الطائفية، يليها العمل على تشكيل مجلس نيابي خارج القيد الطائفي، من دون إسقاط المهمات الإصلاحية التي على الحكومة الجديدة المباشرة بها فوراً.
وخطة التجمع المدني الوطني تقوم على إعطاء البلد فترة سماح تمتد ستة أشهر تكون مخصصة لوضع شبكة أمان اجتماعية، يصار خلالها إلى استخدام المساعدات الدولية، التي لن تمنح إلا لحكومة مستقلة، في إعادة تنظيم وبناء القطاعات الأساسية المهترئة في البلد، التي هي سبب الهدر. والقوى الحية الاجتماعية ستلتقي معاً على هذه المبادرة، وستقول للسياسيين نعترف بشرعية وجودكم بقوة الدستور مقابل اعترافكم بشرعيتنا التمثيلية.
الاتكال على النقابات
لكن، كيف يمكن لنقابات واتحادات ممسوكة من الأحزاب أن تقود مقاومة في وجه السلطة الحالية المحكومة من هذه الأحزاب؟ بحسب أحد العاملين على التجمع الوطني المدني، تشهد نقابات المهن الحرة حالياً دينامية ونقاشاً جدياً، يتمحور حول مسؤوليتها في الحد من انهيار البلد.
وخطة العمل في المواجهة لا تستثني الدعوات إلى الشارع مجدداً، من دون أن يعني ذلك أن المعنيين لا يضعون في حساباتهم سيناريو فرط النقابات، الذي قد تلجأ إليه السلطة وأحزابها، بهدف لجم تحركها. ويسرع المصدر نفسه داخل التجمع الوطني إلى القول: “عندها مسار استرداد الدولة وتحريرها سيكون أسرع وأفعل”.
هل يلتقي التجمع المدني مع الأحزاب المعارضة؟
في مقلب القوات اللبنانية التي تتواصل بشكل دوري مع مجموعات من ثورة 17 تشرين، ترقب لمدى جدية الحراك المدني النقابي الجامع والاستعداد للتعاون. تقول القوات اللبنانية نحن في انتظار ما سيصدر عن هذا التجمع ليبنى على الشيء مقتضاه، ونحن مستعدون للتعاون والمساعدة حتى النهاية، لكن حتى الآن لم نطلع على أي خطة واضحة، بل هناك أفكار عامة بحاجة إلى المتابعة.
أما التجمع المدني فيرى أن حراكهم سيتقاطع في النهاية مع الأحزاب المعارضة الحالية، لا سيما الأحزاب التي تلتقي معهم على فكرة استرداد الدولة. وهناك إمكانية لإنقاذ البلد، عبر مقاومة حقيقية، تضم القوى المعارضة على مختلف أشكالها، لكن ذلك يحتاج إلى حكمة وهدوء واستراتيجية وتعاضد.